هل صحيح أنّ مَن رأى نعمة غيره يبرِّك ومَن رأى نعمة نفسه يقول ما شاء الله ؟
 

فضيلة الشيخ
ما صحة قول من يقول بأن هناك فرقاً بين الحسد والعين
ويستدل بأن السنة إذا نظر إلى نعمة عند غيره فإنه يبرك فقط ولا يقول ما شاء الله كما في الدعاء للمتزوج " بارك الله لكما .." ،
وأما إذا رأى نعمة عند نفسه أو أهله فيقول :" ما شاء الله لا قوة إلا بالله "ولا يبرك؟
وجزاكم الله خيراً

http://www.riadalsona.com/upload/file-1346793084bg.gif

الجواب :
وجزاك الله خيرا .

التفريق بينهما صحيح ، والاستدلال فيه نَظَر .

والعلماء يُفرِّقون بين العين والحسد .
قال ابن القيم : العائن حاسد خاص ، وهو أضرّ مِن الحاسِد ، ولهذا - والله أعلم - إنما جاء في السورة (الفَلَق) ذِكْر الحاسِد دون العائن ؛ لأنه أعمّ ، فَكُلّ عائن حاسد ولا بُدّ ، وليس كل حاسد عائنا . اهـ .
وقال : لَمّا كان الحاسد أعمَّ من العائن ، كانت الاستعاذةُ منه استعاذةً مِن العائن ؛ وهى سهام تخرج مِن نَفْس الحاسد والعائن نحوَ المحسود ، والمَعِين تُصيبُه تارةً وتُخطئه تارة، فإن صادفْته مكشوفا لا وِقاية عليه ، أثَّرتْ فيه ، ولا بُدَّ ، وإن صادفته حَذِرا شَاكي السِّلاح لا مَنْفذَ فيهِ للسهام ، لم تُؤثر فيه ، وربما رُدَّتْ السهامُ على صاحبها ، وهذا بمثابة الرَّمي الحِسِّيّ سواء . اهـ .

وقد يُصيب العائن وإن كان أعمى ، كما هو مُشاهَد ، وقد يُصيب إذا وُصِف له الشيء الحسن ، أو سَمِع صوته !

قال الأصمعي: رأيت رَجلا عَيونا سَمِع بَقرة تُحْلَب ، فأعجبه شَخبها ، فقال : أيتهن هذه ؟ فقالوا : الفلانية ! لِبَقَرة أخرى ، يُوَرُّون عنها ، فَهَلَكَتَا جميعا ، الْمُوَرَّى بها والْمُورَّى عنها . ذَكَره القرطبي في تفسيره .

وقال ابن القيم : ونفسُ العائن لا يتوقفُ تأثيرُها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى ، فيُوصف له الشيء ، فتؤثِّرُ نفسه فيه وإن لم يَرَه ، وكثيرٌ من العائنين يُؤثر في المَعِين بالوصف من غير رؤية . اهـ .

وقد يُصيب الإنسان نفسه أو مالَه أو أهله وولده بِعينه !

قال الشيخ الشنقيطي في تفسيره : وَقَدْ يَعِينُ مَا يَكْرَهُ أَنْ يُصَابَ بِأَذًى مِنْهُ كَوَلَدِهِ وَمَالِهِ . اهـ .

وسئل شيخنا الشيخ ابن جبرين رحمه الله عن الفرق بين العين والحسد ؟
فأجاب رحمه الله :
العين : هي النظرة إلى الشيء على وَجْه الإعجاب والإضرار به ، وإنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة ، وهي في ذلك بمنزلة الْحَيَّة التي إنما يُؤثِّر سُمّها إذا عَضّت واحتدت ، فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث ، فتحدث فيها تلك الكيفية السم ، فتؤثر في الْمَلْسوع ، وربما قويت تلك الكيفية واتقدت في نوع منها ، حتى تؤثر بمجرد نظرة ، فتطمس البَصَر ، وتُسْقط الْحَبَل ، فإذا كان هذا في الْحَيَّات ، فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة ؟ إذا تَكَيَّفَت بِكَيفيتها الغضبية ، وتوجهت إلى المحسود ، فكم مِن قتيل ؟ وكم مَن مُعَافى عادَ مضني البدن على فِراشه ! يتحير فيه الأطباء الذين لا يعرفون إلاَّ أمراض الطبائع ، فإن هذا المرض مِن عِلْم الأرواح ، فلا نِسبة لِعالَم الأجسام إلى عالَم الأرواح ، بل هو أعظم وأوسع وعجائبه أبهر ، وآياته أعجب ، فإن هذا الهيكل الإنساني إذا فارقته الروح أصبح كالخشبة ، أو القطعة من اللحم ، فالعَين هي هذه الروح التي مِن أمْر الله تعالى ، ولا يُدْرِك كيفية اتصالها بالمعين ، وتأثيرها فيه إلاَّ رب العالمين .
وأما الحسد : فهو خلق ذميم ، ومعناه تمني زوال النعمة عن المحسود ، والسعي في إضراره حسب الإمكان . اهـ .

وسبق :
هل هناك فرق بين الحسد والعين ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=62


والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد