منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسم الأسرة المسلمة (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=13)
-   -   ما هي حدود وضوابط بر الوالدين ؟ (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=9300)

راجية العفو 19-09-2012 02:08 PM

ما هي حدود وضوابط بر الوالدين ؟
 

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ بارك الله فيكم
ما هي حدود وضوابط بر الوالدين
- هل يحق للوالدين التدخل في شؤون ابنهم الشخصية ؟
- وهل الطاعة تكون حتى في الغيب ؟
مثلا والدي طلب مني أن لا أفعل كذا وفعلا ً أطعته ولم أفعله أمامه كي لا يغضب لكن إذا لم يكن موجود أو كنت غائبا عن المنزل هل يجوز أن أفعل ما نهاني عنه والدي ( علما أن الذي منعني عنه ليس معصية لله) فهل إذا فعلته في غيابه يعتبر معصية للوالد داخل ضمن العقوق ؟ أم أن الطاعة تكون بحضوره إرضاء له فقط؟


http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .

غالب تدخّل الوالدين في شؤون أولادهم إنما هو بِدافع الحرص والمصلحة .
وإذا كان تدخّل الوالدين مِن أجل المصلحة ، فهو مشروع ، وهو سُنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
وهو ما كنت أشرتُ إليه هنا :
ما بال أم الدرداء مُتبذّلـة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=4506


وقد يكون تدخّل الوالدين في غير محلّه ، خاصة إذا كان الابن كبيرا ويُحسن التصرّف ، وكان الدافع على التدخّل هو الهوى !

وحدود طاعة الوالدين في المعروف ، وفيما لهم فيه مصلحة ، هذا مِن البِرّ ، أما غير ذلك ففي الأمر سَعة . لأن مِن طاعة الوالدين ما هو واجب ، ومنها ما هو قَدْر زائد .

قَالَ الْمَيْمُونِيُّ : قُلْت لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ [ الإمام أحمد ] : كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ ؟ قَالَ : لا أَدْرِي ! قُلْت : فَمَالِكٌ ؟ قَالَ : وَلا أَدْرِي ! قُلْت : فَتَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فَرْضٌ ؟ قَالَ : لا أَعْلَمُهُ . قُلْت : مَا تَقُولُ أَنْتَ ، فَرْضٌ ؟ قَالَ : فَرْضٌ ؟ هَكَذَا ، وَلَكِنْ أَقُولُ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ : مَنْ أَغْضَبَ وَالِدَيْهِ وَأَبْكَاهُمَا يَرْجِعُ فَيُضْحِكُهُمَا ... وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ : هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يَبْرَأَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ ، فَمَا أَمَرَاهُ ائْتَمَرَ ، وَمَا نَهَيَاهُ انْتَهَى . وَهَذَا فِيمَا كَانَ مَنْفَعَةً لَهُمَا وَلا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ ظَاهِرٌ مِثْلُ تَرْكِ السَّفَرِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ عَنْهُمَا نَاحِيَةً .
وَاَلَّذِي يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلا يُسْتَضَرُّ هُوَ بِطَاعَتِهِمَا فِيهِ قِسْمَانِ :
قِسْمٌ يَضُرُّهُمَا تَرْكُهُ ، فَهَذَا لا يُسْتَرَابُ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِيهِ ، بَلْ عِنْدَنَا هَذَا يَجِبُ لِلْجَارِ .
وَقِسْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلا يَضُرُّهُ أَيْضًا طَاعَتُهُمَا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى كَلامِهِ ، فَأَمَّا مَا كَانَ يَضُرُّهُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَكِنْ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لأَنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَأَرْكَانِ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ ، فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لا يَتَعَدَّى ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا أَمْرَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّا جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ مَالَهُ مَا لَمْ يَضُرُّهُ ، فَأَخْذُ مَنَافِعِهِ كَأَخْذِ مَالِهِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ " ، فَلا يَكُونُ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ .
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : نُصُوصُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ الْفَرْضِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ : فِي رَجُلٍ تَسْأَلُهُ أُمُّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِلْحَفَةً لِلْخُرُوجِ ؟ قَالَ : إنْ كَانَ خُرُوجُهَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ جَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ لأَمْرٍ وَاجِبٍ لا بَأْسَ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَقِيلَ لَهُ : إنْ أَمَرَنِي أَبِي بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ لَهُ ، َلَيّ طَاعَتِهِ ؟ قَالَ : لا .
وذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ : لا يُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ نَفْلٍ مُؤَكَّدٍ ، كَطَلَبِ عِلْمٍ لا يَضُرُّهُمَا بِهِ ، َتَطْلِيقِ زَوْجَةٍ بِرَأْيٍ مُجَرَّدٍ . قَالَ : لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ : " لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ " ، وَطَلاقُ زَوْجَتِهِ لِمُجَرَّدِ هَوًى ضَرَرٌ بِهَا وَبِهِ . نقل ذلك كله ابن مفلح في " الآداب الشرعية " .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : لَيْسَ لأَحَدِ الأَبَوَيْنِ أَنْ يُلْزِمَ الْوَلَدَ بِنِكَاحِ مَنْ لا يُرِيدُ ، وَأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ لا يَكُونُ عَاقًّا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لأَحَدِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَكْلِ مَا يَنْفِرُ عَنْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَكْلِ مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهُ كَانَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ وَأَوْلَى ؛ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَكْرُوهِ مَرَارَةً سَاعَةً ، وَعِشْرَةَ الْمَكْرُوهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى طُولٍ يُؤْذِي صَاحِبَهُ كَذَلِكَ ، وَلا يُمْكِنُ فِرَاقُهُ .

وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ مُتَزَوِّجٍ وَلَهُ أَوْلادٌ ، وَوَالِدَتُهُ تَكْرَهُ الزَّوْجَةَ ، وَتُشِيرُ عَلَيْهِ بِطَلاقِهَا . هَلْ يَجُوزُ لَهُ طَلاقُهَا ؟
فأجاب رحمه الله :
لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِقَوْلِ أُمِّهِ ؛ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَبَرَّ أُمَّهُ ، وَلَيْسَ تَطْلِيقُ امْرَأَتِهِ مِنْ بَرِّهَا .

وقال ابن مُفلِح في " الآداب الشرعية " :
لا تَجِبُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ بِطَلاقِ امْرَأَتِهِ ، فَإِنْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلاقِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَجِبْ . ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ . قَالَ سِنْدِيّ : سَأَلَ رَجُلٌ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ إنَّ أَبِي يَأْمُرُنِي أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي . قَالَ : لا تُطَلِّقْهَا . قَالَ : أَلَيْسَ عُمَرُ أَمَرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ؟ قَالَ : حَتَّى يَكُونَ أَبُوك مِثْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ !

فإذا أمَر أحد الوالدين الابن – أو البنت – بأمْر في خاصة نفسه ، فالأفضل طاعته فيما أمَر إذا لم يكن فيه ضرر ولا مشقة على الولد .
وكذلك إذا نهياه عن شيء .. خاصة إذا كان ما أُمِر به أو نُهي عنه مما يحتمل الأمر فيه .

ولا تجب طاعتهما في حال الغياب إلا ما كان فيه لهما مصلحة ، أو ما ترتّب على مخالفتهما غضبهما ، فليست طاعة الوالد مثل طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وطاعة الوالدين تابعة لِطاعة الله تبارك وتعالى ، فإنهما لا يُطاعان في معصية ؛ لِقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف . رواه البخاري ومسلم .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : على المرء والطاعة فيما أحَبّ وكَرِه إلاّ أن يُؤمر بمعصية ، فإن أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة . رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : لا طاعة لِبَشَرٍ في معصية الله . رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح .

وهنا :
ما حكم قول جدي لوالدي لن أسامحك ليوم الدين إذا سكنت خارج مَنْزِل العائلة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6532

ما هي حدود طاعة الوالدين ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7131

ما مقدار طاعة وتوقير الكبير مِن والد أو شيخ أو أخ أكبر ؟
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13278

هل مِن برّ الوالدين أن تُطرد الزوجة مِن بيت الزوجية ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=941

والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض


الساعة الآن 03:18 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى