[عبد الرحمن السحيم]

كيف أجعل من أولادي رجالاً صالحين وأئمة مقتدين ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياك الله شيخي الفاضل
حفظك الله ورفع قدرك وأعلى مقامك
شيخي الفاضل لدي ثلاثة أطفال ونعيش في منطقة لا يوجد فيها مراكز تحفيظ للقرآن والله المستعان حتى المسجد لا أستطيع أن أرسلهم لوحدهم إلا إن كان أبوهم موجودا
وأحاول أن أحفظهم القرآن في البيت بوقت أحدده لهم وما إن تمضي فترة ويحفظون قليلا إلا ويبدؤون يتذمرون (لمَ نحن فقط أمي بينما أولاد الجيران لا ) فكرت وأدخلت أولاد الجيران وبدأت أعلمهم جميعا ولكنهم لم يلتزموا ويوم يذهبون هنا وآخر هناك فتركوا التحفيظ
والآن أجد صعوبة في تعليم أولادي رغم تشجيعنا لهم وعن فضل حفظ القرآن والتحفيزات والجوائز التي نعطيها لهم إن حفظوا ووعدتهم بجائزة كبيرة لمن يحفظ الجزء كاملا ولكن أيام أعلمهم وأخرى لا والبيئة حولنا لا تساعد أبدا وأنا أريد أن يكونوا أولادا صالحين فما السبيل شيخي الفاضل وهل من نصائح علها تنفعني ؟
وفقك الله وزادك علما وفقها


الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

على الإنسان أن لا يَعتمد على جُهده فَحَسْب ، بل عليه أن يستعين بالله ، فالعون والتوفيق والْهُدَى والصلاح بيده وحده سبحانه وتعالى .

قال القرطبي : وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لِتِلْمِيذِهِ: مَا تَصْنَعُ بِالشَّيْطَانِ إِذَا سَوَّلَ لَكَ الْخَطَايَا؟ قَالَ: أُجَاهِدُهُ. قَالَ: فَإِنْ عَادَ؟ قَالَ: أُجَاهِدُهُ . قَالَ: فَإِنْ عَادَ؟ قَالَ: أُجَاهِدُهُ . قَالَ: هَذَا يَطُولُ ، أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِغَنَمٍ ، فنبحك كلبها ومَنَع مِنَ الْعُبُورِ مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أُكَابِدُهُ وَأَرُدُّهُ جَهْدِي . قَالَ: هَذَا يَطُولُ عَلَيْكَ ، وَلَكِنِ اسْتَغِثْ بِصَاحِبِ الْغَنَمِ يَكُفُّهُ عَنْكَ .

وأن يجتهد الإنسان في الدعاء والتضرّع ، وسؤال الله أن يُصلح له النية والذرية .
ومِن دعاء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) .
ومِن دعاء المؤمنين : (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) .
وفي دُعاء المؤمن بعد بُلوغ الأشُدّ : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .

قَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَل : اشْتَكَى أَبُو مَعْشَرٍ ابْنَه إِلَى طَلْحَةَ بن مُصَرِّف ، فَقَالَ : اسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الآيَةِ ، وَتَلا : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .

ودلّ قوله : (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) على التلازُم بين صلاح الوالدين وصلاح العَمل وبين صلاح الأولاد .

والعمل الصالح مما يُصلِح الله به الذرية .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنِّي لأَزِيدُ فِي صَلاتِي مِنْ أَجْلِ ابْنِي هَذَا . قَالَ هِشَام : رَجَاءَ أَنْ يُحْفَظَ فِيهِ .

والأطفال يحتاجون إلى صبر ومُكابدة ، ويحتاجون إلى تكرار التذكير ، بأن ما يُفعَل بهم إنما هو لأجلهم ، ولكي يفوزوا في الآخرة ، ولأجل أن يَرضى الله عنهم ، فيُفْلِحوا ويُوفّقوا في كل شيء .
وأن لا يُترك الأطفال وما أرَادُوا ، وإلاّ تَفَلَّتُوا ، ومَضَت أعمارهم دُون أن ينالوا شيئا من الخير .

وأن لا يُشدَّد عليهم ، بل يُتْرَك لهم وقت لِلّعب ، ووقت للحفظ .

جاء في سيرة الإمام ابن قدامة :
قال البَهَاء : كَانَ الشَّيْخُ فِي القِرَاءةِ يُمَازِحُنَا، وَيَنبَسِطُ ، وَكَلَّمُوْهُ مرَّةً فِي صبيَانَ يَشتغلُوْنَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : هُم صبيَانٌ ، وَلاَ بُدَّ لَهُم مِنَ اللَّعِبِ ، وَأَنْتُم كُنْتُم مِثْلَهُم !

وأن يَصبِر الْمُربِّي على وَلَده – ذَكرا كان أو أنثى – ويحرص على تعلّمه القرآن وعلى حِفْظ القرآن ما استطاع .
قال عباس بن عبد الدايم المصري الكناني : أوْصَاني إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الدمشقي وقت سَفَري ، فقال : أكثر مِن قراءة القرآن ، ولا تتركه ؛ فإنه يتيسّر لك الذي تطلبه على قَدْر ما تقرأ . قال : فرأيت ذلك وجَرّبته كثيرا ، فكنت إذا قرأت كثيرا تيسّر لي مِن سَماع الحديث وكتابته الكثير ، وإذا لم أقرأ لم يتيسّر لي . (ذيل طبقات الحنابلة)

وسبق :
هل مِن شؤم المعصية أن يكون الأبناء غير صالحين ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=17823


والله تعالى أعلم .