السؤال
سلام الله يغشاكم .. يسربلكم أماناً من لدنه ورحمة !
بُورِكَ علمكم ..
/
أدلة تحريم الخط عَلَى الرمل لِكشف الكنان عن أمر غيبي !
مَع كلمة توجهونها لِمن ابتُلي ببلاء فَلَم يجد سبيل - فيما يراه - إلا الذهاب لمن يخط على الرمل ؟!
وقَد فعل ..
فماذا عليه ؟!
/
ودعاءٌ لا ينقضي !
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك .
الخطّ على الرَّمل ضَرْب مِن الكِهانة ، وهو مُحرّم .
وفي حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ . قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ . رواه مسلم .
قال الإمام النووي : الصحيح أن معناه : مَن وَافَق خَطّه فهو مباح له ، ولكن لا طريق لنا إلى العِلم اليقيني بالموافقة فلا يُباح ، والمقصود : أنه حَـرام ، لأنه لا يُباح إلاَّ بِيقين الموافقة ، وليس لنا يَقين بها ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فمن وَافَق خَطه فذاك " ، ولم يَقُل : هو حَرَام ، بِغير تعليق على الموافقة ، لئلا يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يَخُطّ ، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حُرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حَقِّنا . فالمعنى أن ذاك النبي لا مَنْع في حقه ، وكذا لو عَلمتم موافقته ، ولكن لا عِلْم لكم بها ... فَحَصَل مِن مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن . اهـ .
والضرب على الرمل يُسمّى الطَّرْق .
قال محمد بن جعفر : قال عوف : الطَّرْقُ الْخَطُّ يُخَطُّ فِي الأَرْض .
وصِفته : ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنه قال : الخَطُّ هو الذي يَخُطّه الْحَازِي ، وهو عِلْمٌ قد تَركه الناس ، يأتي صاحبُ الحاجةِ إلى الحازِي فيُعْطِيه حُلْوانا ، فيقولُ له : اقْعُدْ حتى أخُطَّ لك ، وبين يَدَي الحازي غُلام له مَعه مِيلٌ ، ثم يأتي إلى أرض رِخْوة فيخُطّ فيها خُطوطا كثيرة بالعَجَلة لئلا يَلْحَقَها العَدَدُ ، ثم يَرْجع فيَمْحو منها على مَهَل خَطَّين خَطَّين ، وغُلامه يقول للتَّفاؤُل : اْبنَىْ عِيان أسْرِعا البيان ، فإن بَقِيَ خَطّان فهما علامةُ النُّجْح ، وإن بقي خَطٌ واحد فهو علامة الخَيْبة . وقال الحَرْبيُّ : الخَطّ هو أن يَخُطّ ثلاثة خُطوط ثم يضرب عليهنّ بشعير أو نَوى ويقول يكون كذا وكذا ، وهو ضَرْبٌ من الكهانة . ذَكَره ابن الأثير في " النهاية " .
قال شيخنا العثيمين رحمه الله : ومعنى الخط بالأرض معروف عندهم ، يضربون به على الرَّمل على سبيل السحر والكهانة ... وهذا نوع من السحر . اهـ .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ : والكهانة مُحَرَّمة وكُفْر بالله - جل وعلا - .
وقال : واعلم أن أصناف الكهانة كثيرة جدا ، وجامِعها الذي يَجمعها : أنه يستخدم الكاهن وسيلة ظاهرة عنده ليُقْنِع السائل بأنه وَصل إليه العِلم عن طريق أمور ظاهرة كالنجوم ، أو عن طريق الخط ، أو عن طريق الطَّرْق ، أو عن طريق الفنجان ، أو عن طريق الكف ، أو عن طريق النظر في الحصى ، أو عن طريق الخشب ونحو ذلك ، هذه كلها وسائل يَغُرّ بها الكاهن مَن يأتيه ، وهي في الحقيقة وسائل لا تحصل ذاك العِلم ، ولكن العلم جاءه عن طريق الجن وهذه الوسيلة إنما هي وسيلة لخداع الناس ، ولكي يظن الظان أنها تؤدي إلى العلم وأن هؤلاء أصحاب علم وفن بهذه الأمور ، وفي الواقع هو لا يتحصل على العلم الغيبي عن طريق خط ، أو عن طريق فنجان ، أو عن طريق النظر في البروج ، أو نحو ذلك ، وإنما يأتيه العلم عن طريق الجن ، وهو يظهر هذه الأشياء حتى يحصل على المقصود كي يصدق الناس أنه لا يستخدم الجن ، وأنه ولي من الأولياء ، وإلاَّ فكيف يستنتج المغيبات من هذه الأمور الظاهرة؟! . اهـ .
ومَن وقع مِنه ذلك ، فعليه التوبة إلى الله ؛ لأنه صَدّق مَن يدّعي شيئا مِن عِلْم الغيب ، ومَن فَعَل ذلك كان على خطر عظيم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : من أتى كاهِنا أو عَرَّافا فصدّقه بما يقول فقد كَفَر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
وذلك لأن مما أُنْزِل على محمد صلى الله عليه وسلم : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ)
و مما أُنْزِل عليه : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)
و مما أُنْزِل عليه : (وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)قال البغوي : لأنه لا يَعلم الغيب أحدٌ غيره ، (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) فيُطلعه على بعض علم الغيب . اهـ .
فإذا صَدق أولئك الأدعياء ، فقد كذّب بهذه الآيات التي أُنْزِلت على محمد صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد