[نبض الدعوة]

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
شيخنا الفاضل بارك الله فيكم وزادكم من فضله ..
هناك فتوى للشيخ يوسف القرضاوي يحلِّل الموسيقى .. وأصبح بعض الناس يستند عليها ويستشهد بما جاء بها لتحليل الغناء والمعازف وخصوصا أنه ورد في الفتوى أن حديث المعازف ضعيف ..
هل ما جاء بهذه الفتوى صحيح .. وإن كانت غير صحيحة ما الرد عليها وعلى من يستشهد بها على أن الحكم حلال ؟ ..
جزاكم الله خيرا وجعل علمكم شاهدا لكم وطريقكم للجنة ..



الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

كتاب الدكتور القرضاوي الذي عَنْوَنه بـ " الحلال والحرام في الإسلام " علّق عليه بعض الظرفاء بأن حقيقته " الحلال والحلال في الإسلام " !
وقد ردّ عليه فضيلة الشيخ العلامة د . صالح الفوزان هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء – حفظه الله- بِكتاب له بعنوان : " الإعلام بِنَقْد كتاب الحلال والحرام في الإسلام " ، وهو هنا :
[http://www.islamhouse.com/p/314806

وللشيخ الألباني رحمه الله رسالة بعنوان : " تحريم آلات الطرب " أو : الرد بالوحيين وأقوال أئمتنا على ابن حزم ومُقلِّديه الْمُبيحين للمعازف والغنا وعلى الصوفيين الذين اتخذوه قُربة ودِينا " .
ومما ختم به الشيخ الألباني رحمه الله كتابه قوله : وختاما أقول : لو لم يكن مِن شُؤم الغناء الصوفي إلاّ قول أحدهم :
سماع الغناء أنْفع للمُرِيد مِن سماع القرآن مِن سِتّة أوْجه أو سَبْعة ! لكفى
قال رحمه الله : ولَمَّا قرأت هذا في " مسألة السماع " لابن القيم ( 1 / 161 ) لم أكَد أُصَدِّق أن هذا يقوله مسلم حتى رأيته في كلام الغزالي في " الإحياء " ( 2 / 298 ) وبعبارة مُطلقة غير مقيدة بـ ( الْمُرِيد ) مع الأسف الشديد ، وأكَّدَه بأن أورده على نفسه سؤالا أو اعتراضا خلاصته :
إذا كان كلام الله تعالى أفضل من الغناء لا محالة فما بالهم لا يجتمعون على قارئ القرآن ؟ فأجاب بقوله :
فاعلم أن الغناء أشد تهييجا للوجد مِن القرآن مِن سَبعة أوْجه !
ثم سود أكثر من صفحتين كبيرتين في بيانها فيتعجب الباحث كيف يصدر ذلك من فقيه من كبار فقهاء الشافعية بل قال فيه من نجله : " حجة الإسلام " ومع ذلك فكلامه فيها هزيل جدا ليس فيه علم ولا فِقه . اهـ .

ونسخة عن كتاب الشيخ رحمه الله هنا :
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=30&book=998


وليت الدكتور القرضاوي الْتَزَم في فتواه هذه ما نقله في آخرها مِن التشديد في التحليل والتحريم
أم أن التشديد عنده في التحريم دون التحليل !

وطريقة أهل العِلْم الراسخين تحرِّي الحق واتِّبَاع الدليل ، والتجرّد عند البحث والمناقشة ، لا أن يدخل الداخل إلى مسألة ما بِخَلْفِية مُعينة ، أو حُكم مُسْبَق ، أو يبحث مسألة ما وهو يَنتصر لِقول مُعيّن !
ولا أن يُؤخذ بعض قول العالِم ويُتْرَك بعضه !
فإن ابن حزم قال في " المحلّى " (9/63) : فإن قيل : الدُّفّ مُجْمَع عليه . قلنا : هذا الباطل ، ورُوينا مِن أصح طريق عن يحيى بن سعيد القطان نا سفيان الثوري حدثني منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي أن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون الجواري في المدينة معهن الدُّفوف فَيُشَقِّقُونها .
وكذلك ما رواه ابن حزم مِن طريق ابن سيرين في بيع الجارية المغنية ، وزعمهم أن ابن عمر استمع إليها ولم يُنْكِر ذلك .
فهذا فيه غَمْط لِلحق ؛ فقد روى ابن حزم في " المحلّى " (9/63) مِن طريق ابن سيرين أن رجلا قدم المدينة بجوارٍ ، فأتى إلى عبد الله بن جعفر فَعَرَضهن عليه ، فأمر جارية منهن فأحدت ، قال أيوب : بالدف ، وقال هشام : بالعود ، حتى ظن ابن عمر أنه قد نظر إلى ذلك ، فقال ابن عمر : حسبك سائر اليوم مِن مَزمور الشيطان ، فساومه ثم جاء الرجل إلى ابن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن إني غُبِنت بسبعمائة درهم ، فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له : إنه غُبِن بسبعمائة درهم ، فإما أن تُعطيها إياه ، وإما أن ترد عليه بيعه ؟ فقال : بل نعطيها إياه .
قال ابن حزم : فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية . اهـ .
وهذا مردود مِن ثلاثة أوجه :
الأول : أن ابن عمر رضي الله عنهما أنكر ذلك بقوله : حسبك سائر اليوم مِن مَزمور الشيطان .
الثاني : الاختلاف بين الرواة : هل حداء الجارية كان مع ضرب الدفّ أو مع ضرب العود .
فبَطَل قول ابن حزم : فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية .
الثالث : لو صحّ عن ابن عمر أنه استمع أو حضر بيع مُغنية ؛ فلا حُجّة في قول الصحابي إذا خَالَف النصّ ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نَهى عن بيع الْمُغنِّيَات .
فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه مِن حديث أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلا تَشْتَرُوهُنَّ ، وَلا تُعَلِّمُوهُنَّ ، وَلا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ . فِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ .
وعند ابن ماجه : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الْمُغَنِّيَات وعن شرائهن ، وعن كَسْبِهن ، وعن أكل أثمانهن .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " بعد أن ذَكَر رواية الطبراني : وهذا إسناد حسن . ولذلك أورده الألباني في " السلسلة الصحيحة " .

ولم يذكر ابن حزم إسناده إلى مَن روى عنه ، فإنه اكتفى في الموضع الأول بقوله : كما روينا من طريق حماد بن زيد نا أيوب وهشام هو ابن حسان كلهم عن محمد بن سيرين – ثم ذَكَر القصة - .
وفي الموضع الثاني قال : ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب السختياني وهشام بن حسان وسلمة هو ابن كهيل دخل حديث بعضهم في حديث بعض كلهم عن محمد بن سيرين .

ومما استدلّوا به عمومات ، أو نصوص في الدفّ ، والدفّ جاءت الرخصة به في مناسبات خاصة ، وقُيّد الإذن فيه بأن لا يُستأجَر مَن يضرب عليه ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين في صِفَة الجواري الصغار اللواتي ضربن الدف ففي يوم عيد : " وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ " ، وعند مسلم : جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفٍّ .

ولا يصح الاستدلال بأن أبا بكر رضي الله عنه قال : أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على أبي بكر قوله ولا وَصْفه لِضَرب الدف بأنه مِن مزامير الشيطان ، وإنما أخبره بِسبب ذلك وأنه يوم عيد .

وسبق :
ما قولكم في استشهادات هؤلاء في إباحة الغناء ؟

http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=88

هل الموسيقى حلال ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=129

هل انتشار الأغاني والخمور سبب انقطاع الأمطار ؟ وهل انتشارها سبب في تأخير النصر ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1104

والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض