|
|
المنتدى :
قسم الأسرة المسلمة
هل يمكن أن يجد العُصاة السعادة الأسرية في حياتهم ؟
بتاريخ : 15-02-2010 الساعة : 07:36 PM
هل يمكن أن يجد العُصاة السعادة الأسرية في حياتهم ؟
الجواب :
قد يجد الكافر السعادة الأسرية في حياته فضلا عن العاصي ، ولكن السعادة لا تكون بِكمالها ودوامها إلاّ مع الإيمان بالله ، وترك المعاصي .
والسعادة مثل العَسل ، الْكُلّ يتذوّقها ، ولكن قد تختلف الأذواق ، ويختلف طعم العسل باختلاف المتذوّق !
فالمريض قد يجد العسل مُرًّا ، وغيره قد يجده حُلوًا ، وثالث قد يجِد فيه العافية .
فليست العبرة بتذوّق العسل بِقَدْر ما هي بالانتفاع به ، ودوام العسل في حياة الإنسان .
وكذلك السعادة في الحياة الأسرية قد يجدها الكافر ، لكنها مُؤقّتة ، وليست كاملة ، فَلَدَيه من الضيق والضنك ما يُفسد عليه طعم السعادة أو يُكدِّرها .
وقد يجد العاصي السعادة في حياته الأسرية ، لكنه قد يُكدِّرها بالمعصية ، وإن لم يشعر بذلك ! لأن المعصية ذلّ !
قال الحسن : إنهم وإن هَمْلَجَت بهم البِغال ، وطقطقت بهم البَرَاذِين إن ذُلّ المعصية لَفِي قلوبهم ، أبى الله إلاَّ أن يُذِلّ مَن عَصاه .
وقد نجد من العُصاة من يصِف السعادة في الحياة الزوجية ، ويُخبر أنه وَجَدها وعَاشَها ، ولكنه ربما لا يشعر بِما يُنغّصها عليه ..
فإن لم يشعر فتلك عقوبة واستدراج !
قال ابن الجوزي : أعظم المعاقبة أن لا يُحِسّ المعاقَب بالعقوبة ، وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة ، كالفَرَح بالمال الحرام ، والتمكن من الذنوب . ومن هذه حاله ، لا يفوز بطاعة . اهـ .
والعاقل الحصيف من يتلمّس آثار الذنوب على حياته وحياة أهله .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلُق حِماري وخَادمي .
قيل لِوُهيب بن الوَرْد : يَجد طَعْم العبادة مَن يَعصِي ؟
قال: ولا مَن يَهمّ بِالْمَعْصِيَة .
وقد يجد العاصي السعادة حِينًا ، ثم ما يلبث أن يكسر كل أواني السعادة ، وذلك بِكسر الضِّلَع !
والعبرة بِكمال النهايات ، كما أن العبرة بالخواتيم .
وربما وُجِد من الطائعين من لا يجد طعم السعادة الزوجية ، وسبب ذلك أنه لا تلازُم بين الطاعة في حياة الشخص ، وبين السعادة الأُسرية ، وإن وُجِدت العلاقة بينهما ، إلاّ أنه لا تلازُم ، وفَرْق بين الأمرين .
وذلك لأن للسعادة الزوجية مطالب أخرى ، وهي كالفتيلة تحتاج إلى نار تُقْدَح ، وإلى زيت يُضيء ، فربما وُجِدت النار ونَفِد الزيت ! وربما وُجِد الزيت والفتيلة وغابت القَدّاحة !
وهكذا .. فلا بُدّ من تكامل تلك المنظومة لتوجد السعادة الأسرية ..
وليس من شرط السعادة الأسرية أن لا تُوجد المشكلات الأسرية ، ولا يعني انعدام الخلاف بين الزوجين ، فلو كان هذا يصفو لحد بتمامه وكماله لكان صفوة الْخَلق صلى الله عليه وسلم أوْلى بذلك .
ومن تأمّل حياته صلى الله عليه وسلم عَلِم قَدْر صبره على نسائه وغيرتهنّ ..
وعُنوان السعادة في خِصال :
قال معاوية بن أبي سُفيان رضي الله عنه : أفضل ما أُعطِي الرّجُل : العقل والْحِلْم ، وإذا ذُكّر ذَكَر ، وإذا أُعْطِي شَكَر ، وإذا ابْتُلِي صَبَر ، وإذا غَضِب كَظَم ، وإذا قَدَر غَفَر ، وإذا أساء استَغْفر ، وإذا وَعَد أنْجَز .
(تاريخ دمشق ، لابن عساكر ، والبداية والنهاية ، لابن كثير)
وقال ابن القيم رحمه الله :
أدَب المرء : عنوان سعادته وفَلاحه ، وقِلّة أدبه : عنوان شقاوته وبَوارِه . فما استُجلِب خير الدنيا والآخرة بِمثل الأدب ، ولا استجلب حِرمَانها بِمثل قِلّة الأدب .…
وتأمل أحوال كل شَقِيّ ومُغتَرّ ومُدْبِر : كيف تَجد قِلّة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ؟!
(مدارج السالكين)
وقال الشيخ الْمُجَدِّد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يَتولاّك في الدنيا والآخرة ، وأن يجعلك مُبارَكا أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعْطِي شَكَر ، وإذا ابْتُلِي صَبَر ، وإذا أذنَب اسْتَغْفَر . فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة .
(القواعد الأربع)
والله تعالى أعلم .
وسبق :
لماذا يملك العاصون والمجاهرون بالمعصية أموالاً طائلة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5579
أريد أن أشعر بالسعادة في الدنيا دون معصية الله من سماع الأغاني والنظر إلى المحرمات
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7466
تائهة تبحث عن السعادة والراحة النفسية، كيف تصل إلى الراحة النفسية وتتذوق طعم السعادة؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=15682
وكنت ذَكرتُ شيئا من ذلك عن السعادة في مقالات بعنوان :
الْمَكَارِمُ مَنَوطَـةٌ بالْمَكَارِهِ
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6513
اقْرَأ و ارْقَـأ
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9256
من اعتز بغير الله ذل
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12749
فائدة :
قال القاضي عياض : البراذين هي الخيل غير العِراب والعِتاق ، وسُمّيت بذلك لِثقلها ، وأصل البرذنة الثقل .
وفي " لسان العرب " : والبراذين من الخَيْلِ ما كان من غير نِتاج العِرابِ ، وبَرذَنَ الفرسُ مَشَى مشيَ البَراذينِ ، وبَرْذَنَ الرجلُ ثَقُلَ .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن بن عبد الله السحيم
|
|
|
|
|