|
رحمه الله وغفر الله له
|
|
|
|
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
|
|
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
مُسلم
المنتدى :
قسـم السنـة النبويـة
بتاريخ : 22-10-2015 الساعة : 11:56 PM
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الذي يظهر أن التفضيل في الأذكار ، وليس بين جميع الأعمال ، ومعلوم أن الفرائض أفضل مِن النوافل وأفضل مِن الأذكار .
فيكون معناه على هذا : لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به في الأذكار .
أو أن المقصود : مِن أفضل الأعمال ، وهذا أسلوب معروف عند العرب ، أن تأتي (من) ويُراد بها التبعيض .
وفي القرآن على سبيل المثال : قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)
وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ)
وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ)
وقوله : (فمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا)
وغيرها مِن الآيات في هذا المعنى ، والجمع بين هذه الآيات أن يُقدّر ( مِن ) فيها ؛ لأن من المعلوم أن إثم كَتم الشهادة ليس كإثم افتراء الكذب على الله ، فلهذا يُمكن أن يُقال : إن كاتم الشهادة أظلم الخلق ، على تقدير (مِن) ، ومعناه : مِن أظْلَم الْخَلْق .
وجاء هذا الأسلوب في أحاديث كثيرة .
قال ابن خزيمة رحمه الله : العرب قد تقول : إن أفضل العمل كذا ، وإنما تُريد " مِن أفضل " و " خير العمل كذا " وإنما تُريد : مِن خير العمل . اهـ .
وقد ذَكَر ابن عبد البر حديث : مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، في يوم مائة مرة كانت له عَدل عشر رقاب ، وكُتبت له مائة حسنة ، ومُحيت عنه مائة سيئة ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلاّ أحد عمل أكثر مِن ذلك . ثم قال ابن عبد البر : في هذا الحديث دليل على أن الذِّكر أفضل الأعمال ، ألاَ تَرى أن هذا الكلام إذا قيل مائة مرة يعدل عشر رقاب إلى ما ذُكِر فيه من الحسنات ومَحو السيئات ، وهذا أمر كثير ، فسبحان المتفضّل الْمُنْعِم ، لا إله إلاّ هو العليم الخبير . اهـ .
وقال الباجي : وقوله : " ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلاّ أحد عمل أكثر مِن ذلك " تَنبيه على أن هذا غاية في ذِكْر الله تعالى ، وأنه قَلّ ما يزيد عليه ، ولذلك قال : " ولم يأت أحد بأفضل مما جاء " ولو لم يُفِد ذلك لبَطَلَت فائدة الكلام ؛ لأن كل ما أتى إنسان ببعضه فإن أحدا لا يأتي بأفضل مما جاء به إلاّ مَن جاء بأكثر مِن ذلك ، لكنه أفاد بذلك أن هذا غاية في بَابِه . اهـ .
والأعمال تتفاضل وتتفاوت في الفضل والأجر بِحسَب ما يَقوم بِقَلْب صاحبها مِن إخلاص لله عزَّ وجَلّ وحضور قَلْب ، ومُداومة عليها ، وليس بحسب كثرتها وقَدْر التعب الذي فيها .
قال الْعِزّ بن عبد السلام : فإن قيل: قد يُرَتِّب الشَّرع على الفعل اليسير مثل ما يُرَتِّب على الفعل الخطير، كما رَتّب غُفران الذنوب على الحج المبرور ، ورَتّب مثل ذلك على موافقة تأمِين الْمُصَلِّي تأمين الملائكة ، ورَتّب غُفران الذنوب على قيام ليلة القَدْر ، كما رَتّبه على قيام جميع رمضان ؟
فالجواب : أن هذه الطاعات وإن تساوَت في التكفير ، فلا تساوي بينها في الأجور ؛ فإن الله سبحانه وتعالى رَتّب على الحسنات رَفع الدرجات وتكفير السيئات ، ولا يلزم مِن التساوي في تكفير السيئات التساوي في رَفع الدرجات ، وكلامنا في جملة ما يَترتّب على الفعل مِن جَلب المصالح ودَرء المفاسد ، وذلك مُختلف فيه باختلاف الأعمال ؛ فمن الأعمال ما يكون شريفا بنفسه وفيما رُتِّب عليه مِن جلب المصالح ودرء المفاسد ، فيكون القليل منه أفضل مِن الكثير من غيره ، والخفيف منه أفضل من الشاقّ مِن غيره ، ولا يكون الثواب على قَدر النَّصب في مثل هذا الباب ، كما ظن بعض الجهَلَة ، بل ثوابه على قَدْر خَطَرِه في نفسه ، كالمعارف العلية والأحوال السنية والكلمات المرضية ؛ فَرُبّ عبادة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان ، وعبادة ثقيلة على الإنسان خفيفة في الميزان ، بدليل أن التوحيد خفيف على الجنان واللسان وهو أفضل ما أُعْطِيه الإنسان ومَنّ به الرحمن ، والتفوّه به أفضل كل كلام ، بدليل أنه يوجب الْجِنَان ، ويدرأ غضب الدّيّان ، وقد صرح عليه الصلاة والسلام بأنه أفضل الأعمال ، لَمّا قيل له : أي الأعمال أفضل ؟ فقال : " إيمان بالله " ، وجَعَل الجهاد دونه مع أنه أشقّ منه ، وكذلك معرفة التوحيد أفضل المعارف ، واعتقاده أفضل الاعتقادات ، مع سهولة ذلك وخِفّته بعد تَحقّقه ، وقد كانت قُرّة عين النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، وكانت شاقّة على غيره ، وليست صلاة غيره مع مَشَقّتها مُسَاوية لصلاته مع خِفّتها وقُرّتِها ، وكذلك إعطاء الزكاة عن طيب نفس أفضل من إعطائها مع البخل ، ومجاهدة النفس .
وكذلك جَعَل رسول الله صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البَرَرة ، وجَعَل للذي يَقرؤه ويتتعتع فيه وهو عليه شاقّ أجْرَين .
ومما يدل على أن الثواب لا يَترتّب على قَدْر النَّصَب في جميع العبادات ما رَوى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مَليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم مِن إنفاق الذهب والوَرِق ، وخير لكم من أن تَلْقَوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى ، قال : ذِكْر الله . قال معاذ بن جبل : ما شيء أنجا من عذاب الله من ذكر الله . رواه الترمذي ...
والحاصل بأن الثواب يَتَرَتّب على تفاوت الرُّتب في الشِّرف ، فإن تساوى العملان من كل وَجه كان أكثر الثواب على أكثرهما ؛ لقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) .
فإن قيل : ما ضابط الفعل الشاق الذي يُؤجَر عليه أكثر مما يُؤجَر على الخفيف ؟
قلت : إذا اتَّحَدّ الفِعْلان في الشَّرف والشرائط والسُّنن والأركان ، وكان أحدهما شاقا فقد استويا في أجرهما لتساوِيهما في جميع الوظائف ، وانفرد أحدهما بِتَحَمّل الْمَشَقّة لأجل الله سبحانه وتعالى ، فأُثِيب على تَحَمّل الْمَشَقّة لا على عَيْن الْمَشَاقّ ، إذْ لا يَصح التقرّب بالْمَشَاقّ ؛ لأن القُرَب كلها تعظيم للرب سبحانه وتعالى ، وليس عين الْمَشَاقّ تعظيما ولا توقيرا . اهـ .
وتوسّط ابن القيم في مسألة تفضيل الذِّكْر ؛ فقال :
وفي الترمذي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه يقول : " إن عبدي الذي يَذكرني وهو مُلاقٍ قِرْنه " ، وهذا الحديث هو فَصل الخطاب والتفصيل بين الذاكر والمجاهد ، فإن الذاكِر المجاهد أفضل مِن الذاكِر بلا جهاد والمجاهد الغافل، والذاكر بلا جهاد أفضل مِن المجاهد الغافل عن الله تعالى .
فأفضل الذاكرين المجاهدون ، وأفضل المجاهدين الذاكرون . اهـ .
وقال رحمه الله عن الذّكْر وفَضْلِه : العطاء والفضل الذي رُتِّب عليه لم يُرَتَّب على غيره مِن الأعمال . اهـ .
وقال الصنعاني : وَرَد في الحديث ما يَدلّ على أن الذِّكْر أفضل الأعمال جميعها ، وهو ما أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم مِن حديث أبي الدرداء مرفوعا : " ألاَ أُخبركم بِخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم مِن إنفاق الذهب والوَرِق ، وخير لكم من أن تَلْقَوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى ، قال : " ذِكْر الله " .
ولا تُعارِضه أحاديث فضل الجهاد ، وأنه أفضل مِن الذِّكر ؛ لأن المراد بالذِّكْر الأفضل مِن الجهاد ذِكْر اللسان والقلب والتفكّر في المعنى ، واستحضار عظمة الله ؛ فهذا أفضل مِن الجهاد ، والجهاد أفضل مِن الذِّكر باللسان فقط .
وقال ابن العربي : إنه ما مِن عمل صالح إلاّ والذِّكْر مُشْتَرَط في تصحيحه ؛ فَمَن لم يذْكُر الله عند صدقته ، أو صيامه ؛ فليس عمله كاملا ، فصار الذِّكْر أفضل الأعمال مِن هذه الحيثية . اهـ .
وكلّما كان العمل الصالح مَخفيّا عن أعين الناس كان أقرب إلى الإخلاص .
ولذلك فُضِّلَتْ صدقة السِّرّ ، وقراءة السِّرّ ، وقيام الليل ، وغير ذلك مما يُخفَى .
قال الشيخ السعدي : ومِن أفضل أنواع الإحسان في عبادة الخالِق : صلاة الليل ، الدالة على الإخلاص ، وتواطؤ القلب واللسان . اهـ .
وكان بعض السلف لا يَخرج بِصَدَقَتِه إلاّ بالليل ؛ لأنه أخفى عن أعين الناس .
والله تعالى أعلم .
|
|
|
|
|