[عبد الرحمن السحيم]

ما معنى " وإذا خاصم فَجَر " ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ وبارك بكم وبعلمكم
سؤالي
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خُلَّة منهن كانت فيه خُلَّة من نفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب،
وإذا عاهد غَدَر، وإذا وعَدَ أخلف، وإذا خاصم فَجَر))
ما معنى " وإذا خاصم فَجَر " ؟
وجزاكم الله خيرا

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

المؤمِن يُنصِف مِن نفسه ، فيُعطي الحقّ الذي عليه ، ويُؤدِّي ما وَجب عليه وما لَزِمَه .

قال عمار رضي الله عنه : ثلاث مَن جَمَعهن فقد جَمَع الإيمان : الإنصاف مِن نفسك ، وبَذل السلام للعالَم ، والإنفاق من الإقتار . رواه البخاري تعليقا .

ولابن القيم كلام جميل في معنى قول عمار رضي الله عنه ، وكنت ذكرته في مقال بعنوان " أقرب للتقوى " .

وأما المنافق ، فهو بِضِدّ ذلك ؛ فلا يُؤدِّي ما وَجب عليه ، ولا يلتَزِم ما لَزِمه ، بل شأنه الفجور في الخصومة ! والكذب في الدعاوى ، وتغيير الحقائق ، وتقليب الأمور .

قال ابن بطال : الفجور: الكذب والرِّيبة ، وذلك حَرَام ، ألا ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام قد جَعل ذلك خَصلة مِن النفاق ، وليس هو بِنفاق يُخرج مِن الإيمان ، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام أن مَن كانت فيه هذه الخلال أو واحدة منها فإنه منافق فيها خاصة ، وليس بِمنافق في غيرها مِن دِينه مما صَحّ فيه اعتقاده ويقينه . وإنما أَطْلق اسم النفاق على صاحب هذه الخلال ؛ لأنها تَغْلب على أحوال المرء ، وتَستولي على أكثر الأفعال ، فاسْتَحَقّ هذه التسمية بما غَلَب عليه مِن قبيح أفعاله ، ومُشَابَهته فيها المنافقين والكفار ، فَوُصِف بِصِفتهم تقبيحًا لِحَالِه ، ومُجانبته أفعال المؤمنين - أعاذنا الله مِن ذلك . اهـ .

وقال النووي : وقوله صلى الله عليه وسلم : " وإن خاصم فَجَر " ، أي : مَالَ عن الحق ، وقال الباطل والكذب . قال أهل اللغة : وأصل الفجور الْمَيْل عن القصد . اهـ .

وقال ابن رجب : " إذا خاصَم فَجَر " يعني بالفُجور : أن يَخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا ، وهذا مما يدعو إليه الكذب ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار" ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أبغض الرِّجال إلى الله الألَد الْخَصِم . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إنكم لَتَخْتَصِمُون إليّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألْحَن بِحُجّته مِن بعض ، وإنما أقضي على نحو مما أسمع ، فمن قَضيت له بشيء مِن حق أخيه ، فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن مِن البيان لَسِحرا " . فإذا كان الرَّجل ذا قُدرة عند الخصومة - سواء كانت خصومته في الدِّين أو في الدنيا - على أن ينتصر للباطل ، ويُخيّل للسامع أنه حق ، ويُوهن الْحَق ، ويُخرِجه في صورة الباطل ؛ كان ذلك مِن أقبح الْمُحَرَّمات ، ومِن أخبث خِصال النفاق . اهـ .

ويَدخل في ذلك : نَقْل الكلام حال الخلاف ، سواء خِلاف بين مُتعامِلَين ، أو بين زوجين ، أو غيرهم ؛ فإنه قَلّ مَن يُنْصِف مِن نفسه ، ويقول الحقّ ولو كان مُرًّا !
بل قد تجد أن كُلّ طَرَف يُلقي باللوم على الآخر ، ويُظهره بِصورة المخطئ المعتدي ! ليَظْهَر هو بِصورة البريء المظلوم !

وقد قال الله عزَّ وجَلّ في تربية هذه النفوس : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) .

وسبق الجواب عن :
ما حكم إطلاق وصف المنافق أو العلماني أو الليبرالي على مَن يتصفون بها ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16548

كيف نتعامل مع المنافق ذي الوجهين ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18705

ما هو أصل هذا القول : " الساكت عن الحق شيطان أخرس " ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18453

شهدت شهادة حقِّ ضِدّ صديقي فلامَني هو وزملائي على فِعلي
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12901

كلمة لِمَن يستهزئ ويحكُم على أهل الاستقامة بسبب زلة أحد أفرادها
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18704

هل مِن برّ الوالدين أن تُطرد الزوجة مِن بيت الزوجية ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=941

ومقال بعنوان :
أقرب للتقوى
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13165

وخُطبة جُمعة عن الإنصاف
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16779

والله تعالى أعلم .