العودة   منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية فتاوى الإرشاد قسـم المقـالات والـدروس والخُطب قسم الخُطب المنبرية
منوعات المجموعات مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (حُسن الظن بالله)
قديم بتاريخ : 03-12-2015 الساعة : 12:53 AM

الْحَمدُ للهِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ جَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَقَرَّتْ لَهُ بِالإِلَهِيَّةِ جَمِيعُ مَصْنُوعَاتِهِ ، وَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ بِمَا أَوْدَعَهَا مِنْ عَجَائِبِ صَنْعَتِهِ ، وَبَدَائِعِ آيَاتِهِ .. وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ ، كَمَا لا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ ، وَلا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلا فِي أَفْعَالِهِ وَلا فِي صِفَاتِهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا، وَسُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَأَمْلاكُهَا ، وَالنُّجُومُ وَأَفْلاكُهَا ، وَالأَرْضُ وَسُكَّانُهَا ، وَالْبِحَارُ وَحِيتَانُهَا ، وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَالآكَامُ وَالرِّمَالُ وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ، وَكُلُّ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ...
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ ، وَخُلِقَتْ لأَجْلِهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَبِهَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ ، وَشَرَعَ شَرَائِعَهُ ، وَلأَجْلِهَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ ، وَوُضِعَتِ الدَّوَاوِينُ ، وَقَامَ سُوقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبِهَا انْقَسَمَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ وَاْلأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ ؛ فَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الْخَلِيقَةُ ، وَعَنْهَا وَعَنْ حُقُوقِهَا السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ ، وَعَلَيْهَا يَقَعُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَعَلَيْهَا نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ ، وَلأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ ، فَهِيَ كَلِمَةُ الإِسْلامِ ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلامِ ، وَعَنْهَا يُسْأَلُ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ . (مِن مُقدّمة " زاد المَعَاد " ، لابن القيم)

أمَّا بَعْدُ :
فإنَّ مِنْ حُسْنِ الْمُعتَقَدِ ومِنْ حُسْنِ الأَدَبِ مَعَ اللهِ : أَنْ يُحْسِنَ الْمُسْلِمُ الظنَّ بِربِّه تَبَارَكَ وَتَعَالى ، ذَلِكَ أنَّ اللهَ تَعَالَى يَقولُ في الحديثِ القُدْسِّي: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وفي روايةٍ لأحْمَدَ : أنَا عِنْدَ ظنِّ عَبْدِي بي ؛ إنْ ظَنَّ بِي خَيرًا فَلَهُ ، وإنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ .
قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : مَعْنَاهُ : بِالْغُفْرَانِ لَهُ إِذَا اِسْتَغْفَرَ ، وَالْقَبُولِ إِذَا تَابَ، وَالإِجَابَةِ إِذَا دَعَا وَالْكِفَايَةِ إِذَا طَلَبَ الْكِفَايَةَ . اهـ .

وقَالَ النوويُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ . قَالَوا : وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ يَكُونُ خَائِفًا رَاجِيًا .. فَإِذَا دَنَتْ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ غَلَّبَ الرَّجَاءَ أَوْ مَحَّضَهُ ؛ لأَنَّ مَقْصُودَ الْخَوْفِ الانْكِفَافُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ ، وَالْحِرْصُ عَلَى الإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالأَعْمَالِ . اهـ .
ويؤيِّدُ هَذَا مَا في حديثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ ، يَقُولُ : لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ . رَوَاهُ مُسلِمٌ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ الْقُنُوطِ ، وَحَثٌّ عَلَى تَغليبِ الرَّجَاءِ عِنْد الرَّحِيلِ .

وَقَدْ أَسَاءَ قومٌ الظنَّ بِرَبِّهم تَعَالَى فانقَلَبُوا خَاسِرينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالى : (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .
وقَالَ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) .

ومِنْ حُسْنِ الظنِّ بِاللهِ : أنْ يُوقِنَ بِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ اللهُ لِعبْدِهِ خَيْر ، وأنَّ اختيارَ اللهِ لِعَبْدِهِ خَيْرٌ مِنْ اختيارِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ .
وأنْ يَظُنَّ بِرَبِّهِ خَيْرا في إجابَةِ دَعْوَتِهِ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ في فُصُولٍ فِي الدُّعَاءِ يُحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا : وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ الدُّعَاءِ ، فَتَكُونَ الإِجَابَةُ عَلَى قَلْبِهِ أَغْلَبَ مِنَ الرَّدِّ . اهـ .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيّةَ : وكُلَّما كان الناسُ إلى الشيءِ أحوج، كان الربُّ به أجود ، وكذلكَ كُلَّما كانوا إلى بعضِ العِلمِ أحوج، كان به أجود ؛ فإنه سبحانَه الأكرم الذي عَلَّمَ بالقلم ، عَلَّمَ الإنسانَ ما لم يَعلم، وهو الذي خَلَقَ فسوّى ، والذي قَدَّرَ فَهَدَى وهو الذي أعطى كلَّ شيءٍ خَلْقَه ثمّ هدى . اهـ .

وقَالَ ابنُ رَجَبٍ : فإنَّ الْمُؤمِنَ إذا اِسْتَبَطَأَ الفَرَجَ ، وَأَيِسَ مِنْهُ بَعْدَ كَثْرَةِ دُعَائِهِ وَتَضَرُّعِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ أَثَرُ الإجابَةِ ، رَجَعَ إلى نَفْسِهِ بِالَّلائِمَةِ ، وقَالَ لَهَا : إنَّمَا أُتِيتُ مِنْ قِبَلِكِ ، وَلَوْ كَانَ فِيكِ خَيرٌ لأُجِبتِ ، وَهَذَا اللومُ أَحَبُّ إلى اللهِ مِنْ كَثيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ ، فَإنَّهُ يُوجِبُ انكسَارَ العَبْدِ لِمَوْلاهُ ، واعترافَهُ لَهُ بِأنَّهُ أَهْلٌ لِمَا نَزَل مِنَ البَلاءِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لإجابَةِ الدُّعَاءِ ، فَلِذَلِكَ تُسْرِعُ إليهِ حِينَئِذٍ إجابَةُ الدُّعَاءِ ، وَتَفْريجُ الكُرَبِ ، فَإنَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أجْلِهِ . اهـ .

أيُّها المبارَكُ :
إيَّاكَ وَسُوءَ الظَّنِ بِاللهِ ، فُرُبِمَا يُغْلَقُ دُونَكَ بَابٌ أو طَريقٌ ليَفْتَحَ اللهُ لَكَ أبوابًا عَدِيدَةً جَمِيلَةً مِنْ لُطْفِهِ وفَتْحِهِ .
فأحْسِنْ الظَنَّ بِرَبِّكَ ، وظُنَّ بِاللهِ خَيْرا ، تَجِدْ خَيْرا .

وحُسْنُ الظنِّ بِاللهِ يَستَلْزِمُ حُسْنَ العَمَلِ
قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : والذَيْ لا إلهَ غَيْرُهُ ما أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤِمُنٌ شيئا خيرًا مِنْ حُسْنِ الظنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالذِيْ لا إِلَهَ غَيْرُهُ لا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ الظنَّ إلاَّ أَعَطَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ظَـنَّهُ ، ذَلِكَ بِأنَّ الْخَيْرَ في يَدِهِ . رَوَاهُ ابنُ أبي الدُّنْيا .

وقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) قَال : إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ أَسَاءَ الظَّنَّ فَأَسَاءَ الْعَمَلَ . رَوَاهُ أبو نُعَيْمٍ في الْحِلْيَةِ .
وقال أبو سليمان الدّارَاني : مَن حَسُن ظّنّه بِالله عزّ وجَلّ ثم لا يَخَاف الله ؛ فهو مَخْدُوع . رواه ابن أبي الدنيا في " حُسن الظنّ بالله " .

وقَالَ الخَطابيُّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى " : يَعْنِي فِي حُسْنِ عَمَلِهِ ؛ فَمَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ ، وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ .

وقَالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : وَأَمَّا ظَنُّ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ فَمَذْمُومٌ غَيْرُ مَمْدُوحٍ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ : (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) . اهـ .

أيُّها المؤمنونَ :
ومِنْ هَذَا البَابِ مَا كَانَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم ، مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُعجِبُهُ الفألُ الْحَسَنُ . كما في الصحيحين .

قَالَ الْحَلِيمِيُّ : وَإِنَّمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ ، لأَنَّ التَّشَاؤُمَ سُوءُ ظَنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ ، وَالتَّفَاؤُلُ حُسْنُ ظَنٍّ بِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وقَالَ القُرطبيُّ : وَإنَّمَا كَانَ يُعجِبُهُ الفَأْلُ ؛ لأنَّه تَنْشَرِحُ لَهُ الـنَّفْسُ ، وَتَسْتَبْشِرُ بِقضَاءِ الْحَاجَةِ ، وَبُلُوغِ الأمَلِ ؛ فَيَحْسُنُ الظَّنُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ . اهـ .

وقَالَ ابنُ القيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظنِّ بِاللهِ ، حَسَنَ الرَّجاءِ لَهُ ، صادِقَ التوكلِ عَلَيْهِ ؛ فَإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُ أمَلَهُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ ، فَإنَّهُ سُبْحَانَهُ لا يُخَيِّبُ أمَلَ آمِلٍ، ولا يُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ .
وقَالَ أَيْضًا :
ومِنْ أَحْسَنِ كلامِ العامةِ قَولُهُم : " لا هَـمَّ مَعَ اللهِ . قَالَ اللهُ تَعَالَى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)
قَالَ الرَّبيعُ بِنُ خُثيمٍ : يَجْعَلُ لَهُ مَخْرَجًا مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ .
وقَالَ أبو العَالِيَةِ : مَخْرَجًا مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ .
ثُمَّ قَالَ ابنُ القَيِّمِ : وَهَذَا جَامِعٌ لشدائدِ الدُّنْيا والآخِرَةِ ، وَمَضَايقِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ، فَإنَّ اللهَ يَجْعلُ للمُـتَّقِي مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ وَاشتدَّ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ مَخْرَجًا . اهـ .

حِينَمَا تَشْتَدُّ الشَدَائِدُ ، وتَدْلَهِمُّ الْخُطُوبُ ، يَبْرُقُ فْجرُ الأمَلِ ، لِيُبدِّدَ دَياجِيرَ الظُّلُماتِ ، فَإنَّ المؤمِنَ يَرىَ بِحُسْنِ ظَـنِّه جَميلَ صُنْعِ ربِّـه .
كَمَا قَالَ أحمدُ بنُ العباسِ الـنَّمَرِيُّ :
وإنِّي لأَرْجُو اللهَ حَتى كَأنَّنِي *** أَرَى بِجَمِيلِ الظنِّ مَا اللهُ صَانِعُ

أيُّها المؤمِنونَ :
حُسنُ الظنِّ بِاللهِ مِنْ أَسْبَابِ مَحْوِ الْخَطَايَا
قَالَ سُهَيلُ القُطَعِيُّ : رأيتُ مَالِكَ بِنَ دِينارٍ رَحِمَهُ اللهُ في مَنَامِي ، فَقُلْتُ: يَا أبا يَحْيَى لَيْتَ شِعْرِيْ مَاذَا قَدِمْتَ بِهِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : قَدِمْتُ بِذُنُوبٍ كَثيرَةٍ ، مَحَاهَا عَنِّي حُسْنُ الظَنِّ بِاللهِ .

الثانية :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ ، يَسْمَعُ ضَجِيجَ الأَصْوَاتِ بِاخْتِلافِ اللُّغَاتِ عَلَى تَفَنُّنِ الْحَاجَاتِ .

أيها المؤمنون
أُوصيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقَوْىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَهِيَ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلأوَلِّينَ وَالآخِرِينَ

وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَكونُ الظنُّ عِنْدَ الانتقَالِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ .
فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ ، فَقَالَ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَ : أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَأَخَافُ ذُنُوبِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو ، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ. رَوَاهُ ابنُ مَاجَه ، وَحَسَّنَهُ الألبَانيُّ .

وَقَدْ دَخَلَ وَاثِلَةُ بِنُ الأسْقَعِ عَلَى أَبِي الأسْودِ الْجُرَشِيِّ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فِيهِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَجَلَسَ ، فَأَخَذَ أَبو الأسْودِ يَمينَ واثلةَ، فَمَسحَ بِها عَلَى عَيْنيْهِ وَوَجْهِهِ لِبيْعَتِهِ بِها رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ لَهُ واثلةُ : وَاحِدَةٌ أسألُك عَنْهَا. قَالَ : وَمَا هِيَ؟ قَالَ : كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّك ؟ فقَالَ أبو الأسْوَدِ وأشارَ بِرَأسِهِ ، أيْ : حَسَنٌ . قَالَ واثلةُ : أبْشِرْ ! إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ : قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي ، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ . رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ والدَّارميُّ .

وقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى التَّيْمِيُّ لِجَارٍ لَهُ قَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ : أَيَا فُلانٍ ، لِيَكُنْ جَزَعُكَ لَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَكْثَرَ مِنْ جَزَعِكَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَأَعِدَّ لَعَظِيمِ الأُمُورِ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ .

قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُليمانَ : قَالَ لِي أَبِي حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ : يَا مُعْتَمِرُ حَدِّثْنِي بِالرُّخَصِ لَعَلِّي أَلْقَى اللهَ وَأَنَا حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ . رواه ابن أبي الدنيا في " حُسن الظنّ بالله " .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النّخعي قَالَ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُلَقِّنُوا الْعَبْدَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِكَيْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ . رواه ابن أبي الدنيا في " حُسن الظنّ بالله " .
وقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ : رأيتُ حَوْشَبًا في مَنَامِي ، فَقُلْتُ : أَبَا بِشْرٍ كَيْفَ حَالُكُمْ ؟ قَالَ : نَجَوْنَا بِعَفْوِ اللهِ ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا تَأمُرُنَا بِهِ ؟ قَالَ : عَلَيْكَ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ ، وَحُسْنِ الظَنِّ بِمَوْلاكَ ، وَكَفَى بِهِمَا خَيْرًا .

ومِنْ حُسْنِ الظَنِّ بِاللهِ أَنْ يَظنَّ بِاللهِ خَيْرا أنْ لا يَطْرَحَهُ في النَّارِ ، مَعَ إحسانِهِ العَمَلَ .
قَالَ خَلَفُ بنُ تميمٍ : قُلْتُ لَعَلِيِّ بنِ بَكَّارٍ : مَا حُسْنُ الظَنِّ بِاللهِ ؟ قَالَ: لا يَجْمَعُكَ والْفُجَّارَ في دَارٍ وَاحِدَةٍ .
ومِنْ حُسْنِ الظَنِّ بِاللهِ : أنْ يَظُنَّ العَبْدُ بِربِّهِ خَيرًا في مُحَاسَبَتِهِ .
قَالَ سفيانُ الثوريُّ : مَا أُحِبُّ أنَّ حِسَابِي جُعِلَ إلى وَالديَّ ؛ رَبِّي خَيْرٌ لِي مِنْ والديَّ .
وَعَنْ إدريسَ بِنِ عَبْدِ اللهِ الْمَرْوزيِّ ، قَالَ : مَرِضَ أَعْرابِيٌّ، فَقِيلَ لَهُ : إنَّكَ تَموتُ ، قَالَ: وأينَ أَذْهَبُ ؟ قَالَوا: إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَمَا كَراهَتِي أَنْ أَذْهَبَ إلى مَنْ لا أَرَىَ الْخَيْرَ إلاَّ مِنْهُ .

أيُّها الْمُؤمِنونَ
مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِاللهِ تَعَالَى دَلَّـهُ اللهُ وَهَدَاهُ .
وفي خبرِ موسى عليه الصلاة والسلام : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) خَرَجَ مُوسَى وَلا عِلْمَ لَهُ بِالطَّرِيقِ إلاَّ حُسْنُ ظَنٍّ بِرَبِّهِ . كَمَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ .
فهَدَاهُ اللهُ ، وَسَخَّرَ لَهُ مَنْ آوَاهُ وَأَمَّنَهُ وَزَوَّجَهُ .

قَالَ بَعْضُ الصَّالحينَ : اسْتَعْمِلْ في كُلِّ بَلِيَّةٍ تَطْرُقُكَ حُسْنَ الظَنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ في كَشْفِهَا ؛ فَإنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلى الفَرَجِ .

إنَّ الْمُؤمِنَ حِينَ يُحْسِنُ الظَنَّ بَرَبِّهِ لا يَزَالُ قَلْبُهُ مُطْمَئنا وَنَفْسُهُ آمِنَةً تَغْمُرُهَا السَّعَادَةُ وَالسَّكِينَةُ .
فَأحْسِنْ بِربِّكَ ظَنَّكَ ..
وَمِنْ دُعَاءِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ ، وَحُسْنَ الظَّنِّ بِكَ .

قال ذو النون : الْجُود بِالْمَوْجُود غاية الْجُود ، والبُخل بِالْمَوْجُود سُوء ظَنّ بِالْمَعْبُود . رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .

وقال الفضل بن سهل: رأيت جُمْلَة البُخْل : سُوء الظّنّ بِالله تعالى ، وجُمْلَة السّخَاء : حُسْن الظّنّ بِالله تعالى ، قال الله عز وجل : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) ، وقال الله عز وجل : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) . رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " .

وَظَنِّي فِيكَ يا رَبي جَمِيْلٌ *** فَحَقِقْ يا إلَهِي حُسْنَ ظَنّي

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة عن .. (خطر النفاق) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 06-10-2015 07:57 PM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 07:52 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى