منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   إرشـاد الطـهــارة (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=8)
-   -   هل صحيح أن رؤية الميّت توجب الغُسل ؟ (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=16948)

طالبة علم 23-10-2021 03:24 PM

هل صحيح أن رؤية الميّت توجب الغُسل ؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يجب الاغتسال عند رؤية الميت كما يفعلون عندنا ؟
وشكرا..


الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .

جمهور أهل العِلم على أنه لا يجب الاغتسال بعد تغسيل الميت ، ولكن يُسنّ .

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه : مَن غَسّل ميتا فليغتسل ، ومَن حَمَله فليتوضأ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ؛ فقد اختُلِف فيه مِن عدة جهات :
الأولى : في تصحيحه وتضعيفه .
الثانية : في نَسْخِه وإحكَامِه .
يعني : هل حُكمه باقٍ أو منسوخ لا يُعمَل به .
الثالثة : في رَفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووَقْفه على أبي هريرة رضي الله عنه .
يعني : هل هو مِن قول النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مِن قول أبي هريرة رضي الله عنه .
الرابعة : في دلالته : هل يدلّ على الوجوب ، أوْ لا يدلّ على الوجوب .

قال أبو داود حديث أبي هريرة : هذا منسوخ . سمعت أحمد بن حنبل وسُئل عن الغُسل مِن غَسل الميت ، فقال : يُجْزِيه الوضوء .
وقال أبو داود : وحديث مصعب ضعيف ، فيه خِصال ليس العَمل عليه .
يعني بحديث مصعب : حديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل مِن أربع : مِن الجنابة ويوم الجمعة ومِن الحجامة وغَسل الميت .

وقال الإمام الترمذي : وقد اخْتَلَف أهل العِلم في الذي يُغَسِّل الميت ؛ فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : إذا غَسّل مَيتا فعليه الغُسل . وقال بعضهم : عليه الوضوء .
وقال مالك بن أنس : استَحِب الغسل مِن غُسل الميت ولا أرى ذلك واجبا ، وهكذا قال الشافعي ، وقال أحمد : مَن غَسّل ميتا أرجو أن لا يَجب عليه الغُسل ، وأما الوضوء فأقلّ ما قيل فيه .
وقال إسحاق : لا بُدّ من الوضوء . قال : وقد رُوي عن عبد الله بن المبارك أنه قال : لا يغتسل ولا يتوضأ مِن غُسل الميت . اهـ .

ومِن العلماء مَن رجّح حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عليكم في غُسل مَيّتكم غُسل إذا غسّلتمُوه ، فإن مَيّتكم ليس بِنجِس ، فحَسبُكم أن تَغسِلوا أيديكم . رواه الحاكم وصححه ، ومِن طريقه : رواه البيهقي .
وقد رجّح الحاكم حديث ابن عباس هذا على حديث أبي هريرة المتقدِّم ؛ فإنه قال بعد أن خرّج حديث ابن عباس : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يُخرّجاه ، وفيه رَفض لحديث مُختلَف فيه على محمد بن عمرو بأسانيد : مَن غَسّل مَيتا فليغتسل .
قال الذهبي : بل يُعمَل بهما فيُستَحب الغُسل . اهـ .
والحديث صححه ابن الملقِّن أيضا .

وممن قال بالجمع بين حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس : ابن حجر ؛ فإنه قال :
يُجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة بأن الأمر على الندب ، أو المراد بالغُسل غَسَل الأيدي ، كما صُرِّح به في هذا الحديث .
وقال أيضا : يُؤيد أن الأمْر فيه للنَّدب : ما روى الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المخرمي ، مِن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : قال لي أبي : كَتبت حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : كُنَّا نغسل الميت فَمِنّا مَن يَغتسل ، ومِنّا مَن لا يَغتسل ؟ قال : قلت : لا ، قال : في ذلك الجانب شاب يقال له : محمد بن عبد الله ، يُحدِّث به عن أبي هشام المخزومي عن وهيب ؛ فاكْتُبه عنه . قال ابن حجر : قلت : وهذا إسناد صحيح ، وهو أحسن ما جُمع به بين مُختَلف هذه الأحاديث . اهـ .

ورَوى ابن جريج عن عطاء قال : سُئل ابن عباس : هل على مَن غسّل ميتا غُسل ؟ فقال : أنَجّستم صاحِبكم ؟ يَكفى منه الوضوء . رواه البيهقي .
ورَوى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه سئل عن الغُسل مِن غَسل الميت ؟ فقال : أنجاس هُم فتَغتسِلون منهم ؟ يَعنى الغُسل مِن غسل الميت . رواه البيهقي .
وقال سعيد بن المسيب : مِن السُّنة : مَن غَسل مَيتا اغتسل . رواه ابن أبي شيبة .

وبهذا أفتت أسْماءَ رضي الله عنها مَن حَضَرها مِن المهاجرين رضي الله عنهم .
رَوى الإمام مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غَسَّلَتْ أبا بكر الصديق حين توفي ، ثم خرجت فسألت مَن حَضَرها مِن المهاجرين ، فقالت : إني صائمة ، وإن هذا يوم شديد البَرد ، فهل عليّ مِن غُسْل ؟ فقالوا : لا .
ورواه عبد الرزاق عن مالِك .

ومما استُدِلّ به على عدم وُجوب الغُسل على مَن غسّل ميتا ، وأن الأمر بالغُسل مِن تغسيل الميّت منسوخ : قوله صلى الله عليه وسلم لمن كُنّ يُغسلن ابنته : اغسلنها ثلاثا أو خَمسًا أو أكثر مِن ذلك بِماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا . رواه البخاري ومسلم .
وقال في شأن الْمُحرِم الذي وَقَصَته ناقته : اغسِلُوه بِمَاء وسِدر . رواه البخاري ومسلم .
فلم يأمر مَن غسّل ميتا أن يَغتسل ؛ ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .

قال العيني في شرح حديث أم عطية رضي الله عنها في تغسيل بِنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها :
واستَدلّ بعضهم بهذا الحديث على عدم وجوب الغُسل على غاسِل الميت ؛ لأنه موضع تعليم ، ولم يأمُر به . ورُد بأنه يُحتمَل أن يكون شُرع ذلك بعد هذه القضية .
وفي هذه المسألة خلاف :
فَعَن عليّ وأبي هريرة أنهما قالا : مَن غَسّل مَيتا فليغتسل . وبه قال سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين والزهري .
وقال النخعي وأحمد وإسحاق : يتوضأ . وقال مالك : أحب له الغُسل ، واستَحَبّه الشافعي ، وقال البويطي : إن صحّ الحديث قلتُ بِوجُوبه .
وعند عامة أهل العلم لا غُسل عليه ، وهو قول ابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن البصري والنَّخَعي ...
وأجابت الفرقة الثانية بِما قال الحاكم عن محمد بن يحيى الذهلي : لا نَعلم في " مَن غَسّل مَيتا فليغتسل " حديثا ثابتا ، ولو ثَبَت للَزِمَنِي استعماله . وحديث أبي هريرة رُوي موقوفا .
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : إن رَفعَه خطأ ، إنما هو موقوف ، لا يرفعه الثقات .
وقال أبو داود : هذا حديث منسوخ .
وقال ابن العربي : قالت جماعة أهل الحديث : هو حديث ضعيف .
ورَوى الدارقطني حديثا عن ابن عمر : فَمِنّا مَن اغتسل ، ومِنّا مَن لم يَغتسل . اهـ .

وما رُوي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : مَن غَسّل مَيتا فليغتسل . ضعيف ؛ فقد رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة مِن طريق الحارث عن عليّ . والحارث هو ابن عبد الله الأعور الهمْدَاني ، وهو ضعيف .

وكذلك ما رُوي عن عليّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له بعد أن دَفَن أبا طالب : " اغتسل " . ضعيف أيضا : رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي ، وفي إسناده : ناجِية بن كعب .
قال عنه ابن حبان في " المجروحين " : يَروي عن علي . روى عنه أبو إسحاق وأبو حسان الأعرج . كان شيخا صالحا إلاّ أن في حديثه تخليط لا يُشبه حديث أقرانه الثقات عن عليّ ، فلا يعجبني الاحتجاج إذا انفرد وفيما وافق الثقات ، فإن احتج به مُحتج أرجو أنه لم يجرح في فعله ذلك . اهـ .
وقال ابن عدي : ومدار هذا الحديث المشهور على أبي إسحاق السبيعي عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه .

وقال البيهقي بعد أن رَوى هذا الحديث : وناجِية بن كعب الأسدي لم تثبت عدالته عند صاحبي الصحيح ، وليس فيه : أنه غَسّله .
وقال أيضا : قال علي بن المديني : حديث علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَه أن يُوارِي أبا طالب ، لم نَجده إلاّ عند أهل الكوفة ، وفى إسناده بعض الشيء . رواه أبو إسحاق عن ناجِية ، ولا نعلم أحدا رَوى عن ناجِية غير أبى إسحاق . اهـ .

وقال النووي : حديث علي رضي الله عنه رواه أبو داود وغيره ، وإسناده ضعيف . اهـ .

ورواه الإمام أحمد مِن طريق ضعيف أيضا .

ولو ثَبَت الحديث لم يكن فيه دليل على وُجوب الغُسل مِن غَسل الميت ؛ لاختِلاف الْحُكم ، فإن عليّا رضي الله عنه دَفَن مُشرِكا ، ولم يُغسِّل ميّتا ، وليس دَفن المشرِك مثل تغسيل المسلم .
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر كل مَن غسّل ميتا بالغُسل ، كما تَقدَّم .

تنبيه :
ضَعّف البيهقي روايةً لحديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عليكم في غَسل مَيتكم غُسل إذا غسّلتموه ، إنه مُسلم مؤمن طاهر ، وإن المسلم ليس بِنجس ، فحسبكم أن تَغسلوا أيديكم . ثم قال البيهقي : هذا ضعيف ، والحمل فيه على أبى شيبة كمَا أظن . اهـ .

والحديث صحيح ، فإن البيهقي رَوى الحديث بإسناد آخر صحيح قبل هذا الحديث الذي ضعّفه .
وقد تعقِّب البيهقي في هذا .
فقد صحح الحديث ابن الملقِّن ، وذَكَر توثيق أبي شيبة ، وقال : أبو شيبة هذا هو : إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة ، وهو ثقة كما سَلف ، والمطعون فيه الواهي هو : أبو شيبة إبراهيم بن عثمان .
وممن تعقّب البيهقي : ابن حجر في " التلخيص " .
والبيهقي قد سمَى أبا شيبة : إبراهيم بن عبد الله .
وفي " تهذيب الكمال " : إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي ، مولاهم ، أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة الكوفي .
وذَكَر أنه يَروي عن : خالد بن مخلد القطواني .
ونَقل عن أبي حاتم قوله : صدوق .

وعلى كل حال : فَرِواية البيهقي الأولى ليست مِن طريق أبي شيبة .

والله تعالى أعلم.

المجيب فضيلة الشيخ/عبد الرحمن بن عبد الله السحيم



الساعة الآن 02:20 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى