صديقتي افَترَتْ عليّ . فهَجَرتُها . هل تُرفع أعمالي إلى الله ؟
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم لي أخت في الله وصديقة .. حصل بيني وبينها موقف ما .. لم أهجرها تماماً مثلاً إذا مررتُ بها ألقيتُ عليها السلام و إذا هي أتتْ و مدتْ يدها لمصافحتي فإني أستحي أن أردّها . لكني لا أستطيع أن أنظر إليها لشدة ما أجد في نفسي . سؤالي :: هل تُرفع أعمالي إلى الله كل اثنين و خميس أم أنني أدخل ضمن حديث ( انظـِـروا هذين حتى يصطلحا ) و هذا الأمر الذي أزعجني . في قرارة نفسي أنا أستشهد بقصة الرسول عليه الصلاة و السلام مع وحشي حين أتى مبايعاً له على الإسلام فأمره أن لا يريه وجهه لأنه يتذكّر ما فعله في عمه حمزة رضي الله عنه . فهل سيعاقبني الله بسبب هذا الأمر ؟؟ http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gifالجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبارك الله فيك ووفقك الله لما يُحب ويَرضى الْهَجْرُ نَوعَان : هَجْرٌ لِحَظِّ الـنَّفْس وهَجْرٌ لسبب شرعي فالهجر لِحَظٍّ من حظوظ النفس ، لا يجوز أن يتجاوز ثلاثة أيام .. والهجر الشرعي يجوز أن يُجاوِز ذلك . ومِن النوع الثاني هَجْر النبي صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين خُلِّفوا ، فقد هجرهم خمسين يوما ، كما في الصحيحين . وفي الصحيحين أن عبد الله بن المغفل رأى رجلا من أصحابه يَخْذِف ، فقال له : لا تَخْذِف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَكره - أو قال : يَنهى - عن الخذف ، فإنه لا يُصطاد به الصيد ، ولا يُنْكأ به العدو ، ولكنه يَكْسِر السِّن ، ويَفْقَأ العين ، ثم رآه بعد ذلك يَخْذِف ، فقال له : أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَكره أو يَنهى عن الخذف ، ثم أراك تَخْذِف ، لا أكلمك كلمةً .. كذا وكذا . رواه البخاري ومسلم . قال الإمام النووي عن هذا الحديث : فيه هُجران أهل البدع والفسوق ، ومُنَابِذِي السُّنَّة مع العلم ، وأنه يجوز هجرانه دائما ، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هَجَر لِحَظِّ نفسه ومعايش الدنيا ، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائما ، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له ، كحديث كعب بن مالك وغيره . اهـ . وقال ابن حجر : وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يَتعلّق بِمَن هَجر لِحَظّ نفسه . اهـ . وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يَهجر أخاه فوق ثلاث ليال . قال ابن عبد البر : وأما قوله : " ولا يحل لمسلم أن يهجر أو يُهاجر أخاه " فهو عندي مخصوص أيضا بحديث كعب بن مالك إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يَهجروه ويَقطعوا الكلام عنه والسلام عليه ؛ لِمَا أحدثه في تخلّفه عن غزوة تبوك وهو قادر على الغزو . وقد جَعل بعض أهل العلم حديث كعب هذا أصلا في هجران أهل البدع ومَن أحدث في الدِّين ما لم يُرضَ . والذي عندي أن مَن خُشي مِن مجالسته ومكالمته الضرر في الدِّين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء ؛ فهجرانه والبعد عنه خير مِن قُربه ؛ لأنه يحفظ عليك زلاّتك ، ويُماريك في صوابك ، ولا تسلم مِن سوء عاقبة خُلطته . ورُبّ صَرْم جميل خير مِن مُخالطة مُؤذية . اهـ . وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عمّن يجب أو يجوز بُغضه أو هَجره أو كلاهما لله تعالى ؟ وماذا يُشترط على الذي يُبغضه أو يَهجره لله تعالى مِن الشروط ؟ وهل يدخل تَرك السلام في الهجران أم لا ؟ وإذا بدأ المهجور الهاجر بالسلام هل يجب الردّ عليه أم لا ؟ وهل يستمر البُغض والهجران لله عز وجل حتى يتحقق زوال الصفة المذكورة التي أبغضه وهَجَره عليها ؟ أم يكون لذلك مُدة معلومة ؟ فإن كان لها مدة معلومة فما حدها ؟ أفتونا مأجورين . فأجاب رحمه الله : الهجر الشرعي نوعان : أحدهما بِمَعنى التَّرك للمنكرات . والثاني بمعنى العقوبة عليها . فالأول : هو المذكور في قوله تعالى : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، وقَوْله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ) . فهذا يُراد به أنه لا يَشهد المنكرات لغير حاجة ، مثل : قوم يشربون الخمر يجلس عندهم ، وقوم دَعوا إلى وليمة فيها خمر وزَمر لا يُجيب دعوتهم ، وأمثال ذلك . بخلاف مَن حَضَر عندهم للإنكار عليهم ، أو حَضَر بغير اختياره . ولهذا يقال : حاضر المنكر كَفَاعِله . وفي الحديث: " مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُشرب عليها الخمر " . وهذا الْهَجر مِن جنس هَجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " المهاجِر مَن هَجَر ما نهى الله عنه " ... النوع الثاني : الْهَجْر على وَجه التأديب ، وهو هجر مَن يُظهر المنكرات يُهْجَر حتى يتوب منها ، كما هَجَر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون : الثلاثةَ الذين خُلِّفوا حتى أنزل الله توبتهم ، حين ظهر منهم تَرك الجهاد الْمُتعَيِّن عليهم بِغير عذر ، ولم يَهجر مَن أظهر الخير وإن كان مُنافقا . فهنا الْهَجْر هو بِمَنْزِلة التعزير . والتعزير يكون لمن ظَهَر مِنه تَرْك الواجبات وفَعل المحرمات ، كَتَارِك الصلاة والزكاة ، والتظاهر بالمظالم والفواحش ، والدَّاعي إلى البدع المخالِفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بِدَع ... وهذا الْهَجْر يختلف باختلاف الهاجِرِين في قُوّتهم وضعفهم وقِلّتهم وكثرتهم ؛ فإن المقصود به زَجر المهجور وتأديبه ، ورُجوع العامّة عن مثل حَالِه . فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يُفضي هَجره إلى ضَعف الشر وخِفيته كان مشروعا . وإن كان لا المهجور ولا غيره يَرْتَدع بذلك بل يزيد الشر ، والهاجِر ضعيف بحيث يكون مَفسدة ذلك راجحة على مصلحته ؛ لم يُشْرَع الْهَجْر ، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع مِن الْهَجر . والْهَجْر لبعض الناس أنفع من التأليف ؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألّف قوما ، ويَهْجُر آخرين . اهـ . وقد ألّف السيوطي كتابا سمّاه " الزّجر بالْهَجر " وقال عن سبب تأليفه : لأني كثير الملازمة لهذه السُّنَّة . فالمحذور من الهجر فوق ثلاث أن يكون لِحَظِّ النَّفْس ، وأن يكون هجرا تاما بحيث يُعرِض كلّ منهما عن صاحبه لا يُسلِّم عليه ولا يَرُدّ عليه السلام أكثر من ثلاثة أيام ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الهجر المذموم : لا يَحِلّ لِرَجُل أن يَهْجُر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فَيُعْرِض هذا ويُعْرِض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام . رواه البخاري ومسلم . فإن المذموم في هذا الهجر أن يتعدّى ثلاثة أيام – وهي فترة كافية لِذهاب الغضب – والمذموم فيه أيضا أن لا يكون فيه سلام ولا كلام . فإذا كان فيه سلام فقد خَرَج عن حدّ الهجر . قال الإمام البخاري : ويُذْكَر عن أبي الدرداء : إنا لَنَكْشُر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم . قال ابن حجر : والكشر - بالشين المعجمة وفتح أوّله - : ظهور الأسنان ، وأكثر ما يُطْلَق عند الضحك . اهـ . قال ابن عبد البر : وذكر ابن وهب عن مالك أنه قال : إذا سَلّم عليه ؛ فقد قطع الهجرة . [يعني : الْهَجْر ] . وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : إذا سلّم عليه ، هل يجزئه مِن ذلك سَلامه؟ قال : يُنظر إلى ما كان عليه قبل المُصارَمة فلا يخرجه مِن الهجران إلاّ بالعودة إلى ما كان عليه ، ولا يخرجه مِن الهِجرة إلاّ سلام ليس معه إعراض ولا إدبار . اهـ . فهذا يَدُلّ على أن الإنسان قد يُسلِّم أو يبتسِم في وجه من لا يُحبّه .. وهذا من المداراة .. وقد سبق بيان الفرق بين المداراة والمداهنة مُداهنة أم مُداراة http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6609 وسَبَقت الإشارة إلى الهجر في : والله لا أُكلّمك أبداً http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=2143 هل تُقبَل الأعمال الصَّالِحة مِن إنسان بينه وبين أمِّه خصومة ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=8877 نختلف معهن في أسلوب الدعوة فهل نبتعد عنهن ونهجرهن؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=3270 قاطَعْتُ ابنة عمي لأنها تزوجت مِن رجل أجنبي ، فهل عليّ إثم ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14103 كيف أعفو عن من ظلمني ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=10051 ما حُكم مَن قاطع أختًا له اتقاء لِشرّها حيث إنها مشعوذة ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4310 إذا هجرتني صديقتي دون رغبتي فهل أشاركها الإثم ؟ http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=16592 والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم |
الساعة الآن 12:27 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by
Sherif Youssef
يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى