منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية

منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية (http://al-ershaad.net/vb4/index.php)
-   قسم الخُطب المنبرية (http://al-ershaad.net/vb4/forumdisplay.php?f=44)
-   -   خُطبة جُمعة عن .. (قسوة القَلبِ) (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14042)

نسمات الفجر 06-12-2015 07:55 PM

خُطبة جُمعة عن .. (قسوة القَلبِ)
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أسعدَ وأشْقَى ، وأماتَ وأحيا ، وأضحكَ وأبْكَى ، وأوجدَ وأفنى ، وأفقرَ وأغنى وأقْنَى ، الذي تَفَرَّدَ عن الْخَلْقِ بِوَصْفِ الغِنى ثم خَصَّصَ بعضَ عبادِه بِالْحُسْنَى .
والصلاةُ والسلامُ على نبيِّ الرحمةِ والْهُدَى .

أمَّا بَعْدُ :
فإنَّ السعيدَ مَن حَيِيَ قلبُه واستنارَ بِنورِ الإيمان ، والشَّقيَّ مَن قَسَا قلبُه وأظْلَمَ بالمعاصِي والطُّغْيَانِ .

وإنَّ لقسوةِ القَلْبِ أسبابًا ، مِنْها :
أولا : كَثرةُ الكلامِ ، والقِيلُ والقالُ ، وَكَثْرَةُ الضّحَكِ .
فَقَدْ أَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنها مِن أسبَابِ قَسِوَةِ القَلْبِ، فقَالَ: لا تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فإنَّ كثرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ ، وصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
وفي الحديثِ الآخَرِ : لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تُقَسِّي الْقَلْبَ ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي. رَوَاهُ الترمذيُّ وغيرُهُ . وهُوَ حديثٌ حَسَنٌ .
وكَاَنَ عيسى ابنُ مَريمَ يَقولُ لأصحابِهِ : لا تكثِروا الكلامَ بِغيرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقسُو قُلوبُكُمْ فإنَّ القَلْبَ القاسِي بَعيدٌ مِنَ اللهِ ، ولَكِنْ لا تَعْلمونَ.ولا تَنظروا في ذنوبِ الناسِ كأنَّكُمْ أربابٌ وانظروا في ذنوبِكُمْ كأنَّكُمْ عَبيدٌ .

الثاني : الشِّبَعُ ، فإنَّ كَثرةَ الامتلاءِ تُغطّي القَلْبَ .
قَالَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلائِيِّ: إِيَّاكُمْ وَالْبِطْنَةَ، فَإِنَّهَا تُقَسّي الْقَلْبَ .
وقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : قَالَ عَالِمٌ لِمَنْ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ : كَمْ آكُلُ مِنَ الطَّعَامِ ؟ قَالَ : فَوْقَ الْجُوعِ وَدُونَ الشِّبَعِ .
وقال الإمامُ الشافعيُّ : الشِّبَعُ يُثْقِلُ الْبَدَنَ ، وَيُقَسِّي الْقَلْبَ ، وَيُزِيلُ الْفِطْنَةَ ، وَيَجْلِبُ النَّوْمَ ، وَيُضْعِفُ صَاحِبَهُ عَنِ الْعِبَادَةِ .

الثالِثُ : صُحْبَةُ السُّوءِ فإنها لا تُذكِّرُ الإنسانَ ، بَلْ تَزيدُهُ غَفْلَةً وبُعْدا عَنِ اللهِ .

الرابِعُ : طُولُ الأَمَلِ ، فيَقْسُو القَلْبُ ، وَيَنْسَى الآخِرَةَ .
يُروى عَنْ عيسى ابنِ مريمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أنُّهُ قَالَ : طولُ الأمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ وَيذكِّرُ الدُّنْيَا ويُحَسِّنُهَا ويُحَبِّبُهَا إليكَ وَيُورِثُ الْحَسَدَ والتسويفَ ، وَيُقَوِّي الْهوى ، وَيُكْثِرُ الشَّهَوَاتِ .
وقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عليكم : اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الأَمَلِ ؛ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ .
وَقَالَ مَكْحُولٌ : خِصالٌ ثلاثٌ يُحبُّهَا اللهُ عزَّ وجلَّ ، وثلاثٌ يُبغِضُهَا اللهُ عَزَّ وجلَّ ؛ فَأمَّا اللاتي يُحبُّهَا: فَقِلّةُ الأكْلِ، وقِلّةُ النَّومِ، وقِلَّةُ الكَلامِ ، وأمَّا اللاتي يُبْغِضُ: فَكَثْرَةُ الأكْلِ، وَكَثْرةُ الكَلامِ، وَكثرةُ النَّومِ، فَأمَّا النَّومُ فإنَّ في مداومتِهِ طُولَ الغَفْلَةِ ، وقِلّةَ العَقْلِ ، ونُقصانَ الفِطْنَةِ وسَهوةَ القَلْبِ .
وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ يَقولُ : أَصْلُ الْمَعَاصِي طُولُ الأَمَلِ .
وقَالَ أبو الليثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ : يُقَالُ قَسْوَةُ الْقَلْبِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا : بَطْنٌ مُمْتَلِئٌ ، وَالثَّانِي : صُحْبَةُ صَاحِبِ السُّوءِ ، وَالثَّالِثُ: نِسْيَانُ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ ، وَالرَّابِعُ : طُولُ الأَمَلِ .
فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْصُرَ أَمَلُهُ . اهـ .

الخامِسُ : المعاصي ، فِإنَّها سَبَبُ ظُلْمَةِ القَلْبِ وَالْقَبْرِ .
قَالَ ابنُ القيَّمِ : فَحَالُ الْعَبْدِ فِي الْقَبْرِ كَحَالِ الْقَلْبِ فِي الصَّدْرِ نَعِيمًا وَعَذَابًا ، وَسِجْنًا وَانْطِلاقًا ، وَلا عِبْرَةَ بِانْشِرَاحِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ ، وَلا بِضِيقِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ فَإِنَّ الْعَوَارِضَ تَزُولُ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا ، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَامَتْ بِالْقَلْبِ تُوجِبُ انْشِرَاحَهُ وَحَبْسَهُ ، فَهِيَ الْمِيزَانُ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . اهـ .

السادِسُ : كثرةُ إلْفِ المعاصِي والمنكراتِ، وتِكْرارُ النَظَرِ إليها ، فإنَّ العينَ رسولُ القَلْبِ .
والنظرُ الْمُحَرَّمُ يُقسِّي القَلبَ ، سَوَاءً كَانَ نَظَرًا مُبَاشِرًا ، أوْ كَانَ مِنْ خِلالِ الصُّورِ والشَّاشَاتِ .
وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا ** لِقلبكَ يَوْماً أتْعَبَتْكَ المنَاظِرُ

السابِعُ : أكْلُ الْحَرَامِ ، ولِذَا كَانَ يُقالُ : مَنْ أكَلَ لُقْمَةً مِنْ حَرَامٍ قَسَا قَلْبُهُ .

الثامِنُ : هَجْرُ القُرآنِ .. فإنَّهُ مَا هَجَرَ قَلْبٌ القرآنَ إلاّ قَسَا ، والقرآنَ يُلِينُ القُلوبَ (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) .
وتَلِين لَه الصُّمُّ الصِّلاَب : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) .
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ تُورِثُ الْقَلْبَ الإِيمَانَ الْعَظِيمَ ، وَتَزِيدُهُ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَشِفَاءً . اهـ .

التاسِعُ : عَدَمُ المحافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، والتَّهاونُ بشأنِ الصلاةِ .
والشيطانُ ذِئبُ القلوبِ ، وإنَّمَا يَأكُلُ الذئبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةِ .
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ قَسْوَةَ الْقُلُوبِ الْمُنَافِيَةَ لِلْخُشُوعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .. فَقَسْوَةُ الْقَلْبِ ذَهَابُ اللِّينِ وَالرَّحْمَةِ وَالْخُشُوعِ مِنْهُ .. وَقُوَّةُ الْقَلْبِ الْمَحْمُودَةُ غَيْرُ قَسْوَتِهِ الْمَذْمُومَةِ ؛ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ ، وَلَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ . وَفِي الأَثَرِ : الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ أَصْلَبُهَا وَأَرَقُّهَا وَأَصْفَاهَا اهـ .

العاشِرُ : اسْتِحْكَامُ الغفلةِ .. فإنَّ " القَلْبَ كُلَّمَا اشتدتْ بِهِ الغَفْلَةُ، اشتدتْ بِهِ القَسوَةُ ، فَإذَا ذَكَرَ اللهَ تَعَالى ذابَتْ تِلْكَ القَسْوَةُ كَمَا يَذوبُ الرَّصَاصُ في النَّارِ .
فَمَا أُذِيبَتْ قَسْوةُ القلوبِ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللهِ عزَّ وَجَلَّ . كمَا قالَ ابنُ القيِّم .
ومِن عَجَبٍ أنَّكَ تَرَى اسْتِحْكَامَ الغَفْلَةِ عندَ أشدِّ المواطنِ حُزْنا وأبلَغِها مَوعَظِةً ، وذلك عندَ حضورِ الجنائزِ وعندَ القبور .
رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلا يَضْحَكُ فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ : أَتَضْحَكُ وَأَنْتَ تَتْبَعُ جِنَازَة ؟ وَاللهِ لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا .
وقال ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ : كُنَّا نَشْهَدُ الْجَنَائِزَ فَلا نَرَى إِلاَّ مُتَقَنِّعًا بَاكِيًا.
قال الغزاليُّ :
وَالآنَ لا نَنْظُرُ إِلَى جَمَاعَةٍ يَحْضُرُونَ جِنَازَةً إِلاَّ وَأَكْثَرُهُمْ يَضْحَكُونَ وَيَلْهُونَ ، وَلا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ فِي مِيرَاثِهِ وَمَا خَلَّفَهُ لِوَرَثَتِهِ .. وَلا يَتَفَكَّرُ واحدٌ مِنهم إلاَّ ما شَاء الله في جَنَازَةِ نَفْسِهِ ، وفي حَالِهِ إِذَا حُمِلَ عَلَيْهَا . وَلا سَبَبَ لِهَذِهِ الْغَفْلَةِ إِلاَّ قَسْوَةُ الْقُلُوبِ بِكَثْرَةِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ ، حَتَّى نَسِينَا اللَّهَ تَعَالَى وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَالأَهْوَالَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا . فَصِرْنَا نَلْهُو وَنَغْفُلُ وَنَشْتَغِلُ بما لا يَعْنِينَا .
فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْيَقَظَةَ مِنْ هَذِهِ الْغَفْلَةِ ، فإن أحسنَ أحوالِ الحاضرينَ على الجنائزِ بُكاؤهم على الميِّتِ ، ولو عَقَلُوا لَبَكَوا على أنفسِهم لا على الميِّت . اهـ .

الحادي عَشَرَ : كثرةُ الْمُزاحِ والإفراطُ فيه
والمذمُومُ مِنْهُ : مَا فِيهِ إِفْرَاطٌ أَوْ مُدَاوَمَةٌ عَلَيْهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّغْلِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ .. وَيَؤُولُ كَثِيرًا إِلَى قَسْوَةِ الْقَلْبِ وَالإِيذَاءِ وَالْحِقْدِ وَسُقُوطِ الْمَهَابَةِ وَالْوَقَارِ . كما قالَ ابنُ حَجَرٍ .
فنستغفِرُ اللهَ ونتوبُ إليه ..

الثانية :
الحمدُ للهُ الذي غَمَرَ العبادَ بلطائفِه ، وعَمَرَ قلوبَهم بأنوارِ الدِّينِ ووظائفِه .

أما بعد :
فإنه يَكْفِي في ذمِّ قَسْوَةِ القَلْبِ أنْ جَعَلَهَا اللهُ عزَّ وَجَلَّ وَصْفا لليهودِ ، فَقَالَ : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) .
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْميَةُ : أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ بِتَرْكِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ حَصَلَتْ لَهُمْ هَذِهِ الْعُقُوبَاتُ ، الَّتِي مِنْهَا : فِعْلُ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ ؛ مِنْ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ ، وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَأَنَّهُمْ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ . اهـ .

أيها المؤمنون :
مَنْ لَمْ يَلِنْ قلبُه في الدُّنيا كانتِ النارُ كَفيلَةً بإذَابتِهِ .
(كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)
قَالَ ثابِت البنانيُّ : تُحْرِقُهُمْ إلى الأفئدَةِ وَهُمْ أَحْيَاءُ ، ثُمَّ يَقولُ : لَقَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ العذابُ ، ثُمَّ يَبْكِي .

وقالَ غيرُ واحدٍ مِنَ المفسِّرينَ : وَخَصَّ الأَفْئِدَةَ لأَنَّ الأَلَمَ إِذَا صَارَ إِلَى الْفُؤَادِ مَاتَ صَاحِبُهُ . أَيْ إِنَّهُ فِي حَالِ مَنْ يَمُوتُ ، وَهُمْ لا يَمُوتُونَ .

والقَلْبُ القَاسِي مُتَوَعَّدٌ بِالوَيْلِ والعذَابِ الشَّدِيد !
قَالَ سُبحانَهُ وَتَعَالَى : (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) .

وإذا قَسَا القلبُ صالَ الشيطانُ فِيهِ وَجَالَ
(لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) ثُمَّ أعْقَبَهُ سُبْحَانَه ُوَتَعَالَى بقولِهِ : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) لِيُعْلَمَ أنَّهُ لا يُذْعِنُ للحقِّ ولا يَنْقَادُ إليهِ إلاّ القلوبُ الليِّنَةُ السَّليمَةُ .
وتأمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) تَرَى أنَّ القُلوبَ الليِّنَةَ عَلَى نورٍ وفي نُورٍ ، وأنَّ القلوبَ القاسيَةَ في ضلالٍ وَشَقَاءٍ ..
لاَنَ الجمَادُ وأبدَى للأسَى أثرًا = وأنتَ لا لِيْنَ يَبدُو مِنكَ أوْ أثَرُ!
لو أنّ قلبَكَ أمسَى بعضُهُ حَجَرا = لَرَقَّ يوما ، ولكنْ كُلُّهُ حَجَرُ !

قَالَ مُطَرِّفُ بنُ أبي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ : كَانَتْ عَجوزٌ في عَبْدِ القَيْسِ مُتَعَبِّدَةً ، فَكَانَ إذا جَاءَ الليلُ تَحَزَّمَتْ ثُمَّ قَامَتْ إلى الْمِحرَابِ فَإذَا جَاءَ النَّهَارُ خَرَجَتْ إلى القُبُورِ . فَبَلَغَنِي أنَّهَا عُوتِبَتْ في كَثْرَةِ إتيانِهَا الْمَقَابِرَ فَقَالَتْ : إنَّ القَلْبَ القَاسِي إذا جَفَا لم يُلَيِّنَهُ إلا رُسومُ البِلَى ، وإنِّي لآتي القبورَ فَكَأنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِم وَقَدْ خَرَجُوا مِنْ بينِ أَطْبَاقِهَا ، وَكَأنِّي أَنْظُرُ إلى تِلْكَ الوجوهِ الْمُتَعَفِّرَةِ ، وإلى تِلْكَ الأجْسَامِ الْمُتَغِيَّرَةِ ، وإلى تِلْكَ الأجفانِ الدَّسْمَةِ .
فَيَا لَهُ مِنْ مَنْظَرٍ كَريهٍ لَوْ أَشْرَبَهُ العِبَادُ قُلُوبَهُمْ ، مَا أنْكَلَ مَرارتَهُ للأنْفُسِ ، وَأَشَدَّ إتلافَهُ للأبدَانِ .


الساعة الآن 09:06 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى