العودة   منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية فتاوى الإرشاد أقسـام العقيـدة والتوحيـد قسـم العقـيدة والـتوحيد
منوعات المجموعات مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم العقـيدة والـتوحيد
افتراضي الرد على مَن يقول إن الله تعالى خلق آدم في الأرض وليس الجنة
قديم بتاريخ : 08-10-2015 الساعة : 09:53 AM


هذه الإشكالية طرحها قائل ويزعم أن آدم لم يكن في جنة الخلد عندما أخرج منها
ويقول: هناك شبه إجماع لدى عامة المسلمين أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم في "الجنة" أي التي وعد الرحمن بها عباده الصالحين لكن هل هذا صحيح ؟
أنا أقول : لا ، وغيري كثر يقولون ذلك آدم خلق في الأرض بالضبط في موضع سمي "الجنة"
ولنبدأ من البداية وليكن الاستدلال العقلي نهجنا لنصل للحقيقة: لفظ الجنة لا يختص بتلك الجنة التي وعد المتقون بها في الآخرة (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ) الكهف . هنا وردت الجنة بمعنى البستان أو الحديقة وقد درجنا على استعمال لفظ الجنة لوصف جمال وروعة حديقة أو بستان معين كان ذلك مدخلا.
لنأتي للأهم ،الرحمن قال: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) إذا كانت الجنة في السماء كيف أن الله يقول للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة
ثم يجعله في السماء في الجنة ؟ هنا لبس !
أيضا قبل خلق آدم حسم الأمر أن مستقره في الارض .. صح
طيب كيف إذن نسب خروج آدم من الجنة لإبليس وحده يعني مع أن الله هو المقرر ؟هنا لبس !
أيضا الجنة التي وعدنا إياها الرحمن "نسأل الله ان تكون من نصيبنا" لا نبعد عنها أي إننا مخلدون فيها ولا نخرج منها ما إن ندخلها ، إذن كيف يخرج آدم منها؟ لبس آخر !
ثم إن الجنة هي دار ثواب وليست دار امتحان أو معصية فكيف يعصي آدم ربه فيها ؟لبس آخر !
ثم إن جنة الخلد هي لعباد الله الذين رضي عنهم دون غيرهم ولا مكان للأشقياء هناك فكيف استطاع إبليس دخولها؟ لبس آخر !
في جنة الخلد عيش كريم ورغد ومتع لا تنقطع بلا موانع فكيف يحرم الله على آدم شجرة بعينها؟ لبس آخر !
الرحمن قال : ("فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى )عدو في الجنة؟ لبس آخر. !
آدم خلق من طين فالأقرب للعقل أنه خلق على الأرض .لكن ماذا عن قوله تعالى ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) البقرة 36 "اهبطوا"هل هي دليل على إن الجنة في السماء ؟ مهلا لا تتسرعوا فالإجابة: الهبوط يأتي على نوعين النوع الأول : هبوط مكاني كأن تهبط من الأعلى إلى الأسفل النوع الثاني : هبوط مقامي كقوله تعالى ( قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) البقرة 61هنا كذلك لما قال الله لآدم وزوجه اهبطا أو اهبطوا . بمعنى هبوط مقامي من الأفضل إلى الأدنى هبوط مكاني .
وتوصل في نهاية الموضوع إلى أن: خلاصة القول آدم خلق على الأرض وليس في جنة الخلد كما يعتقد كثيرون.

هل هذا صحيح ؟ مع أنني بحثت في كتب التفسير وذكرت أنها جنة الخلد.



الجواب :
أولاً : قوله : (وليكن الاستدلال العقلي نهجنا لنصل للحقيقة) هذا نهج المعتزلة ومن سار بِسيرِهم ! وأهل السنة لا يُقدَّسون العقل ولا يُقدِّمونه على النقل ، وإنما يُعمَل العقل فيما له فيه مَجال .
كما أن طريقة أهل السنة تحكيم النصوص على العقول وليس العكس ، بمعنى : أن العقول تخضع للنصوص ، وليست النصوص تُخضَع للعقول !

ثانيا : جرى الخلاف بين أهل السنة وبعض الفِرق : هل الجنة التي أُخرِج منها آدم هي جنة الخلد أو هي جنة من جِنان الأرض ؟ والراجح أنها جَنّة الْخُلْد .
وسبب الخلاف ما أشار إليه من أن لفظ الجنة مُحْتَمَل ، مع ما أورده من إشكالات !
قال الثعلبي في تفسيره : وقَالَت القَدَرِيَّة : إنَّ الْجَنَّة التي أَسْكَنَها الله آدَم وحَوَّاء لم تكَن جَنَّة الْخُلْد ، وإنَما كَان بُسْتَانا مِن بَسَاتِين الدُّنيا ، واحْتَجُّوا بأنَّ الْجَنَّة لا يَكون فيها ابْتِلاء وتَكْلِيف .

ثم إن هذا القول هو نَصّ التوراة التي بأيدي أهل الكتاب " (انظر البداية والنهاية ، لابن كثير (1/176) وقد أحال مُحققو الكتاب على " سِفْر التكوين ، الإصحاح الثاني (8 - 22) ) .فهذا القول هو قول القَدَرِيّة المستمد من التوراة ! وقالت به المعتزلة لِزعمهم أن الجنة لا توجد إلاَّ يوم القيامة !
وقد عقد الإمام البخاري بابا في " ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة "
قال ابن حجر : أي : موجودة الآن ، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد إلا يوم القيامة . اهـ .
قال ابن كثير في التفسير : وقد اخْتُلِف في الجنة التي أُسْكِنها آدم أهي في السماء أم في الأرض ؟ فالأكثرون على الأول ، وحَكِى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض . اهـ .
وأطال ابن القيم النَّفَس في مُناقشة هذه المسألة في " مفتاح دار السعادة " .

ثالثا : جواب ما استشكله ، أو اعتبره لَبْسًا كما يلي :
1 - قول الله عزّ وجلّ : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ، ليس فيه دليل على أن آدم عليه الصلاة والسلام خُلِق في الأرض ، لِعدة اعتبارات :
أ - أن هذا كان في خِطابه تبارك وتعالى للملائكة قبل خَلْق آدم .
ب - أنه إخبار عما سيكون مُستقبلا .
جـ - أنه تبارك وتعالى أعقب هذا بالإخبار عن خَلْق آدم .
د - أن الله عزّ وجلّ - وإن خَلَق آدم في جنة الْخُلْد - إلا أنه عزّ وجلّ عَلِم ما سيكون من آدم .
وهذا جزء من عقيدة أهل السنة فيما يتعلق بالقدَر وكِتابته .
هـ - قوله عزّ وجلّ : (إِنِّي جَاعِلٌ) لا يُفهم منه أن يكون في الحال حتى يُشكل أن يكون ابتداء خَلْقه في السماء .
فلو قال قائل : إني صانِع وليمة . فهل يلزم أن تكون في الحال ؟ الجواب : لا ، فقد تكون السنة القادمة !
فقوله : (قبل خلق آدم حُسم الأمر أن مستقره في الأرض) هذا صحيح فيما يتعلق بِعِلْم الله ، أما ما يتعلق بآدم وتكليفه فهو متعلق بِسُكنى الجنة .
فآدم عليه الصلاة والسلام وإن خُلِق في السماء إلاَّ أنه خُلِق لِعمارة الأرض .

2 - قوله : (كيف إذا نسب خروج آدم من الجنة لإبليس وحده يعني مع أن الله هو المقرر ؟)
فالجواب : أن الله كَتَب مقادير الخلائق قبل خَلْق السماوات والأرض ، وهو سبحانه وتعالى عالِم بما سيكون منهم ، وعَلِم الله ما سيكون من إبليس وما سيكون من آدم ، فتقدير الله عزّ وجلّ مبنِيّ على عِلْمِه السابق .
ولذلك جاء في مُحاجة موسى لآدم : قَال آدم : أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ؟ رواه البخاري ومسلم . وسيأتي الحديث بتمامه .

3 - قوله : (الجنة التي وعدنا إياها الرحمن ... لا نبعد عنها أي أننا مخلدون فيها ولا نخرج منها ما إن ندخلها ... )
أقول : هذا صحيح فيما يتعلق بالدخول الأخروي والتخليد الأبدي ، أما دُخول آدم عليه الصلاة والسلام فليس كذلك ؛ لأن الله قضى أن يهبط آدم إلى الأرض ، وأن يجعل في الأرض من يعمرها .

4 - قوله : (الجنة هي دار ثواب وليست دار امتحان أو معصية) ، هذا أيضا صحيح فيما يتعلق بالآخرة ، أي : إذا دَخَل أهل الجنة الجنة ، أما ما كان قبل ذلك فليس بصحيح على إطلاقه .
وقد احتجت القدرية بذلك .
قال الثعلبي عن القدرية : واحْتَجُّوا بأنَّ الْجَنَّة لا يَكون فيها ابْتِلاء وتَكْلِيف والْجَوَاب : إنا قَد أجْمَعْنَا على أنَّ أهْل الْجَنَّة مَأمُورُون فِيها بالْمَعْرِفة ومُكَلَّفُون بِذلك .

وجَوَاب آخَر : إنَّ الله تَعالى قَادِر على الْجَمْع بَيْن الأضْدَاد ، فأَرَى آدَم الْمِحْنَة في الْجَنَّة ، وأرَى إبْراهيم النِّعْمَة في النَّار ؛ لئلا يَأمَن العَبْد رَبّه ، ولا يَقْنَط مِن رَحْمَتِه ، ولِيَعْلَم أنَّ له أن يَفْعَل مَا يَشَاء . اهـ .

ومثله مَا قِيل : " مِن أنَّ الآخِرَة لَيْسَتْ دَار تَكْلِيف " ففِيه نَظَر ؛ فإنَّ مَا وَرَد في الْحَدِيث مِن امْتِحَان مَن لَم تَقُم عَليه الْحُجَّة لَيس مِن بَاب التَّكْلِيف ، بَل هو امْتِحَان واخْتِبَار في فَتْرَة قَصِيرَة ، ولا يُعَكِّر عليه كَوْن الآخِرَة لَيْستْ دَار تَكْلِيف ، لأنَّ الْحُكْم للغَالِب .
ألاَ تَرى أنَّ أهْل الْجَنَّة يُلْهَمُون التَّسْبِيح والتَّحْمِيد والتَّهْلِيل ؟ وهُم في دَار الْجَزَاء ولَيْسُوا في دَار عِبَادَة .
قال ابن حجر عن هَذا القَوْل : وتُعُقِّب بِأنَّ الآخِرَة لَيْسَت دَار تَكْلِيف ، فلا عَمَل فِيها ولا ابْتِلاء .وأُجِيب بِأنَّ ذلك بَعْد أن يَقَع الاسْتِقْرَار في الْجَنَّة أو النَّار ، وأمَّا في عَرَصَات القِيَامَة فلا مَانِع مِن ذلك ، وقَد قَال تَعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) ، وفي الصَّحِيحَيْن أنَّ النَّاس يُؤمَرُون بِالسُّجُود فَيَصِير ظَهْر الْمُنَافِق طَبَقًا فلا يَسْتَطيع أن يَسْجُد . اهـ .

وإذا كان الامتحان يقع في الآخرة وهي ليست دار عَمَل ، فوقوع الامتحان في الجنة قبل ذلك جائز عقلا وشرعا .

فقوله : (فكيف يعصي آدم ربه فيها؟) فالجواب أن المعصية وقعت وقد أخبر الله عنها ، وأنها كانت سببا لخروجه من الجنة ، وهذا ما دلّت عليه مُحاجة موسى عليه الصلاة والسلام لآدم عليه الصلاة والسلام ، ففي الصحيحين من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنْ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى - مَرَّتَيْنِ - .
وفي رواية : فَقَالَ لَهُ مُوسَى : يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ .وفي رواية : فَقَالَ مُوسَى : أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنْ الْجَنَّةِ . وفي رواية : قَالَ مُوسَى : أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الأَرْضِ .

فلو كان الخروج من جنة مِن جِنان الدنيا أكان الأمر يستحق الملامة ؟!
ثم هو أمْر مُقدّر على آدم ، ووقوعه في الجنة ليس مُستحيلا ؛ لأن الجنة لا تكون دار خلود لا تقع فيها معصية إلاّ في الآخرة .
وسيأتي ما يتعلق بِدخول إبليس بنحو هذا الجواب ..

5 - قوله : (إن جنة الخلد هي لعباد الله الذين رضي عنهم دون غيرهم ولا مكان للاشقياء هناك...فكيف استطاع إبليس دخولها؟)
فالجواب من وُجوه :
فَقِيل : وَسْوَس لَهُما مِن الأرْض ، لأنَّ الله تعالى أعْطَاه قُوَّة بِذلك حتى وَسْوَس لَهُما بِتِلْك القُوَّة مِن الأرْض إلى الْجَنَّة .
وقِيل : حِين وَسْوَس لَهُما كَان في السَّمَاء ، فالْتَقَيا على بَاب الْجَنَّة هو وآدَم ، فَوَسْوَس .
وقيل : إنَّ الْحَيَّة خَبَّأته في أنْيَابِها وأدْخَلَتْه الْجَنَّة ، فَوَسْوَس مِن بَيْن أنْيِابِها ، فَمُسِحَتْ الْحَيَّة ، وأُخْرِجَتْ مِن الْجَنَّة .
ذكرها الإمام السمعاني في تفسيره .وقال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : كَيف تَوَصَّل إلى إزْلالِهما وَوَسْوَسَتِه لَهُمَا بَعْدَ مَا قِيل لَه : (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) ؟
قُلْتَ : يَجُوز أن يُمْنَع دُخُولَها عَلى جِهَة التَّقْرِيب والتَّكْرِمَة كَدُخُول الْمَلائكَة ، ولا يُمْنَع أن يَدْخُل على جِهَة الوَسْوَسَة ابْتِلاء لآدَم وحَوَّاء .
وقيل : كَان يَدُنُو مِن السَّمَاء فَيُكَلِّمهما .
وقيل : قَام عِند البَاب فَنَاَدَى .
ورُوي أنّه أرَاد الدُّخُول فَمَنَعَتْه الْخَزَنة ، فَدَخَل في فَمِ الْحَيَّة حتى دَخَلَتْ بِه وَهُم لا يَشْعُرُون .
ورَجَّح ابنُ عطية كَوْن الوَسْوَسَة مُشَافَهَة ، فَقَال : واخْتُلِف في الكَيْفِيَّة ؛ فَقَال ابن عباس وابن مسعود وجُمهور العُلَمَاء : أغْوَاهُمَا مُشَافَهَة ، ودَلِيل ذَلك قَوله تَعالى : (وَقَاسَمَهُمَا) ، والْمُقَاسَمَة ظَاهِرُها الْمُشَافَهَة .
وقال بَعْضُهم : إنَّ إبْليس لَمَّا دَخَل إلى آدَم كَلَّمَه في حَالِه ، فَقَال آدَم : مَا أحْسَن هَذا لو أنَّ خُلْدًا كَان ، فَوَجَد إبْلِيس السَّبِيل إلى إغْوائه ، فقال : هَل أدُلُّك على شَجَرَة الْخُلْد ؟
وقال بَعضهم : دَخَل الْجَنَّة في فَمِ الْحَيَّة ... - ثم ذَكَر القصة - .
وقالتْ طَائفة إنَّ إبْليس لَم يَدْخُل الْجَنَّة إلى آدَم بَعد أن أُخْرِج مِنها ، وإنّما أغْوَى آدَم بِشَيْطَانِه وسُلْطَانِه وَوَسَاوسِه التي أعْطَاه الله تَعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِن ابن آدَم مَجْرَى الدَّم . اهـ .
وأجاب ابن القيم عن ذلك " مِن وُجُوه :
أحَدها : أنه أُخْرِجَ مِنها ومُنِع مِن دُخُولِها عَلى وَجْه السُّكْنَى والكَرَامَة واتِّخَاذِها دَارًا ... ويَكُون هَذا دُخُولاً عَارِضًا كَما يَدْخُل الشُّرَط دَار مَن أُمِرُوا بِابْتِلائه ومِحْنَتِه ، وإن لم يَكُونُوا أهْلاً لِسُكْنَى تِلك الدَّار .
الثَّاني : أنه كَان يَدْنُو مِن السَّمَاء فيُكَلِّمُهما ولا يَدْخُل عَليهما دَارَهما .
الثَّالِث : أنه لَعَلَّه قَام عَلى البَاب فَنَادَاهُما وقَاسَمَهُمَا ولم يَلِج الْجَنَّة .
الرَّابِع : أنه قد رُوي أنه أرَاد الدُّخُول عَليهما فَمَنَعَتْه الْخَزَنَة ، فَدَخَل في فَمِ الْحَيَّة حتى دَخَلَتْ بِه عَليهما ، ولا يَشْعُر الْخَزَنَة بذلكَ " .

فأقوال أهل العلم حول الوسوسة ودُخول إبليس إلى الجنة تدور على هذه الوجوه .
وكَون إبْليس دَخَل الْجَنَّة لا يَتَعَارَض هَذا مَع طَرْدِه وإبْعَادِه ، لأنه لم يَدْخُل الْجَنَّة دُخُول الْمُكَرَمين ، ولا دَخَلَها دُخُولاً يُخِلّ بِوَعْد الله ، فلَم يَدْخُل الْجَنَّة دُخُول خَالِدٍ فِيها ، ولا دُخُول مُكَرَّم .وهذا كَما قَال العُلَمَاء في مثل قوله عليه الصلاة والسلام : لا يَدْخُل الْجَنَّة قَاطِع . رواه البخاري ومسلم . فإنَّهم حَمَلوه - فِيما حَمَلُوه عَليه - على أنَّ " مَعْنَاه : جَزَاؤه أنْ لا يَدْخُلَها وَقْت دُخُول الفَائزِين إذا فُتِحَتْ أبْوَابُها لَهُم بَل يُؤَخَّر " ، وأنّه " لا يَدْخُلَها دُخُول الفَائزِين " ، كما قال النووي .

6 - قوله : (في جنة الخلد عيش كريم ورغد ومتع لا تنقطع بلا موانع...فكيف يحرم الله على آدم شجرة بعينها؟؟)
من المتقرر عند أهل العلم والإيمان أن الله تعالى لا يُسأل عما يفعل ، فهو أعلم وأحكم .
وتحريم شجرة من أشجار الجنة على آدم وقتا من الأوقات لا يعني انقطاع النعيم ، ولا انتهاء الرغد . ألا ترى قوله تعالى : (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) ؟فقد أثبت الله له العيش الرغيد ، ونهاه عن شجرة واحدة .
ألا ترى إلى رغد أهل الدنيا وقد أُبيحت لهم الطيبات وحُرّمت عليهم الخبائث ؟ ومع ذلك لا يُعدّ تحريم الخبائث نقص في رغد العيش ..
وقُل مثل ذلك في منع النوم في الجنة ، فقد سُئل عليه الصلاة والسلام : أَفِي الْجَنَّة نَوم ؟ قال : لا ، النَّوم أخُو الْمَوت ، والْجَنَّة لا مَوْت فيها . أخرجه الدارقطني والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشُّعَب ، وقال الهيثمي في المجمَع : رواه الطبراني في الأوسط والبزار ، ورجال البزار رجال الصحيح .
كما أن تحريم شجرة من الأشجار هو من باب الابتلاء والاختبار .
قال ابن كثير : وأما قوله : (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) ، فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم . اهـ .
وقال ابن عطية في تفسيره : وفي حَظْرِه تعالى على آدم الشجرة ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يَدوم ؛ لأن الْمُخَلَّد لا يُحْظَر عليه شيء ولا يُؤمر ولا يُنهى .
وقيل : إن هذه الشجرة كانت خُصَّت بأن تُحْوِج آكلها إلى التبرز ، فلذلك نُهِي عنها ، فلما أكل منها ولم تكن الجنة موضع تبرّز أُهْبِط إلى الأرض . اهـ .

7- قوله : ((فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى )عدو في الجنة؟)
ليس في الآية ما يُفهم منها أن العدو في الجنة !
وهو كما تقدّم في الوسوسة ، من أنه كان يقف على باب الجنة ، أو يصِل إليهما بسلطان الوسوسة ، إلى غير ذلك مما تقدّم .
فلو قلت لشخص أنت آمِن في هذا المكان ، واحذر عدوّك ! فهل يلزم منه أن يكون العدو معه في نفس المكان ؟
الجواب : لا فإن العدو قد يكون من وراء الحدود ، ويجب أن يُحذر ، وكذلك الأمر بالنسبة للشيطان وعداوته ووسوسته .

8 - قوله : (آدم خلق من طين فالأقرب للعقل أنه خلق على الأرض)
آدم خُلِق من طِين ، والنص قاضٍ على العقل !فأصل خَلْق آدم عليه الصلاة والسلام من طين ، وأصل خِلْقَته جُمِعت من جميع بِقاع الأرض ، كما قال عليه الصلاة والسلام : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ ؛ فَجَاءَ مِنْهُمْ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وصححه الألباني .

وكونه خُلِق من طِين ، لا يعني أنه خُلِق في الأرض ، بل الأقرب إلى النص أنه خُلِق في السماء .
بل هو الذي دلّت عليه النصوص فَخِطاب الله تعالى للملائكة وسُجودهم لآدم كل ذلك كان في السماء .
وهذا دالّ على أن الهبوط هبوط مكاني ، وليس مقامي ، كما قال صاحب المقال .

وإكمالا للفائدة أُورِد إشكالاً آخر للقدرية !
قال الثعلبي في تفسيره : احْتَجُّوا بأنَّ مَن دَخَل الْجَنَّة يَسْتَحِيل الْخُرُوج مِنها ، قَال الله تَعالى : (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ)
قال : والْجَوَاب عنه : أنَّ مَن دَخَلَها للثَّواب لا يَخْرُج مِنها أبَدا ، وآدَم لم يَدْخُلْها للثَّوَاب ، ألاَ تَرَى أنَّ خَازِن الْجَنَّة يَدْخُلَها ثم يَخْرُج مِنها ، وإبْليس أيضا كان دَاخِل الْجَنَّة وأُخْرِج مِنها " . اهـ .

والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض


إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما الرد على من يقول أنه لا توجد غريزة جنسية في الجنة وأن الحور العين لا يُستمتع بهن ؟ نسمات الفجر قسـم العقـيدة والـتوحيد 0 19-05-2015 06:16 PM
ما الرد على من يزعم أن نار جهنم أسفل الأرض ؟ وحدد درجة حرارتها ؟ نبض الدعوة قسـم العقـيدة والـتوحيد 0 03-10-2012 02:09 AM
ما صحة هذا القول ( يقول الله عز وجل من مات وهو محسن الظن بي دخل الجنة )؟ ناصرة السنة قسـم الفتـاوى العامـة 0 06-09-2012 05:03 AM
ما صحة حديث:إذا أراد الله تعالى أن يدخل أهل الجنة في الجنة بعث إليهم م راجية العفو قسـم السنـة النبويـة 0 28-02-2010 04:24 PM
ما صحة حديث " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله: تريدون شيئا أزيدكم" ؟ رولينا قسـم السنـة النبويـة 0 15-02-2010 01:13 PM


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 12:58 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى