ما حكم مَن قال عن أقدار الله : (ما يحدث لي إهانة وتقزيم لي أمام الناس مِن القَدَر) ؟
بتاريخ : 28-08-2016 الساعة : 10:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله فضيلة الشيخ وسدد الله خطاكم
كنت اتحدث مع احد الاصدقاء، وقال لي انه يعاني من هموم بسبب الديون وان المشاكل تتوالى عليه من كل جهة وان حظه متعثر في الحياة، ويشعر ان مايحدث له من المصائب وحجمها يشعر انه حالة استثنائية مقارنة مع من يعرف من الناس
الذين يقول انهم يعيشون حياة سهلة او اقل مشاكل منه ،ونحن نتحدث قال لي (ما يحدث لي اهانة وتقزيم لي امام الناس من القدر)،قلت له يا اخي لا تقل هذا الكلام على قدر الله قال لي اقوله واعيده وانا مقتنع فيه لأنني انا الذي اشعر بحجم المعاناة والدونية امام الناس'
ما حكم هذا القول وما نصيحتكم ؟
بارك الله فيكم ووفقكم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
نسأل الله السلامة والعافية .
هذا يَتّهم ربّه تبارك وتعالى بالظُّلِم ؛ فإن الله جلّ جلاله هو الذي قدّر الأقدار ، وهو حَكَم عَدَل ، ولو عذّب خَلْقَه لم يكن ظالِمًا لهم ؛ لأنه يتصرّف في مُلكه .
والقَدَر سِرّ الله في خلقه ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا بِوصيّة جامعة ، فقال : اذهب فلا تَتَّهِم الله على نفسك . رواه الإمام أحمد .
وفي رواية له : لا تَتَّهم الله في شيء قَضَى لك به .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : إن الله إذا قَضى قَضاء أحب أن يُرْضَى به .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لأن يَعضّ أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير مِن أن يقول لأمْر قضاه الله : ليت هذا لم يكن .
وعلى الإنسان أن يتّهم نفسه قبل كل شيء ، فلا يُؤتَى الإنسان غالبا إلاّ مِن قِبَل نفسه ، كما قال تبارك وتعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) .
ولا تتوالَى المصائب على أحدٍ إلاّ بسبب ذنوبه .
قال ربّ العِزّة سبحانه : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) .
فَعَلى مِن قال ذلك القول : أن يتوب إلى الله عَزّ وَجَلّ ، وأن يندم على مقولته تلك ، وأن يَعمل صالِحا ، وأن يسأل الله أن يَتوب عليه ، وأن لا يُؤاخِذه بِما كان منه .
وبعض الناس – مِن ضِيق أُفُقه – لا يَرى إلاّ الجانب الذي يَراه سيئا !
فلا يَنظر إلاّ إلى المآسي والأحزان ، فلا يرَى في الصفحة البيضاء إلاّ السَّواد .
ويغيب عن الإنسان في حال الضّيق والفقر الحزن ما قدّره الله عزَّ وَجَلّ له ، وما أجراه له مِن الخير والْمِنَح في طيّات الشدائد والْمِحَن .
ومهما كانت المصيبة ، فإنها لا تكون شَرًّا خالِصا ؛ لأن الله لا يَخلق شَرًّا مَحْضًا ، فقد كان مِن دعائه عليه الصلاة والسلام : والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك . رواه مسلم .
ولو تأمّل الإنسان ما عنده مِن النِّعَم التي لا تُعدّ ولا تُحصى ؛ لَما استطاع أن يقوم بِشُكر نعمة واحدة مِن تلك النِّعم .
قال ابن القيم :
ويَكفي أن النَّفَسَ من أدنى نِعَمِهِ التي لا يكادُون يَعدّونها ، وهو أربعةٌ وعشرون ألفَ نَفَس في كل يوم وليلة . فـ ( لِلّه ) على العبد في النَّفَس خاصةً أربعةٌ وعشرون ألفَ نعمة كلَّ يوم وليلة . دع ما عدا ذلك من أصناف نِعَمِهِ على العبد ، ولكل نعمةٍ من هذه النعم حقٌّ من الشكر يستدعيه ويقتضيه . اهـ .
والعبد عبد ، وهو لا يعترض على مولاه ؛ لأنه في تصرّف ربه ومالِكه .
ولذا كان الرضا عن الله وبالله منْزِلة عالية ، يصِل بها صاحبها إلى الجنة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا سعيد ، مَن رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نَبِيّا ، وَجَبت له الجنة . فعَجِب لها أبو سعيد ، فقال : أعِدها عليَّ يا رسول الله ، ففعل . رواه مسلم .
والإيمان بالقَدَر رُكن مِن أركان الإيمان ، لا يصحّ إيمان عبد بالله حتى يُؤمِن بالقَدَر خيره وشرّه ، وحتى يُسلِّم لله عَزّ وَجَلّ في مواقع القَدَر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان لك مثل أُحُد ذَهبًا ، أو مثل جبل أحد ذَهبا تُنفِقه في سبيل الله ، ما قَبِلَه منك , حتى تُؤمن بالقَدَر ، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك ، وأنك إن مُت على غير هذا دَخَلتَ النار . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وصححه الألباني ، وقوّاه الأرنؤوط .
وقالالوليد بن عبادة : دَخَلتُ على عُبادة وهو مَريض أتَخَايل فيه الموت فقلت : يا أبتاه أوصِني واجتهد لي . فقال : أجلسوني . فلما أجلسوه قال : يا بُني إنك لن تَطعم طعم الإيمان ، ولن تبلغ حقّ حقيقة العِلم بالله حتى تؤمن بالقَدَر خَيره وشَرّه . قلت : يا أبتاه ، وكيف لي أن أعلم ما خَير القَدَر مِن شَرّه ؟ قال : تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك ، وما أصابك لم يكن ليُخطِئك . يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول ما خلق الله القَلَم ، ثم قال : اكتب ، فَجَرَى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة . يا بني إن متّ ولست على ذلك دَخَلتَ النار . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .