عبد الرحمن السحيم

رحمه الله وغفر الله له


رقم العضوية : 5
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : في دار الممر .. إذْ لا مقرّ !
المشاركات : 3,574
بمعدل : 0.69 يوميا

عبد الرحمن السحيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور عبد الرحمن السحيم


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة عن نهاية العام
قديم بتاريخ : 31-08-2018 الساعة : 09:49 AM

خُطبة عن نهاية العام
الْحَمدُ للهِ الذي جَعَلَ في قلوبِ عِبادِهِ المؤمنينَ واعِظا ، وجَعَل في مرور الأيام مُعتَبَرا ، وفي تعاقب الليل والنهار مُتّسَعا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا .

أيُّها المؤمنونَ
حِينما يَكْبو الجوادُ كَبْوَةً ، وتَزِلُّ القَدَمُ زَلَّـةً ، ويَهفو الإنسانُ هَفْوَةً ؛ فإنَّ للمؤمِنِ واعِظا مِنْ نَفْسِهِ يأتيهِ باللومِ والندمِ ..
تِلْكَ هِيَ النَّفْسُ اللوامةُ التي أقْسَمَ بِها ربُّ العِزّةِ سبحانَهُ ..
فإذَا تحرّكتْ تِلكَ الـنَّفْسُ ، أيْقَظَتِ القَلْبَ ، وبَعثَتْه على التوبةِ ، والفِرارِ مِنَ اللهِ إليهِ ..
وهَذَا مَا حَدَا بذلِكَ الرَّجُلِ أنْ يُوصِيَ أولادَهُ بِمَا يَظُنُّ أنَّهُ غايةُ الْهَرَبِ .. فأوْصَاهُمْ إذا هُوَ ماتَ أنْ يُحرِقُوه .. وأنْ يَذُرُّوا ما بَقِيَ مِنْهُ في الهواءِ ، وما بَقِيَ مِنْهُ يُرْمَى في البَحْرِ .. هَرَبًا وفِرارا مِنَ اللهِ ..
أخْبَرَ الصادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ رَجُلا أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ : إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا . قَالَ : فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ ، فَقَالَ الله لِلأَرْضِ : أَدِّي مَا أَخَذْتِ . فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ ، فَقَالَ لَهُ : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ فَقَالَ : خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ - أَوْ قَالَ – مَخَافَتُكَ . فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ . رَوَاهُ مسلمٌ مِنْ حَديثِ أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ . والحديثُ مُخرَّجٌ في الصحيحينِ مِن حديثِ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه .

ولكِنْ .. أينَ الْمَهْرَبُ مِنَ اللهِ ؟ إلاّ إليهِ ..
وأينَ الْمَلْجأُ مِنَ اللهِ ؟ إلاّ إليهِ ..
وأينَ تَذهبُ ذَرَّاتُ ذلِكَ الجِسمِ عمّنْ لا تَخْفَى عَليهِ خَافيةٌ ، ولا يَغيبُ عنه مثقَالُ ذَرّةٍ في السماواتِ ولا في الأرضِ ، ولا أصغرُ مِن ذلِكَ ولا أكبرُ إلاّ في كتابٍ مُبينٍ .. ؟
لَقَدْ خَشيَ ذلك الرُّجُل أنْ يُعذَّبَ ، فَطَلَبَ الْمَهْرَبَ !
ذلِكَ هُوَ واعِظُ اللهِ في قلبِ المؤمِنِ .

قَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضَرَبَ اللهُ مَثَلا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلا تَتَعَرَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ، قَالَ: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الإِسْلامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللهِ، وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللهِ، وَالدَّاعِي مِنِ فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والنسائيُّ في الكُبرى ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ.

تِلْكَ هي الخشيةُ التي تُورِثُ الْخَوفَ الْمُحمودَ ..
قَالَ ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : الخوفُ المحمودُ الصَّادِقُ ما حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وبَيْنَ مَحَارِمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فإذا تجاوزَ ذلِكَ خِيفَ مِنْهُ اليأسُ والقنوطُ . قَالَ أبو عثمانَ : صِدْقُ الخوفِ هُوَ الوَرعُ عَنِ الآثامِ ظاهرًا وبَاطِنًا . وَسَمِعْتُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميةَ قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ يَقُولُ : الخوفُ المحمودُ مَا حَجَزَكَ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ . اهـ .

وَكلّما كانَ الإنسانُ باللهِ أعْرَفَ كَانَ مِنه أخوفَ ..
قَالَ اللهُ تَعَالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
قَالَ الإمامُ مُجاهِدٌ : سَألَ مُوسَى عَلَيْهِ الصلاة والسَّلامُ ربَّهُ عزَّ وَجَلَّ : أيُّ عِبادِكَ أَغْنى ؟ قَالَ : الذيْ يَقنعُ بما يُؤتَى . قَالَ : فأيُّ عِبادِكَ أحْكَمُ ؟ قَالَ : الذي يَحْكُمُ للنَّاسِ بما يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ . قَالَ : فأيُّ عِبادِكَ أعْلَمُ ؟ قَالَ : أخْشَاهُمْ . رَوَاهُ أبو نُعيمٍ في " الحليةِ " .

قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : كفى بِخَشْيةِ اللهِ عِلْمًا ، وكَفَى بِالاغْتِرَار به جَهْلاً .
وقَالَ الحسنُ البَصريُّ : العَالِمُ مَن خَشيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيبِ ، ورَغِبَ فِيمَا رَغّبَ اللهُ فِيه ، وزَهِدَ فيما سَخَّطَ اللهُ فِيهِ .
وقَالَ صالِحُ بنُ أبي مَريمَ الضُّبَعيُّ - في قولِهِ : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) قَالَ : أعْلَمُهُم به أشَدُّهُم خَشيةً لَهُ . رَوَاهُ ابنُ أبي شيبةَ .
وقَالَ قتادةُ : قَالَ كَانَ يُقَالُ : كَفَى بِالرَّهْبَةِ عِلْمًا .
وقَالَ الربيعُ : رأسُ كُلِّ شَيءٍ خَشيةُ اللهِ .

عبادَ الله
إنَّ الخوفَ مِنَ اللهِ يُورِثُ الجِنانَ ..
ففِي الحديثِ : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ . رَوَاهُ مسلِمٌ .
قَالَ النوويُّ : قيلَ : مِثلُها في رِقّتِهَا وضَعْفِهَا ... وقِيلَ : في الخوفِ والهيبةِ . والطيرُ أكثرُ الحيوانِ خوفًا وفَزَعا ... وكأنَّ المرادَ قومٌ غَلَبَ عليهم الخوفُ ، كَمَا جَاءَ عَنْ جَماعاتٍ مِنَ السلَفِ في شِدّةِ خَوفِهِمْ . اهـ .

ودَمْعةُ الخشيةِ حِجابٌ مِنَ النارِ ..
وفي الحديثِ : لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وفي الحديثِ الآخَرِ : عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . رَوَاهُ الترمذيُّ ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ .

ودَمْعَةُ الْخَشْيَةِ محبوبةٌ عِنْدَ اللهِ ..
وفي الحديثِ : لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ ، قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللهِ ، وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَأَمَّا الأَثَرَانِ : فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ . رَوَاهُ الترمذيُّ ، وحسَّنَهُ الألبانيُّ .
قال المبَارَكْفُوري : " أَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" كَخُطْوَةٍ أَوْ غُبَارٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فِي الْجِهَادِ أَوْ سَوَادِ حِبْرٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ . " وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ " كَإِشْقَاقِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فِي الْبَرْدِ وَبَقَاءِ بَلَلِ الْوُضُوءِ ، وَاحْتِرَاقِ الْجَبْهَةِ مِنْ حَرِّ الرَّمْضَاءِ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا ، وَخَلُوفِ فَمِهِ فِي الصَّوْمِ ، وَاغْبِرَارِ قَدَمِهِ فِي الْحَجِّ . اهـ .

ومِنْ هُنَا كَانتْ دمعةُ الخشيةِ أحبَّ إلى السَّلَفِ مِنْ إنفاقِ المالِ .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : لأَنْ أَدْمَعَ دَمْعَةً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ . رَوَاهُ البيهقيُّ في " شُعبِ الإيمانِ " .

وصَلَّى عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ بالقومِ صَلاةً أخَفَّهَا ، فَكَأنَّهُم أنْكَروها ، فقَالَ : ألَمْ أُتِمَّ الركوعَ والسجودَ ؟ قَالَوا : بلى . قَالَ : أمَا إنِّي دعوتُ فيها بِدُعَاءٍ كَانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ :
اللهُمَّ بِعِلْمِكَ الغيبَ وقُدْرتِكَ على الْخَلْقِ أَحيِني مَا عَلِمْتَ الحياةَ خيرًا لي ، وتَوَفَّنِي إذا عَلِمْتَ الوفاةَ خيرًا لي ، وأسألُكَ خَشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادةِ ، وكَلِمَةَ الحقَّ في الرِّضَا وَالغَضَبِ ، وأَسَأَلُكَ نَعِيما لا يَنْفَدُ ، وقُـرَّةَ عَينٍ لا تَنْقَطِعُ ، وأسألُكَ الرِّضَا بِالقَضاء ، وبَرْدَ العيشِ بَعْدَ الموتِ ، ولَـذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ ، والشوقَ إلى لقائكَ ، وأعوذُ بِكَ مِنْ ضَرّاءَ مُضِرّةٍ ، وفِتْنةٍ مُضِلّةٍ . اللهم زَيِّـنَّا بِزِينةِ الإيمانِ ، واجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والنسائيُّ . وصحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .

فاللهمَّ إنا نسألُكَ خَشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادةِ .

الخطبة الثانية :
أيها المؤمنون :
حَرِيٌّ بالعاقلِ ، وجديرٌ بِالْحَصِيفِ ، أنْ يَقِفَ مَعَ نَفْسِهِ ، مُعتَبِرا بِسُرْعَةِ مرورِ الأيامِ ، وتقضّي الأعوامِ ، وكَرِّ السنينَ ، فيُحاسِبُ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ تُحاسَبَ ، ويَزِنَها قَبْلَ أنْ تُوزَنَ ، ويتزوّدُ بخيرِ الزادِ قَبْلَ أنْ يَترحّلَ .
كم طاعةٍ فرّطنا فيها ، وكم فريضةٍ قصَّرنا فيها ، وكم ساعاتٍ مَرّتْ ؟؟ حُسِبَتْ مِن أعمارِنا ، ونقصَتْ فيها آجالُنا ، ولم نتزوّد فيها مِن طاعةِ ربِّنا

أيها الكرام :
إن الْمُؤمِنَ العاقِلَ الفَطِن ، مَن يَنْظُرُ إلى ذنوبِهِ نَظرةَ مُشفِقِ .
قَالَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا . رَوَاهُ البخاريُّ .
وقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالا، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ . رَوَاهُ البخاريُّ وقَالَ : يَعْنِي بِذَلِكَ المُهْلِكَاتِ .
انْطَرِحْ في مِحْرَابِ العبوديةِ مُعتَرِفا بِذنبِكَ ، مُعْتَذِرًا لِربِّك ، فإنَّ الاعترافَ بالذَّنْبِ يكسِرُ النَّفْسَ ، ويَغْفِرُ الذَّنْبَ .
قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلِمٌ .

وقِفْ على أعتابِ الباب ، فإن مَن أكْثَرَ قَرْعَ البابِ فُتِح له

وقفتُ بِبابِكَ يا خالِقِي *** أُقِلُّ الذنوبَ على عَاتِقي
أجرُّ الخطايا وَأَشْقَى بِها *** لهيبا مِنَ الْحُزنِ في خَافِقِي
يَسوقُ العِبادَ إليكَ الهُدى *** وَذَنْبِي إلى بابِكُم سَائقي
أتيتُ ومَالي سِوى بابِكُم *** طَريحا أُنَاجيكَ يَا خَالِقِي
ذُنوبيَ أَشكُو وَمَا غَيرُها *** أقضَّ مَنَامِيَ مِنْ مُقْلَتي
أُعَاتِبُ نَفْسي أمَا هَزَّهَا *** بُكاءُ الأحبةِ فِي سَكْرَتي
أمَا هَزَّهَا الموتُ يَأتِي غدا *** وَمَا فِي كتابي سِوَى غَفْلَتي
أمَا هَزَّهَا مِنْ فِرَاشِ الثَّرى *** ظلامٌ تزيدُ بِهِ وَحْشَتِي
نَدِمْتُ فَجئتُ لَكُمْ تائبا *** تُسَابِقُنِي بِالأسَى حَسْرَتي
أتيتُ وَمَا لِي سِوى بَابِكُم *** فإنْ تَطْرُدْنّي فَوَا ضَيْعَتي
إلَهي أتيتُ بِصِدْقِ الحنينِ *** يُناجِيكَ بالتوبِ قلبٌ حَزينْ
إلهي أتيتُكَ في أضْلُعِي *** إلى ساحةِ العفوِ شوقٌ دفينْ
إلهي أتيتُ لَكُم تَائباً *** فَأَلْحِقْ طَريحَكَ في التائبينْ
أَعِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْهَوى *** فإنْ لَمْ تُعِنْهُ فَمَنَ ذَا يُعينْ
أتيتُ وَمَا لي سِوَى بابِكُم *** فَرُحْمَاكَ يا ربي بِالمذنبينْ
أبوحُ إليكَ وأشكو إليكَ *** حَنَانيكَ يَا ربي إنَّا إليكْ
أبوحُ إليكَ بِمَا قَدْ مَضَى *** وَأَطْرحُ قَلبيَ بينَ يَديكْ
خُطاي الخطايا، وَدَرْبي الهوى *** وَمَا كَانَ تَخْفى دُرُوبي عليكْ
تَراني فتُمْهِلُني منَّةً *** وَتَسترُ سودَ الخفايا لديكْ
أتيتُ وَمَا لي سِوى بَابِكُم *** ولا مُلْتجى مِنكَ إلا إليكْ
إلَهِي مَنْ لي إذا هَالَنِي *** بِجْمعِ الخلائقِ يومُ الوعيدْ
إذا أحْرَقَتْ نارُكم أَهْلَهَا *** وَنَادْتْ أيَا رَبي هَلْ مِنْ مَزيدْ
إذا كُلُّ نفسٍ أَتَتْ مَعَها *** إلى رَبِّها سائقٌ وشهيدْ
وَجِئتُكَ بالذَّنْبِ أَسْعَى بِهِ *** مُخِفَّ الموازينِ عبداً عنيدْ
إلهي إلهي بِمَنْ أَرْتَجِي *** ومَا غيرَ عفوِكَ عَنِّي أُرِيدْ
عبيدُك قَدْ أَوْصَدُوا بَابَهُم *** وَمَا لِي سِوَاكَ إلهَ العبيدْ

أيها الكرام :
كَمْ هُو مُؤلِم : أن يَحسِبَ الطالبُ دقائقَ تَأخُّرِهِ عن مَدْرَسَتِه ويَحسِبَ الْمُوظّفُ دقائقَ تَأخُّرِهِ عن عَمَلِهِ ؛ بَينَمَا لا يُحصِي كَمْ مرّة تأخّرَ عن صَلاتِه في شَهرِه ، فَضْلاً عن مَرّاتِ تأخُّرِهِ عن صَلاتِه في سَنَةٍ وَاحِدَة ..
نَهْتَمُّ كثيرًا بِدُنْيَانا ونَحرِصُ على أن لا يُنْقَصَ مِنها شيء ، بَيْنَمَا لا نَحرِصُ مثلَ ذلك الحِرْص على دِينِنا ..
يقول بعض مشايخنا :
ألاَ يَسْتَحْيِي أحَدُكُم أن يَذْهَبَ كُلّ يَومٍ إلى عَمَلِهِ في الساعَةِ الثامِنَةِ ، ويَذهب الطّالبُ قبل الساعةِ السابعةِ ، بينما لا نَذهب لِصَلاةِ الْجُمُعة إلاّ عند الأذان الثاني ، أو قَبْلَه بِقليل ، أو بَعْدَه بِكَثير عند كَثير مِن الناس ..

وصَدَقَ الله تبارك وتعالى : ( كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآَخِرَةَ) .

قَالَ سَابِقٌ الْبَرْبَرِيُّ :
وَلَيْسَ يَزْجُرُكُمْ مَا تُوعَظُونَ بِهِ ... وَالْبُهْمُ يَزْجُرُهَا الرَّاعِي فَتَنْزَجِرُ
مَا يَشْعُرُونَ بِمَا فِي دِينِهِمْ نَقَصُوا ... جَهْلاً وَإِنْ نَقَصَتْ دُنْيَاهُمْ شَعَرُوا
أَبْعَدَ آدَمَ تَرْجُونَ الْخُلُودَ وَهَلْ ... تَبْقَى فُرُوعٌ لأَصْلٍ حِينَ يَنْقَعِرُ ؟!
لا يَنْفَعُ الذِّكْرُ قَلْبًا قَاسِيًا أَبَدًا ... وَالْحَبْلُ فِي الْحَجَرِ الْقَاسِي لَهُ أَثَرُ
رواه ابنُ أبي الدُّنْيَا في كِتاب " الزهد " .

1434 هـ .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موظفون يخصصون شهرا في نهاية العام لإقامة حفل فهل يجوز مشاركتهم بالمال ؟ نسمات الفجر قسـم المحرمـات والمنهيات 0 20-08-2016 06:30 AM
هل يجب في الاستنشاق إدخال الماء إلى نهاية الأنف ؟ راجية العفو إرشـاد الطـهــارة 0 27-10-2012 11:53 PM
دعاء آخر العام هل يصح؟ ناصرة السنة إرشـاد الأدعـيــة 0 22-02-2010 08:35 PM
هل يجوز أخذ المال الذي يخصمه البنك من بطاقات الفيزا ويُعطى لصاحبه نهاية العام ؟ ناصرة السنة إرشـاد المعامـلات 0 15-02-2010 02:07 AM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 02:47 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى