منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسم أراشيف الفتاوى المكررة (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=42)
-   -   ندعو على مَن ظَلَمنا ، ولكن لا نرى أثرا لِدعائنا (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13692)

نسمات الفجر 18-09-2015 02:37 PM

ندعو على مَن ظَلَمنا ، ولكن لا نرى أثرا لِدعائنا
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير فضيلة الشيخ الكريم
لماذا يا شيخ الناس الطيبون والمؤمنون يعيشون حياة قاسية وصعبة ويتعرضون للأذى ، والناس الشريرون حياتهم سهلة ؟
أقاربنا يا فضيلة الشيخ يؤذوننا ويؤذون والدتيوخالاتي ، ويعيشون حياة مرفهة ونحن العكس وندعو عليهم لأنهم يظلموننا ويؤذوننا كثيرًا ولكن لم ينتقم منهم الله لماذا يا شيخنا بارك الله فيكم

http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك .

أولا : الدنيا دار ابتلاء واختبار ، ومِن الابتلاء : ابتلاء الأخيار بالأشرار ، كما ابْتُلِي آدمَ بإبليس .
وربّما كان هذا الابتلاء مما تُغفر به الذنوب ، وتُكفّر به السيئات ، وتُرْفَع به الدَّرَجات في الآخرة إذا صَبَر واحتسب الأجر مِن الله ، ولم يُكثر الشكوى ، ولم يتسخّط .

ثانيا : ربما سُلِّط الأشرار على الأخيار بِسبب ذنوبهم ، وكان السَّلَف يَرَون أن تسليط الأشرار عليهم إنما هو بسبب ذنوبهم .

ولذلك : لَمَّا أغلظ رجل في القول للإمام وَكِيع بن الجرّاح دخل وَكِيعٌ بيتًا فَعَفَّر وَجهه ، ثم خرج إلى الرجل . فقال : زِدْ وَكِيعا بِذَنْبِه ، فَلَوْلاه ما سُلِّطت عليه .
أي لولا ذنوبي لَمَا سُلّطت عليّ تُغلظ لي القول .

ولَمَّا استطال رجل على أبي معاوية الأسود ، فقال له رجل كان عنده : مه ! فقال أبو معاوية : دعه يَشْتَفِي ، ثم قال : اللهم اغفر الذّنب الذي سَلَّطت عليّ به هذا .

ثالثا : عَلينا أن ننظر إلى ذنوبنا ، ونَعْرِف ما يترتّب عليها مِن آثار ، دون تزكية لنفوسنا بالطِّيبة والسلامة مِن الذنوب ، فإنه ما مِن أحدٍ يَخلو مِن ذنوب .
قال الله عَزّ وَجَلّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) .
وقال تبارك وتعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) .

رابعا : لا يُستجاب للظَّالِم ، وربما كان المظلوم هو الظَّالِم دون أن يشعر بذلك ، وذلك إذا استوفى حقّه مِن الظِّالِم وزاد عليه ، فالذي يَقَع في عِرْض مَن ظَلَمه ، ويَتكلَّم فيه ، ويَشتمه في كل مجلس ، ويدعو عليه ، قد يكون اسْتَوْفَى حقَّه وزيادة ؛ فيكون حينئذ ظالِمًا ، وليس مظلوما .

وهذا كثير ومُشاهَد : فكثير مِن الناس إذا ظُلِم لم يَكن له هَمّ إلاّ الكلام فيمن ظَلَمه ، والوَقِيعة فيه ، وسَبّه وشَتْمه ، وربما لو تَمَكَّن مِن الاقتصاص منه في مال أو غيره ؛ لاقْتَصّ منه ، متأوِّلاً أنه يأخذ حقّه ممن ظَلَمه !
فَيَنْقَلِب الْمَظْلُوم ظَالِمًا ، وهو لا يشعر .

وربما اشْتَدّ الاعتداء مِن المظلوم حتى يَقَع في الكفر هو لا يشعر .
فإذا دعا المظلوم على الظالِم مثلا : بالخلود في النار والتأبيد فيها ، فإن هذا الدعاء كُفر ، كما بيّنه الإمام القرافي ، فإنه قال عن قَاعِدَةِ مَا هُوَ مِنْ الدُّعَاءِ كُفْر :
القسم الثاني : أن يَطلب الداعي مِن الله تعالى ثبوت ما دلّ القاطع السمعي على نَفْيِه وله أمثلة :
الأول : أن يقول : اللهم خَلِّد فلانا المسلم عَدوّي في النار ، ولم يُرِد به سُوء الخاتمة ، وقد أخبر الله تعالى إخبارا قاطعا بأن كُل مُؤمن لا يُخلَّد في النار ولا بُدّ له من الجنة لقوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) ، فيكون هذا الدعاء مُسْتَلزِما لتكذيب خَبر الله تعالى ؛ فيكون كُفرا . اهـ .

وهذا خِلاف الحكمة مِن الابتلاء ، وهي التمحيص والمغفرة ورِفعة الدرجات ، إلاّ أن بعض الناس إذا ابْتُلِي كَفَر .
قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
قال قُطْرب : نِعم العبد الصبار الشكور ، الذي إذا أُعْطِي شكر وإذا ابْتُلِي صبر .
وقال عَون بن عبد الله : فَكَم مِن مُنْعَم عليه غير شاكر ، وكَم مِن مُبْتَلى غير صابر .
وقال قتادة : نِعمَ العبدُ عَبْدٌ إذا ابْتُلِي صَبَر، وإذا أُعْطِي شَكَر .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عَجَبا لأمْر المؤمن ، إن أمْرَه كُله خير ، وليس ذاك لأحدٍ إلاّ للمؤمن ؛ إن أصابته سَرّاء شكر ، فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء ، صَبَر ، فكان خيرا له . رواه مسلم .

قال أحمد بن أبي الحوارى : قلت لِسُفيان بن عُيينة : مَن الزاهد في الدنيا ؟ قال : مَن إذا أُنْعِم عليه شَكَر ، وإذا ابْتُلِي صَبَر ، فقلت : يا أبا محمد ، قد أُنْعِم عليه فَشَكَر ، وإذا ابْتُلِي فَصَبَر ، وَحَبَس النعمة ، كيف يكون زاهدا ؟ فقال : اسكُت ، مَن لَم تَمْنَعه النعماء مِن الشُّكْر ، ولا البَلوى من الصَّبر ، فذلك الزاهد . رواه ابن أبي الدنيا في " الزهد " .

خامسا : قد يُستجاب للمظلوم إذا لم يعتدِ في دعائه ، وليس مِن شَرْط إجابة الدعاء أن يَرى المظلوم الانتقام ممن ظَلَمه ؛ لأن المسلم إذا دَعَا – ولم يتلبّس بشيء مِن موانع إجابة الدعاء – فالاستجابة تكون على ثلاث صُور ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : ما مِن مُسلم يدعو بِدَعوة ليس فيها إثم ، ولا قطيعة رَحِم ، إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تُعَجَّل له دعوته ، وإما أن يَدَّخِرها له في الآخرة ، وإما أن يَصرف عنه مِن السوء مثلَها . رواه الإمام أحمد . وهو حديث صحيح .

فَعلينا أن ندعو الله ، وليس لَنَا أن نُحدد نوع إجابة الدعاء .

وادِّخار وتأجيل الإجابة إلى يوم القيامة خير للعبد مِن استجابة دُعائه على مَن ظَلَمه في الدنيا .

ويوم القيامة يتمنّى الإنسان أن يَجِد حسنة واحدة ، ولو مِن أقرب الناس إليه .

قال ابن مسعود رَضي الله عنه : يُؤخَذ بِيَدِ العَبْد أوْ الأمَة يَوْم القِيَامَة فيُنْصَب على رُؤوس الأوَّلِين والآخِرِين ، ثم يُنادِي مُنَادٍ : هذا فُلان بن فُلان ، مَن كَان لَه حَقّ فَلْيَأتِ إلى حَقِّه ؛ فَتَفْرَح الْمَرْأة أن يَدُور لَهَا الْحَقّ عَلى أبِيهَا ، أوْ عَلى زَوْجِهَا ، أوْ عَلى أخِيهَا ، أوْ على ابْنِهَا ، ثُمّ قَرأ ابنُ مَسْعُود : (فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) .

وسبق :
هذا بِذنْبِي
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2050

وهنا فيديو :
توجيه ونصيحة لِمَن تأخّرت عنه إجابة الدعاء
http://safeshare.tv/w/LauVdjFfZL

وسبق الجواب عن :
كيف نُوفّق بين حديث " إن العبد ليحرم الرزق من ذنب يصيبه " ، وبين التوسيع على العُصاة في الرزق ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10428

لماذا يملك العاصُون والمجاهرون بالمعصية أموالا طائلة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5579

هل الدعاء على الظالم يخفِّف مِن عقوبته ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10958

إذا دعا المظلوم بأكبر مما تعرض له .. هل تستجاب دعوته ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=15202

سؤال عن معنى قولك : (وربما كانت ذنوب المظلوم حِراسة للظالِم) ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9987

هل يأثم والداي بالقطيعة لأن أقاربنا يُسيئون إليهم ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6724

ما حكم قطيعة الرحم في حالة الخوف من مكرهم وكيدهم وحسدهم و من عمل سحر ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=3050

هل يجوز قطع زيارة إخواني بسبب أذاهم وإهانتهم لي ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10040

كيف أعفو عمّن ظلمني ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10051

صديقاتي يغتبن الناس ويقُلْنَ : إنّ السيئة لا تُكتَب إلاّ بعد ساعة
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13084

حكم قول عظم الله أجرك يا وطن
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16379

والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض


الساعة الآن 05:04 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى