نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن (الكسب الحرام)
قديم بتاريخ : 28-10-2014 الساعة : 09:24 PM


الْحَمدُ للهِ الذيْ أحلَّ لِعبادِهِ الحلالَ لينتفِعوا به ، وحرَّمَ عَلَيْهِمُ الحرامَ لئلا يَتَضرَّرُوا بِه ، لا في دِينهِمْ ولا في دُنياهُم .
والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَنْ جَاءَ بِها بيضاءَ نَقيَّةً ، لا يَزيغُ عَنْها إلاّ هالِكٌ .

أمَّا بَعْدُ :

فإنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ على عبادِهِ أنَّهُ ما حرَّمَ عليهِم بابًا مِنَ الحرامِ ، إلاّ فَتَحَ لهُمْ أبوابًا مِنَ الحلالِ الطيبِ المبارَكِ .
وأنَّ الشريعةَ جاءتْ بِما يُوافِقُ الفِطرَةَ .
وَمِمَّا جاءتْ بِهِ تكميلُ المصالِحِ ، وإعدامُ المفاسِدِ
قَالَ الشيخُ السعديُّ عنِ القرآنِ : مَا أمَرَ بِشيءٍ فقَالَ العقلُ : "ليْتَهُ لَمْ يَأمُرْ بِهِ" ، ولا نَهَى عنْ شيءٍ فقَالَ العقلُ: "ليْتَهُ لم يَنْهَ عَنْه" ، بَلْ هُوَ مُطابِقٌ للعَدْلِ والميزانِ، والحِكْمَةِ المعقولةِ لذويْ البصائرِ والعقولِ . اهـ .

أيُّها الكِرامُ :
إنَّ مِنْ نعمةِ اللهِ على عبدِهِ : أنْ يَفتَحَ لَهُ أبوابَ الرِّزقِ الحلالِ ، وتُغلَقَ دونَهُ أبوابُ المكاسِبِ الخبيثَةِ .
وإنَّ مِنَ الابتلاءِ : أنْ تُشرَّعَ أبوابُ المكاسبِ الخبيثةِ أمامَ الإنسانِ ، وتَضعُفَ نَفْسُهَ ، ويَقِلَّ ورعُهُ ، وَيَنْعَدِمَ وازِعُهُ ، ويُخفِقَ في هذا الامتحانِ .
فإنَّ المالَ فِتنةٌ ، والدنيا دارُ ابتلاءٍ . قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ . رَوَاهُ الترمذيُّ والنسائيُّ في الكبرى .
وكثيرٌ مِنَ الناسِ يتوقَّى الفواحِشَ والفجورَ ، ولكنَّه لا يَتوقَّى المكاسِبَ الخبيثةَ، والأموالَ القذرةَ .

عبادَ اللهِ :
شَرَعَ اللهُ لِعِبادِهِ طلبَ الرزقِ الحلالِ ، وجَعَلَهُ قُربَةً وعِبادةً لِمَنْ صَلَحَتْ نيّتُهُ ، بلْ جُعِلَ طَلَبُ الرزقِ الحلالِ قَسِيمًا للجهادِ في سبيلِ اللهِ .
مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ ، فَقَالَوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ . رَوَاهُ الطبرانيُّ وقَالَ الهيثميُّ : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الثَّلاثَةِ، وَرِجَالُ الْكَبِيرِ رِجَالُ الصَّحِيحِ .
وفي الحديثِ الآخَر : مَنْ سَعَى عَلَى وَالِدَيْهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى عِيَالِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيُعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى التَّكَاثُرِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ . رَوَاهُ أبو نُعيمٍ في " الْحِليَةٍ " والبيهقيُّ . وصَحَّحَهُ الألبانيُّ
وَجاءَ النهيُّ عنِ الْمُحرَّمَاتِ والْمُتشابِهاتِ مِنَ المكاسِبِ ، وعنِ التنافسِ المذمومِ ، مِنْ مثلِ: الغِشِّ والتدليسِ ، والرشوةِ والربا ، والنَّجْشِ ، وتلقِّي السِّلَعِ حتى يُهْبَطَ بها الأسواقَ ، وبَيعِ الأخِ على بيعِ أخيهِ ، وسَومِهِ على سَومِ أخيه .
قَالَ الإمامُ مالِكٌ : إِنَّمَا نَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ، إِذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إِلَى السَّائِمِ .

كلُّ ذلِكَ صيانةٌ للمكاسِبِ عمَّا يُفسِدُها ، أو أنْ يَدخُلَ فيها ما فِيهِ دَخَلٌ ودَخَنٌ يكونُ سببًا في ذهابِ بركَةِ الكَسبِ ، أوْ سببًا في مَحْقِ البرَكَةِ ، أوْ حصولِ العذابِ في الآخِرَةِ .

وقد جاءتِ الشريعةُ ببيانِ المكاسِبِ ، وما يَحِلُّ منها وما يَحْرُمُ ، وقواعِدِ التعاملِ مَعَ المالِ ، وما فيه مِنْ حقوقٍ وواجباتٍ ، وبيانِ العواقبِ الوخيمةِ للكَسْبِ الحرامِ في الدنيا وفي الآخرةِ .

وجاءتِ الشريعةُ ببيانِ ما في الطَّيِّبِ ، وما في الخبيثِ ، والتزهيدِ في الخبيثِ ولو كثُرَ .
قَالَ تَعَالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)
وجَاءَ في صِفَةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)

ومِنْ ذلِكَ : بيانُ أنَّ عاقِبَةَ الكسبِ الخبيبثِ إلى قِلَّةٍ مَهْمَا كَـثُرَ
(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)
(وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ)

وَأَخْبَرَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الرِّبا وإنْ كَثُرَ ، فإنَّ عاقِبَتَهُ تَصِيرُ إلى قُلٍّ . كما في مُسندِ الإمامِ أحمدَ .

وللتحذيرِ مِنَ الكسبِ الخبيثِ ، والتنفيرِ مِنْ أكلِ الحرامِ ؛ صُوِّرَ آكِلُ الحرامِ بأبشعِ الصُّوَرِ ، كمَا هُوَ الحالُ في آكِلِ الربا
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)
قَالَ ابنُ جُزيٍّ في تفسيرِهِ : أجمعَ المفسرونَ أنَّ المعنى : لا يَقومونَ مِنْ قُبورِهِمْ في البعثِ إلاَّ كَالْمَجْنُونِ . اهـ .
وآكِلُ مالِ الضعيفِ إنَّمَا يأكلُ النارَ في جوفِهِ ، ويُشْوَى فيها .
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)
فـ " أَكْـلُ الرِّبَا، وَأَكْـلُ مَالِ اليَتِيمِ " مِن السبعِ الموبقاتِ الْمُهلكاتِ ، كَمَا في الصحيحينِ

مَعَ ما يُضافُ إلى ذلِكَ مِنَ الافتضاحِ في الآخِرَةِ حِينَ يَقومُ الناسُ مِنْ قبورِهِم . فآكِلُ الرِّبا قدْ سَمِعْتُم وعَلِمْتُم حَالَهُ عِندَ قيامِهِ مِنْ قَبْرِه .

والغالّ مُفتَضِح ، (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)

وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ ؛ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . رواه الإمام مالك والنسائي ، وهو حديث حسَن .

والغُلول كل خيانةٍ وسَرقةِ خُفية ، وتدخل فيها الرشوة دُخولا أوليا .
قال عليه الصلاة والسلام : هدايا العمال غلول . رواه الإمام أحمد .
قال ابن الأثير : الغُلول : هُوَ الْخِيَانَةُ فِي المغْنَم والسَّرقَة مِنَ الغَنِيمة قَبْلَ القِسْمة . يُقَالُ : غَلَّ فِي المَغْنم يَغُلُّ غُلُولًا فَهُوَ غَالٌّ . وكلُّ مَن خَانَ فِي شَيْءٍ خِفُيْةَ فَقَدْ غَلَّ .
وسُمِّيت غُلُولًا لِأَنَّ الأيْدِي فِيهَا مَغْلُولَة : أَيْ مَمْنوعة مَجْعُول فِيهَا غُلٌّ ، وَهُوَ الحَدِيدة الَّتِي تَجْمَع يَد الْأَسِيرِ إِلَى عُنُقه. اهـ .
فيأتي الغالّ يوم القيامة ، وقد جُمِعَت يداه ورُبِطت إلى عُنقه .
فيا لفضيحته بين الخلائق !
ويا لفضيحة مَن أتى بِسرقته ورشوته وخيانته يَحملها على رقبته أمام الملأ يوم القيامة .

قال رَسُولَُ للهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ . رواه البخاري ومسلم .

وقال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. رواه البخاري ومسلم .

قال المهلب: هذا الحديث على سبيل الوعيد مِن الله لمن أنفذه عليه مِن أهل الغُلول ، وقد تكون العقوبة حَمل البعير وسائر ما غلّه على رقبته على رءوس الأشهاد وفضيحته به . اهـ .

وقال ابن حجر : قوله : " صامت : أي الذهب والفضة ، وقيل : ما لا روح فيه مِن أصناف المال .
وقوله " رقاع تخفق " ، أي : تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح ، وقيل : معناه : تلمع ، والمراد بها الثياب . اهـ .

والمقصود : أن كل غالّ وسارِق ومُرْتشٍ يأتي يوم القيامة بِما أخذ مِن غير حِلّه حتى يُقضى بين الخلائق .

يُضاف إلى ذلك : ما يَترتَّبُ على الكسْبِ الحرامِ في الدنيا مِنْ ذهابِ البركةِ ، وعدَمِ القبولِ .
فالكسبُ الحرامُ سببٌ في عَدَمِ قبولِ العَملِ .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ. رَوَاهُ البخاريُّ ومسلِمٌ .
قَالَ النوويُّ : الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُنَا : الْحَلالُ . اهـ .

والكسبُ الحرامُ سببٌ في ردِّ الدُّعاءِ
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) وَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ رَوَاهُ مسلم .

ولَمَّا دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ : أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ . وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ . رَوَاهُ مسلم .
وفي رواية : قَالَ ابْنُ عُمَرَ لابْنِ عَامِرٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الْعِتْقِ : فَقَالَ : مَثَلُكَ مَثَلُ رَجُلٍ سَرَقَ إِبِلَ حَاجٍّ ، ثُمَّ جَاهَدَ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَانْظُرْ هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ ؟!

قَالَ النوويُّ : والغلولُ الْخِيَانَةُ .. وقولُهُ : وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ مَعْنَاهُ : أَنَّكَ لَسْتَ بِسَالِمٍ مِنَ الْغُلُولِ فَقَدْ كُنْتَ وَالِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ ، وَتَعَلَّقَتْ بِكَ تَبِعَاتٌ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ ، وَلا يُقْبَلُ الدُّعَاءُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ ، كَمَا لا تُقْبَلُ الصَّلاةُ وَالصَّدَقَةُ إِلاَّ مِنْ مُتَصَوِّنٍ . اهـ .
وقَالَ العينيُّ : وَكُلُّ مَنْ خَانَ في شيءٍ خُفيةً فقدْ غَلَّ . اهـ .

وَكُلُّ عَمَلٍ تَقرّبَ بهِ صاحِبُهُ مِنْ كَسْبٍ حَرامٍ ، فَهُوَ مَردودٌ على صاحِبِهِ .
وفي الأثَرِ : مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فقَالَ: لبيكَ اللهُمَّ لبيْكَ، قيلَ لَهُ : لا لبيْكَ ولا سَعديْكَ ، وَحَجُّكَ مَردُودٌ عَليْك .
قَالَ أبو سليمانَ الدارنيُّ : بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَجَّ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، قَالَ لَهُ الرَّبُّ: لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْكَ حَتَّى تَرُدَّ مَا فِي يَدَيْكَ .
وسُئِلَ الإمامُ مالكٌ عَمَّنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ ؟ قَالَ: حَجُّهُ مُجْزٍ، وَيَأْثَمُ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ .
قَالَ الزرقانيُّ : وَبِالْحَقِيقَةِ لا يَرْقَى إِلَى الْعَالَمِ الْمُطَهَّرِ إِلاَّ الْمُطَهَّرُ، فَالْقَبُولُ أَخَصُّ مِنَ الإِجْزَاءِ . اهـ .

والكسبُ الحرامُ زادٌ إلى النَّارِ .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ بإسنادٍ على شرطِ مُسلِم .

والكسبُ الحرامُ منْزُوعُ البرَكةِ ، فلا يُبارَكُ لِصاحبِهِ في أهلِهِ ولا في ولدِهِ ، ولا يُبارَكُ لهُ في مالِهِ ، ومالُهُ يَذهبُ سريعا ، وتُصيبُه الآفاتُ .
وإنْ تَصدَّقَ مِنْهُ رُدَّتْ عَليْهِ صَدَقَتُهُ .
رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَيَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُمَا جَعَلا مَثَلَ مَنْ أَصَابَ مَالاً مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ ، فَتَصَدَّقَ بِهِ ؛ مَثَلَ مَنْ أَخَذَ مَالَ يَتِيمٍ ، وَكَسَا بِهِ أَرْمَلَةً .

وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ ، فَكَانَ يَظْلِمُ وَيَأْخُذُ الْحَرَامَ ، ثُمَّ تَابَ ، فَهُوَ يَحُجُّ وَيُعْتِقُ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْخَبِيثَ لا يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ !
وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الْخَبِيثَ لا يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ ، وَلَكِنَّ الطَّيِّبَ يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ .

وقَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : صَلِّ وَنَمْ ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَاكْتَسِبْ وَلا تَأْثَمْ ، وَلا تَمُوتَنَّ إِلاَّ وَأَنْتَ مُسْلِمٌ ، وَإِيَّاكَ وَدَعَوَاتِ أَوْ دَعْوَةَ مَظْلُومٍ . رَوَاهُ ابنُ أبي شيبةَ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : أَيُّهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الْمِسْكِينِ يَرْحَمُهُ ، ارْحَمْ مَنْ قَدْ ظَلَمْتَ .

وصاحِبُ الكسبِ الخبيثِ لا تُجَابُ دَعوتُهُ ، ولا تُؤكَلُ مائدَتُهُ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ [ يعني : الإمامَ أحمدَ] عَنِ الَّذِي يَتَعَامَلُ بِالرِّبَا : يُؤْكَلُ عِنْدَهُ ؟ قَالَ : لا ، قَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ . وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ . اهـ .
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَمَّنْ عِنْدَهُ مَالٌ حَرَامٌ، وَلا يَعْرِفُ أَرْبَابَهُ، وَيُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْهُ ؟ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلا أَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ عَطَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ وَزْنِهِ ذَهَبًا .

تمّـــت


الثانية :

عبدَ اللهِ .. اجتنبِ الحرامَ بِكُلِّ صُوَرِهَ ، وإياكَ وتزيينَ الشيطانِ ، وإنْ أفتاكَ الناسُ وأفْتَوكَ .
قَالَ الحطابُ الرُّعينيُّ : الْحَرَامُ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ الْغَصْبُ وَالتَّعَدِّي وَالسَّرِقَةُ وَالنَّهْبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ . اهـ .

أيُّها المؤمنونَ :
إنَّ مِنَ الرَّوداعِ عنِ الكسبِ الحرامِ مَا يلي :
أولاً : أنْ يتذكّرَ الإنسانُ قِصَرَ هذِهِ الحياةِ الدنيا، وأنَّ نَعيمَ هذِهِ الدُّنيا مَهْمَا بَلَغَ لا يُساوي لحظةً مِنْ لحظاتِ الآخِرَةِ ، بَلْ نَعيمُ هذِهِ الدنيا لا يُذكَرُ أمامَ غَمْسةٍ في النارِ ، كما في صحيحِ مسلم .

ثانيا : أنْ يَنظرَ الإنسانُ بِعينِ بصيرتِهِ عواقِبَ الكَسبِ الحرامِ ، وذهابَ بَرَكَتِهِ، فالكسبُ الحرامُ يأتي سريعا ويذهبُ سريعا ، ويبْقَى حِسابُهُ وتَبِعتُهُ
وأنَّ الإنسانَ رُبما اكتسبَ المالَ الكثيرَ ، فَذَهَبَ ذلِكَ بِأهلِهِ وولَدِهِ في حادِثٍ ، أوْ حريقٍ ، أو مُصيبة .

ثالثا : أنَّ نَصَبَ الإنسانِ في أعمالِهِ ، ونفقَتَهُ ، ربما ذهبتْ هباءً نتيجةً للكَسْبِ الخبيثِ ، فلا يُقبَلُ مِنْهُ ، ورُبما حُجِبَتْ دعواتُهُ بسببِ أكلِ المالِ الحرامِ .
وفي الحديث : ثُمّ ذَكَرَ الرّجُل يُطِيلُ السّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدّ يَدَيْهِ إِلَى السّمَاءِ ، يَا رَبّ يَا رَبّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك ؟ رواه مسلم .

وأنَّ مَن خَلَّفَ كَسْبًا خَبِيثًا تَمَتَّعَ به غَيْرُه ، وبَقِيَ عليه وِزْرُه ؛ لهم غُنْمُه ، وعَليه إثْمُهُ وغُرْمُهُ .
قَالَ وُهيبُ بْنُ الْوَرْدِ : لَوْ قُمْتَ مَقَامَ هَذِهِ السَّارِيَةِ لَمْ يَنْفَعْكَ شَيْءٌ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَدْخُلُ بَطْنَكَ حَلالٌ أَوْ حَرَامٌ .

رابِعا : أنْ يتذكَّرَ الإنسانُ أنَّهُ مُحاسَبٌ عنْ مالِهِ ، ومسؤولٌ فيهِ : مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟
فإنَّ مَنِ اكتَسَبَ مالاً مِنْ حِلِّهِ ، ووَضَعَهُ في حِلِّهِ ، فإنَّهُ سَوْفَ يُسألُ عَنْهُ يَومَ القيامةِ ، فكيْفَ بِمنِ اكتسبَهُ مِنْ غيرِ حِلِّهِ ، ثُمَّ وضَعَهُ في غيرِ حِلِّهِ ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ . رَوَاهُ الترمذيُّ . وصحَّحَهُ الألبانيُّ .

خامسا : ما في الكَسْبِ الْمُحرَّمِ مِن معصيةِ اللهِ ومعصِيَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أيَسُرُّكَ أنَّك وُقِفْتَ بَينَ يَدَيْ اللهِ ، فَسألَكَ عن مَصْدَرِ كَسبِكَ . فماذا يكونُ جوابُك بينَ يدَيْ ربِّك ؟
أوْ يَسُرُّكَ أنكَ لَقِيتَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأعْرَضَ عنك لِخَبِيثِ كَسْبِكَ ؟

سادسا : القناعَةُ فِيمَا آتاكَ اللهُ .
قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ . رَوَاهُ ابنُ مَاجَه ، وصَحَّحَهُ الألبانيُّ
قَالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : فَغِنَى النَّفْسِ يُعِينُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ ، وَغِنَى الْمُؤْمِنِ الْكِفَايَةُ ، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا . وَلَمْ يُرِدْ بِهِمْ إِلاَّ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ لَهُمْ . اهـ .
والرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللهُ يُعِينُ الإنسانَ على طَلَبِ الحلالِ .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ ، وحسّنَهُ الألبانيُّ .
وقال عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ ، يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ ، فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى . رواه الإمام أحمد بإسنادٍ حَسَن .

وَحُسْنُ التدبيرِ ، وَجَوْدَةُ التَّوْفِيرِ ؛ توفِّرُ للغَنِيِّ ، وتَكْفِي الفَقِيرَ .
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : إِذَا كَانَ مَا يَكْفِيكَ لا يُغْنِيكَ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يُغْنِيكَ .

سابعا : عَدَمُ النَّظَرِ إلى مَا في أيدِي النَّاسِ ، وعَدَمُ التطلُّعِ إلى ما عِنْدَهُمْ .
وتَرْكُ المباهاةِ والتباهي بِما عِنْدَ الإنسانِ مِنْ دُنيا ؛ فإنَّ هذا حَمَلَ كَثيرا مِنْ النَّاسِ على التَّساهُلِ في الْمَكاسِبِ ، وعلى تَحَمُّلِ الدّيونِ .

ثامنا : النَّظرُ إلى ما فيه خَلاصُكَ يومَ القيامةِ ، فإنَّكَ تُبعَثُ عارِيا ، وتُحشَرُ عَاريا ، وتُسألُ وَحْدَكَ ، ولا يَحْمِلُ ذنوبَكَ غَيرُكَ ، وَلَيسَ لَكَ مِنْ مالِكَ إلاّ مَا تَصَدَّقْتَ بِهِ مِنْ حَلالٍ فأبْقَيْتَ .
وفي الحديثِ : يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي ، مَالِي ، قَالَ : وَهَلْ لَكَ ، يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟ رَوَاهُ مسلم .

تاسعا : أن عُلوَّ الهِمّةِ يَقتضِي أن لا يَأكُلَ الإنسانُ إلاّ طيِّبًا ، ولا يَلْتَفِتُ إلى الخبيثِ ، وهكذا كُلُّ مَن عَلَتْ هِمَّتُه مِن السِّبَاعِ والطَّيْرِ – وهي لا عُقولَ لها - لا تأكُلُ الخبيثَ ولا الْمُنْتِنَ .

عاشِرا : أنَّ آكِلَ الْحَرَامِ مَقْطُوعٌ عن ربِّه ، مَوْكُولٌ إلى نفسِه .
نَقَلَ القاسِميُّ عنِ القاشانيِّ قَولَهُ : آكِلُ الرِّبا أسْوأُ حالاً مِن جميعِ مُرْتَكِبي الكبائر ، فإنَّ كُلَّ مُكْتَسِبٍ لَه تَوَكُّلٌ مَا في كَسْبِه، قَليلاً كان أوْ كَثيرا ... وأما آكِلُ الرِّبا فقد عَيَّنَ على آخِذِهِ مَكْسَبَه ورِزْقَه. سَواء رَبِحَ الآخِذُ أوْ خَسِرَ . فهو محجوبٌ عن رَبِّه بِنفسِهِ ، وعن رِزْقِه بِتَعْيينِهِ .
لا تَوَكُّلَ لَه أصلاً . فَوَكَلَهُ اللهُ تَعالى إلى نَفسِهِ وعَقْلِه ، وأخْرَجَه مِن حِفْظِهِ وكَلاءَتِهِ . اهـ .
وهكذا : كُلُّ مَن لَجَأ إلى الكَسبِ الحرامِ فَعِنْدَهُ ضَعْفُ يَقينٍ بأنَّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القوةِ المتينِ ، فَهُوَ لم يَثِقْ بما عِندَ اللهِ مِنَ الرِّزقِ الحلالِ حَتَّى لَجَأَ إلى الْحَرَامِ .

أيُّها المؤمنونَ :
عَلَيْنا بالتوقِّي والتحرُّزِ والاحتياطِ في الْمَكَاسِبِ ، فإنَّ الحلالَ بيِّنٌ ، والحرامَ بيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ ، وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. كما في الصحيحينِ .
وإنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم كَانوا يتَركُونَ مَا لا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِنَ الوقوعِ فِيمَا بِهِ بَأْسٌ .

أيُّهَا الكِرَامُ :
كَانَ الرَّجُلُ إذا خَرَجَ لِطَلَبِ الرِّزْقِ أُوصِيَ بِتقوى اللهِ في طَلَبِ الحَلالِ .
قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحمدٍ : كَانَ مِمَّا يُقَالُ للرَّجُلِ إذا أرَادَ أنْ يُسافِرَ في التجارةِ : اتقِ اللهَ وَاطلُبْ ما قُدِّرَ لَكَ مِنَ الحلالِ ، فِإنَّكَ إنْ طَلَبْتَهُ مِنْ غَيرِ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْ أكثرَ مِمَّا قُدِّرَ لَكَ .
وقَالَ الغزاليُّ : كَانَتْ عَادَةُ نساءِ السَّلَفِ : كَانَ الرَّجُلُ إذا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ تقولُ لَهُ امرأتُهُ أوِ ابْنَتُهُ : إيَّاكَ وكَسْبَ الحرامِ ، فإنَّا نَصْبِرُ على الْجُوعِ والضُّرِّ ، ولا نَصْبِرُ على النَّارِ .

ومَنِ استسهلَ الكَسْبَ الحرامَ في القليلِ ، استسهلَهُ في الكَثيرِ .
كَانَ الإمامُ أحمدُ يمشي في الوَحْلِ وَيَتَوقَّى ، فَغَاصتْ رِجْلُهُ فَخَاضَ ، وقَالَ لأصحَابِهِ : هَكَذَا العبدُ ، لا يَزالُ يَتَوقَّى الذنوبَ فإذا واقَعَهَا خَاضَهَا .

وكُونُوا عبادَ اللهِ مِن المتَّقِين
سُئِلَ الإمامُ أَحْمَدُ عَنْ مَعْنَى " الْمُتَّقِينَ " ، فَقَالَ: يَتَّقِي الأَشْيَاءَ ، فَلا يَقَعُ فِيمَا لا يَحِلُّ لَهُ .


إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة .. في شأن الماء نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-11-2015 08:33 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الإنصاف) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 15-11-2015 01:24 PM
خُطبة جُمعة .. عن (الإحسان) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-01-2015 08:22 AM
الكسب الحرام نتيجة عدم الثقة بالرزق محب السلف قسـم العقـيدة والـتوحيد 0 08-03-2010 07:38 PM
حلق اللحى هل يعتبر من الكسب الحرام عبق قسـم المحرمـات والمنهيات 0 10-02-2010 09:46 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:12 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى