[ناصرة السنة]

السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم يا شيخ أسأل الله أن يجزيك الفردوس الأعلى فو الله قد سهلت علينا أمور ديننا فأنت تجيب سريعا على أسئلتنا بعد أن كان التواصل مع الشيوخ من لأعقد ما يمكن والحصول على فتوى يعتبر حلما عند أغلبنا فجزاك الله الفردوس الأعلى آمين
يا شيخنا الفاضل سؤالي..
زوج طلق زوجته وقد كانت الزوجة عاملة ولها راتب (الآن متقاعدة ويصرف لها راتب المتقاعد) وكانت الزوجة قد ساهمت في بناء المنزل الذي يسكنون فيه وذلك بتوفير راتب الزوج وصرف راتبها على الفواتير والأكل والشرب وكل مستلزمات الحياة فكان الزوج ولفترة طويلة لا ينفق على الأسرة وهي تنفق وذلك ليتمكن من بناء المنزل دون اللجوء إلى الدين كما أنها اشترت الكثير والكثير من الأشياء العينية للمنزل من أثاث وتحف وغيره بمالها الخاص وكانت قد دفعت مبالغ كبيرة في تلك المشتريات وبعد إن انتهوا من بناء المنزل استمر الزوج في جمع أمواله ولم ينفق على الأسرة بالشكل الصحيح بل صار يشتري مقومات الحياة فقط ولا شيء سوها إلا ما ندر فقد كان أحياناً يعطيهم مبلغاً لا بأس به لشراء متطلباتهم طبعا ليس بشكل منتظم وإنما مرة كل عام أو ما شابه. وصار يوفر لهم أسوأ وأردأ الأشياء من لباس وطعام وشراب وتعليم لذلك تكفلت الزوجة بتعليم الأولاد وشراء اللباس والطعام اللائق بالمستوى الاجتماعي الذي يعيشون فيه وحجة الزوج في ذلك هو أن راتبه ضعيف وأنه لا يقوى على كل هذا الصرف؟!
والآن وبعد الطلاق هناك أمرين إما أن يعطيها نصف المنزل لتسكن فيه مع أولادها (لهم 5 أولاد 3 منهم متزوجون) أو يعطيها النصف نقداً . ولأن الحياة معه في نفس المنزل مستحيلة لأسباب كثيرة لا يسعني حصرها اختصرها في أنه لم يكمل تعلميه سيئ الخلق سليط اللسان بعيد كل البعد على الله تعالى محتال كذاب مخادع بخيل يعاني الكثير من المشاكل النفسية لذلك قررت الزوجة أخذ نصيبها من المنزل نقداً لتشتري به منزلاً آخر وتعيش فيه بسلام مع أولادها بعيداً عن هذا الرجل وسلوكياته العجيبة!؟
ومع الأسف فإن الزوج لا يريد أن يعطيها حقها نقداً وقد كتب لها نصف المنزل لتعيش فيه وقد اتضح أن الورقة التي كتبها غير قانونية وأنها لا تساوي شيئاً يعني أنه خدعها كعادته فهو دائما ما يخدع ويحتال ويكذب والآن خرجت الزوجة بعد كل هذه السنين صفرا وستضطر للعيش في شقة بالإيجار بينما هو يعيش في المنزل كاملاً مع المرأة الجديدة التي تزوجها حديثاً في المنزل الذي ساهمت تلك الزوجة القديمة في بنائه.
وقبل الطلاق بفترة طويلة جدا كان الزوج قد اشترى محلا تجارياً وكتبه باسم زوجته لأنه موظف حكومي وهي كتبت له توكيلا عاما على أملاكها والتي هي فقط ذلك المحل الذي هو في الحقيقة له وهو الآن ينتظر تقاعده حتى يتمكن من كتابة المحل باسمه.
فهل يجوز للزوجة أن تلغي التوكيل العام وتترك المحل باسمها ولا تعيد محله له وتستفيد هي من إيجار المحل السنوي حتى تجمع حقها ومالها الذي صرفته في المنزل وتتمكن من شراء منزل جديد ما دام الزوج مصراً على خداعها وأكل حقها والإصرار على أنها لم تساهم معه في شيء وبعد أن تستوفي ما أنفقته وتسترد أموالها عن طريق المحل تعيد المحل له ؟
أم أنها إن فعلت ذلك تأثم ويكون المال مالاً حراماً .
مع العلم أنه لا حل بينهم ولا تصالح ولا يمكن لهم أن يعيشوا تحت سقف واحد ولا يمكن أن يتم تقسيم المنزل إلى قسمين منفصلين؟
جزاك الله خيرا يا شيخ أطلت عليكم




الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

إذا كان ما ذُكِر حقيقة ، وكانت بذلت أموالا في المشاركة في البناء والتأثيث ، فإن لها أن تُلغي الوكالة ، وتكتب ورقة عند أولادها ، وتُشْهِد عليها ، وتَسْتَوفي حَقّها ، ثم تردّ إليه المحلّ .
وفي الصحيحين أن هند بنت عتبة رضي الله عنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها ، وأنه شحيح ، فقال عليه الصلاة والسلام : خُذِي ما يكفيك وولدك بالمعروف .

ولأنّ لها حقّا في البيت والأثاث ، وهو قد اعترف بذلك ، بِقَولِه لها : إنه سوف يُعطيها نصف قيمة البيت .
مع أن الأثاث لها ، ولها أصلا حق في الأثاث .

قال القرطبي : قال محمد في متاع البيت إذا اخْتَلَفَت فيه المرأة والرجل : إنّ ما كان للرِّجال فهو للرجل ، وما كان للنساء فهو للمرأة ، وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل . اهـ .

وقال ابن قدامة في أنواع استيفاء الحقوق : إن كان مانِعًا له بِغَير حق وقَدر على استخلاصه بالحاكم أو السلطان لَم يَجز له الأخذ أيضا بغيره ؛ لأنه قَدر على استيفاء حقه بِمن يقوم مقامه فأشبه ما لو قَدر على استيفائه مِن وكيله .
وإن لم يقدر على ذلك لكونه جاحدا له ولا بينة له به ، أو لكونه لا يجيبه إلى الْمُحَاكَمَة ولا يمكنه إجباره على ذلك ، أو نحو هذا ، فالمشهور في المذهب أنه ليس له أخْذ قَدر حقه ، وهو إحدى الروايتين عن مالك . قال ابن عَقيل : وقد جعل أصحابنا الْمُحَدِّثُونَ لِجَواز الأخذ وَجْهًا في المذهب ، أخْذًا مِن حديث هند حين قال لها النبي صلى الله عليه و سلم : خُذي ما يَكفيك ووَلَدك بِالمعروف .
وقال أبو الخطاب : ويَتَخَرَّج لنا جواز الأخذ ، فإن كان المقدور عليه مِن جنس حَقّه بِقَدْره ، وإن كان من غير جنسه تَحَرَّى واجتهد في تقويمه ، مأخوذ من حديث هِند ، ومِن قول أحمد في الْمُرْتَهِن : يَرْكَب ويَحْلِب بِقَدْر ما يُنْفِق . والمرأة تأخذ مُؤنتها ، وبائع السلعة يأخذها مِن مالِ الْمُفْلِس بِغير رِضا .
وقال الشافعي : إن لم يَقْدِر على استخلاص حَقِّه بِعينه فَلَه أخْذ قَدْر حَقِّه مِن جنسه ، أو مِن غير جنسه ، وإن كانت له بَيِّنة وقَدر على استخلاصه ففيه وجهان ؛ والمشهور مِن مذهب مالك أنه لم يكن لغيره عليه دَين فَلَه أن يأخذ بِقَدر حَقِّه ، وأن كان عليه دَين لم يجز لأنهما يَتَحَاصَّان في ماله إذا أفلس .
وقال أبو حنيفة : له أن يأخذ بِقَدر حَقِّه إن كان عينا ، أو وَرِقًا ، أو مِن جِنس حقه ، وإن كان المال عَرَضًا لم يَجز ؛ لأن أخْذ العَرَض عن حقه اعْتِياض ، ولا تجوز الْمُعَاوَضَة إلاّ بِرِضا مِن الْمُتَعَاوِضِين . قال الله تعالى (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ، واحْتَجّ مَن أجاز الأخذ بِحديث هِند حين جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شَحيح ، وليس يُعْطِيني مِن النفقة ما يَكفيني وولدي . فقال : خُذِي ما يَكفيك وولدك بالمعروف . متفق عليه . وإذا جاز لها أن تأخذ مِن مَالِه ما يَكفيها بِغير إذنه جاز للرجل الذي له الحق على الرجل . اهـ .


والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد