السلام عليكم
سمعت حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصوموا السبت إلا ما فرضته عليكم .
فهل هذا الحديث صحيح ؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحديث : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افْـتُرض عليكم . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه . والحديث لا تخلو أسانيده مِن مقال .
وهذا الحديث رواه أبو داود ، ثم قال عقبه : هذا حديث منسوخ .
وقال بعد ذلك : قال مالك : هذا كذِب .
وللعلماء في هذا الحديث ثلاثة أقوال :
القول الأول : ردّ هذا الحديث ، والقول ببطلانه ، كما هو قول الإمام مالك ، وقد رجّح ابن القيم أن الحديث ضعيف ، وأعلّه ابن حجر في البلوغ ، ويُنظر " سبل السلام " للصنعاني ، أو القول بأنه منسوخ ، كقَول أبي داود .
القول الثاني : تصحيح الحديث ، والقول بتحريم صيام يوم السبت في غير الفريضة !
والقول الثالث : التوسّط بين القولين : وهو أن يُقال : بِثبوت الحديث ، وكراهية قصد إفراده ، وجواز صيامه بغير قصد إفراده .
ويُكره إفراد يوم السبت بصيام ، ويجوز صيام يوم السبت تَبَعا لغيره ، كأن يُصام يوم قبله ، أو يوم بعده ، أو يُوافق أحد ايام البيض .
وقد قال الإمام الترمذي بعد روايته للحديث : هذا حديث حسن . ومعنى كراهته في هذا : أن يَخُص الرّجُل يوم السبت بصيام ؛ لأن اليهود تُعظّم يوم السبت . اهـ .
وروى البخاري عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : أصمتِ أمس ؟ قالت : لا . قال : تريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا . قال : فأفطري .
ورَوى البخاري ومسلم مِن حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يَصُم أحدكم يوم الجمعة إلاّ أن يصوم قبله أو يصوم بعده .
وهذا أصح في جواز صيام يوم السبت إذا أُضيف إليه غيره قبله أو بعده .
وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يصوم يوماً ويُفطِر يوماً ، ولم ينهه عن صيام يوم السبت ، ومعلوم أن من صام يوما وأفطر يوما فإنه لا بد أن يُفرِد يوم السبت بصيام .
وحديث عبد الله بن عمرو مُخرّج في الصحيحين .
والقاعدة : لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ؛ فلَم يَقُل النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ولا لغيره إذا صام يوما وأفطر يوما أن لا يُفرِد يوم السبت ، كما لم يَنه عن إفراد صيام يوم الجمعة إذا وافق صياما مُعتادا .
ويجوز إفراد يوم السبت وتزول الكراهة إذا صادَف يوم عرفة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده . رواه مسلم .
والكراهة تزول بأدنى سبب عند أهل العلم .
ولا يجوز رد هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وفي غيرها لحديث مُتكلّم في إسناده أولاً ، وهو مُعارَض ثانيا بما هو أصح منه ؛ فقد رَوى الحاكم من طريق ابن وهب قال : سمعت الليث يُحدِّث عن ابن شهاب أنه كان إذا ذُكر له أنه نَهى عن صيام يوم السبت . قال : هذا حديث حمصي ، وله مُعارِض بإسناد صحيح . اهـ . وأصل هذ االقول عند أبي داود .
قال النووي : وهو حديث جويرة السابق في صوم يوم الجمعة . اهـ . يَعني : أن حديث : لا تصوموا يوم السبت ... " مُعارَض بِحديث أم المؤمنين جويريرة رضي الله عنها ، وهو في صحيح البخاري ، كما سَبَق .
قال الطحاوي في "
شرح معاني الآثار " : ذهب قوم إلى هذا الحديث ؛ فكَرِهوا صوم يوم السبت تطوّعا ، وخالفهم في ذلك آخرون ، فلم َيروا بصومه بأسًا .
وكان من الحجة عليهم في ذلك أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة إلاّ أن يصام قبله يوم أو بعده يوم ... فاليوم الذي بعده هو يوم السبت . ففي هذه الآثار المروية في هذا إباحة صوم يوم السبت تطوعا ، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء مِن هذا الحديث الشاذ الذي قد خالفها . وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء وحض عليه ، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه . ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه . اهـ .
كما أنه يُمكن الجمع بين هذه الأحاديث بأن يُقال :
الأحاديث الواردة في النهي عن صيام يوم السبت تُنـزّل على قصد إفراده لِمَا فيه مِن مُشابهة أهل السبت ، والأحاديث الأخرى دائرة بين جواز صيامه إذا ضُمّ إليه غيره قبله أو بعده ، وبين كراهة إفراده ، وتزول الكراهة إذا وُجِد السبب .
وبهذا جَمع العلماء بين الأحاديث :
فقد روى الترمذي الحديث وقال : هذا حديث حسن ، ومعنى كراهته في هذا : أن يَخصّ الرجل يوم السبت بصيام ؛ لأن اليهود تُعظّم يوم السبت . اهـ .
قال ابن قُدامة في " المُغْنِي " : قال أصحابنا : يُكْرَه إفراد يوم السبت بالصوم ، لِمَا رَوى عبد الله بن بُسْر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تَصوموا يوم السبت إلاّ فيما افتُرض عليكم . أخرجه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن .
وروي أيضا عن عبد الله بن بُسْر عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تصوموا يوم السبت إلاّ فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغه . أخرجه أبو داود .
قال الأثرم : قال أبو عبد الله [ يعني الإمام أحمد ] : أما صيام يوم السبت يَفْتَرِد به فقد جاء فيه حديث الصمّاء ، وكان يحيى بن سعيد يَتّقيه أي أن يحدثني به ، وسمعته مِن أبي عاصم .
والمكروه إفراده ، فإن صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة وجويرية
، وإن وافق صومًا لإنسان لم يُكرَه لِمَا قدّمناه .
وقال أصحابنا : ويُكره إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان بالصوم ؛ لأنهما يومان يعظمهما الكفار ، فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما ،
فَكُرِه كيوم السبت . وعلى قياس هذا كل عِيد للكفار أو يوم يُفْرِدونه بالتعظيم . اهـ .
وقال النووي : يُكره افراد يوم السبت بالصوم ، فان صام قبله ، أو بعده معه ؛ لم يُكره . صَرّح بِكَرَاهة إفراده أصحابنا . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولا يُكره إفراد يوم السبت بالصّوم ، ولا يجوز تخصيص صوم أعياد المشركين . اهـ .
وقال ابن القيم : قال الأثرم : حُجّة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مُخالِفة لحديث عبد الله بن بسر ، منها حديث أم سلمة حين سُئلت أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها ؟ فقالت : السبت والأحد . ومنها حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة : أصمت أمس ؟ قالت : لا . قال أتريدين أن تصومي غدا ؟ فالغد هو يوم السبت .
وحديث أبى هريرة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا مَقرونا بيوم قبله أو يوم بعده . فاليوم الذي بعده هو يوم السبت . وقال : من صام رمضان وأتبعه بِسِتّ من شوال . وقد يكون فيها السبت ، وأمَرَ بصيام الأيام البيض وقد يكون فيها السبت ، ومثل هذا كثير فقد فهم الأثرم من كلام أبي عبد الله أنه توقّف عن الأخذ بالحديث ، وأنه رَخَّص في صومه حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة ، وذَكَر أن الإمام عَلّل حديث يحيى بن سعيد ، وكان يتقيه ، وأبى أن يحدث به ، فهذا تضعيف للحديث . واحتج الأثرم بما ذكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت ، يعني أن يقال يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره ، وحديث النهي على صومه وحده ، وعلى هذا تتفق النصوص .
وقال عن هذا حديث النهي عن صيام يوم السبت : وقالت طائفة منهم أبو داود : هذا حديث منسوخ . وقالت طائفة - وهم أكثر أصحاب أحمد - : مُحْكَم ، وأخذوا به في كراهية إفراده بالصوم ، وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه .
وقال أيضا : وذلك يُوجب العمل به ، وسائر الأحاديث ليس فيها ما يُعارضه لأنها تدل على صومه مُضافا ، فيُحمل النهي على صومه مفردا كما ثبت في يوم الجمعة ، ونظير هذا الحكم أيضا كراهية إفراد رجب بالصوم وعدم كراهيته موصولا بما قبله أو بعده . اهـ .
وقال : وعلى هذا فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تصوموا يوم السبت " أي : لا تقصدوا صومه بعينه إلاّ في الفَرض ، فإن الرجل يقصد صومه بعينه بحيث لو لم يجب عليه إلاّ صوم يوم السبت ، كمن أسلم ولم يبقّ مِن الشهر إلاّ يوم السبت فإنه يصومه وحده .
وأيضا فقصده بعينه في الفَرض لا يُكره بخلاف قصده بعينه في النَّفل فإنه يُكره ، ولا تزول الكراهه إلاّ بِضمّ غيره إليه أو مُوافقته عادةً ، فالْمُزِيل للكراهة في الفَرض مجرد كونه فرضا لا المقارنة بينه وبين غيره ، وأما في النَّفل فالْمُزِيل للكراهة ضمّ غيره إليه أو موافقته عادة ونحو ذلك . اهـ .
وقوله : " أو موافقته عادة " أي : يُوافِق صيامًا له ، كَم يصوم يوما ويُفطِر يوما ، أو مَن يصوم يوم عرفة أو يُفرِد يوم عاشوراء .
والجمع بين الأحاديث هو المتعيّن .
قال الشيخ أحمد شاكر : إذا تعارض حديثان ظاهراً ، فإن أمكن الجمع بينهما فلا يُعدَل عنه إلى غيره بِحال ، ويجب العمل بهما .
وقال الشيخ الشنقيطي في مسألة أخرى قال : وإنما قلنا إن هذا القول أرجح عندنا لأن الجمع واجب إذا أمكن ، وهو مقدم على الترجيح بين الأدلة كما علم في الأصول . اهـ .
ولا أعلم أن أحدا مِن أهل العِلْم المتقدمين قال بتحريم صيام يوم السبت ، ولا أن أحدا قال بكراهة إفراد يوم السبت بالصيام إذا وَافَق يوم عرفة ، أو وافق صياما كان المسلم يصومه .
وهنا
وقفة عرفة يوم السبت ، فهل علينا صيام يوم قبله ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=7415
كيف أستطيع أن أوافق بين صيام داوود و الأثنين والخميس
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=5603