ما معنى الحديث (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) ؟
بتاريخ : 25-08-2015 الساعة : 07:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ
جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرّب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )
فما معنى ( إذا ذكرني في نفسه ) ؟
وإذا كان المقصود هو أن يذكر الله تعالى في داخِل نفسه مِن غير أن يتحدّث
فهل له أجر هذا الذِّكر وهو لم يُحرِّك شفتيه ؟
أم أنَّ الفضل سيكون محصرًا في أن الله جلَّ جلاله يذكره في نفسه ؟
وما هو هذا الذِّكر المقصود في الحديث ؟
مفهوم ذِكْر الله أعمّ مِن مُجرّد الذِّكْر باللسان .
وجاء هذا عن السلف في تفسير قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) .
قال سعيد بن جبير : اذْكُروني بِطاعتي أذْكُرْكم بِمغفرتي .
وقال الحسن البصري : اذكروني فيما افْتَرَضْت عليكم أذْكُرْكم فيما أوْجَبْت لكم على نفسي .
ومجالِس الذِّكْر أعمّ مِن أن تكون مجالس التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير .
قال عطاء : مَجالس الذِّكْر هي مَجالس الحلال والحرام ؛ كيف تشترى ، وتبيع ، وتُصَلّي ، وتصوم ، وتَنْكِح وتُطَلِّق ، وتَحُجّ ، وأشباه هذا .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
كل ما تكلّم به اللسان وتصوّره القلب مما يُقرِّب إلى الله مِن تعلّم علم وتعليمه وأمر بمعروف ونهي عن منكر ؛ فهو من ذكر الله .
ولهذا مَن اشتغل بِطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض ، أو جلس مَجْلسا يَتفقَّه أو يُفقِّه فيه الفِقه الذي سَمَّاه الله ورسوله فِقْها ؛ فهذا أيضا مِن أفضل ذِكر الله . اهـ .
ويَشمل " ذَكَرَني في نفسه " : القول باللسان ، والذِّكر بالقلب ، والعمل بالجوارح .
فالقول باللسان يُشترط فيه تحريك اللسان ، سواء كان بالذِّكْر أو بالدعاء أو قراءة القرآن .
والذِّكْر بالقلب تعظيما وخوفا ورهبة وإجلالا لله عزَّ وجَلّ .
والعمل بالجوارح طاعة وانقيادا لله تبارك وتعالى .
وأعظَم الذِّكْر : ذِكْر الله عند أمْره امتثالا ، وعند نَهْيِه توقّفا وانتهاء
قال عمر رضي الله عنه : أفضل مِن ذِكْر الله باللسان : ذِكْر الله عند أمْره ونَهْيِه .
وقال بلال بن سعد : الذِّكْر ذِكْرَان : ذِكر الله باللسان حَسن جميل ، وذِكْر العبدِ اللهَ عندما أحلّ وحَرَّم أفضل .
وقال ميمون بن مِهران : الذِّكْر ذِكْرَان : ذِكر الله باللسان حَسن ، وأفضل من ذلك أن يَذكر اللهَ العبدُ عند المعصية ، فيُمْسك عنها .
قال القرطبي : الذِّكر النافع هو مع العِلم وإقبال القلب وتَفرّغه إلاّ مِن الله . وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رُتبة أخرى . اهـ .
وقال ابن القيم :
والذِّكر نوعان :
أحدهما : ذِكْر أسماء الرب وصفاته والثناء عليه، وتَنْزِيهه وتقديسه عمّا لا يليق به ...
النوع الثاني مِن الذِّكر : ذِْكر أمْره ونَهيه وأحَكْامه .
وهو أيضا نوعان :
أحدهما : ذِكْره بذلك إخبارًا عنه ؛ أمَر بكذا ، ونَهى عنه كذا ، وأحب كذا ، وسخط كذا ، ورضي كذا .
والثاني : ذِكْره عند أمْرِه فيُبادر إليه ، وعند نَهْيه فيَهرب منه ، فَذِكْر أمْره ونهيه شيء ، وذِكْره عند أمْره ونَهيه شيء آخر .
فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكِر فَذِكْره أفضل الذِّكْر وأجلّه وأعظمه . اهـ .