العودة   منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية فتاوى الإرشاد قسـم المقـالات والـدروس والخُطب قسم الخُطب المنبرية
منوعات المجموعات مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (الرضا عن الله )
قديم بتاريخ : 13-10-2015 الساعة : 10:29 AM

الحمدُ للهِ الذي تَوَاضَعَ كُلُّ شيءٍ لِعَظَمَتِهِ ، وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لِعِزَّتِهِ ، وَخَضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِمُلْكِهِ ، وَاستسْلَمَ كُلُّ شَيءٍ لِقُدْرَتِهِ .
والحمدُ للهِ الذِيْ سَكَنَ كُلُّ شَيءٍ لِهَيبتِهِ ، وَأَظْهَرَ كُلَّ شَيءٍ بَحَكْمَتِهِ ، وَتَصَاغَرَ كُلُّ شيءٍ لِكِبْريائِهِ .
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وأزواجِ مُحَمَّدٍ وذريتِهِ .

أمَّا بَعْدُ :
فإنَّ الرِّضَا يَكونُ بِاللهِ ، وَعَنِ اللهِ ، وَيَكونُ للهِ .
وَأَعْلَى مَرَاتِبِ الرِّضَا : الرِّضَا بِاللهِ رَبًّا وَمَالِكا ومُتَصَرِّفًا .
وَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ رَضِيَ بِهِ ربًّا أنْ يُرْضِيَه .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : مَنْ قَالَ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، حِينَ يُمْسِي ثَلاثًا، وَحِينَ يُصْبِحُ ثَلاثًا ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى .

وفي الحديثِ الآخَرِ : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ . رَوَاهُ مُسلِمٌ.
قَالَ العينيُّ : قولُهُ: " رضيتُ باللهِ رَبًّا " أي: قَنِعْتُ بِهِ ، واكْتَفَيْتُ بِهِ ، ولَمْ أطْلُبْ مَعَه غَيْرَه .
وقولُهُ : " وبالإسلامِ دِينًا " أي : رَضِيتُ بالإسلامِ دِينًا ، بِمَعْنَى : لَمْ أسْعَ في غيرِ طريقِ الإسلامِ ، ولم أسْلُكْ إلاَّ ما يُوافِقُ شريعةَ محمدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ .
وقولُهُ : " وبمحمدٍ رسولا " أيْ : رَضِيتُ بمحمدٍ رسولاً ، بِمَعْنَى : آمنتُ بهِ في كَوْنِهِ مُرْسَلا إليَّ وإلى سَائرِ المسلمينَ . اهـ .

والرِّضَا باللهِ مِن مُوجِباتِ الجنَّةِ .
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، رَوَاهُ مسلِمٌ .
فَمَن رضيَ باللهِ ربّا ، حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الرِّضا عَنِ اللهِ وأفعالِهِ وأقدارِهِ .

ومِنَ الرِّضَا عَنِ اللهِ : الرِّضَا بِما قَسَمَ اللهُ مِنْ غَيْرِ تَسَخُّطٍ وَلا جَزَعٍ .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : ارْضَ بما قَسَمَ اللهُ لكَ تَكُنْ أغْنى الناسِ. رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ . وحَسَّنَهُ الألبانيُّ .

والابتلاءُ بابُ الرِّضَا
قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ ، بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ . رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ بإسنادٍ صَحيحٍ .

وَمَتَى مَا رَضِيَ العبدُ عَنِ اللهِ وبِاللهِ وَللهِ وَجَدَ حَلاوةَ الإيمانِ .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا . رَوَاهُ مسلِمٌ .

ومِنَ الرِّضَا عَنِ اللهِ : التسليمُ للهِ عزَّ وجَلَّ في مَواقِعِ القَدَرِ .
وَفِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ لابْنِهِ : أُوصِيكَ بِخِصَالٍ تُقَرِّبُكَ مِنَ اللَّهِ، وَتُبَاعِدُكَ مِنْ سَخَطِهِ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ لا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَرْضَى بِقَدَرِ اللَّهِ فِيمَا أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ .
وَقَالَ عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَا أُبَالِيْ عَلَى أيِ حَالٍ أَصبحْتُ وأمسَيْتُ ؛ مِنْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ

والرِّضَا عَنِ اللهِ مِمَّا يُغْبَطُ بِهِ الإنسانُ
قَالَ محمدُ بنُ واسِعٍ : إني لأغبِطُ رَجُلاً مَعَهُ دِينُهُ ، وما مَعَهُ مِن الدنيا شيءٌ ، وهُوَ راضٍ .

قَالَ ابنُ القيِّمِ :
والرِّضَا يُخَلِّصُ [ الإنسانَ] مِنْ عَيْبِ مَا لَمْ يُعِبْهُ اللَّهُ . وَمِنْ ذَمِّ مَا لَمْ يَذُمَّهُ اللَّهُ . فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَمْ يَرْضَ بِالشَّيْءِ عَابَهُ بِأَنْوَاعِ الْمَعَايِبِ . وَذَمَّهُ بِأَنْوَاعِ الْمَذَامِّ . وَذَلِكَ مِنْهُ قِلَّةُ حَيَاءٍ مِنَ اللَّهِ . وَذَمٌّ لِمَا لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ، وَعَيْبٌ لِخَلْقِهِ ؛ وَذَلِكَ يُسْقِطُ الْعَبْدَ مِنْ عَيْنِ رَبِّهِ ...
وَفِي أَثَرٍ إِسْرَائِيلِيٍّ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ : يَا رَبِّ ، أَيُّ خَلْقِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: مَنْ إِذَا أَخَذْتُ مِنْهُ مَحْبُوبَهُ سَالَمَنِي . قَالَ : فَأَيُّ خَلْقِكَ أَنْتَ عَلَيْهِ سَاخِطٌ ؟ قَالَ : مَنِ اسْتَخَارَنِي فِي أَمْرٍ فَإِذَا قَضَيْتُهُ لَهُ سَخِطَ قَضَائِي .
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: أَنَا اللَّهُ ، لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا ، قَدَّرْتُ التَّقَادِيرَ ، وَدَبَّرْتُ التَّدَابِيرَ ، وَأَحْكَمْتُ الصُّنْعَ ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا مِنِّي حَتَّى يَلْقَانِي ، وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ حَتَّى يَلْقَانِي .
والنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ اللَّهَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ :
وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ .
وسَمِعْتُ شَيْخَ الإِسْلامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَقُولُ: سَأَلَهُ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَتَبَيَّنُ حَقِيقَةُ الرِّضَا . وَأَمَّا الرِّضَا قَبْلَهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ عَزْمٌ عَلَى أَنَّهُ يَرْضَى إِذَا أَصَابَهُ . وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الرِّضَا بَعْدَهُ . اهـ .

قَالَ أَبو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ : الرِّضَا قَبْلَ الْقَضَاءِ تَفْوِيضٌ ، وَالرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ تَسْلِيمٌ .

ولا يَتِمُّ الإيمانُ إلاَّ بالتَّسْلِيمِ للهِ عزَّ وجَلَّ
قَالَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : لا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ، يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَلأَنْ أَعَضَّ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تُطْفَأَ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لأَمْرٍ قضاه اللهُ لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ . رواه البيهقيُّ في " الشُعب " .

ومِنَ الرِّضَا عَنِ اللهِ : أنْ يَرْضَى العبدُ اختيارَ اللهِ لَهُ .
قَالَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : يَسْتَخِيرُ أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: اللهُمَّ خِرْ لِي، فَيُخِيرُ اللهُ لَهُ فَلا يَرْضَى، وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللهُمَّ خِرْ لِي بِرَحْمَتِكَ وَعَافِيَتِكَ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ اقْضِ لِي بِالْحُسْنَى، وَمِنَ الْقَضَاءِ بِالْحُسْنَى قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَذَهَابُ الْمَالِ وَالْوَلَدِ ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ : اللهُمَّ اقْضِ لِي بِالْحُسْنَى فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعَافِيَةٍ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْتَخِيرُ اللَّهَ فَيَخْتَارُ لَهُ ، فَيَتَسَخَّطُ عَلَى رَبِّهِ ، فَلا يَلْبَثُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْعَاقِبَةِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خِيرَ لَهُ .
وَقَالَ قَتَادَةُ : خِيرةُ اللهِ للمؤمِنِ فِيمَا يَكْرَهُ أَكْثَرُ مِنْ خِيرتِهِ فِيمَا يُحِبُّ . رَوَاهُ عبدُ الرَّزَّاقِ .

وأْجْمَعُ الوصايا : أنْ لا تتّهِمَ اللهَ في قضائِهِ .
قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَتَصْدِيقٌ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ . قَالَ الرَّجُلُ: أَكْثَرْتَ يَا رَسُولَ اللهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِينُ الْكَلامِ، وَبَذْلُ الطَّعَامِ، وَسَمَاحٌ وَحُسْنُ خُلُقٍ . قَالَ الرَّجُلُ: أُرِيدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً . قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ ، فَلا تَتَّهِمِ اللهَ عَلَى نَفْسِكَ . رَوَاهُ الإمامُ أحْمَدُ ، وحسَّنَهُ الألبانِيُّ .
وفي رِوَايةٍ : لا تتَّهِمِ اللهَ فيْ شَيءٍ قَضَاهُ لَكَ.

وفي أَخْبَارِ بَنِي إسرائيلَ : قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : أَيْ رَبِّ أَيُّ خَلْقِكَ أَعْظَمُ ذَنْبًا ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَّهِمُنِي ، قَالَ: أَيْ رَبِّ وَهَلْ يَتَّهِمُكَ أَحَدٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، الَّذِي يَسْتَخْيِرُ بِي وَلا يَرْضَى بِقَضَائِي .
ودَخَلَ أبو الدَّرْدَاءِ على رجُلٍ وَهُوَ يَمُوتُ وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : أَصَبْتَ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى قَضَاءً أَحَبَّ أَنْ يُرْضَى بِهِ .

ورَوى الإمامُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَانَ يَقُولُ: لَقَدْ تَرَكَتْنِي هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتُ وَمَا لِي فِي شَيْءٍ مِنَ الأُمُورِ كُلِّهَا إِرَبٌ إِلاَّ فِي مَوَاقِعِ قَدَرِ اللَّهِ . قَالَ: وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَدْعُو بِهَا : اللَّهُمَّ رَضِّنِي بِقَضَائِكَ ، وَبَارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ حَتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ شَيْءٍ أَخَّرْتَهُ ، وَلا تَأْخِيرَ شَيْءٍ عَجَّلْتَهُ .

ومِنَ الرِّضَا عَنِ اللهِ : أنْ يَرْضَى ويُسلِّمَ الأمرَ للهِ عِنْدَ حُلولِ الْمَصائبِ .
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
قَالَ علقمةُ في قولِه : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قَالَ : هُوَ الرَّجلُ تُصيبُهُ المصيبةُ ، فَيَعْلَمُ أنَّها مِنْ عِنْدِ اللهِ فيُسَلِّمُ لَهَا وَيَرضَى .

قَالَ ابنُ جَريرٍ : يقولُ تَعَالَى ذِكْرُه: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) يَقُولُ: وَمَنْ يُصَدِّقْ بِاللَّهِ فَيَعْلَمْ أَنَّهُ لا أَحَدَ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ بِذَلِكَ (يَهْدِ قَلْبَهُ) : يَقُولُ : يُوَفِّقِ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالتَّسْلِيمِ لأَمْرِهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ . اهـ .

والرِّضَا عَنِ اللهِ مِنْ أسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ
وفي أخْبَارِ بَنِي إسرائيلَ : كَانَ فِيمَا أَوْحَى اللهُ سُبحانَهُ وَتَعَالى إلى دَاودَ عَلَيْهِ السَّلامُ : يا داودُ إنَّكَ لَنْ تَلْقَانِي بِعمَلٍ هُوَ أَرْضَى لِيْ عَنْكَ ، وَلا أَحَطُّ لِوِزْرِكَ مِنَ الرِّضا بِقَضَائِي

والرِّضَا رَاحةٌ وجَنَّةٌ وَحَيَاةٌ طيّبَةٌ
قَالَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إنَّ اللهَ بِقِسْطِهِ وَعِلْمِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخَطِ. رَوَاهُ البيهقيُّ في "الشُّعَبِ"
وقَالَ أَبو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ فِي قَوْلِهِ : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) قَالَ: الرِّضَا وَالْقَنَاعَةُ .
وقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ : الرِّضَا بَابُ اللَّهِ الأَعْظَمُ ، وَجَنَّةُ الدُّنْيَا ، وَمُسْتَرَاحُ الْعَابِدِينَ.

قَالَ ابنُ القيِّمِ : فَازَ الْمُتَّقُونَ الْمُحْسِنُونَ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَحَصَلُوا عَلَى الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي الدَّارَيْنِ ، فَإِنَّ طِيبَ النَّفْسِ ، وَسُرُورَ الْقَلْبِ ، وَفَرَحَهُ وَلَذَّتَهُ وَابْتِهَاجَهُ وَطُمَأْنِينَتَهُ ، وَانْشِرَاحَهُ وَنُورَهُ وَسَعَتَهُ وَعَافِيَتَهُ مِنْ تَرْكِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالشُّبُهَاتِ الْبَاطِلَةِ - هُوَ النَّعِيمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ .


الثانية :

الحمدُ للهِ يقضِي بالحقِّ ، ويأمُرُ بالعدْلِ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ، حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ .
والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى خيرِ البريّةِ ، وأزْكَى البشريَّةِ .

أمَّا بَعْدُ :
فَأوُصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ .

أيها المؤمنون :
لَمَّا كَانَ العَبْدُ لا يَدْرِي أيْنَ تكونُ سعادتُهُ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الرِّضَا بِاللهِ وَعَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْتُ عَلَى مَا أُحِبُّ أَوْ عَلَى مَا أَكْرَهُ ، لأَنِّي لا أَدْرِي ، الْخَيْرُ فِيمَا أُحِبُّ أَوْ فِيمَا أَكْرَهُ ؟

ورُبَّمَا كَانَ ظَاهِرُ القَضَاءِ مُصيبَةً ، وفِيهِ مِنَحٌ وحِفْظٌ ورِفْعَةٌ .
فَلا تَنْظُرْ إلى ظَاهِرِ الْمُصيبَةِ ، بَلِ انْظُرْ إلى بَاطِنِهَا وَمَا تَضَمّنَتْهُ مِنْ خيرٍ .

قَالَ مَسْرُوقٌ : كَانَ رَجُلٌ بِالْبَادِيَةِ لَهُ كَلْبٌ وَحِمَارٌ وَدِيكٌ ، فَالدِّيكُ يُوقِظُهُمْ لِلصَّلاةِ وَالْحِمَارُ يَنْقُلُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَيَحْمِلُ لَهُمْ خِبَاءَهُمْ ، وَالْكَلْبُ يَحْرُسُهُمْ ، قَالَ: فَجَاءَ ثَعْلَبٌ فَأَخَذَ الدِّيكَ ، فَحَزِنُوا لِذَهَابِ الدِّيكِ وَكَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا ، فَقَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا ، ثُمَّ مَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ ذِئْبٌ فَخَرَقَ بَطْنَ الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ ، فَحَزِنُوا لِذَهَابِ الْحِمَارِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ : عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا ، ثُمَّ مَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أُصِيبَ الْكَلْبُ ، فَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ : عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا ، ثُمَّ مَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَأَصْبَحُوا ذَاتَ يَوْمٍ فَنَظَرُوا فَإِذَا قَدْ سُبِيَ مَنْ حَوْلَهُمْ وَبَقُوا هُمْ ، قَالَ: وَإِنَّمَا أَخَذُوا أُولَئِكَ بمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الصَّوْتِ وَالْجَلَبَةِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أُولَئِكَ شَيْءٌ يَجْلُبُ ، قَدْ ذَهَبَ كَلْبُهُمْ وَحِمَارُهُمْ وَدِيكُهُمْ .

ورُبَّمَا أعْقَبَتِ النِّعَمُ العظيمةُ ضَرَرا بَالِغًا .
قَالَ الحارثُ الْمُحَاسِبيُّ : مَا قَلَّ مِنَ النِّعَمِ لَرُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ مَنْفَعَةً مِنْ عَظِيمِهَا ، وَرُبَّمَا كَانَ عَظِيمُهَا يُعَقِّبُ ضِرَارًا فِي الدِّينِ أَوْ فِي الدُّنْيَا ... وَلَرُبَّمَا عَظُمَتِ النِّعْمَةُ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيَا فَيَطْغَى صَاحِبُهَا وَتَشْغَلُهُ حَتَّى يَعْصِيَ اللَّهَ فَيَدْخُلَ النَّارَ ، وَلَوْ كَانَتِ النِّعْمَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَطْغَتْهُ ... وَرُبَّمَا ضَرَّتْهُ السَّعَةُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الدِّينِ ، وَرُبَّمَا قَتَلَهُ كَثْرَةُ مَالِهِ مِنْ لُصُوصٍ يَقْتُلُونَهُ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْكَرْبِ الشَّدِيدِ مِنَ الْمَرَضِ ، أَوْ بِمَنْ يَعْنِيهِ أَمَرُهُ مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ فَيَكْثُرُ دُعَاؤُهُ وَتَضَرُّعُهُ وَيَتَصَدَّقُ وَيَخْشَعُ قَلْبُهُ ، فَإِذَا فُرِّجَ عَنْهُ وَعَادَ إِلَى الْعَافِيَةِ رَجَعَ إِلَى اللَّهْوِ وَالشَّهْوَةِ وَالْعِصْيَانِ ، وَقَلَّ تَضَرُّعُهُ إِلَى اللَّهِ ؛ فَكَانَ الْمَرَضُ أَصْلَحَ لِقَلْبِهِ وَأَوْفَرَ لِدِينِهِ ، وَكَانَتِ الْعَافِيَةُ - إِنِ اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ - أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَرَضِ ... فَإِنَّمَا أُتِيتَ أَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى قَدْرِ النِّعَمِ عِنْدَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ ، وَلَمْ تَنْظُرْ فِي عَوَاقِبِهَا فِي دِينِكَ وَدُنْيَاكَ ، ومَا تَكُونُ فِي الْعَاقِبَةِ أَضَرُّ أَمْ أَنْفَعُ ؟ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ : (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) ؟ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي إِذَا وَرَدَتِ النِّعَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا أَنْفَعُ لَكَ قَلِيلُهَا أَمْ كَثِيرُهَا ؟ . اهـ .

وكثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرْضَى لِربِّهِ القَلِيلَ مِنَ العَمَلِ ، ويَطْمَعُ في الكَثيرِ مِنَ العَطَاءِ .
قَالَ الْحَسَنُ : مَنْ رَضِيَ مِنَ اللَّهِ بِالرِّزْقِ الْيَسِيرِ رَضِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِالْعَمَلِ الْقَلِيلِ .

وما كانَ السَّلَفُ يَأسَفُونَ عَلَى مَا يَفوتُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا ، إنَّمَا يَأسَفُونَ عَلَى فَوَاتِ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ .
كَانَ بِالْبَصْرَةِ رَجُلٌ يُقَالُ: لَهُ شَدَّادٌ ، أَصَابَهُ الْجُذَامُ فَتَقَطَّعَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُوَّادُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ فَقَالَوا لَهُ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَ : بِخَيْرٍ ، أَمَا إِنَّهُ مَا فَاتَنِي جُزْئِي بِاللَّيْلِ مُنْذُ سَقَطْتُ ، وَمَا بِي إِلاَّ أَنَّي لا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَحْضُرَ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ .

وَهَذَا مِنْهُ غَايَةُ الرِّضَا عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى .

وَأمَّا الرِّضَا للهِ ؛ فَبِأَنْ يَكونَ الْمُؤمِنُ يَرْضَى للهِ ، ويَغْضَبُ للهِ .
وَفَي خَبَرِ يُونسَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا) .
قَالَ القُرْطُبِيُّ : وَالْمَعْنَى : مُغَاضِبًا مِنْ أَجْلِ رَبِّهِ .. وَالْمُؤْمِنُ يَغْضَبُ لِلَّهِ عزَّ وجَلَّ إِذَا عُصِيَ . اهـ .

وفي ذمِّ عبيدِ الدُّنْيَا : تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ . رَوَاهُ البُخَاريُّ .

ومَن رضي لله ، وغضِب لله ، وأعْطَى لله ، ومَنَع لله ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ . رَوَاهُ أبو داودَ ، وصححَهُ الألبانيُّ .
وفي الحديثِ الآخَرِ : إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ . رَوَاهُ الإمامُ أحْمَدُ ، وحَسَّنَهُ الألبانيُّ .


اللهم ارضَ عنا وأرضنا ..

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة بعنوان : سَلُوا الله العافية نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 04-04-2016 12:07 AM
خُطبة جُمعة عن .. (خشية الله بالغيب) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 23-01-2016 10:52 PM
خُطبة جُمعة عن .. (غرس محبة الله في النفوس) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 28-11-2015 05:32 PM
خُطبة جُمعة عن .. (محبة الله) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 25-08-2015 03:51 AM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 03:57 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى