محب السلف

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 2
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : بلاد الإسـلام
المشاركات : 2,130
بمعدل : 0.40 يوميا

محب السلف غير متواجد حالياً عرض البوم صور محب السلف


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
افتراضي الوَدُود سبحانه وتعالى
قديم بتاريخ : 02-12-2021 الساعة : 11:24 PM

الوَدُود سبحانه وتعالى

إذا تَعرَّفَ الناسُ على الرؤساءِ والعُظماء والملوكِ فتَعرّفْ على مَلِكِ الملوكِ سبحانه وتعالى ، امْتِثالاً لِقوله عليه الصلاةُ والسلامُ : تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ (رواه الإمام أحمد (ح 2803)) .

الله جلّ جلالُه تَعرّفَ إلى عبادِه بأسمائه الحسنى وصِفاتِه العُلى .ومِن أسمائه : الودودُ (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) الذي يُحِبُّ ويُحَبُّ .

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : (الْوَدُودُ) : الحبيبُ المجيدُ الكريمُ . عَلّقَه البخاري .

قال شعيب عليه الصلاةُ والسلام لِقومِه : ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)

قال الإمام السمعانيُّ في تفسيرِه (2/453) : فِي الْوَدُودِ مَعْنيانِ : أَحدُهما : أَنَّ الْوَدُودَ هُوَ الْمُحِبُّ لِعِبَادِهِ . والثاني : أو الْوَدُودُ بِمَعْنى الْمَوْدُودِ ، أي : يُحِبهُ الْعبادُ لِفَضْلِه وإحسانِه .

وقال ابنُ الأثيرِ : في أسماءِ الله تعالى : الوَدُودُ ، وهو فْعُولٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ مِن الوُّدِّ ؛ الْمَحبَّةِ . يُقالُ : وَدَدْتُ الرَّجلَ أوَدُّهُ وُدا إذا أحْبَبْتَه . فاللهُ تعالى مَوْدُودٌ ، أيْ : مَحْبُوبٌ في قُلُوبِ أوْلِيَائه ، أو هو فَعُولٌ بِمَعنى فَاعِلٍ ، أي أنه يُحِبُّ عِبَادَه الصَّالِحين ، بمعنى أنه يَرْضَى عنهم (5/165) .

وفي لسانِ العَرَبِ : الوَدُودُ في أَسماءِ الله عزّ وجَلّ الْمُحِبُّ لعبادِهِ ، مِن قولِك : وَدِدْتُ الرجُلَ أَوَدّه ودّا ووِدَادا ووَدَادا (3/454) .

وقال ابن القيم : الوَدُودُ : الْمُتَوَدّدُ إلى عِبَادِهِ بِنِعَمِه الذي يَودُّ مَنْ تابَ إليه وأقبَلَ عليه ، وهو الودودُ أيضا ، أي : الْمَحْبُوبُ . قال البخاري في صحيحه : الوَدُودُ الْحَبِيبُ .

والتحقيقُ أنَّ اللفظَ يدُلُّ على الأمْرين : على كَوْنِهِ وَادّا لأوليائه ، ومَوْدُودًا لهم ؛ فأحدُهما بِالوَضْع ، والآخُرُ باللزومِ ؛ فهو الْحَبِيبُ الْمُحِبُّ لأوليائه : يُحِبّهم ويُحِبّونه . وقال شعيبٌ عليه السلام : (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) ، وما ألْطَفَ اقْتِرَانَ اسْمِ الوَدُودِ بِالرّحيمِ وبِالغَفورِ ؛ فإنَّ الرّجُلَ قد يَغفِرُ لمن أساء إليه ولا يُحِبُّه ، وكذلك قد يَرْحمُ مَن لا يُحِب ، والرّبّ تعالى يَغْفرُ لِعَبدِه إذا تَابَ إليه ويَرْحمُه ويُحِبُّه مع ذلك ، فإنه يُحبُّ التّوَابِين ، وإذا تاب إليه عَبْدُهُ أحبَّهُ ولو كان مِنه ما كان.
(التبيان في أقسام القرآن . ص (93) .)

الله تبارك وتعالى يَقبَلُ توبةَ مَن تاب إليه ، مهما كان جُرْمُه . لو أعرَض عنه العَبْدُ طِيلةَ عُمرِهِ ثم تاب إليه قَبْل الموتِ فإن اللهَ يَقبَلُ منه ، ويُؤيه ..

يُرْوَى أنه كان في بني إسرائيلَ شابٌّ عَبَدَ الله تعالى عشرين سنة ، ثم عَصَاه عشرين سنة ، ثم نَظَر في المرآة فرأى الشّيْبَ في لِحْيَتِهِ ، فسَاءه ذلك ، فقال : إلَهِي ، أطَعْتُك عشرين سنة ، ثم عَصَيتُك عشرين سنة ، فإنْ رَجَعتُ إليك أتَقْبَلُني ؟ فسَمِع قائلاً يقول - ولا يَرى شخصا - : أحْبَبْتَنا فأحْبَبْنَاك ، وتَرَكْتَنا فَتَرْكَناك ، وعَصَيتَنا فأمْهَلْنَاك ، وإن رَجَعتَ إلينا قَبِلْنَاك.
إحياء علوم الدين ، للغزالي (4/15).

قال إبراهيم بنُ شَيْبَانَ : كان عندنا شابٌّ عَبَدَ اللهَ عِشْرين سنةً ، فأتاه الشيطانُ ، فقال له : يا هذا ، أعَجِلْتَ في التوبةِ والعبادةِ ، وتَرَكتَ لَذّاتِ الدنيا ، فلو رَجَعتَ فإن التوبةَ بين يديك .

قال : فَرَجَعَ إلى ما كَانَ عليه مِن لَذّاتِ الدنيا ، قال : فكان يوما في مَنْزِلِهِ قاعِدًا في خَلْوةٍ فَذَكَرَ أيامَّه مع اللهِ فحَزِن عليها ، وقال : تُرى إنْ رَجَعتُ يَقْبَلُني ؟! قال : فَنُودِي : أنْ يا هذا ، عَبَدْتَنا فَشَكَرْناك ، وعَصَيْتَنا فأمْهَلْنَاك ، وإن رَجَعت إلينا قَبِلْنَاك.
تاريخ بغداد (8/215) . .

اللهُ جَلّ جلالُه يُحبُّ المؤمنين ، ويُحبُّونه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)

قال ابن القيم : ليس العجيبُ من قولِهِ : (يُحِبُّونَه) إنما العَجَبُ مِن قولِه : (يُحِبُّهُم) ، ليس العجبُ مِن فقيرٍ مسكينٍ يُحِبُّ مُحسِنا إليه ! إنما العَجَبُ مِن محسِنٍ يُحبُّ فقيرا مِسكينا.
الفوائد ص (69) .

اللهُ جلّ جلالُه عَرّفَ عِبَادَه بِنَفسِه ، وحذّرَهم مِن مُخالفَةِ أمْرِه . بَيّنَ لِعبادِه ما يُحِبُّ ليأتُوه ، وما يَكرَه ليجتنبوه . بيّنَ لهم سُبلَ الْهُدَى ، وطُرقَ الضلالةِ والغيِّ (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) بيّنَ لهم أنه هو الهادِي ، وأنَّ عَدوَّهم هو الْمُضِلُّ الْمُبينُ ، ولذا لا يُوصَفُ اللهُ عزّ وجَلّ بـ (الْمُضِلِّ) .

أَخْبَرَ عبادَه المؤمنين أَنَّهُ مَعَهم ، وأنه يُدافِعُ عنهم

قال ابن القيم : أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مَعَ الْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ ، وَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ، وَمَعَ الصَّابِرِينَ ، وَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّهُ يُدَافِعُ عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا لا يُدَافِعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، بَلْ بِدِفَاعِهِ عَنْهُمُ انْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ ، وَلَوْلا دِفَاعُهُ عَنْهُمْ لَتَخَطَّفَهُمْ عَدُوُّهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ .

وَهَذِهِ الْمُدَافَعَةُ عَنْهُمْ بِحَسْبِ إِيمَانِهِمْ وَعَلَى قَدْرِهِ ، فَإِنْ قَوِيَ الإِيمَانُ قَوِيَتِ الْمُدَافَعَةُ . فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ.
زاد المعاد (3/7) .

أرْسَلَ الرُّسُلَ ، وأنْزَلَ الكتبَ ، وأقامَ الْحُججَ ، وتابَعَ البَرَاهِين (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) .

أعَذَرَ إلى خَلْقِه : (أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) .

وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ .
رواه البخاري (ح 4637) ومسلم (ح 2760) . .

اللهُ تبارك وتعالى يَتَودّدُ إلى عِبادِه بأصنافِ النّعَمِ ، وهو يَرزُقهم ويُعافِيهم

فِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي ، خَيْرِي إِلَيْكَ نَازِلٌ وَشَرُّكَ إِلَيَّ صَاعِدٌ ، كَمْ أَتَحَبَّبُ إِلَيْكَ بِالنِّعَمِ ، وَأَنَا غَنِيٌّ عَنْكَ ، وَكَمْ تَتَبَغَّضُ إِلَيَّ بِالْمَعَاصِي وَأَنْتَ فَقِيرٌ إِلَيَّ ، وَلا يَزَالُ الْمَلَكُ الْكَرِيمُ يَعْرُجُ إِلَيَّ مِنْكَ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ.
زاد المعاد (2/374) .

اللهُ تبارك وتعالى يَرْزُقُ المؤمِنَ والكافِرَ ، وليس مِن دابّةٍ إلاّ وهو مُتكفّلٌ بِرِزقِها : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) .

العَجَبُ أنَّ المالِكَ والسيّدَ يتوَدّدُ إلى عَبيدِه .

قال ابن القيم : ليس العَجَبُ مِن مَمْلُوكٍ يَتذَلّلُ للهِ ويَتعبّدُ لـه ، ولا يَمَلُّ مِن خِدمتِه مع حاجتِه وفَقْرِه إليه ، إنما العَجَبُ مِن مَالِكٍ يَتَحبُّبُ إلى مملوكِـه بِصُنُوفِ إنْعَامِـه ، ويَتَوَدُّدُ إليه بأنواعِ إحسانِه ، مع غِنَاه عنه !

كفى بِكَ عِـزّا أنك له عَبْد
وكَفَى بك فخرا أنه لك ربٌّ.
الفوائد . ص (35) .

مَحَبّةُ اللهِ وَاجِبَةٌ لإحسانِه

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية : وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ مَحَبَّةٌ أَعْظَمُ وَلا أَكْمَلُ وَلا أَتَمُّ مِنْ مَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ ، وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلاّ اللَّهُ تَعَالَى . وَكُلُّ مَا يُحَبُّ سِوَاهُ فَمَحَبَّتُهُ تَبَعٌ لِحُبِّهِ.مجموع الفتاوى (10/649)

وقال عن مَحَبة الله تعالى : فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ وَاجِبَةً لإِحْسَانِهِ .
منهاج السنة النبوية (5/396).

كُلُّ ما قَضَاه حَقٌّ وخَيْرٌ ورَحْمةٌ

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.رواه مسلم (ح 2999) .

اللهُ .. تألَهه القلوبُ وتُحبُّه ، وهو تبارك وتعالى أرْحَمُ بالعِبادِ مِن الأمِّ بأوْلادِها .

قال ابن القيم : وَكَيْفَ لا تُحِبُّ الْقُلُوبُ مَنْ لا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاّ هُوَ ، وَلا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إِلاّ هُوَ ، وَلا يُجِيبُ الدَّعَوَاتِ ، وَيُقِيلُ الْعَثَرَاتِ ، وَيَغْفِرُ الْخَطِيئَاتِ ، وَيَسْتُرُ الْعَوْرَاتِ ، وَيَكْشِفُ الْكُرُبَاتِ ، وَيُغِيثُ اللَّهَفَاتِ ، وَيُنِيلُ الطَّلَبَاتِ سِوَاهُ ؟

فَهُوَ أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ، وَأَحَقُّ مَنْ شُكِرَ، وَأَحَقُّ مَنْ عُبِدَ، وَأَحَقُّ مَنْ حُمِدَ، وَأَنْصَرُ مَنْ ابْتُغِيَ، وَأَرْأَفُ مَنْ مَلَكَ، وَأَجْوَدُ مَنْ سُئِلَ، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَى، وَأَرْحَمُ مَنْ اسْتُرْحِمَ، وَأَكْرَمُ مَنْ قُصِدَ، وَأَعَزُّ مَنِ الْتُجِئَ إِلَيْهِ وَأَكْفَى مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ، أَرْحَمُ بِعَبْدِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، وَأَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ التَّائِبِ مِنَ الْفَاقِدِ لِرَاحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ إِذَا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ ثُمَّ وَجَدَهَا .

وَهُوَ الْمَلِكُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَالْفَرْدُ فَلا نِدَّ لَهُ ، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ ، لَنْ يُطَاعَ إِلاّ بِإِذْنِهِ ، وَلَنْ يُعْصَى إِلاّ بِعِلْمِهِ ، يُطَاعُ فَيَشْكُرُ ، وَبِتَوْفِيقِهِ وَنِعْمَتِهِ أُطِيعَ ، وَيُعْصَى فَيَغْفِرُ وَيَعْفُو ، وَحَقُّهُ أُضِيعَ ، فَهُوَ أَقْرَبُ شَهِيدٍ ، وَأَجَلُّ حَفِيظٍ ، وَأَوْفَى بِالْعَهْدِ ، وَأَعْدَلُ قَائِمٍ بِالْقِسْطِ ، حَالَ دُونَ النُّفُوسِ ، وَأَخَذَ بِالنَّوَاصِي وَكَتَبَ الآثَارَ، وَنَسَخَ الآجَالَ ، فَالْقُلُوبُ لَهُ مُفْضِيَةٌ ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلانِيَةٌ ، وَالْغَيْبُ لَدَيْهِ مَكْشُوفٌ ، وَكُلُّ أَحَدٍ إِلَيْهِ مَلْهُوفٌ، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِنُورِ وَجْهِهِ ، وَعَجَزَتِ الْقُلُوبُ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهِ ، وَدَلَّتِ الْفِطَرُ وَالأَدِلَّةُ كُلُّهَا عَلَى امْتِنَاعِ مِثْلِهِ وَشِبْهِهِ ، أَشْرَقَتْ لِنُورِ وَجْهِهِ الظُّلُمَاتُ ، وَاسْتَنَارَتْ لَهُ الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ ، وَصَلُحَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ ، لا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، وَلَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ

مَا اعْتَاضَ بَاذِلُ حُبِّهِ لِسِوَاهُ مِنْ ... عِوَضٍ وَلَوْ مَلَكَ الْوُجُودَ بِأَسْرِهِ
الجواب الكافي . ص (230 ، 231)

فَكَيْفَ لا يُحِبُّ الْعَبْدُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ بِعَدَدِ الأَنْفَاسِ، مَعَ إِسَاءَتِهِ ؟

فَخَيْرُهُ إِلَيْهِ نَازِلٌ ، وَشَرُّهُ إِلَيْهِ صَاعِدٌ، يَتَحَبَّبُ إِلَيْهِ بِنِعَمِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ ، وَالْعَبْدُ يَتَبَغَّضُ إِلَيْهِ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ فَقِيرٌ إِلَيْهِ ، فَلا إِحْسَانُهُ وَبِرُّهُ وَإِنْعَامُهُ إِلَيْهِ يَصُدُّهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَلا مَعْصِيَةُ الْعَبْدِ وَلُؤْمُهُ يَقْطَعُ إِحْسَانَ رَبِّهِ عَنْهُ .

فَأَلأَمُ اللُّؤْمِ تَخَلُّفُ الْقُلُوبِ عَنْ مَحَبَّةِ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ ، وَتَعَلُّقُهَا بِمَحَبَّةِ سِوَاهُ .
الجواب الكافي . ص (229 ، 230)

وهو تبارك وتعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) : قال عليه الصلاة والسلام : مِن شَأنِه أنْ يَغْفِرَ ذَنْبا ، ويُفَرِّجَ كَرْبا ، ويَرْفَعَ قوما ويَخْفِضَ آخرين.رواه ابن ماجه (ح 202) وحسّنه الألباني.

قالَ عُبيدُ بنُ عُميرٍ : مِن شَأنِهِ أنْ يُجِيبَ دَاعِيا ، أو يُعْطِيَ سائلا ، أو يَفُكَّ عَانيا ، أو يَشْفِيَ سَقِيما . وقَالَ مُجاهِدٌ : كلُّ يومٍ هُوَ يُجِيبُ دَاعِيا ، ويَكْشِفُ كَرْبا ، ويُجِيبُ مُضْطَرا ، ويَغْفِرُ ذَنْبًا .

كَم تَودّدَ اللهُ لِخَلْقِه في كلامِه وفي كِتابه ..؟؟ كم تكررَ في القرآنِ (جَعَلَ لَكُم) ؟؟ (سَخّرَ لَكُم) ؟؟ (أنْزَلَ لَكم) ؟؟ لَكُم أنتُم ..

(جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ)
(جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)
(جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)
(جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا)
(جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ)
(وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
(جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا)
(جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)
(جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)
(جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ)
(جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) .
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) .
(وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) .

وذَكّرَهم بِنِعمِه ، وما سَخرّ لهم مِن العالَمِ العُلْويِّ والسّفْلِيّ ، فقال : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) .

وقال : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ثم قال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

بل ذلك مِن رَحْمَتِه : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . وحتى دَوابُّهم تَكفّلَ بِرِزقها : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) .

وأخْبَرَهم أنه هو الذي أنْزَل مِن السماء ماءً ، وجَعَل له خَزَائنَ في بَاطِنِ الأرض فحَفِظَه لهم ، فقال : (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) ، وقال : (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) .

وذَكّرَ عِبادَه بأنه الْمُنعِمُ المتفضّلُ ، وأنه الْمَلْجأُ والْمَعَاذُ في السرّاء والضّرّاء ، فقال : (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)

وذَكَر سبحانه بِرَّه ولُطفَه ، فقال : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : يَلْطُفُ بِهِمْ فِي الرِّزْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جَعَلَ رِزْقَكَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ .
وَالثَّانِي- أَنَّهُ لم يدفعْه إليك مَرّةً واحدةً فتَبْذُوه .
الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) (16/16)
ومعنى " فتَبْذُوه " : أي : تُضيّعه وتُبذّره

وبَشّرَ عِبادَه المؤمنين ، فقال : (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)

وقال : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) ، وقال : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) ، وقال : (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) ، وقال : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا) .

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) .

أمَرَهم بِذِكْرِه ، وَوعَدَهم بِما هو أعْظَمُ مِن ذِكْرِهم له ، فقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) . ووَعَدَهُم الْمَزِيدَ إن هُم شَكَروه ، فَقال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) .

هو اللطيفُ الحبيبُ القَريبُ

أمَر عِبادَه أن يَسألوه ، وأخبَرهم أنه قَريبٌ مُجِيب . (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .

اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ... وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. رواه الإمام أحمد (ح 9701) والبخاري في " الأدب المفرَد " (ح 658) والترمذي (ح 3373) وابن ماجه (ح 3827) ، وحسّنه الألباني .

وهو تبارك وتعالى الطّيبُ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاّ طَيِّبًا .رواه مسلم (ح 1015) .

قَالَ الْقَاضِي : الطَّيِّبُ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْمُنَزَّه عَنِ النَّقَائِصِ ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْقُدُّوسِ .شرح النووي على صحيح مسلم (7/100)

هو القائمُ على كلِّ نَفْس ، هو الحافِظُ لِكلّ مَخْلُوق ..
هو الْحَيِيّ السّتّير .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عزّ وجَلّ حَيِيّ سِتِّير يُحِبّ الْحَيَاءَ والسِّتْرَ .رواه الإمام أحمد (ح 17970) وأبو داود (ح 4012) والنسائي (ح 406) . وصحّحه الألباني وحسّنه الأرنؤوط .

وقال عليه الصلاة والسلام : إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ.رواه الإمام أحمد (ح 23714) والترمذي (ح 3556) وابن ماجه (ح 3865) وصححه الألباني والأرنؤوط .

كَم سَتَر مِن قَبِيح ؟ وكَم نشَر مِن جَمِيل ؟

قَالَ رَجُلٌ لأَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيمِيِّ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ قَال : أَصْبَحْتُ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ لا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ : ذُنُوبٌ سَتَرَهَا اللَّهُ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَيِّرَنِي بِهَا أَحَدٌ ، وَمَوَدَّةٌ قَذَفَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ وَلَمْ يَبْلُغْهَا عَمَلِي.
رواه الإمام أحمد في " الزهد " ص (208) ، وابن أبي الدنيا في " الشّكْر " ص (18) والبيهقي في " الزهد الكبير " ص (223) .

وكَتَبَ حَكِيمٌ إِلَى حَكِيمٍ : أَمَّا بَعْدُ ! فَقَدْ أَصْبَحْنَا وَبِنَا مِنْ نِعَمِ اللهِ مَا لا نُحْصِيهِ ، وَلا نَدْرِي أَيَّمَا نَشْكُرُ ، أَجَمِيلُ مَا يُنْشَرُ ، أَمْ قَبِيحُ مَا يُسْتَرُ ؟! .رواه الدينوَري في " المجالسة " (8/83) .

مِن أسمائه تبارك وتعالى : الجبّارُ ، والجبّار له ثلاثةُ معاني :

الأول : العَظيم . قال البغوي : قال ابن عباس : "الجبارُ" هو العظيم ، وجَبَرُوتُ الله عَظَمَتُه . مَعَالِم التّنْزِيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي) (8/87)

قال القرطبي : هَذَا الاسْمُ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَتَقْدِيسِهِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ النَّقَائِصُ وَصِفَاتُ الْحَدَثِ . الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) (18/47) .

والمعنى الثاني : مِن القَهْر . أي : أنه يَقهَرُ غيرَه ، ولا يُقهَر . قال السُّدّيُّ ومقاتِلُ : هو الذي يَقهَرُ الناسَ ويُجْبِرهم على ما أرَاد . وسئلَ بعضُهم عن معنى الجبار ، فقال : هو القهّارُ الذي إذا أراد أمرًا فَعَلَه ، لا يَحْجِزُه عنه حاجِزٌ .

والمعنى الثالث : مِن الْجَبْرِ ، وهو الإصلاحُ . يُقال : جَبَرْتُ الأمرَ ، وجَبَرْتُ العَظمَ : إذا أصلحتُه بعد الكَسر ، فهو يُغْني الفقيرَ ، ويُصلِح الكَسِيرَ .مَعَالِم التّنْزِيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي) (8/87)

وحتى الابتلاءُ مِنه فيه لُطفٌ خَفِيّ
إذا مَسّ بالسّرّاءِ عَمّ سُرُورُها *** وإن مَسّ بِالضّراءِ أعْقَبَها الأجرُ
ولا مِنْهما إلاّ له فِيه مِـنّةٌ *** تَضِيقُ بها الأوهامُ والبَرُّ والبَحرُ

قال شُرَيحٌ : ما أُصِيب عبدٌ بِمُصِيبة إلاّ كان لله عليه فيها ثلاثُ نِعَمٍ :

أن لا تكونَ كانت في دِينِه ، وأن لا تكونَ أعظمَ مما كانت ، وأنها كائنةٌ ، فقد كانت
رواه ابن أبي الدنيا في " الشّكْر " ص (30) .

قال سفيانُ : كان يُقالُ : ليس بِفَقِيهٍ مَن لم يَعدَّ البلاءَ نِعمَةً ، والرّخاءَ مُصِيبةً. رواه ابن المبارك في " الزّهد " ص (25) .

في الابتلاء : رِفعَةُ درَجات ، وتَكفيرُ سَيّئات ، ومَغْفِرَةُ زَلاّت .. هو أرْحَم الراحِمين .أعلَمَ عِبادَه بِسَعَة رَحمتِه ، فقال في كتابه : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ : إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي. رواه البخاري (ح 7404) ومسلم (ح 2751) .

وقال في الحديث القدسي : يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاّ مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاّ مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ.رواه مسلم (ح 2577) .

تَودّدَ إلى مَن أسْرَفوا على أنفسِهم بالمعاصي ، فقال : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .

فقد نَاداهُم بِوَصْف العُبودِيّة ، ولم يُنَادِهم بِوصْفِ العُصَاةِ ، وذَكَر: الرّحْمَةَ مرّتينِ ، والْمَغْفِرَةَ مرّتين في آيةٍ واحدةٍ .

وفي الحديث القدسي : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً. رواه الإمام أحمد (ح 21472) مِن حديث ابي ذرّ رضي الله عنه ، ورواه الترمذي (ح 3540) مِن حديث أنس رضي الله عنه .

الوَدُود أنْزَل رَحمةً واحِدةً مِن عنده يَتَراحَمُ بها الْخَلْقُ فيما بينهم

قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ.رواه البخاري (ح 6469) ومسلم (ح 2752) .

وفي روايةٍ لِمُسْلِم : إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا ، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

وأخْبَرَ عِبادَه أنه غَنيٌّ عن تَعْذِيبِهم ، فقال : (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) قال القرطبي : نَبَّهَ تَعَالَى أَنَّهُ لا يُعَذِّبُ الشَّاكِرَ الْمُؤْمِنَ ، وَأَنَّ تَعْذِيبَهُ عِبَادَهُ لا يَزِيدُ فِي مُلْكِهِ ، وَتَرْكَهُ عُقُوبَتَهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ لا يَنْقُصُ مِنْ سُلْطَانِهِ. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) (5/426) .

وهذا الاسمُ له سِرٌّ عجيبٌ لِمَا فيه مِن التّودّدِ إلى الوَدُودِ سبحانه .

والمودّةُ أحَدُ رُكْنَيّ الحياةِ الزوجيةِ قال سبحانه : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .

لم يَقْتَصِرْ تَوَدّدُه سبحانه وتعالى على أوْلِيائِهِ ، بل تَوَدَّدَ إلى أعْدَائه ! قال رَبُّ العِزّة سبحانه مُخاطِبا مَن زَعَموا له صاحِبَةً وَوَلَدا : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؟

وقال في حَقّ مَن قَتَلوا عِبادَه حَرْقًا بِالنار : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) . قال الحسن البصريُّ : انْظُرُوا إلى هذا الكَرَمِ والْجُودِ : قَتَلُوا أوْلِياءَه وهو يَدْعُوهم إلى التَوبةِ والْمَغْفِرَة . تفسير ابن كثير (8/271) .

تَوَدّدَ إليه الصالحون ، فَمَا رَدّهم خائبين، قالَ إبراهيمُ الخليلُ عليه الصلاة والسلام لأبيه : (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) .

وفي دعاءِ زكريا عليه الصلاة والسلام : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) .

وفي دعاءِ يعقوبَ عليه الصلاة والسلام : يا ذَا المعروفِ الذي لا يَنقَطعُ أبَدا ، ولا يُحصِيه غَيرُك . دَعَا به يعقوبُ في لَيْلَةٍ ، فلم يَطلْعِ الفَجرُ حتى طُرِح القميصُ على وَجهِه فارتدَّ بَصيرا.الزهد ، لأحمد بن حنبل . ص (67) , وهو في " الكشف والبيان عن تفسير القرآن ، للثعلبي " (5/256) .

وفي رواية أنه قال : يَا كَثِيرَ الخَيْرِ، يَا دَائِمَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أَبَدًا وَلا يُحْصِيهِ غَيْرُهُ رُدَّ عَلَيَّ ابْنِيّ .رواه أبو نُعيم في " حلية الأولياء " (9/312) .

قال يحيى بنُ معاذٍ الرازيُّ : إلَهِي ، أسألُك تَذَلّلا فأعْطِني تَفَضّلا .رواه البيهقي في " شُعَب الإيمان " (2/387) .

كَتبَه : الشيخ عبد الرحمن السحيم
الرياض 23 رجب 1440 هـ



النصر قادم
مشرف
رقم العضوية : 361
الإنتساب : Nov 2012
المشاركات : 41
بمعدل : 0.01 يوميا

النصر قادم غير متواجد حالياً عرض البوم صور النصر قادم


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : محب السلف المنتدى : قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
افتراضي
قديم بتاريخ : 23-12-2021 الساعة : 08:05 AM

بارك الله فيكم...

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دخل الإسلام حديثاً هل يغفر له الله سبحانه وتعالى ما مضى ؟ ناصرة السنة قسم التوبـة والدعوة الى الله وتزكية النفس 0 25-10-2012 03:23 PM
صحة موضوع (الله سبحانه وتعالى خلق في الأرض قبل آدم 120 أمة من خلق مختلفة..........) ناصرة السنة قسـم الفتـاوى العامـة 0 06-10-2012 03:16 PM
هل صحيح أن الله سبحانه وتعالى خلق حواء من آدم وهو نائم ؟ *المتفائله* إرشـاد القـصــص 0 24-02-2010 09:16 AM
دعونا ننهي عاد 2008 ونستقبل عام 2009 بسجدة شكر لله سبحانه وتعالى ناصرة السنة قسـم البـدع والمـحدثـات 0 22-02-2010 10:51 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:38 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى