سوالي ماحكم طلب الدعاء ممن يتم التصدق عليهم بالصدقات أو الزكاة ؟؟ اليس فيه نوع من الاذلال او على الاقل احراج لهم ؟؟
وجزاك الله خير
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
إذا كان طلبا عاديا ، فليس فيه إذلال ولا إهانة . وقد دلّ الدليل على أن المتصدِّق يُدْعَى له . قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)
وبوّب عليه الإمام البخاري بقوله : باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة . وبوّب عليه الإمام النووي بقوله : بَاب الدُّعَاءِ لِمَنْ أَتَى بِصَدَقَةٍ .
قال النووي : ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن الدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة . اهـ .
فإن تعدّى الأمر إلى شعور الْمُتَصَدَّق عليه إلى الإذلال والإهانة ، فهذا مما نُهي عنه ، لقوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)
وقد أثنى الله عزّ وجلّ على الذين لا يُتبِعون صدقاتهم منّـا ولا أذى ، فقال تبارك وتعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أَيْ : يُطْعِمُونَ لِهَؤُلاءِ الطَّعَامَ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ ، قَائِلِينَ بِلِسَانِ الْحَال ِ: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) أَيْ : رجاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَرِضَاهُ (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) أَيْ : لا نَطْلُبُ مِنْكُمْ مُجَازَاةً تُكَافِئُونَا بِهَا ، وَلا أَنْ تَشْكُرُونَا عِنْدَ النَّاسِ . اهـ .
والأفضل والأكمل أن لا يُطلَب الدعاء ممن تَصَدَّق عليه ؛ لأنه أبقى وأوفَى للأجر .
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومِن الجزاء أن يُطلب الدعاء ، قال تعالى عَمَّن أثنى عليهم : (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) ، والدعاء جَزاء ، كما في الحديث : " مَن أسْدَى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تَعلموا أن قد كافأتموه " .
وكانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بِصَدقة تقول للرَّسول : اسمع ما يدعون به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا لنا ، ويبقى أجرنا على الله .
وقال بعض السلف : إذا قال لك السائل : بارك الله فيك فقل : وفيك بارك الله .
فمن عمل خيرا مع المخلوقين سواء كان المخلوق نَبِيًّا ، أو رَجلا صالحا ، أو مَلِكا مِن الملوك ، أو غَنِيًّا مِن الأغنياء ؛ فهذا العامل للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالِصا لله يبتغي به وجه الله ، لا يَطلب به مِن المخلوق جزاء ولا دعاء ولا غيره .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا : المؤمن يَرى أن عَمَله لله لأنه إياه يَعبد ، وأنه بالله ؛ لأنه إياه يستعين ، فلا يَطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكورا ؛ لأنه إنما عَمِل له ما عَمِل لله ، كما قال الأبرار : (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) ، ولا يَمُنّ عليه بذلك ولا يُؤذيه ، فإنه قد عَلِم أن الله هو الْمَانّ عليه إذ استعمله في الإحسان ، وأن المِنة لله عليه وعلى ذلك الشخص ، فعليه هو : أن يَشكر الله إذْ يَسّره لليُسرى .
وعلى الشخص الآخر : أن يَشكر الله إذ يَسّر له مَن يُقدم له ما يَنفعه مِن رزق ، أو عِلم ، أو نَصر ، أو غير ذلك .
ومن الناس : مَن يُحسن إلى غيره ليَمُنّ عليه ، أو يَردّ الإحسان له بطاعته إليه ، وتعظيمه ، أو نَفْع آخر ، وقد يَمُنّ عليه ، فيقول : أنا فعلت بك كذا ؛ فهذا لم يَعبد الله ولم يَسْتَعِنْه ، ولا عَمِل لله ، ولا عمل بالله ، فهو كالمرائي .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) الآية ، ومَن طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خَرج مِن هذه الآية . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي بكر الصِّدّيق رضي الله عنه :
وكان مِن كماله أنه لا يَعمل ما يَعمله إلاّ ابتغاء وجه ربه الأعلى ، لا يطلب جزاء مِن أحدٍ مِن الْخَلْق ، لا الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم .
ومِن الجزاء أن يَطلب الدعاء ، قال تعالى عمّن أثْنَى عليهم: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) ، والدعاء جزاء كما في الحديث " مَن أسدى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " .
وكانت عائشة إذا أرْسَلت إلى قوم بِصَدَقة تقول للرسول : اسمع ما يَدعون به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دَعوا لنا ويَبقى أجرنا على الله.
وقال بعض السلف: إذا قال لك السائل : بارك الله فيك فَقُل : وفيك بارك الله .
فمن عَمِل خيرا مع المخلوقين - سواء كان المخلوق نَبِيًّا ، أو رجلا صالحا ، أو مَلِكا مِن الملوك ، أو غنيا مِن الأغنياء - فهذا العامل للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالصا لله ، يَبتغي به وجه الله ، لا يَطلب به مِن المخلوق جزاء ولا دُعاء ولا غيره ، لا مِن نَبِيّ ، ولا رَجُل صالح ، ولا مِن الملائكة ، فإن الله أمَرَ العباد كلهم أن يَعبدوه مخلصين له الدين .
وهذا هو دِين الإسلام الذي بَعث الله به الأولين والآخرين مِن الرُّسُل ، فلا يَقبل مِن أحدٍ دِينا غيره . اهـ .
والله أعلم .
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض