المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الدليل أن القرآن صحيح وأنه من عند الله ؟


محب السلف
19-02-2010, 08:59 PM
...

ما الدليل على أن كل ما في القرآن صحيح وأنه من عند الله ؟

http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif

الجواب : القرآن كلام الله تبارك وتعالى .

ومن الأدلّـة على أنه من عند الله أمور :

الأول : أن الله تكفّل بِحفـظِه ، فهو محفـوظ بِحِفظِ الله مـن الزيادة والـنُّقصان .

روى القرطبي بإسناده إلى يحيى بن أكثم قال : كان للمأمون وهو أمير إذّ ذاك مجلس نَظَر ، فدخل في جملة الناس رجل يهودي ، حسن الثوب ، حسن الوجه ، طيب الرائحة ، قال : فتكلَّم فأحسن الكلام والعبارة ، قال : فلما تقوّض المجلس دعـاه المأمون ، فقال له : إسرائيلي ؟ قال : نعم . قال له : أسْلِم حتى أفعل بك وأصنع ، ووَعَدَه ، فقال : ديني ودين آبائي ، وانصرف . قال : فلما كان بعد سنة جاءنا مُسلِماً .

قال : فتكلّم على الفقه فأحسن الكلام ، فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون ، وقال : ألستَ صاحبنا بالأمس ؟ قال له : بلى . قال : فما كان سبب إسلامك ؟ قال انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان ، وأنت تراني حسن الخطّ ، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ ، فزِدتُ فيها ونقصت ، وأدخلتها الكنيسة فاشتُريت مِنِّي ، وعمدتُ إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزِدتُ فيها ونقصت ، وأدخلتها البَيْعَة فاشتُريت مِنِّي ، وعمدتُ إلى القرآن فعملتُ ثلاث نسخ وزِدتُ فيها ونقصت وأدخلتها الورَّاقِين ، فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رَمَوا بها ، فلم يَشتروها ، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ ، فكان هذا سبب إسلامي .

قال يحيى بن أكثم : فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر ، فقال لي : مصداق هذا في كتاب الله عز وجل ! قال : قلت : في أي موضع ؟ قال : في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل : ( بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ) فجعل حفظه إليهم فَضَاع ، وقال عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) فحفظه الله عز وجل علينا فلم يَضِع .

وهذا ثابت تاريخيا أن التحريف وَقَع في الكتب التي وُكِل حفظها إلى البشر دون ما تكفّل الله بحفظه . بل لا نذهب بعيدا فإن نُسخ القرآن هي هي قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام ، بينما نُسخ التوراة والإنجيل تختلف اختلافاً كبيراً ، ما دون مائة عام !

وهذا ما أثبته العالم الفاضل الشيخ أحمد ديدات في مناظراته مع قساوسة النصارى ، وكان هذا أوضح ما كان في مناظرته مع القسّ " سويجارت " .

الثاني : أن الله تحدّى به أقحاح العرب وأرباب الفصاحة ، ومعلوم أنه لا يتحدّى أهل صنعة إلا من هو أعظم منهم . ولذلك كانت مُعجزة كل نبيّ من جنس ما بَرَع به قومه وأهل زمانه .

فموسى عليه الصلاة والسلام بَرَع أهل زمانه بالسِّحر ، فتحدّ,ه به ، فأجرى الله على يديه من الْمُعجِزات ما طأطأ أمامه السَّحَرة رؤوسهم اعترافاً بأن ما جاء به ليس من جنس سِحرهم ، ولذلك لما رأوا هذا آمنوا جميعا .

وعيسى عليه الصلاة والسلام بَرَع أهل زمانه في الطبّ ، ولذلك أعطاه الله من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ، فكان من مُعجزاته شفاء الأكْمَه والأبرص ، وغير ذلك مما له علاقة بالطبّ .


وكانت مُعجِزة نبينا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن الذي تحدّى به أهل اللغة وأساطين الفصاحة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وَحْياً أوْحَاهُ الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة . رواه البخاري ومسلم .

ها هو أبو جهل يخلو بصاحبه الأخنس بن شريق ، فيتجاذبان أطراف الحديث حول القرآن ، في جلسة خالية لا تنقصها الصراحة ، فيعترف كل منهم للآخر بما في نفسه ، وقد كانوا يستمعون إلى القرآن سِـرّاً ! فيُعجبون به وبأسلوبه وقصصه ، وإن كانوا يُنكرون ذلك علانية لحاجات في أنفسهم !

فقد أخرج ابن إسحق والبيهقي في الدلائل عن الزهري قال : حُدِّثتُ أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه ، وكلٌّ لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا ، فجمعتهم الطريق فتلاوموا ،

فقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ، ثم انصرفوا حتى إذا كان الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له حتى طلع الفجر تفرّقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل واحد منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود ، فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا ، فلما أصبح الأخنس أتى أبا سفيان في بيته فقال : أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد .

قال : والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يُراد بها . قال الأخنس : أنا والذي حلفت به . ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فقال : ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف في الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكُنّا كفرسي رهان ، قالوا مِنّـا نبي يأتيه الوحي من السماء ! فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نُصدِّقه فقام عنه الأخنس وتركه . ذَكَره ابن كثير والسيوطي في الدر المنثور .

فهم يعرفون أن ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق ، وإن قالوا فيه ما قالوا . وهم يعترفون بأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يَكذِب .

ولذا لما تهددهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذّبح خافوا وظَهَر أثر ذلك على وجوههم ، بالرغم من أنه صلى الله عليه وسلم كان وحيداً ، وهم المـلأ !

فقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي حتى استلم الركن ثم مَرّ بِهم طائفاً بالبيت ، فلما أنْ مَرّ بهم غَمَزُوه ببعض ما يقول . قال عبد الله بن عمرو بن العاص : فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى فلما مَرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى ، ثم مَرّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فقال : تسمعون يا معشر قريش ؟

أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذَّبح . فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع ! حتى إن أشدَّهم فيه وصاه قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول ، حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم ! انصرف راشدا ! فو الله ما كنت جهولا . رواه الإمام أحمد .

بل إن الذي كان يقول في آيات الله " أساطير الأولين " ، وهو الوليد بن المغيرة ، لما تنـزّلت الآيات فيه ، وفيها : ( عُتُلّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم ) لم يستطع إنكار هذه الحقيقة ! مع كونه هذا الوصف ذمّـاً له ، وما ذلك إلا لِعِلْمِه بِصِدق محمد صلى الله عليه وسلم .

ولهذا السبب فإنه كانوا يَخشَون على أنفسهم عند سماع القرآن أن يأخذ بمجامع قلوبهم ، وكانوا يَخْشَون أيضا أن يؤثِّر على نسائهم .

فإن ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، لما أجار أبا بكر رضي الله عنه ، فأنْفَذَتْ قريشٌ جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر ، وقالوا لابن الدغنة : مُـرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليُصلِّ وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ، ولا يستعلن به فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا ! قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز ، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ،

فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا ! فأتِه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلاّ أن يُعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مُقِرِّين لأبي بكر الاستعلان ! قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن تَردّ إلي ذمتي ، فإني لا أُحب أن تسمع العرب أني أُخْفِرت في رجل عَقَدْتُ له . قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .

فهم يعلمون أن هذا القرآن ليس أساطير الأولين .

وقد أخبر الله تعالى نبيَّـه صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يُكذِّبونه حقيقة ، فقال سبحانه : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) .

وليس الأمر مُقتَصِراً على الملأ من قريش ، وإنما شمل أهل الكتاب الذين عاصَروا التّنـزيل ، فإنهم يعرفون حقيقة الأنبياء ، كما يعرفون أبناءهم (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ) [الأنعام:20] وهم يكتمون الحق مع علمهم بكونه الحق : ( الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) .

وقد استدلّ هرقل بما ظهر له من علامات وبما سأل عنه من مُقدِّمات – استدلّ بذلك على صدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وخبره في الصحيحين . فهو لم يَحْضُر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن من أهل ودِّه ، ولا من أهل دِينه وسأل عنه وهو بعيد عنه ، فاستدلّ بما ظهر له من علامات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

الثالث : ما يعضد ما جاء في القرآن من إخبار بما يكون ، وفعلا كان ، سواء أكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، كالإخبار بهزيمة الرُّوم وأنهم سوف ينتصرون في بضع سنين ، كما في فواتح سورة الروم . أم كان بعد ذلك مما أخبر به رب العزّة سبحانه وتعالى في كتابه .

وينتظم في هذا السِّلك ما يتوصّل إليه البشر من حقائق واكتشافات عِملية جاءت الإشارة إليها في القرآن الكريم . وما يُثبته علماء الكفار قبل علماء المسلمين من حقائق توافق ما جاء في القرآن الكريم .

خذ على سبيل المثال :
1 - ما جاء في عِلم الأجنّة ، وما يتعلّق به ، لم يتم التوصّل إلى مراحل تطوّر الجنين بالشكل الدقيق وبهذه الصورة التي تُعرف اليوم إلا في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ، بينما هذه الحقيقة ثابتة في القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة .

2 – ما يتعلّق بالبحار وأسرارها ، وقد جاءت الإشارة إليها في القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة ، والعجيب في شأنها أن القرآن يتنـزّل بها على نبي أُمّـيّ لم يَر البحر !

3 – ما يتعلّق بالسُّحب والأمطار ، وقد تحدّث عنها القرآن بشكل دقيق .

بل جميع ما جاء في هذا القرآن آية مُعجزة ، إذ يأتي به رَجل لم يقرأ ولم يكتب ليؤكِّد للبشرية جمعاء أنه ليس من عند نفسه . ولذا قال الله تعالى عن نبيِّـه صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَاب وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) .

إذ لو كان عليه الصلاة والسلام كاتباً أو قارئا لقالوا : هذا مما قرأه أو كَتَبَه ، ولكن أن يأتي رجل لم يقرأ ولم يكتب بمثل هذا القرآن يدل على مصدره ، وانه ليس من عند البشر بل هو من عند الله .

الرَّابِع : أن هذا القرآن نـزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مدة تزيد على عشرين سنة ، ومع ذلك تجده متآلِفاً مُتوافِقاً ، ليس فيه زيادة ولا نُقصان ، وليس فيه خلل ولا خطأ بوجه من الوجوه .

الخامس : ما في هذا القرآن من التقديم والتأخير ، ومن فيه من الحذف والزيادة في بعض ألفاظه ، يدلّ على أنه من عند الله . فتجد في موضع مثلاً : ( وَلَمْ يَكُ ) وفي موضع آخر : ( وَلَمْ يَكُنْ ) . وتقديم النفع على الضرّ في مواضع ، وعكس ذلك في مواضع، وكذلك تقديم السماوات على الأرض والأرض على السماوات ، كل هذا يدلّ على مقصود .

وأنه ليس من كلام البشر ، وأنك لا تستطيع أن تُغيّر كلمة ولا أن تزيد حرفاً ، وهذا تعرفه العرب ، ولذلك وقفوا أمام فصاحة هذا القرآن .

السادس : ومِن مُعجزة هذا القرآن أنه لا يخلق من كثرة الترداد ، ولا يملّ منه القرّاء ، ولا يشبع منه العلماء ، " من قال به صَدَق ، ومن عَمِل به أُجر ، ومن حَكَم به عَدَل ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم " . وهذا الكتاب المبين لا تنقضي عجائبه ، ولا تنتهي غرائبه ، فمعانيه مُتجدِّدة ، ولذا قال قائله سبحانه : ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين ) .

وكل هذا يؤكِّد أن القرآن من عند الله ، وأنه ليس من كلام الأنبياء .

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد