نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم الفقه العـام
افتراضي ما الضابط في إقامة الحد على من يسب الله ورسوله ولماذا يُترك المتطاولون من الروافض ؟
قديم بتاريخ : 12-07-2015 الساعة : 08:18 AM


بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ الموقّـر عبد الرحمن السحيم - وفقكم الله -
تعلمون فضيلتكم ما حصلَ في الأيام السّابِقة مِن تطاوُل أحد الكتاب الصحفيين وأذيّته لله ولرسوله بكلام كُفري ، ويعلم فضيلكم ما صدَر بحقه مِن أمرِ إلقاءِ القبض عليه ومحاكمته على كلامه .
وقد أثار البعضُ شبهات حول هذا الأمر وقالوا : لماذا يُلقى القبض على هذا الكاتِب بالتحديد وبعض الكتاب قد تطاولوا على ذات الله العليّـة على شكل روايات ؟
وآخرون يقولون : أننا نعلم انَّ الروافِض وخاصةً المعممين منهم لم يتوانوا في أذية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وسبهم واتهام الرسول ببعض التُّهم كما هو مقرر في كُتبهم أو على ألسنتهم ، فلماذا لم يصدُر بحقهم حُكم شرعيّ ؟
والسؤال الآخَر - وفقكم الله - الذي يندرِج تحت هذا الأمر ..
هل كل مَن سب الله ورسوله يُحاكَم ؟ أم أنّ الجاهِل يُعفى عنه ؟
أسأل الله تعالى أن يجعلكم منار هُدى وذابًا عن حياض هذا الدِّين وأن يثبتكم على الحق ويزيدكم إيمانًا ويقينًا .



الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

هذه شُبُهات القوم ، وخاصة الْمُفْسِدِين الذين يتكلّمون بمثل ذلك ، لأجل إثارة الشُّبُهات والتشكيك في أحكام الشريعة ، والطعن فيها ، سَعْيًا للتمَلُّص والتخلّص والتهرّب مِن أحكام الشرع التي ستشمل الزنادقة الْمُفْسِدين المجرمين .

وأما الروافض ، فإن العلماء يُكفِّرون مَن يَسُبّ أو يَطعن في عِرْض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلاّ أن الغالب عليهم استعمال التقية ، وهي إظهار خلاف ما يُبْطَن ؛ لأنهم جبناء لا يَجرءون على التصريح .

ومَن صرَّح بذلك فإن حُكمه القَتْل ، وهذا ما يَرويه أهل السنة عن أئمتهم .
رَوَى الإمام اللالكائي من طريق مالك أبي هشام قال : كنت أسير مع مِسْعَر ، فلقيه رجل من الرافضة قال : فَكَلّمه بشيء لا أحفظه ، فقال له مِسعر : تَنَحّ عني ، فإنك شيطان !
وروى عن محمد بن يوسف الفريابي قال : وقد أخبرني رَجُل مِن قريش أن بعض الخلفاء أَخَذ رَجُلَين مِن الرافضة ، فقال لهما : والله لئن لم تُخبراني بالذي يَحملكما على تنقّص أبي بكر وعمر لأقتلنكما ، فَأبَيَا ، فَقَدَّم أحدهما فَضَرب عُنقه ، ثم قال للآخر : والله لئن لم تخبرني لأُلْحِقّنك بصاحبك . قال : فتؤمني ؟ قال له : نعم . قال : فإنا أرَدْنا النبي ! فقلنا : لا يُتَابِعنا الناس عليه ، فقصدنا قَصد هذين الرجلين ، فتابعنا الناس على ذلك ! قال محمد بن يوسف : ما أرى الرافضة والجهمية إلاَّ زنادقة !

ولذلك لَمّا صرّح الخاسر الخبيث بِسبّ أم المؤمنين قام عليه آساد أهل السنة في الكويت حتى ولّى هارِبًا إلى بعض دُول الكُفر . مع أن الرافضة تملأ ذلك البلد ، لكن الاعتقاد الباطِن خلاف التصريح الظاهر .

هذا مِن جهة
ومِن جهة أخرى فإن الرافضة لهم دِين ، ولهم شُبُهات ، والعلماء يُفرِّقون بين مَن ترَك دِينه وارتدّ وتَزَنْدَق ، وبين مَن كان له دِين وله شُبُهات .
فالْمُرْتَدّ يختلف في حُكمه عن الكافر الأصلي ، أو مَن له تأويل ، ولو كان فاسِدا .

أوْرَد الطوفي في " شرح مختصر الروضة " سُؤَالا ، وَهُوَ: كَيْفَ تُكَفِّرُونَ مُنْكِرَ حُكْمِ الإِجْمَاعِ ، وَلَمْ تُكَفِّرُوا مُنْكِرَ أَصْلِ الإِجْمَاعِ ، كَالنَّظَّامِ وَالشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجِ ؟
قال : وَأُجِيبَ عَنْهُ : بِأَنَّ مُنْكِرَ أَصْلِ الإِجْمَاعِ لَمْ يَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ كَوْنُهُ حُجَّةً ، فَلا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ تَكْذِيبُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ ، بِخِلافِ مُنْكِرِ حُكْمِهِ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِكَوْنِهِ حُجَّةً ، فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ ذَلِكَ ، فَأُخِذَ بِإِقْرَارِهِ . اهـ .


ألا تَرين أن اليهود والنصارى يَسبّون الله ، ويقولون فيه قولاً عظيما – كما حكاه الله عنهم – وتَزيد اليهود القول الشنيع في الأنبياء ، ومع ذلك أُقِرّوا على دِينهم ، وأُجْرِيَت عليهم أحكام أهل الكتاب ؛ لأنه لهم شُبْهَة ، بل قد ألْحَق الصحابة بهم الْمَجُوس ؛ لأن لهم شُبْهَة كِتاب ، لكنهم لم يُلْحِقوا بهم الْمُرْتَدِّين الذين منَعُوا الزكاة ، ولا مَن غيَّر دِينه ؛ لأن حُكم هؤلاء واضِح .

قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لَمَّا تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّتِ العَرَب . رواه النسائي .
وفي الصحيحين من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال : لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ : يَا أَبَا بَكْرٍ ! كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاّ بِحَقِّهِ ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا .
قَالَ عُمَرُ : فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ .
وحُمل على الرّدّة قوله عليه الصلاة والسلام : " يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ : أَصْحَابِي ، فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ "
ويُبيِّن هَذا مَا ذَكَره محمد بن يوسف الفِرَبْرِي قال : ذُكِر عن أبي عبد الله [البخاري] عن قَبِيصة قال : هُم الْمُرْتَدُّون الذين ارْتَدّوا على عهد أبي بكر ، فَقَاتَلَهم أبو بَكر رضي الله عنه .
ولَمَّا بلغ ابن عباس رضي الله عنهما أن عَلِيًّا رضي الله عنه حَرّق المرتدين أو الزنادقة قال : لو كنت أنا لَم أُحْرِقهم ولَقَتَلْتُهم ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن بَدَّل دِينه فاقْتُلُوه . رواه الشافعي .
وفي رواية للبخاري : أنّ عَلِيًّا رَضِي اللّه عَنه حَرَّقَ قَوْمًا ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لأَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال : لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ، وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ .

ولَمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم أَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ ثُمَّ اتَّبَعَه مُعَاذُ بن جَبَلٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً قَالَ : انْزِلْ ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ، ثُمَّ تَهَوَّدَ . قَالَ : اجْلِسْ ، قَالَ : لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - ثَلاثَ مَرَّاتٍ - فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ . رواه البخاري ومسلم .

وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ : باب القضاء فيمن ارْتَدّ عن الإسلام .

ثم قال الإمام مالك رحمه الله : وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نُرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - : " مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ " أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ ، مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ ، فَإِنَّ أُولَئِكَ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُسْتَتَابُوا ؛ لأَنَّهُ لا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ الإِسْلامَ ، فَلا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلاءِ ، وَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ قَوْلُهُمْ ، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ ، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إِلَى الإِسْلامِ وَيُسْتَتَابُوا ، فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا ، وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ فِيمَا نُرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ خَرَجَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ ، وَلا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ ، وَلا مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلاَّ الإِسْلامَ ؛ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ ، فَذَلِكَ الَّذِي عُنِيَ بِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ .

وهذا كلّه يُبيِّن حُكْم المرتدّ عن دِينه ، بِخلاف مَن كان على دِين غير دِين الإسلام .

وكل مَن سَبّ الله ورَسَوله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب أن يُقْتَل ، ولا يُعذَر أحَدٌ بالجهل في ذلك ، فإن الوقائع التي ذَكَرها العلماء ما كانوا يَدْرؤون شَيئا مِنها بالجهل .
مع أن أمْر القَتْل موكول إلى القضاء الشرعي ، وليس إلى آحاد الناس .

ففي سُنن أبي داود من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضيَ اللّهُ عنهما ، أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فِيهِ ، فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي ، وَيَزْجُرُهَا فَلا تَنْزَجِرُ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا ، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ ، فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ : أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلاَّ قَامَ ، فَقَامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً ، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ألاَ اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَر . وصححه الألباني .

قال القاضي عياض رحمه الله : اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ ، أَوْ دِينِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ لَهُ أَوِ الإِزْرَاءِ عَلَيْهِ، أَوِ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ، أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ وَالْعَيْبِ لَهُ فَهُوَ سَابٌّ لَهُ .
وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ السَّابِّ يُقْتَلُ .
وَكَذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ ، أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ ، أَوْ عَبَثَ فِي جِهَتِهِ الْعَزِيزَةِ بِسُخْفٍ مِنَ الْكَلامِ، وَهَجْرٍ ومنكر مِن القول وزُور .
ونَقَل القاضي عِياض عن ابن الْمُنْذِرِ قوله : أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتُلُ .

قال القاضي عياض : وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ : مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه . ولا تُقْبَل توبته عند هؤلاء .
وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُسْلِمِينَ ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا : هِيَ ردة .
وروى مِثْلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ .
وَحَكَى الطَّبَرِيُّ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ تنقصه صلّى الله عليه وسلم أو بَرىء مِنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ .
وَقَالَ سُحْنُون فِيمَنْ سَبَّهُ : ذَلِكَ رِدَّةٌ كَالزَّنْدَقَةِ . وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الْخِلافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ وَتَكْفِيرِهِ، وَهَلْ قَتْلُهُ حَدٌّ أَوْ كُفْرٌ .
وَلا نَعْلَمُ خِلافًا فِي اسْتِبَاحَةِ دَمِهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الأَمْصَارِ وَسَلَفِ الأُمَّةِ .
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الإِجْمَاعَ عَلَى قَتْلِهِ وتكفيره .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونٍ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ شَاتِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَنَقِّصَ لَهُ كَافِرٌ، والوعيد جارٍ عليه بِعذابِ الله له ، وَحُكْمُهُ عِنْدَ الأُمَّةِ الْقَتْلُ .. وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَعَذَابِهِ كَفَرَ .
وَقَالَ أبُو سُلَيْمَانَ الْخَطّابِيّ : لا أعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا .
وذَكَر القاضي عياض مَن حُكِم بِكُفْره بِسَبب سَبّ النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقّصه ، وقَتْل مَن قُتِل بسبب ذلك .

ونَقَل القاضي عياض القول في حُكم مَن سبّ الله تعالى .
قال القاضي : وَلا خِلافَ فِي قَتْلِ مَن سَبّ اللَّه ، وَأنّ اللَّعْن إنّما يَسْتَوْجِبُه مَن هُوَ كَافِرٌ ، وَحُكْمُ الْكَافِرِ الْقَتْل .
(الشفا بتعريف حقوق المصطفى)

قال الخطّابي في قصة الأعمى الذي قَتَل أم وَلده التي كانت تسبّ النبي صلى الله عليه وسلم :
فيه بيان أن سَابّ النبي صلى الله عليه وسلم مَقتُول ، وذلك أن السّبّ مِنها لِرسول الله صلى الله عليه وسلم ارتداد عن الدِّين ، ولا أعلم أحداً من المسلمين اختَلَف في وُجُوب قَتْلِه .
(مَعالِم السُّنَن)

وفَرّق بعض العلماء بين سبّ الله عَزّ وَجَلّ وبين سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم
قال شيخنا العثيمين رحمه الله : مَن سَبّ الله أو استهزأ بالله قَبِلْنا توبته ، ورَفَعْنا عنه القتل .
ومَن سَبّ الرسول صلى الله عليه وسلم فَتَاب ، قَبِلْنَا توبته وقَتَلْناه .
كيف الذي يَسب الله تُقبل توبته ولا يُقتل ، والذي يسب الرسول تقبل توبته ويُقتل ؟
لأن الفرق :
أن الله عز وجل قد أخبرنا بأنه يعفو عن حقه يعفو عن حقه بالتوبة ولم يستثنِ شيئا ، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فَسَبّه حقٌ له ، ولا نعلم هل يسقطه أو لا .
وإذا كنا لا نعلم هل يسقطه أو لا ، فإن الأصل عدم الإسقاط ، وعلى هذا فنقتله حدًّا لا كُفْرا .
الخلاصة : مَن سَبّ الله أوْ رسوله ثم تاب فالصحيح : قبول توبته ، ثم إن كان في حق الله ارتفع عنه القتل ؛ لأنه إنما يُقْتل لِحَقّ الله ، وقد عفا الله عنه .
وإن كان في حق الرسول فهو مؤمن ، ولكن نقتله ثم نغسله ونُكَفّنه ونُصَلي عليه . اهـ .

وخُلاصة قول الشيخ رحمه الله في مَن سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُقْتَل في كل حال ، سواء تاب أم لم يَتُب ، إلاّ أنه إن تاب عاملناه مُعاملة المسلم ، وإن لم يَتُب عاملناه مُعامَلة الكافر .

ويَرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن سابّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يُعذر بالجهل .
قال رحمه الله :
إن سَبّ الله أوْ سبّ رسوله كَفَر ظاهرا وباطنا وسواء كان السابّ يعتقد أن ذلك مُحَرَّم ، أو كان مُسْتَحِلاًّ له ، أو كان ذاهلا عن اعتقاده . هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعَمَل .
وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابْنِ راهويه - وهو أحد الأئمة يعدل بالشافعي وأحمد - : قد أجمع المسلمون أن مَن سَبَ الله أوْ سَبّ رسوله عليه الصلاة والسلام أو دَفَع شيئا مما أنْزَل الله أوْ قَتل نَبيا مِن أنبياء الله ؛ أنه كافِر بذلك ، وإن كان مُقِرًّا بِمَا أنزل الله . اهـ .

وقد خاض بعض الناس في هذا الأمر ، وقالوا : لا يُقتَل ذلك الكاتِب لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقتُل المشركين لَمّا تَمَكّن منهم ، وإنما قال : اذهبوا أنتم الطُّلقاء .
فأقول : هذا غير صحيح مِن جهتين :
الأولى : ضَعْف رِوَاية " اذهبوا فأنتم الطُّلقاء " على شُهْرَتِها .
قال الشيخ الألباني : هذا الحديث على شُهرته ليس له إسناد ثابت ، وهو عند ابن هشام مُعْضَل ، وقد ضعفه الحافظ العراقي . اهـ .
الثانية : أنه عليه الصلاة والسلام أمَر بِقَتْل الذي كان يَسُبّه ويُؤذيه في أشرف وأطهر البِقاع .
ففي الصحيحين من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الفَتْح وَعَلَى رَأْسِه المِغْفَر ، فَلَمّا نَزَعَه جَاءَ رَجُلٌ فَقَال : إنّ ابنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأسْتَار الكَعْبَة ، فقال : اقْتُلُوه .

قال ابن بطّال في شرح البخاري : أمَر بِقَتْله دون سائر الكفار ؛ لأنه كان يُكْثِر مِن سَـبِّه ، وقد أمَرَ بِقَتْل قَيْنَتَيْن كانَتَا تُغَنِّيَان بِسَـبِّه صلى الله عليه وسلم ، وانتقَم لِنفسِه ؛ لأنه مَن سَب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كَفَر، ومَن كَفَر فقد آذى الله ورَسَوله . اهـ .

وفي الصحيحين مِن حديث جَابِر بن عَبْدِ الله رَضِي اللّه عَنْهما قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ؟ فَإنّه قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم . قَالَ مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ : أتُحِبُّ أنْ أقْتُلَه يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قال : نَعَم .

وقد احتجّ بعض الناس بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عفا عن بعض مَن سَـبَّه في حياته .
وهذا الإشكال قد أجاب عنه شيخنا العثيمين رحمه الله ، فإنه قال : فإن قيل : أليس قد ثبت أن مِن الناس مَن سَبّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقَبِل منه وأطلَقه ؟!
أجيب: بلى ، هذا صحيح ، لكن هذا في حياته صلى الله عليه وسلم ، وقد أسقَط حقّه ، أما بعد موته ; فلا ندري ، فنُنَفِّذ ما نَراه وَاجِبا في حَق مَن سَـبّه صلى الله عليه وسلم . اهـ .

وقد فَرّق العلماء بين الكافر الأصلي وبين المسلم الذي يَصدر منه ما يُوجِب الْحُكم عليه بالرِّدّة .

قال ابن بطّال : اخْتَلَف العلماء فيمن سبَ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فروى ابن القاسم عن مالك أنه مَن سَـبَّه صلى الله عليه وسلم مِن اليهود والنصارى قُتِل إلاّ أن يُسْلِم ، فأما المسلم فَيُقْتَل بِغَير استتابة ، وهو قول : الليث والشافعى وأحمد وإسحاق ، عن ابن المنذر . ورَوى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعى ومالك فيمن سَبّ النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالا : هي رِدّة يُسْتَتَاب منها فإن تاب نُكِّل ، وإن لم يَتُب قُتِل .
وذَكَر ابن بطال الخلاف في الذّمّي إذا سبّ النبي صلى الله عليه وسلم .
فقال : وَحُجّة مَن رَأى القَتْل على الذِّميّ بِسَـبِّه أنه قد نَقض العهد الذي حَقَن دَمه ؛ إذا لم يعاهَد على سَـبِّه ، فلما تعدى عهده عاد إلى حالِ كافرٍ لا عَهد له ، فَوَجب قَتْله إلاَّ أن يُسْلِم ؛ لأن القَتل إنما كان وَجب عليه مِن أجل نقضه للعهد الذي هو مِن حقوق الله ، فإذا أسلم ارتفع المعنى الذى مِن أجله وَجَب قَتْله .
فإن قيل : فهو إذا أسلم وقد سَبّ النبي صلى الله عليه وسلم تركتموه ، وإذا أسْلَم وقد قَتَل مُسْلِمًا قتلتموه .
قيل : لأن هذا مِن حقوق العباد لا يَزول بإسلامه ، وذلك مِن حقوق الله يَزول بالتوبة مِن دِينه إلى ديننا .
وحُجّة أخرى : وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : مَن لِكَعْب بن الأشرف ؛ فإنه قد آذى الله ورسوله ، فَقَتَله محمد بن مسلمة ، والسبّ مِن أعظم الأذى ، وكذلك قَتَل صلى الله عليه وسلم ابن خطل يوم فتح مكة والقَيْنَتَين اللتين كانتا تُغَنِّيَان بِسَـبِّه ، ولم ينفع ابن خطل استعاذته بالكعبة .
وقال محمد بن سحنون : وفَرَّقْنَا بَيْن مَن سَبّ النبي صلى الله عليه وسلم مِن المسلمين ، وبَيْن مَن سَـبَّه مِن الكفار ، فَقَتَلْنا المسلم ولم نَقْبَل تَوبته ؛ لأنه لم ينتقل مِن دِينه إلى غيره ، إنما فَعَل شيئًا حَدّه عِندنا القَتل ، ولا عَفْو فيه لأحد ، فكان كالزنديق الذي لا تُقْبَل تَوبته ؛ لأنه لم ينتقل مِن ظاهر إلى ظاهر، والكتابى كان على الكفر ، فلما انتقل إلى الإسلام بعد أن سبّ النبي صلى الله عليه وسلم غُفِر له ما قد سَلَف ، كما قال تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) . اهـ .

ومَثَل المطالبة بالسكوت اليوم وعدم المطالبة بِمُحَاكَمَة الزّنادِقة ، مثل رَجل أصاب بعض بيته حريق ، فَلّما رأى الحريق شبّ في غرفة واحدة ، طالَب الجميع بالكفّ عن إطفاء الحريق لأجل أن غرفة احترقت ، فلتحترق جميع الغُرَف !
أوْ كَرَجُل عنده أربع بنات ، فاغْتُصِبَت واحدة منهن ، فلَمّا لم يستطع إقامة الحدّ على مَن اغتصب ابنته ، رَضِي أن تُغتصَب بقية البنات !

وكلّ أحد لو ظُلِم مَظْلَمَة مِن قِبَل شخص له وجَاهَته ونُفوذه ، ولم يستطع أخذ مَظْلَمَته والانتصاف ممن ظلَمه ؛ فإن ذلك لا يَحمِله على تَرْك المطالَبَة بِبَقيّة المظالِم التي تقَع عليه .

فهل يُراد لنا أن نَسْكُت أكثر مما سَكَتْنا عن الزندقة المكشوفة والكُفْر الصريح حتى يَعُمّنا الله بِعذابٍ مِن عنده ؟
فلْنُعذِر إلى الله تعالى بِفِعْل ما نَستَطِيعه .
قال تعالى : (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) .

وقد قام أبو بكر رضي الله عنه خطيبا ، فَحَمِد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوْشَك الله أن يَعمّهم بِعقابه . رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وهو صحيح .

فصَاحِب المنكَر يَخْرِق سفينة المجتمع ، وواجِب على العُقلاء زَجْره والأخْذ على يَدَيْه ، وقد ضَرَب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا فقال : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ، ولم نُؤذِ مَنْ فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا . رواه البخاري .

وقد يَخْتَلِف الْحُكم مِن حادثة إلى أخرى ومَن واقِعة إلى أخرى لِملابسات كلّ قضية ، ولذلك لَمّا قضى عمر رضيَ اللّهُ عنه في قضية ثم قضى بعد ذلك بِخلافها ، قيل له : إنك لَم تَفْعَل ذلك عَامَ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ عُمَرُ رضيَ اللّهُ عنه : تِلْك عَلَى مَا قَضَيْنا يَوْمَئِذ ، وَهَذِه عَلَى مَا قَضَيْنا .

ونصيحتي لنفسي ولإخواني ولأخواتي :
أن لا يُصغوا إلى كلّ ناعِق يخوض في علوم الشريعة ويَهرِف بما لا يَعرِف !
وأن يَردّوا عِلْم ما لم يعلَموه إلى مَن عَلِمه ، فإنما شِفاء العِيّ السؤال .
وفَرِق بين أن يتساءل الإنسان عن إشكال وَرَد عليه في مسألة ما ، وبيْن أن يخوض فيما لا يُحسِن وما لا يَحْسُن الخوض فيه ، فيَجْعَل نفسه حَكَمًا على الشَّرْع ، ويُصَوِّب ويُخَطِّئ .
فإن هذا يدخل في الخوض المنهي عنه ، والمذموم في قوله تعالى : (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية : أَيْ كُنَّا نُخَالِطُ أَهْلَ الْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ . اهـ .

والملاحَظ أن الناس أصبحوا يخوضون فيما لا يعلمون ، فيخوض الصغير والكبير ، والذَّكَر والأنثى في كل شأن وفي كُلّ أمْر .
بل لعل كثيرا من الناس لا يُحسِن أحكام الطهارة ، وقد يخوض في مسائل لو عُرِضَت على عُمَر رضيَ الله عنه لَجَمَع لها أهْل بَدْر !
ورَحِم الله أبا حَصين القائل : إن أحدهم لَيُفْتِي في المسألة ، ولو وَرَدَت على عُمَر لَجَمَع لها أهل بَدْر .

وسبق في حُكم المرتدّ هنا :
ما صحة الجرائم الوهابية في حق الآثار النبوية ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=3345

ما حكم سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء به بغير قصد ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12232

ما قولك في مَن قال عن الرَّسول أنّ عنده نقْص في شخصِه لأنه فقَدَ حنان الأم ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11914

ما صحة حديث : إذا سبّني الكفار آخر الزمان اقترب النصر ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2317

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

ربيع الأول 1433 هـ


إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معنى (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ..ابن تيمية رحمه الله طالبة علم منتـدى الحـوار العـام 0 19-07-2015 06:30 PM
ما معنى قول الرسول (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) ؟ راجية العفو قسـم السنـة النبويـة 0 12-06-2015 05:51 PM
ما رأي فضيلتكم في ألفاظ الشوق والغرام في حقِّ الله ورسوله ؟ راجية العفو قسـم السنـة النبويـة 0 04-04-2015 08:18 PM
هل تلبس الحجاب رغم معارضت اهلها وترضي الله ورسوله راجية العفو إرشـاد المـرأة 0 26-02-2010 11:51 PM
ما حُكم قول : برّدناكم بالله ورسوله وأمير المؤمنين .. عيونكم باردة علينا ...؟ محب السلف قسـم العقـيدة والـتوحيد 0 24-02-2010 12:27 AM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 04:18 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى