العودة   منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية فتاوى الإرشاد قسـم المقـالات والـدروس والخُطب قسم الخُطب المنبرية
منوعات المجموعات مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (قبول الأعمال)
قديم بتاريخ : 23-06-2015 الساعة : 07:29 AM

الْحَمدُ للهِ الذي هيأَ لِعبادِهِ مَواسِمِ الخيراتِ ، ويَسّرَ لهم الطاعاتِ ، ومَنَّ عليهِم بالقبولِ ومُضاعفةِ الحسناتِ .

أمَّا بَعدُ :
فإنَّ قبولَ الأعمالِ لا يَقِلُّ أهميةً عنِ الأعمالِ ، بل قدْ تكونُ مراعاةُ قبولِ العملِ أهمَّ مِنَ العملِ ، وهذا ما أهمَّ السَّلفُ وَبَكَى لأجلِهِ الصالحونَ ، ووَجِلَتْ مِنْ أجلِهِ قلوبُ المتَّقِينِ .

وهذا الأمرُ مِمَّا عُنِيَ بهِ الأنبياءُ ، فإنَّ نبيَّ اللهِ إبراهيمَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا بنى الكعبةَ قَالَ : (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) .

ونبيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمّا ضحّى قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وامرأةُ عِمرانَ لَمَّا نَذَرَتْ قَالَتْ : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

والمسلمُ – عبادَ اللهِ - يَعملُ العَملَ الصالِحَ ويرجو رحمةَ ربِّهِ ، ويخافُ أنْ يُردَّ عليهِ عملُهُ.

وكانَ السَّلفُ يتّهمونَ أعمالَهُم ، ويخشونَ أنْ تُردَّ عليهِم لتقصيرِهِم فيها مَعَ اجتهادِهِم .
و لذا لَمَّا نَزَلَ قولُهُ تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) قَالَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا : سألتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : أهُمْ الذين يَزنونَ ويَسرقونَ ويشربونَ الخمرَ ؟ قَالَ : لا يا ابنةَ الصِّدِّيقِ ، ولكنَّهُم الذين يُصَلُّونَ ويَصُومُونَ ويَتَصَدَّقُونَ ، وهم يَخَافُونَ أنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُم ، أولئكَ الذينَ يُسَارِعُونَ في الخيراتِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ وابنُ ماجه . وصحَّحُهُ الألبانيُّ .

وكَانَ فَضَالةُ بنُ عُبيدٍ يقولُ : لأنْ أكُونَ أعْلَمُ أنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أحَبُّ إليَّ مِنَ الدّنيا ومَا فيها ؛ لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يَقولُ : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) . رواه أبو نعيم في حلية الأولياء .

وجَاءَ سَائِلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لِابْنِهِ أَعْطِهِ دِينَارًا فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكَ يَا أَبَتَاهُ فَقَالَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ مِنِّي سَجْدَةً وَاحِدَةً أَوْ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الْمَوْتِ أَتَدْرِي مِمَّنْ يَتَقَبَّلُ اللَّهُ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين .

وينبغي أنْ يَكونَ الْحِرصُ على قبولِ العملِ أكبرَ مِنْ أداءِ العملِ .

قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : كُونُوا لِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَامَا مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ، فَإِنَّهُ لَنْ يُقْبَلَ عَمَلٌ إِلاَّ مَع َ التَّقْوَى، وَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يُتَقَبَّلُ ؟

وبَكى عَامِرُ بنُ عبدِ اللهِ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه بُكَاءً شَدِيدًا ، فقيلَ لَهُ : ما يُبْكِيكَ يا أبا عبدِ اللهِ؟ قَالَ : آيَةٌ في كِتابِ اللهِ : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .

فَالقَومُ عَمِلوا الصالحاتِ وخافوا أنْ تُردَّ أعمالُهُم عليهِم .

قَالَ الحسنُ البَصْريُّ في وصفِ خيرِ القرونِ : عَمِلُوا واللهِ بالطاعاتِ واجتهدوا فيها ، وخافوا أنْ تُردَّ عليهِم ، إنَّ المؤمِنَ جَمَعَ إحسانا وشفقةً ، وإنَّ المنافِقَ جَمَعَ إساءةً وأمْنًا.
يَعْني إساءةً في العملِ وأمْنًا مِن مَكْرِ اللهِ .

وكَانَ مُطرّفُ بنُ عبدِ اللهِ يقولُ : اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي صَلاةً، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي صِيَامًا، اللهُمَّ اكْتُبْ لِي حَسَنَةً ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .

قال يحيى بن معاذ الرازي : كَيْفَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُ فِي دَارِ الدُّنْيَا ؛ إِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً خَافَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا ، وَإِنْ عَمِلَ حَسَنَةً خَافَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ إِمَّا مُسيء وَإِمَّا مُحْسِنٌ . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .

قَالَ ابنُ رَجَبٍ في قولِهِ تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) : لهذا كانتْ هذِهِ الآيةُ يَشْتَدُّ مِنها خَوْفُ السَّلَفِ على نُفُوسِهِم ، فَخَافُوا أن لا يَكُونوا مِنَ الْمُتَّقِينَ الذين يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنْهُم . اهـ .

وخَطَب عَدِيّ بن أَرْطَاة بَعْدَ انْقِضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقال : كَأَنَّ كَبِدًا لَمْ تَظْمَأْ ، وَكَأَنَّ عَيْنًا لَمْ تَسْهَرْ ، فَقَدْ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَأُبْقِيَ الأَجْرُ ، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنِ الْمَقْبُولُ مِنَّا فَنُهَنِّئَهُ ، وَمَنِ الْمَرْدُودُ مِنَّا فَنُعَزِّيَهُ ؟ فَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمَقْبُولُ فَهَنِيئًا هَنِيئًا ، وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمَرْدُودُ فَجَبَرَ اللَّهُ مُصِيبَتَكَ .

قال ابنُ رجبٍ رحمه الله : رُوي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلةٍ مِن شهر رمضان : يا ليت شعري ! مَن هذا المقبولُ فَنُهَنّيه ، ومَن هذا المحرومُ فَنُعَزّيه .

وعن ابنِ مسعودٍ أنه كان يقول : مَن هذا المقبول مِنّا فَنُهَنّيه ، ومَن هذا المحروم مِنّا فَنُعَزّيه . أيها المقبول هنيئا لك ، أيها المردود جَبَر اللهُ مصيبتَك .

ليت شعري مَن فيه يُقْبَل مِنا ... فيُهَنّا ، يا خيبة المردود
مَن تَولّى عنه بِغير قَبول ... أرغم الله أنفه بِخِزي شديد

وعلى المسلِمِ أنْ يكونَ على حذَرٍ مِنْ مُحْبِطَاتِ الأعمالِ
فإنَّهُ قد يَحْتَفُّ بالعَمَلِ الصالحِ ما يُنقِصُ أجْرَهُ ، أو يُذْهِبُهُ .
وهذِهِ الأشياءُ على ثلاثِ مَنازِلَ :
الأولى : ما يكونُ قبلَ العملِ
الثانيةُ : ما يكونُ أثناءَ العملِ
الثالثةُ : ما يكونُ بعدَ العملِ


فما يكونُ قبلَ العملِ ، يكون في الإساءةِ في العملِ ، والاستعدادِ لَهُ .

قال رفاعة بن رافع رضي الله عنه : بينما نحن جلوس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ دخل رجل فاستقبل القبلة فصلّى ، فلما قضى الصلاة ، جاء فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك ، ارجع فصل، فإنك لم تَصَلّ ، فرجع الرجل فصلّى ، وجعلنا نَرمق صلاته ، لا ندري ما يَعيب منها ، فلما قضى صلاته جاء فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : وعليك ، ارجع فَصَلّ ، فإنك لم تَصَلّ . قال الرجل : ما ألَوْتُ ، فلا أدري ما عِبتَ عليّ مِن صلاتي ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يُسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ، ورجليه إلى الكعبين ، ثم يُكَبِّر الله ويحمده ثم يقرأ مِن القرآن ما أذن الله عز وجل له فيه ، ثم يُكَبِّر فيركع فيضع كفّيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ويقول : سمع الله لمن حمده ، فيستوي قائما حتى يُقيم صُلْبه فيأخذ كل عظم مأخذه ، ثم يكبر فيسجد فيمكّن وجهه مِن الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يُكَبِّر ، فيستوي قاعدا على مقعده ويُقيم صُلبه - فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ - لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

فَذَكَرَ أن مِن تمام الصلاة : إسباغ الوضوء وإحسانه .

بَلْ إنَّ إساءةَ العملِ تتعدّى صاحِبَها إلى غيرِه .

فقدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالرُّومِ ، فَالْتُبِسَ عَلَيْهِ فِي الْقِرَاءَةِ ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَحْضُرُونَ مَعَنَا الصَّلاةَ بِغَيْرِ طُهُورٍ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَلْبِسُونَ عَلَيْنَا صَلاتَنَا ، مَنْ شَهِدَ مَعَنَا الصَّلاةَ فَلْيُحْسِنِ الطُّهُورَ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ ، وإسنادُه حسنٌ .
وفي رواية : فَمَنْ شَهِدَ الصَّلاةَ مَعَنَا فَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ .
وقولُهُ : " بِغَيْرِ طُهُورٍ " أيْ : بِغيرِ إحسانِ الوضوءِ .

وأما ما يكونُ أثناءَ العملِ ؛ فمثل عدمُ إحسانِ العملِ ، والرياءُ ، ونحوَ ذلِك .

وقد قَالَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ عنِ المنافقينَ : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) .
وقال الله عَزّ وَجَلّ : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) .
قال ابن كثير : أخْبَر الصادِق المصدوق أن الله لا يَمَلّ حتى تَمَلّوا ، وأنه طَيّب لا يَقْبل إلاّ طَيّبا ؛ فلهذا لا يَتَقبّل الله مِن هؤلاء نَفَقة ولا عَمَلا ؛ لأنه إنما يَتَقبّل مِن الْمُتّقِين . اهـ .

وفي الحديثِ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وقدْ دَخَلَ رَجُلٌ ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جالسٌ ، فقام يُصلِّي ويَنْقُرُ في سجودِهِ ، فقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : لو مَاتَ هذا على حَالِهِ هذِهِ ، مَاتَ على غَيرِ مِلّةِ مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْقُرُ صَلاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الغُرَابُ ! رَوَاهُ أحْمَدُ وابنُ خزيمةَ.

وقدْ ثبتَ عَنْهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّهُ قَالَ : إنَّ الرجلَ ليُصلِّي ستينَ سنةٍ وما تُقبَلُ لَهُ صلاةٌ ، لَعلَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ ولا يُتِمُّ السُّجُودَ ، ويُتِمُّ السُّجُودَ ولا يُتِمُّ الرُّكُوعَ . رَوَاهُ أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ .

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا تُجْزِئُ صَلاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . رواه أبو داود ، وصححه الألباني .

وعَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ ، وَلاَ سُجُودَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ : مَا صَلَّيْتَ - قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .

وكثير مما نُهِي عنه في الصلاة مما يُضعف أجْرَها ، أو يُذهِبه بالكُليَّة .

قَالَ ابنُ القيِّمِ في ذِكْرِ أحوالِ الصَّبْرِ :
الحالةُ الثانيةُ الصَّبرُ حالَ العملِ فيُلازمُ العَبدُ الصبرَ عنْ دواعي التقصيرِ فيه والتفريطِ ويلازمُ الصبرَ على استصحابِ ذِكرِ النيةِ وعلى حضورِ القلبِ بين يدي المعبودِ ، وأنْ لا ينساهُ في أمرِهِ ، فليسَ الشأنُ في فعلِ المأمورِ بل الشأنُ كلُّ الشأنِ أنْ لا يَنْسَى الأمرَ حالَ الإتيانِ بأمْرِه ، بل يكونُ مستصحبا لِذِكْرِه في أمرِهِ ؛ فهذه عبادةُ العبيدِ المخلصينَ للهِ . اهـ .

وما يكونُ بعدَ العملِ ؛ فـ كالتسميعِ بالعَمَلِ ، وعدمِ المحافظةِ على الحسناتِ .

ولَمّا كانَ الجزاءُ مِن جِنسِ العملِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ . رَوَاهُ البُخاريُّ .

والفرقُ بينهما : أنَّ الرياءَ يكونُ أثناءَ العملِ ، والتسميعَ يكونُ بعدَ العملِ .
قَالَ العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ : الرِّياءُ أنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِ اللهِ ، والسُّمْعَةُ أنْ يُخْفِيَ عَمَلَه للهِ ، ثمَّ يُحَدِّثُ بِه النَّاسَ .

وقدْ جاءَ في أثرٍ معروفٍ : إنَّ العبدَ ليَعملُ العملَ سِرًّا لا يطلِّعُ عليه أحدٌ إلاَّ اللهَ تعالى فيتحدثُ به فينتقلُ مِنْ ديوانِ السِّرِّ إلى ديوانِ العلانيةِ ثم يصيرُ في ذلك الديوانِ على حسبِ العلانيةِ ، فإنْ تحدَّثَ به للسُّمعةِ وطلبِ الجاهِ والمنْزِلةِ عندَ غيرِ اللهِ تعالى أبطلَه كما لو فعلَهُ لذلِكَ .

قال سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ : بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ سِرًّا ، فَلا يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَغْلِبَهُ فَيُكْتَبَ فِي الْعَلانِيَةِ , ثُمَّ لا يَزَالُ الشَّيْطَانُ بِهِ حَتَّى يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهِ ، فَيُنْسَخَ مِنَ الْعَلانِيَةِ فَيُثْبَتَ فِي الرِّيَاءِ .

قَالَ ابنُ القيمِّ في ذِكْرِ أحوالِ الصَّبرِ:
الحالةُ الثالثةُ : الصَّبرُ بعدَ الفراغِ مِنَ العملِ وذلِكَ مِنْ وُجوهٍ :
أحدُها : أنْ يَصبِّرَ نفسَهُ عنِ الإتيانِ بما يُبْطِلُ عملَهُ ... فليس الشأنُ الإتيانُ بالطاعةِ إنَّما الشأنُ في حفظِها مما يُبْطِلُها .
الثاني : أنْ يَصبرَ عن رؤيتِها والعُجْبِ بها ، والتكبَّرِ والتعظمِ بها ؛ فإنَّ هذا أضرُّ عليه مِنْ كثيرٍ مِنَ المعاصي الظاهرةِ .
الثالثُ : أن يَصْبِرَ عن نَقلِها مِن دِيوانِ السرِّ إلى دِيوانِ العلانيةِ ، فإنَّ العبدَ يعملُ العملَ سِرًّا بينه وبين اللهِ سبحانَهُ فيُكتَبُ في ديوانِ السِّرِّ ، فإنْ تَحَدَّثَ بِهِ نُقِلَ إلى ديوانِ العلانيةِ . فلا يُظَنُّ أنَّ بِسَاطَ الصبرِ انطوى بِالفَراغِ مِن العَمَلِ . اهـ .


الثانية :

الإعجابُ بالعملِ مِمَّا يُنقِصُ أجرَهُ أو يُذهِبُهُ .
وقَدْ خَشِيَهُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على أُمَّتِه ، فقَالَ : لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ خَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ؛ الْعُجْبَ الْعُجْبَ . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ ، وحَسَّنَهُ الألبانيُّ .

وكانوا ينظرونَ إلى التقصيرِ قبلَ النظرِ إلى العَمَلِ ، فيحمِلُهم ذلك على اتِّهامِ النَّفْسِ .

كَانَ مُطرّفُ بنُ عبدِ اللهِ يقولُ : لأنْ أبيتَ نائما ، وأصبِحَ نادِمًا ، أحبُّ إليّ مِنْ أنْ أبيتَ قائما ، فأصْبِحَ مُعْجَبا . يعني بِعَمَلِهِ .

وسُئل ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا الْكِبْرُ ؟ قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ النَّاسَ . وسُئل عَنِ الْعُجْبِ ؟ قَالَ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئًا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكَ ، قَالَ: وَلا أَعْلَمُ فِي الْمُصَلِّينَ شَيْئًا شَرًّا مِنَ الْعُجْبِ .

وقَالَ أبو الليثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ : مَنْ عَمِلَ الْحَسَنَةَ يَحْتَاجُ إِلَى خَوْفِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ ؟
أَوَّلُهَا : خَوْفُ الْقَبُولِ ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
وَالثَّانِي : خَوْفُ الرِّيَاءِ ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
وَالثَّالِثُ : خَوْفُ التَّسْلِيمِ وَالْحِفْظِ ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، فَاشْتَرَطَ الْمَجِيءَ بِهَا إِلَى دَارِ الآخِرَةِ.
وَالرَّابِعُ : خَوْفُ الْخِذْلانِ فِي الطَّاعَةِ ؛ لأَنَّهُ لا يَدْرِي أَنَّهُ هَلْ يُوَفَّقُ لَهَا أَمْ لا ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

وقال ابن الجوزي : مَن تَلَمّح خِصال نفسه وذنوبها عَلِم أنه على يقين مِن الذنوب والتقصير ، وهو مِن حال غيره على شك . فالذي يُحْذَر منه الإعجاب بالنفس ، ورؤية التقدّم في أحوال الآخرة . والمؤمن الحق لا يزال يحتقر نفسه .
وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إليّ مِن أن أرى نفسي أهلاً لذلك . اهـ .

ومِن آفاتِ قبولِ العَمَلِ : الْمَنُّ بالعَمَلِ
والْمَنُّ بالعَمَلِ نوعانِ :
النوعُ الأوَّلُ : مَنٌّ على اللهِ ، كما قَالَ اللهُ : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)
قَالَ الْحَسَنُ: لا تُعْطِ شَيْئًا عَلَى أَنْ تَسْتَكْثِرَ عَلَى رَبِّكَ .
فإنَّ الْمِنَّةَ للهِ ، لا على اللهِ .
وفي التَّنْزِيل (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ)
والنوعُ الثاني : مَنٌّ على المخلوقينَ .
قَالَ تباركَ وتعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)
ثم قَالَ عزَّ وَجَلَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى)
قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الآيَةِ : الصَّدَقَةُ الَّتِي يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْ صَاحِبِهَا أَنَّهُ يَمُنُّ أَوْ يُؤْذِي بِهَا ؛ لا تُقْبَلُ .

قَالَ القُرطبيُّ : عَبَّرَ تَعَالَى عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَحِرْمَانِ الثَّوَابِ بِالإِبْطَالِ، وَالْمُرَادُ الصَّدَقَةُ الَّتِي يَمُنُّ بِهَا وَيُؤْذِي .
وقَالَ : كَرِهَ الإمامُ مَالِكٌ لِهَذِهِ الآيَةِ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ الْوَاجِبَةَ أَقَارِبَهُ لِئَلاّ يَعْتَاضَ مِنْهُمُ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ، وَيُظْهِرَ مِنَّتَهُ عَلَيْهِمْ وَيُكَافِئُوهُ عَلَيْهَا فَلا تَخْلُصُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى . وَاسْتَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَهَا الأَجَانِبَ ، وَاسْتَحَبَّ أَيْضًا أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ تَفْرِيقَهَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِمَامُ عَدْلا ، لِئَلاّ تَحْبَطَ بِالْمَنِّ وَالأَذَى وَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالْمُكَافَأَةِ بِالْخِدْمَةِ مِنَ الْمُعْطَى . اهـ .

ومِن آفاتِ قبولِ العَمَلِ : تضييعُ الحسناتِ بعدَ تحصيلِها .
قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، قَالَوا: وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ في الأدبِ الْمُفْرَدِ والحاكمِ ، وصحَّحَهُ .
وَمَنْ تأمّلَ حديثَ الْمُفلِسِ وَجَدَه كذلِكَ . فإنَّ الْمُفْلِسَ يأتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . كما في صحيحِ مُسْلِمٍ .

فاحْرِصوا على السلامةِ مِن آفاتِ قبولِ العَمَلِ ، وحافِظُوا عبادَ اللهِ على حسناتِ أعمالِكِم أنْ تذهبَ أو تنقُصَ .

قَالَ ابنُ القيِّمِ في " الوابلِ الصَّيبِ " : ومُحْبِطَاتُ الأعمالِ ومُفْسِدَاتُها أكثرُ مِنْ أنْ تُحْصَرَ ، وليس الشأنُ في العملِ ، إنَّما الشأنُ في حِفْظِ العملِ مما يُفْسِدُه ويُحْبِطُه .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 06-10-2015 07:57 PM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 01:41 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى