[راجية العفو]

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
جزاكم الله خير شيخنا الفاضل وأثقل موازين حسناتكم ..
وبارك في علمكم وعملكم ..
كيف يكون حب الشهرة حراما ..
ومتى يدخل الإنسان في الذنب ..
وهل يؤثر على المرء لو أهمه التميز في المسكن أو الملبس أو السيارات
وهل يعتبر الشخص الذي يحصل على شهادات عالية (حبا في التميز والمكانة والرفعة بين الناس)
شخصا مذنبا ..
أفيدونا بارك الله فيكم وأثابكم



الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

لا تكون الشهرة ولا حُبّ التميز ولا طَلب الرِّفْعَة مُحَرَّمة إلاّ أن تَجُرّ إلى مُحرَّم .
وكان السلف يَهرُبون مِن الشُّهْرَة لِمَا لَها مِن ضريبة !

روى أبو نُعيم في " الحلية" عن الأوزاعي قال : قَدِم عطاء الخراساني على هِشام فَنَزل على مكحول ، فقال لِمَكْحُول : هاهنا أحد يُحَرِّكنا ؟ قال : نعم ، يزيد بن ميسرة ، فأَتَوْه ، فقال عطاء : حَرِّكْنا رَحمك الله . قال : نعم ، كانت العلماء إذا عَلِمُوا عَمِلُوا ، فإذا عَمِلُوا شُغِلوا ، فإذا شُغِلوا فُقِدوا ، فإذا فُقِدوا طُلِبوا ، فإذا طُلِبوا هَرَبُوا . قال : أعِد عَلّيّ ، فأعاد عليه ، فَرَجَع عَطاء ولم يَلْق هِشَامًا !

وروى البيهقي في " شُعب الإيمان " عن السَّرِيَّ بْنَ الْمُغَلِّسِ الْعَابِدَ قال : إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا قَطَعَ الْأَسْبَابَ مِنْ قُلُوبِهِمْ ، وَوَلِيَ سَيَاسَتَهُمْ وَتَقْوِيمَهُمْ فَاسْتَقَامُوا بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ وَلِيًّا مُرْشِدًا ، وَصَرَفَ آخَرِينَ أَمَرَهُمْ بِالقِيَامِ فِي الْأَسْبَابِ ، فَطَلَبُوا الْعِلْمَ وَاقْتَبَسُوهُ فَلَمَّا عَلِمُوا عَمِلُوا وَلَمَّا عَمِلُوا عَرَفُوا وَلَمَّا عَرَفُوا هَرَبُوا .

وقال الفُضَيْل بن عِياض :
بَلَغَنِي أَنَّ العُلَمَاءَ - فِيْمَا مَضَى - كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَمِلُوا ، وَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا ، وَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا ، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا ، فَإِذَا طُلِبُوا هَرَبُوا .

ولا يؤثر على المرء لو أهمه التميز في المسكن أو الملبس أو السيارة ؛ إلاّ أن يَحمِله ذلك على ارتكاب ما حرَّم الله ِمِن مَكَاسِب ، أو يحمِله ذلك على ازدراء الناس واحتقارهم .

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذَرّة مِن كِبر . قال رجل : إن الرَّجُل يُحِبّ أن يكون ثوبه حَسَنا ونَعله حسنة . قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكِبر بَطر الحق وغَمط الناس . رواه مسلم .
وروى البخاري في " الأدب الْمُفْرَد " وأبو داود أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ رَجُلاً جَمِيلاً - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي رَجُلٌ حُبِّبَ إِلَىَّ الْجَمَالُ ، وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى ، حَتَّى مَا أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ - إِمَّا قَالَ بِشِرَاكِ نَعْلِي ، وَإِمَّا قَال : بِشِسْعِ نَعْلِى - أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لاَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ .

وجاء التحذير والوعيد في حقّ مَن الْتَمَس الدنيا بالدِّين ، كالشخص الذي يحصل على شهادات شَرعيّة عالية حُبًّا في التميز والمكانة والرفعة بين الناس ؛ فقال عليه الصلاة والسلام : بَشِّر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عَمِل منهم عَمل الآخرة للدنيا لم يَكن له في الآخرة نَصِيب . رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ، وهو صحيح .


وسبق :
توجيه لكلّ مَن يظهر في الإعلام الإسلامي حتى أصبَح مشهورا ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12551

كيف يكون الصدق مع الله تعالى ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9093

ما رأيك بالناس الذين يبحثون عن الشهرة ؟ وما فائدتهم من وراء ذلك ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9094

أرجو شرح حديث : مَن تعلم العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يَصرِف به وجوه الناس إليه ، أدخله الله جهنم .
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9423

يعمل معلّما ويُحب ثناء الطلاب والآخرين عليه ويخشى أنّ هذا رياء
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=5091

والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض