العودة   منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية فتاوى الإرشاد قسـم المقـالات والـدروس والخُطب قسم الخُطب المنبرية
منوعات المجموعات مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (فشوِّ المنكر)
قديم بتاريخ : 26-06-2015 الساعة : 08:22 AM

الْحَمدُ للهِ ( يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
أما بعد :

فإنَّ اللهَ جَعَلَ الأمْرَ بِالمعروفِ والنهيَ عنِ المنكرِ : سببَ خيريةِ الأمّةِ وصمّامِ أمَانِها، فَقَالَ : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) فَقَدَّمَ اللهُ ذِكْرَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ ؛ لأهميّـتِهِ وحراستِهِ للإيمانِ ؛ وَلأنَّهُ كُلّما فشَا المنكرُ ضَعُفَ الإيمانُ .

قَالَ قَتَادَةُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي حَجَّةٍ حَجَّهَا وَرَأَى مِنَ النَّاسِ رِعَةً سَيِّئَةً، فَقَرَأَ هَذِهِ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْكِ الأُمَّةِ، فَلْيُؤَدِّ شَرْطَ اللَّهِ مِنْهَا .
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ .
وقَالَ ابنُ كثيرٍ : وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ خَيْرُ الأُمَمِ ، وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ . اهـ .
وإِنَّمَا صَارَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ أُمَّةٍ لأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَكْثَرُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِيهِمْ أَفْشَى . نقَلَهُ القرطبيُّ .
وقَالَ الشيخُ السعديُّ : يَمْدحُ تعالى هذِهِ الأمَّةَ ويُخبِرُ أنّها خيرُ الأمَّمِ التي أخْرَجَها اللهُ للنَّاسِ، وذلِكَ بتكميلِهِم لأنفسِهِم بالإيمانِ المستلْزِمِ للقيامِ بكلِّ ما أمَرَ اللهُ بِهِ، وبتكميلِهِم لغيرِهِم بالأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ المتضمِّنِ دعوةَ الخلقِ إلى اللهِ وجهادَهم على ذلِكَ وبَذْلَ المستطاعِ في رَدِّهِم عَنْ ضلالِهم وغَيِّهم وعصيانِهم، فبِهَذا كانوا خيرَ أمَّةٍ أُخرِجَتْ للنَّاسِ . اهـ .

ولأهميِّةِ الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ اعْتبَرَه بعضُ العلماءِ رُكنا سادِسا مِن أركانِ الإسلام .
ويذكرُه العلماءُ في كُتبِ العقائد .
قال الإمامُ البربهاريُّ في شرحِ السُّنّةِ : والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ واجبٌ، إلاَّ مَن خِفْتَ سَيْفَهُ أوْ عَصَاه . اهـ .
وهو مَحَلُّ إجماعٍ .
قال ابنُ حزمٍ : اتّفَقَتِ الأمةُ كلُّهَا على وُجُوبِ الأَمرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَن الْمُنكر بِلا خلافٍ مِن أحدٍ مِنْهُم . اهـ .

والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ له المكانةُ العَاليةُ في دِينِ الله .
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : وَلِيُّ الأَمْرِ إنَّمَا نُصِّبَ لِيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْوِلايَةِ . اهـ .
بل جَعَلَه اللهُ شَرْطا للتمْكِين ، فقال : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) .
قال ابنُ بطّالٍ : وكان حقًّا على المسلمينَ إقامةُ الحقِّ ونُصرةُ أهله، وإنكارُ المنكرِ والأخذُ على أيديِ أهلِهِ، كَمَا وَصَفَهُم اللهُ تَعَالَى بِقَولِهِ : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ) . اهـ .

وللأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ فوائدُ لا تُحصَى ، مِنْها :
1 – نَيْلُ الخيريةِ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ .
ولا يَزالُ الناسُ بِخيرٍ ما أمَرُوا بِالمعروفِ ونَهَوا عنِ الْمُنكرِ .

2 – أنَّ الأمْرَ بالمعروفِ والنهيِ عَنِ المنكرِ أمانٌ مِنَ الهلاكِ ؛ لِمَا فيه مِنَ الإصلاحِ. قَالَ تَعَالى : (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا ّقَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) ثُمَّ قَالَ بعدَ ذلِكَ : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) .
ولا يَكفي الصلاحُ دونَ الإصلاحِ .
قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رضي الله عنها : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلِمٌ .
قَالَ النوويُّ عنِ الْخَبَثِ : فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ بِالْفُسُوقِ والفجورِ . اهـ .
وقَالَ ابنُ بطّالٍ : يَكُونُ إِهْلاكُ الْجَمِيعِ عِنْدَ ظُهُورِ الْمُنْكَرِ وَالإِعْلانِ بِالْمَعَاصِي . اهـ .

وقال الله عَزّ وَجَلّ عن بني إسرائيل (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) .

وقد قام أبو بكر رضي الله عنه خطيبا ، فَحَمِد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغَيِّرُوه أوْشَك الله أن يَعمّهم بِعقابه . رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

فصاحب المُنْكَر يَخْرِق سفينة المجتمع ، وواجِب على العقلاء زَجْره والأخْذ على يديه ، وقد ضَرَب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا فقال : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ، ولم نُؤذِ مَنْ فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا . رواه البخاري .

3 - أنَّ الأمْرَ بِالمعروفِ والنَّهيَ عَنِ المنكرِ أقوى أسبابِ وِحدَةِ الصفِّ واجتماعِ الكلمةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
قَالَ ابنُ كثيرٍ : يَنْهَى اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ أَنْ تَكُونَ كَالأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ ، وَتَرْكِهِمُ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ . اهـ .

4 - الاقتداءُ بالنبيِّ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ والتأسّي بِهِ والاهتداءُ بِهَدْيهِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عَنِ المنكَرِ .
قَالَ تعالى في صِفَةِ نبيِّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) .

5 - تَكفيرُ السيئاتِ بالأمرِ بالمعروفِ وبالنهيِ عَنِ المنكرِ .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلمٌ .

6 - أنَّ في الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ صلاحَ العبادِ والبِلادِ .
قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : صَلاحُ الْعِبَادِ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ فَإِنَّ صَلاحَ الْمَعَاشِ وَالْعِبَادِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلا يَتِمُّ ذَلِكَ إلاّ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَبِهِ صَارَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .

7 – الاتِّصافُ بِصِفاتِ المؤمنينَ والسلامةُ مِنْ صِفاتِ المنافقينَ . قَالَ تَعَالَى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
وقَالَ عنِ المنافقينَ : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .

8 - أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِن أعظم أسباب الفلاح . قال الله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)


9 - خشيةُ ردِّ الدعاءِ إذا تَرَكَ المسلمُ الأمرَ والنهيَ ، لقولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المنْكَرِ ، أو لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ، وقَالَ : حديثٌ حَسَنٌ . وحسَّنَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلا يُسْتَجَابَ لَكُم . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ ماجَه . وحسّنَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .

10 – حِفْظُ القَدْرِ والهيبةِ .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العُمَرِيُّ : إِنَّ مِنْ غَفْلَتِكَ عَنْ نَفْسِكَ، إِعرَاضَكَ عَنِ اللهِ بِأَنْ تَرَى مَا يُسْخِطُهُ فَتجَاوزَهُ ، وَلاَ تَأْمُرَ وَلاَ تَنهَى خَوْفا مِنَ المَخْلُوْقِ، مَنْ تَرَكَ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ خَوْفَ المَخْلُوْقِيْنَ نُزِعَتْ مِنْهُ الهَيْبَةُ ، فَلَو أَمرَ وَلدَهُ لاَسْتَخَفَّ بِهِ .

كما أنَّ تَرْكَ الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ مُشَابَهَةٌ لليهود
قَالَ ابنُ كثيرٍ : وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ [يعني: بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ] أَشْبَهَ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ : (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) . اهـ .

وتَرْكُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ سببٌ في وقوعِ لَعْنَةِ اللهِ ، كَمَا أخبرَ اللهُ عنْ بني إسرائيلَ بِقولِه : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) .

ومَنْ لمْ يستطِعْ إنكارَ المنكرِ ، فيجِبُ عليه أنْ يُنكرَهُ بِقلبِهِ ويُبغضَ المنكرَ ؛ لقولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا - وَقَالَ مَرَّةً : " أَنْكَرَهَا " - كَمَنْ غَابَ عَنْهَا ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا. رَوَاهُ أبو داودَ، وحسّنَهُ الألبانيُّ .
وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : ستكونُ أمراءُ فتعرِفونَ وتُنْكِرُون ، فمَنَ عَرَفَ بَرِئَ ، ومَنْ أنْكَرَ سَلِمَ ، وَلكنْ مَنْ رَضِيَ وتَابَعَ . رَوَاهُ مسلمٌ .
قال ابنُ عبدِ البر : وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إِنَّمَا تُسْتَوْجَبْ بِفِعْلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ ، وترْكِ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَقَدْ لَزِمَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ كُلَّ مُسْتَطِيعٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) ، وَمَنْ مُكِّنَ فِي الأَرْضِ لَمْ يَضْعُفَ عَنْ ذَلِكَ ، وَمَنْ ضَعُفَ لَزِمَهُ التَّغْيِيرُ بِقَلْبِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ رَضِيَ وَتَابَعَ . اهـ .
وقَالَ القرافيُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا عَلَى الْفَوْرِ ، فَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ . اهـ .
وهذا بِحسَبِ الاستطاعةِ .
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ كَالْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ وَالْعُدْوَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ .. فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَسَتِّرًا بِذَلِكَ ، وَلَيْسَ مُعْلِنًا لَهُ ؛ أُنْكِرَ عَلَيْهِ سِرًّا ، وَسُتِرَ عَلَيْهِ .. إلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ ، وَالْمُتَعَدِّي لا بُدَّ مِنْ كَفِّ عُدْوَانِهِ ... وَأَمَّا إذَا أَظْهَرَ الرَّجُلُ الْمُنْكَرَاتِ وَجَبَ الإِنْكَارُ عَلَيْهِ عَلانِيَةً وَلَمْ يَبْقَ لَهُ غَيْبَةٌ ، وَوَجَبَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلانِيَةً بِمَا يُرْدِعُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ هَجْرٍ وَغَيْرِهِ . اهـ .

عِبادَ اللهِ :
ربَّمَا احتجَّ بعضُ الناسِ بِتَرْكِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ بِضَعفِهِ وتقصيرِهِ، وهذا يَجْمَعُ إلى تقصيرِهِ تقصيرا ، وإلى ذنْبِهِ ذَنْبا .
ويَجِبُ على الإنسانِ أن يُنكِرَ المنكَرَ بِحَسَبِ استطاعتِهِ ، وَلو كَانَ واقِعا في الْمُنكَرِ .
قَالَ سعيدُ بنُ جبيرٍ : لو كَانَ المرءُ لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهى عنِ المنكرِ حتى لا يكونَ فيه شيءٌ مَا أمَرَ أحَدٌ بِمعروفٍ ، ولا نَهى عَنْ منكرٍ .
وقَالَ الحسنُ البصريُّ لمُطرِّفِ بنِ عبدِ اللهِ : عِـظْ أصحابَكَ ، فقَالَ : إنِّي أخافُ أنْ أقولَ ما لا أفعلُ ، قَالَ : يرحمُكَ اللهُ ! وأيُّنا يفعلُ ما يقولُ ؟ ودَّ الشيطانُ أنَّهُ قَدْ ظفِرَ بِهذا فَلَمْ يَأمرْ أحدٌ بِمعروفٍ ، ولم يَنْهَ عَنْ منكرٍ .

ولَو لَمْ يعظِ الناسَ مَنْ هُوَ مُذنِبٌ *** فَمَنْ يَعِظُ العاصينَ بَعْدَ مُـحمدِ
- صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ - .
ونَقَل الغزاليُّ الإجماعَ على أنه لا يُشْتَرطُ في الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ كون الآمِرُ والناهي معصوما عن الصغائرِ والكبائرِ جميعا .

وقَالَ القرطبيُّ : وقَالَ حُذَّاقُ أهلِ العِلِمِ : وليسَ منْ شَرْطِ الناهي أنْ يكونَ سليما عَنْ معصيةٍ ، بَلْ يَنهى العصاةُ بَعضَهُم بَعْضا . وقَالَ بعضُ الأصوليينَ : فَرْضٌ على الذين يتعاطونَ الكؤوسَ أنْ يَنْهَى بعضُهُم بعضا ، واستدلوا بهذِهِ الآيةِ ، قَالَوا لأنَّ قولَهُ : (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) يقتضي اشتراكَهُم في الفِعلِ وذمَّهُم على تَرْكِ التناهي. اهـ .
وقَالَ ابنُ حَجرٍ : ولو كَانَ الآمِرُ مُتَلَبِّسًا بالمعصيةِ ، لأنَّهُ في الجملةِ يُؤجَرُ على الأمْرِ بالمعروفِ ، ولا سيما إنْ كَانَ مُطاعا ، وأمَّا إثمُه الخاصُ بِهِ فقدْ يغفِرُهُ اللهُ لهُ ، وَقَدْ يؤاخِذُهُ بِهِ . اهـ .

أيُّها الكِرامُ :
ما مِنْ أمَّةٍ إلاّ وُجِدَ فيها مِنَ السُّفهاءِ مَنْ يَسْعَى إلى ما فيه هلاكُها
وَقَدْ أخْبَرَ اللهُ عزَّ وَجَلّ عنْ بني إسرائيلَ أنَّهم انقسموا أمامَ أمْرِ اللهِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ ؛ فَقِسْمٌ ارتكَبَ المنكرَ وخالَفَ أمْرَ اللهِ ، وقِسْمٌ أمَرَ ونَهَى ووعَظَ وذكّرَ ، وقِسْمٌ وقَفَ مَوقِفا سلبيا ، وَهُوَ مَوقِفُ المتفرِّجِ .
قَالَ اللهُ عزَّ وَجَلّ : (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالَوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) ، وكانتِ العاقبةُ أنْ كَتَبَ اللهُ عليهِم الذُلَّ والهوانَ والصَّغَارَ إلى يومِ القيامةِ ، فقَالَ عَقِبَ ذلِكَ : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) .

ويَسْعَى السُّفهاءُ إلى خَرْقِ سفينةِ الْمُجتمعِ ، تارةً بِحُجّةِ الإصلاحِ : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالَوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) ، وهُمْ (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) . وتارةً أخْرى بِحُجّةِ الحريَّةِ الشخصيةِ !
فإن تُرِكُوا وما أرَادُوا غَرِقَتْ سفينةُ المجتمعِ ، ونَدِمَ الجميعُ حِينَ لا يَنفعُ النَّدمُ .
وقد ضَرَبَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ لذلِكَ مثلا فقَالَ : مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالَوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا ، وَنَجَوْا جَمِيعًا . رَوَاهُ البخاري .
قَالَ المهلَّبُ: وفي هذا الحديثِ : تعذيبُ العامةِ بذنوبِ الخاصَّةِ ، وفيه : استحقاقُ العقوبةِ بِترْكِ الأمْرِ بِالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المنكرِ . اهـ .

وقدْ حذَّرَ اللهُ مِنْ عقوباتِ المخالفاتِ ، وبيَّنَ أنَّها لا تَخْتَصُّ بأصْحَابِها إذا فَشَا المنكرُ ، فقَالَ عزَّ وَجَلّ : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
خطَبَ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فقَالَ : يا أيُّها الناسُ إنَّكُم تَقرؤون هذهِ الآيةَ ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا اللهُ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ والنسائيُّ في الكبرى وابنُ ماجه .
وضابِطُ ذلِكَ أنْ تَغلُبَ القِلّةُ الكثرةَ ، وَيَغلُبَ السفهاءُ الحلماءَ ، ويُقرَّ الناسُ المنكرَ ويَسْتَمْرِئوه ولا يُنكروه .
قَالَ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ، لَمْ يُغَيِّرُوهُ إِلاّ عَمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ وابنُ ماجه ، وهو حديثٌ صحيحٌ .
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : كَانَ يُقَالُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ ، وَلَكِنْ إِذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ .

أيُّها المؤمنونَ :
بالمنكراتِ تُزولُ النِّعَمُ ، وتَحُلُّ النِّقَمُ .
قَالَ ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلاَّ بِذَنْبٍ، وَلا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلاَّ بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَا نَزَلْ بَلاءٌ إِلاَّ بِذَنْبٍ، وَلا رُفِعَ إِلاَّ بِتَوْبَةٍ . اهـ .

ويُخْشَى على أصحابِ المنكراتِ الظاهرةِ أن يَدْخُلُوا تَحتَ قولِهِ تَعَالَى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) ؛ لأنَّ مَا يَفعلونَهُ مِن كُفرانِ النِّعَمِ ، وَلَيْسَ مِن شُكْرِها، والنِّعَمُ إنما تدومُ بالشُّكْرِ ، وتزولُ بِكُفْرَانِها .
وكُفرانُ النِّعَمِ مِنْ كُفرانِ الْمُنْعِمِ .
وكُفْرَانُ النِّعَمِ مُؤذِنٌ بِزوالِها ، بَلْ والعقوبةُ بِضِدِّها ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)

الثانية :
الحَمدُ للهِ
أمَّا بَعْدُ :
فَقَدْ نَصَّ العلماءُ على أنَّهُ لا يَجوزُ الذهابُ إلى أماكنَ يَقَعُ فيها المنكرُ .
قَالَ الإمامُ الشافعيُّ رَحِمَهُ اللهُ : إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إلَى الْوَلِيمَةِ وَفِيهَا الْمَعْصِيَةُ مِنْ الْمُسْكِرِ أَوْ الْخَمْرِ ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ ، فَإِنْ نَحَّوْا ذَلِكَ عَنْهُ وَإِلاَّ لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ ، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَلا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ ، وَلا يَدْخُلَ مَعَ الْمَعْصِيَةِ ، وَإِنْ رَأَى صُوَرًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى فِيهِ ذَوَاتِ أَرْوَاحٍ لَمْ يَدْخُلْ الْمَنْزِلَ الَّذِي تِلْكَ الصُّوَرُ فِيهِ إنْ كَانَتْ تِلْكَ مَنْصُوبَةً.
وقَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : قَالَ الْعُلَمَاءُ: إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالزَّمْرِ لَمْ يَجُزْ حُضُورُهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِحَسَبِ الإِمْكَانِ . اهـ .
وقدْ نصَّ الإمامُ ابنُ القيِّمِ على " أن وَليَّ الأمرِ يَجِبُ عليه أنْ يَمْنَعَ اختلاطَ الرِّجالِ بالنساءِ في الأسواقِ ، والفُرَجِ ، ومَجَامِعِ الرِّجالِ . قَالَ مالكٌ رَحِمَهُ اللهُ وَرَضِيَ عَنْهُ : أرى للإمامِ أنْ يَتقدّمَ إلى الصّيّاغِ في قعودِ النساءِ إليهم ، وأرى ألا يَتركَ المرأةَ الشابةَ تَجْلسُ إلى الصيّاغِ " ... وَقَدْ مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- النِّسَاءَ مِنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الرِّجَالِ، وَالاخْتِلاطِ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ . فَعَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ .
وقَالَ رَحِمَهُ اللهُ : ولا رَيْبَ أنَّ تمكينَ النِّساءِ مِنْ اختلاطِهِنَّ بالرِّجالِ أصْلُ كُلِّ بَلِيةٍ وشَرٍّ ، وهُوَ مِنْ أعظمِ أسبابِ نُزولِ العقوباتِ العامةِ ، كَمَا أنَّه مِنْ أسبابِ فَسادِ أمورِ العامةِ والخاصةِ ، واختلاطُ الرجالِ بالنساءِ سببٌ لكثرةِ الفواحِشِ والزِّنا ، وَهُوَ مِن أسبابَ الموتِ العامِ ، والطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ . فمِنْ أعظمِ أسبابِ الموتِ العامِ كَثرةُ الزِّنا بسببِ تمكينِ النِّساءِ مِنْ اختلاطِهِنَّ بالرِّجالِ ، والمشيِ بينَهُم مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلاتٍ . اهـ .
وقَالَ شيخُنا الشيخُ ابنُ بازٍ رَحِمَهُ اللهُ : أمْرُ اللهِ سبحَانَهُ للمرأة بِقَرَارِها في بيتِها ونَهْيِها عَنِ التَّبرُّجِ مَعْنَاهُ : النَّهيُ عنِ الاختلاطِ ، وَهُوَ : اجتماعُ الرِّجالِ بالنساءِ الأجنبياتِ في مكانٍ واحِدٍ بِحُكْمِ العَمَلِ أو البيعِ أو الشِّراءِ أو النُّزْهَةِ أو السفرِ أو نَحوِ ذلِكَ ؛ لأنَّ اقتحامَ المرأةِ في هذا الميدانِ يُؤدِّي بِـها إلى الوقوعِ في المنهيِ عَنْهُ ، وفي ذلِكَ مُخَالَفةٌ لأمْرِ اللهِ وتضييعٌ لحقوقِهِ المطلوبِ شَرْعًا مِنَ الْمُسْلِمَةِ أنْ تَقومَ بها . اهـ .

ولا يُقِرُّ ذلِكَ في أهلِهِ إلاّ مَنْ عُدِمَتْ مروءتُهُ ، وضَعُفتْ غيرتُهُ ، وقَلَّ إيمَانُهُ .
وفي الحديثِ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : الْحَياءُ والإيمانُ قُرِنا جَميعًا ، فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفِعَ الآخَرُ . رَوَاهُ الحَاكِمُ وقَالَ : هذا حديثٌ صَحَيحٌ على شَرْطِهِما . وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
معَ ما في ذهابِ النِّساءِ إلى الأماكِنِ المختلطةِ مِنْ قِلّةِ الحياءِ والمروءةِ
قَالَ الربيعُ بنُ سليمانَ : سَمعتُ الشافعيَّ يَقولُ : واللهِ الذي لا إلَهَ إلا هُوَ لَو عَلِمْتُ أنَّ شُرْبَ الماءِ البارِدِ يُنْقِصُ مُرُوءتي ما شَرِبْتُهُ !
وقَالَ ابنُ القيِّمِ عَنِ الحياءِ : هُوَ أصْلُ كُلِّ خَيرٍ ، وذَهابُهُ ذَهَابُ الْخَيرِ أجْمَعُهُ . اهـ .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 06-10-2015 07:57 PM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 04:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى