حصل لدي لبس ياشيخ بين أحكام القرآن وأسراره وفوائده حيث أن احكامه معروفه ولكن اسراره وفوائده قد يكتشفها شخص من خلال تدبرها لربما لم يكتشفها شخص آخر بل قد يكون عالماً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
فوائد وأسرار القرآن لا انتهاء لها ، كما قال عَزّ وَجَلّ : (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) .
قال ابن العربي : اعلموا وَفّقكم الله أن علماءنا قالوا : إن هذه السورة [سورة البقرة] مِن أعظم سور القرآن . سمعت بعض أشياخي يقول : فيها ألف أمْر ، وألف نَهي، وألف حُكم ، وألف خَبَر ، ولعظيم فقهها أقام عبد الله بن عمر ثماني سنين في تعلمها . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلام له : فمَن تدبّر هذه المعاني اللطيفة تَبيَّن له بعض حكم القرآن وأسراره ؛ فتبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ، فإنه كتاب مبارك ، تَنْزِيل مِن حكيم حميد ، لا تنقضي عجائبه ، ولا يَشبع منه العلماء .
وقال : والقرآن لا تنقضي عجائبه . والله سبحانه بَيَّن مراده بيانًا أحكمه ، لكن الاشتباه يقع على مَن لم يَرسَخ في علم الدلائل الدالة . اهـ .
قال الإمام السمعاني : (مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) أي : كَلام الله وَعِلْمه .
وقال الإمام البغوي : أَيْ : عِلْمُه وَحُكْمُه .
وقال الحافظ ابن كثير : يقول تعالى مُخبِرا عن عظَمته وكِبريائه وجَلاله وأسمائه الحسنى وصفاته العُلا ، وكلماته التامّة التي لا يُحيط بها أحد ، ولا اطلاع لِبَشر على كُنْهها وإحصائها ، كما قال سيّد البشر وخاتم الرُّسل : " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " ، فقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) ، أي : ولو أن جميع أشجار الأرض جُعِلت أقلاما ، وجُعل البحر مدادا ، وأمدّه سبعة أبْحر معه ، فكُتِبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتَكَسّرت الأقلام ونَفِد ماء البحر ، ولو جاء أمثالها مِددا . اهـ .
وكلمات الله نوعان :
كلمات كَونِيّة ، وكلمات شَرعية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كلمات الله تعالى نوعان : كلمات كَونِية ، وكلمات دينية .
وقال أيضا :
قال في الكلمات الكَونِيَّة : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ) ، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " أعوذ بكلمات الله التامة كلها مِن شرّ ما خلق ومِن غضبه وعقابه وشر عباده ، ومِن هَمَزات الشياطين وأن يَحضرون " وقال صلى الله عليه وسلم " مَن نَزَل مَنْزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات مِن شرّ ما خَلق؛لم يَضره شيء حتى يَرتَحل مِن مَنْزِله ذلك " ...
و" كلمات الله التامات التي لا يُجاوزهن برّ ولا فاجر " هي التي كَوَّن بها الكائنات ، فلا يخرج برّ ولا فاجر عن تكوينه ومشيئته وقدرته . وأما " كلماته الدينية " وهي كُتُبه الْمُنَزّلة وما فيها مِن أمْره ونَهيه ، فأطاعها الأبرار ، وعصاها الفجار . وأولياء الله الْمُتَّقون هم المطِيعُون لكلماته الدينية ، وجَعْله الديني ، وإذنه الديني ، وإرادته الدينية .
وأما كلماته الكَونِية التي لا يجاوزها برّ ولا فاجر ؛ فإنه يدخل تحتها جميع الخلق حتى إبليس وجنوده وجميع الكفار وسائر مَن يدخل النار ، فالْخَلْق وإن اجتمعوا في شمول الخلق والمشيئة والقدرة والقَدَر لهم ، فقد افترقوا في الأمر والنهي والمحبة والرضا والغضب .
وأولياء الله المتقُون هم الذين فَعلوا المأمور ، وتركوا المحظور ، وصبروا على المقدور ؛ فأحبهم وأحبوه ، ورضي عنهم ورضوا عنه .
وأعداؤه أولياء الشياطين ، وإن كانوا تحت قُدرته ، فهو يبغضهم ويغضب عليهم ويَلعنهم ويُعاديهم . اهـ .