منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسـم الفتـاوى العامـة (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=15)
-   -   لماذا تأخّـر يوسف عليه السلام في الكشف عن شخصيِّته لإخوانه ؟ (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=16804)

طالبة علم 11-04-2021 01:28 AM

لماذا تأخّـر يوسف عليه السلام في الكشف عن شخصيِّته لإخوانه ؟
 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم - أنعم الله عليكم -
لماذا تأخَّـر يوسفُ عليه السلام في كشف شخصيِّته لإخوانه ؟
حيث طلبهم أخًا لهم فلمَّـا جاؤوا به لم يكشِف عن شخصيِّته وإنَّـما دبَّر - عليه السلام - قِصَّة سرِقة صواع الملِك ، فعاد الإخوة إلى أبيهم فأخبروه بقِصَّة السَّرِقة ثمَّ جعوا إلى يوسف يستشفعون .

فما الحِكمة مِن ذلك ؟
ولماذا لم يخبرهم أنَّه يوسف بمجرَّد أن جاؤوا بأخيه ؟

وجزاكم الله خير الجزاء وفتح الله عليكم بالعِلم والمعرفة وأجزل لكم الأجر والمثوبة والإحسان .


الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

ذلك – والله تعالى أعلم – لكي يأتوا إليه بأخيه ، فيُؤويه إليه ويحفظه عنده .

ولأن البشارة لِيعقوب بيوسف بعد ذلك ستكون أعظم مما لو قال لهم في أوّل الأمر : أنا يوسف ..
قال القرطبي : قَوْلُهُ تَعَالَى : (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ ، وَإِنَّمَا غَابَ عَنْهُ خَبَرُهُ ، لأَنَّ يُوسُفَ حُمِلَ وَهُوَ عَبْدٌ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمَلِكُ فَكَانَ فِي دَارِهِ لا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ ، ثُمَّ حُبِسَ ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ احْتَالَ فِي أَنْ يَعْلَمَ أَبُوهُ خَبَرَهُ ، وَلَمْ يُوَجِّهْ بِرَسُولٍ لأَنَّهُ كَرِهَ مِنْ إِخْوَتِهِ أَنْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ فَلا يَدَعُوا الرَّسُولَ يَصِلُ إِلَيْهِ . وَقَالَ :(بِهِمْ) لأَنَّهُمْ ثَلاثَةٌ ، يُوسُفُ وَأَخُوهُ ، وَالْمُتَخَلِّفُ مِنْ أَجْلِ أَخِيهِ ، وَهُوَ الْقَائِلُ :(فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ) . اهـ .

ولكي يظهر فَضْله عليهم ، إذا ما احتاجوا إليه ، ولجأوا إليه ، يسألونه ويطلبونه .
ولذلك قال بعد ذلك : (قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) .
ومِن أجل أن يُقرِّرهم بعد ذلك بِما صَنَعُوا به ، حيث قال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) ؟
ولكي يعترفوا له بالفضل ، ويُقِرّوا بالخطأ ، حيث قالوا : (تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) .
وكان كَبِيرُهُمْ قَال قبل ذلك : (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) .

قال القرطبي : غَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ حَتَّى نَسُوا الذَّنْبَ ، وَأَصَرُّوا عَلَيْهِ ، حَتَّى أَقَرُّوا بَيْنَ يَدَيْ يُوسُفَ فِي آخِرِ الأَمْرِ بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً ، وَقَالُوا لأَبِيهِمْ : (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) . اهـ .

وليظهر حِلْمه الثاني بعد الأول ، حيث كان حِلمه في الأولى : (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) .
وحِلمه في الثانية في قوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) .

وهذا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة يوم الفتح ، حين أظْهَره الله عليهم .

وهكذا كلّ مَن صَبَر كانت له العُقبَى كأحسَن ما يرجو .

قال ابن عطية : الإحسان مِن العبد ، والْجَرْي على طريق الحق ، لا يَضيع عند الله ، ولا بُدّ مِن حُسْن عاقبته في الدنيا .

والله تعالى أعلم .

المجيب فضيلة الشيخ/عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


الساعة الآن 09:43 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى