[ناصرة السنة]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنا أعيش في فلسطين المحتلة عام 1948..

سؤالي هو:

لي أخ في الله تعالى حصل بينه وبين شيخه الذي رباه ما يقارب عشر سنوات خلاف كبير.. وقد كان هذا الأخ قبل الخلاف من الأخوة المسؤولين عن العمل الإسلامي في البلدة..

الخلاف بالأساس هو على أمر دنيوي.. وهذا الأخ يعتقد جازماً بأن شيخه ظلمه.. وبدأ يصف شيخه بأنه ظالم وطاغية وبدأ يهاجم الدعوة الإسلامية التي يقودها في البلدة، لأنه يعتقد بأن مسؤولي هذه الدعوة ظلموه أيضاً لأنهم وقفوا موقفاً موالياً لشيخهم اعتقاداً منهم بأنه على حق...

وبعد ذلك هجر هذا الأخ المسجد لبضعة أيام.. ثم بعدها انتقل للصلاة في بلدة قريبة فاستصعب لأنه بحاجة للوصول بالسيارة إلى عشر دقائق تقريباً ، ثم انتقل إلى المسجد الثاني في بلدته ( في البلدة مسجدين ).. وهذا المسجد الثاني يؤم الناس فيه شيخ مُعَيّن من طرف اليهود..

مع العلم بأن الشيخ الأول الذي لا علاقة له باليهود - بل هو مكروه من قبلهم - هذا الشيخ حافظ لكتاب الله تعالى وملتزم بالسنة (ظاهراً على الأقل) من حيث الملبس والمظهر.. وأهل بيته ملتزمون وزوجته ملتزمة بالنقاب.. وهو حاصل على درجة الماجستير في الشريعة..

والشيخ الثاني المعين من قبل اليهود ، يفتخر بأنه معين من اليهود.. وأهل بيته لا يُصَلُّون (أبناؤه الكبار والصغار) وبناته متبرجات.. وقد سمعته شخصياً ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ما قاله عليه الصلاة والسلام.. والحديث المدعى هو :

عندما سأله أحد المصلين عن اليهود فقال : بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دارِهم ما دُمت في دارهم

والسؤال هو :

هل يجوز لهذا الأخ أن يصلي وراء الشيخ المعين من طرف اليهود ..؟؟؟

وهل يجوز له أن يستمر بمهاجمة شيخه السابق ومسؤولي الدعوة لاعتقاده بأنه مظلوم .. ومواصلة الحديث بين الناس أنه مظلوم ..؟؟؟ وماذا تنصحونه ؟؟؟

ملاحظة:

بعد مرور ما يقارب الشهر على الفتنة التي حصلت بين الأخ وشيخه ذهب إليه وفد من الإخوة المسؤولين في الدعوة في البلدة وطلبوا منه أن يعود للمسجد وإذا شاء فليجلس مع شيخه ومسؤولي الدعوة فيبين الحق الذي له فإن كان له حق أخذه وإن كان عليه حق أذعن ورضخ..

ولكن الأخ رفض بحجة أن الأمر أصبح متأخراً في نظره.. وأنه يريد أن يلتقي بهم وبشيخه يوم القيامة ليتحاسب معهم أمام الله تعالى..

وعندما طُلب منه إذاً أن يكف لسانه عن الحديث في الموضوع بين الناس ويكف عن الطعن رفض قائلاً بأنه سيتحدث عن الأمر لكل من يأتي عنده

بعدها بأسبوعين تقريباً أرسلت له رسالة أخرى مع أحد الأخوة مفادها :

بأن الله تعالى يقول: {..فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول..}.. وقيل لهذا الأخ بأن يقف عند حكم الله تعالى بأن يتم اختيار أحد أهل العلم المقبولين على الطرفين ليحكموا بينهم .. وتنتهي هذه الفتنة على أن يتم تطبيق الحكم كما يراه

المحكم.. ولكن هذا الأخ رفض هذه الفكرة أيضا..

جزاكم الله خيراً..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...




الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته



إذا ثبت هذا ، فهذا فَـرّ من الجَور والظلم وفيهما وَقَع !

فهو عاب على شيخه ما عاب عليه ، ثم وَقَع في المحذور ، بل في المحاذير ، وهذا نتيجة اتِّباع الهوى ، نعوذ بالله من اتِّباع الهوى .

قال الله تبارك وتعالى : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) .

ومن تأمل قوله تعالى : ( فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ ) تبيّن له أن اتّباع الهوى سبب في الجور ، ومجانبة العدل وترك الإنصاف .



فهو يَزعم أنه سوف يلتقي بِشيخِه يوم القيامة ليقتصّ منه ، ثم هو يُبيح لنفسه أن يَقَع في عرض شيخه ، ويتكلّم فيه في كل مجلس ، وهذا ظلم منه لشيخه ، فإن شيخه وإن كان أخطأ في حقِّـه إلا أن هذا لا يُحلّ له الخوض في عرض شيخه في كل مجلس وأمام كل أحد .

نعم ، لو كان هذا أمام من يملك تغيير الأمر ، أو يَذكر ذلك على سبيل التظلّم ، وطلب الـنُّصْـح ، أمّـا أن يجعل عرض شيخه كلأ مُباحاً يقع فيه متى شاء بحسب فهمه هو ، وقد يكون هو الظالم لشيخه أيضا .



وإذا كان الأمر كما قيل فإنه قد ظَلَمَ نفسه حينما رفض الصُّلح ، لأن الله يقول : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن المتخاصِمَين : لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فَيُعرِض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام . رواه البخاري ومسلم .



وظَلَم نفسه مرة أخرى حينما أعرض عن حُكم الله ، وهَجَر كتاب الله حينما هجر التحاكم إليه ، وقد قال الله عز وجلّ : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .



قال ابن كثير : يُقْسِم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة أنه لا يُؤمن أحدٌ حتى يُحَكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حَكَمَ به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ، أي : إذا حَكّموك يُطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حَكَمْتَ به ، ويَنقادون له في الظاهر والباطن ، فيُسَلِّمون لذلك تسليما كُليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة . اهـ .



فيُخشى على هذا الشخص الذي رفض التحاكم إلى شرع الله مِن الكُفْر ، كما يُخشى عليه من الزّيغ والضلال ، لقوله تبارك وتعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .

قال الإمام أحمد : أتدري ما الفتنة ؟ الشرك - لعلّه إذا رَدّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه .



أما الصلاة خَلف إمام تم تعيينه مِن قِبَلِ اليهود فالذي يظهر أنه لا يُصلَّى خلْفَه ، خاصة مع ما يَجمع من صِفات مذكورة في السؤال .

وذلك لأن الذي تجب الصلاة خلفه هو من كان إماماً راتباً تم تعيينه من قِبل المسلمين أو من قِبَل وليّ أمر مُسلِم ، وهذا ليس بهذا ولا ذاك .

كما أن أحكام اليهود لا تنفذ على المسلمين ، فلا تصحّ الأحكام التي يُصدرونها في تولية إمام أو غيره ، ذلك أن الله يقول : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فأحكام الكفّار لا تنفذ على المسلمين .

والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد