وبَكى عَامِرُ بنُ عبدِ اللهِ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه بُكَاءً شَدِيدًا ، فقيلَ لَهُ : ما يُبْكِيكَ يا أبا عبدِ اللهِ؟ قَالَ : آيَةٌ في كِتابِ اللهِ : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .
قال ابنُ رجبٍ رحمه الله : رُوي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلةٍ مِن شهر رمضان : يا ليت شعري ! مَن هذا المقبولُ فَنُهَنّيه ، ومَن هذا المحرومُ فَنُعَزّيه .
وعن ابنِ مسعودٍ أنه كان يقول : مَن هذا المقبول مِنّا فَنُهَنّيه ، ومَن هذا المحروم مِنّا فَنُعَزّيه . أيها المقبول هنيئا لك ، أيها المردود جَبَر اللهُ مصيبتَك .
ليت شعري مَن فيه يُقْبَل مِنا ... فيُهَنّا ، يا خيبة المردود
مَن تَولّى عنه بِغير قَبول ... أرغم الله أنفه بِخِزي شديد
وعلى المسلِمِ أنْ يكونَ على حذَرٍ مِنْ مُحْبِطَاتِ الأعمالِ
فإنَّهُ قد يَحْتَفُّ بالعَمَلِ الصالحِ ما يُنقِصُ أجْرَهُ ، أو يُذْهِبُهُ .
وهذِهِ الأشياءُ على ثلاثِ مَنازِلَ :
الأولى : ما يكونُ قبلَ العملِ
الثانيةُ : ما يكونُ أثناءَ العملِ
الثالثةُ : ما يكونُ بعدَ العملِ
فما يكونُ قبلَ العملِ ، يكون في الإساءةِ في العملِ ، والاستعدادِ لَهُ .
قال رفاعة بن رافع رضي الله عنه : بينما نحن جلوس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ دخل رجل فاستقبل القبلة فصلّى ، فلما قضى الصلاة ، جاء فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك ، ارجع فصل، فإنك لم تَصَلّ ، فرجع الرجل فصلّى ، وجعلنا نَرمق صلاته ، لا ندري ما يَعيب منها ، فلما قضى صلاته جاء فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : وعليك ، ارجع فَصَلّ ، فإنك لم تَصَلّ . قال الرجل : ما ألَوْتُ ، فلا أدري ما عِبتَ عليّ مِن صلاتي ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يُسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ، ورجليه إلى الكعبين ، ثم يُكَبِّر الله ويحمده ثم يقرأ مِن القرآن ما أذن الله عز وجل له فيه ، ثم يُكَبِّر فيركع فيضع كفّيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ويقول : سمع الله لمن حمده ، فيستوي قائما حتى يُقيم صُلْبه فيأخذ كل عظم مأخذه ، ثم يكبر فيسجد فيمكّن وجهه مِن الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يُكَبِّر ، فيستوي قاعدا على مقعده ويُقيم صُلبه - فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ - لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
فَذَكَرَ أن مِن تمام الصلاة : إسباغ الوضوء وإحسانه .
بَلْ إنَّ إساءةَ العملِ تتعدّى صاحِبَها إلى غيرِه .
وقدْ جاءَ في أثرٍ معروفٍ : إنَّ العبدَ ليَعملُ العملَ سِرًّا لا يطلِّعُ عليه أحدٌ إلاَّ اللهَ تعالى فيتحدثُ به فينتقلُ مِنْ ديوانِ السِّرِّ إلى ديوانِ العلانيةِ ثم يصيرُ في ذلك الديوانِ على حسبِ العلانيةِ ، فإنْ تحدَّثَ به للسُّمعةِ وطلبِ الجاهِ والمنْزِلةِ عندَ غيرِ اللهِ تعالى أبطلَه كما لو فعلَهُ لذلِكَ .
وقال ابن الجوزي : مَن تَلَمّح خِصال نفسه وذنوبها عَلِم أنه على يقين مِن الذنوب والتقصير ، وهو مِن حال غيره على شك . فالذي يُحْذَر منه الإعجاب بالنفس ، ورؤية التقدّم في أحوال الآخرة . والمؤمن الحق لا يزال يحتقر نفسه .
وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إليّ مِن أن أرى نفسي أهلاً لذلك . اهـ .