السلام عليكم و رحمة الله ، كل عام و الأمة الإسلامية بخير ،
الشيخ الكريم وفقكم الله .. حدث موقف مع فتاة اعرفها تقول انها دُعيَت الى مناسبة و خشيت ان تكون فيها أغاني و طلبت من والدتها ان تسأل صاحبة الدعوة هل ستضعون اغاني في المناسبة ام لا ؟ و حين سمعها اخيها انزعج و انتقدها انتقاد لاذع جعلها تبكي ، قال انتي معقدة و الدين ليس هكذا و اعرف ناس مطوعين يذهبون الى مناسبات فيها اغاني ، يذهبون و يتجاهلون الاغاني ، هكذا عليك ان تفعلي ، فإنتي لم تذهبي للبحث عن الاغاني فإذا وضعوا تجاهليها ، و مالت الوالدة لرأي ولدها و صار الانتقاد عليها فقالت لها خلاص لا تشترين ملابس طالما انك لا تذهبين للمناسبات ، فعلق اخيها قائلا و هو يضحك نعم وفري النقود ، فقعدت البنت تبكي .. مع العلم ان اخيها هذا يسمح لأخته الثانية ( غير الملتزمة ) بأن تكشف وجهها حين تسافر و هو يراها تلبس عاري في المناسبات و ينصحها بأسلوب طيب ، اما اخته الملتزمة يتسلط عليها في موقف عديدة و يضايقها بأسلوب جارح ، السؤال الان ، اخيها هذا دائما ينصح في الدين و يحافظ على الصلوات ، فهل حين وصفها بالمعقدة و ما بدر منه ما بدر يعتبر سخرية بأهل الدين ؟ و ما تعليقك على وجهة نظره ، هل تذهب و تتجاهل الاغاني ؟؟
التعديل الأخير تم بواسطة حليمة ; 12-09-2016 الساعة 10:00 AM.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ووفقك الله لكل خير .
انتقاد أهل الالتزام على نوعين :
نَقْد بهدف التصحيح ، وهذا يُعرَف مِن طريقة النقد ، فهذا مطلوب .
ونَقْد يُقصد به الاستهزاء بهم والسخرية ، فهذا مذموم ، بل قد يُخرِج صاحِبه مِن الإسلام ؛ لأنه استهزاء بِما يَحمِلونه مِن مبادئ ، ولأن هذا النقد يَرجِع في حقيقة الأمر على الرسول وعلى الرِّسَالة ، أي : كأن الذي ينتقد المتديّنين ينتقد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن تحريم الأغاني والإعراض عنها واعتزال مجالس اللغو واللهو مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
فكأن الذي يَصِف مَن يَعتَزِل مجالس اللغو واللهو بالتّشدد يصِف رسول الله صلى الله عليه وسلم بِذلك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَمِع زُمّارة راعٍ فَوضع أصبعيه في أذنيه .
روى الإمام أحمد وأبو داود مِن طريق نافع أنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَة رَاعٍ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ عَنْ الطَّرِيقِ ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ ؟ فَأَقُولُ : نَعَمْ ، فَيَمْضِي حَتَّى قُلْتُ : لا ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ وَأَعَادَ رَاحِلَتَهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَة رَاعٍ فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا .
وصححه الألباني وحسّنه شعيب الأرنؤوط .
فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مُتشددين بِفعلهم ذلك ؟!
حاشاه وحاشاهم ..
وقد أمَر الله باعتزال مجالس اللغو واللهو ، وذلك بِمَدْح المؤمنين بالإعراض عن ذلك ، فقال عَزّ وَجَلّ : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) .
قال ابن كثير : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) أي : عن الباطل ، وهو يَشمل : الشرك - كما قاله بعضهم - والمعاصي - كما قاله آخرون - وما لا فائدة فيه مِن الأقوال والأفعال ، كما قال تعالى : (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) . اهـ .
وقال تبارك وتعالى مادِحًا عباده المؤمنين : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) .
قال ابن جُزيّ : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ) يعني ساقِط الكَلام . اهـ .
وقال تعالى في صِفات عباد الرحمن : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) .
قال الحسن والكلبي : " اللغو " : المعاصي كلها ، يعني إذا مَرّوا بِمَجلس اللهو والباطل مَرّوا كِراما مُسرعين مُعرِضين . يُقال : تَكرم فلان عمّا يَشينه إذا تَنَزّه وأكرم نفسه عنه . (تفسير البغوي)
وأما كَون الشخص يَعرِف أناسًا يذهبون لِمجالس فيها موسيقى ومُنكرات ، فهذا لا حُجّة فيه ؛ لأن هذا تساهل وإقرار للمنكَر ، وتمييع للدِّين .
وأفعال الناس ليست حُجّة ولا تُنجِي مِن عذاب الله ، وليست عُذرا أمام الله .
بل الحجة في قَول الله تبارك وتعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما قاله الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأنهم كانوا على الهدى المستقيم .
ولا تَجوز إجابة دعوة فيها مُنكر ولا حضور اجتماع فيه مُنكَر .
وأين إنكار المنكر الذي أُمِرنا به ؟ وأقلّه الإنكار القلبي ـ الذي يستلزِم مُفارَقة المكان ؟
وعلى هذا الأخ أن يتّقي الله في نفسه ، وأن يَعدِل في أقواله وأفعاله وتصرّفاته .
وعلى الإنسان أن يَحسِب كلامه ، فإنه مُحاسَب عمّا يقول .