والسنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع ، بل هي وحي يُوحى ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه " يعني السنة .
وفي قوله تعالى :
( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال الإمام مالك : قول الرجل حدثني أبي عن جدي .
وما تعلّق بالسنة من تبويب وتحديث مما حفظ الله به الدِّين .
قال الإمام عبد الله بن المبارك : الإسناد من الدين ، لولا الإسناد إذاً لقال من شاء ما شاء .
إذاً فالإسناد من الدِّين .
ولا يجوز الاستهزاء بشيء من دين الله .
ومعلوم أن قول العلماء : متفق عليه . يعنون به أخرجه البخاري ومسلم ، فهو في أعلى درجات الصحة .
وقد ذكر الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ضمن نواقض الإسلام :
الناقض السادس :
مَن استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه ؛ كفر ، والدليل قوله تعالى : (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) .
قال الشيخ سليمان العلوان في كتاب " التبيان شرح نواقض الإسلام " :
الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول كفرٌ بإجماع المسلمين ، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء ، كما لو هزل مـازحــاً .
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم عن عبد الله بن عمر . قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ؛ أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنة ، ولا أجبن عند اللقاء . فقال رجل في المجلس : كذبت ! ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن . قال : عبد الله بن عمر : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه ، وهو يقول : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ) .
فقولهم : " إنما كنا نخوض ونلعب " أي : إننا لم نقصد حقيقة الاستهزاء ، وإنما قصدنا الخوض واللعب ، نقطع به عناء الطريق ، كما في بعض روايات الحديث ؛ ومع ذلك كفّرهم الله جل وعلا ؛ لأن هذا الباب لا يدخله الخوض واللعب ، فهم كفروا بهذا الكلام ، مع أنهم كانوا من قبل مؤمنين ...
فمن استهزأ بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ كالاستهزاء بالعلم الشرعي وأهله لأجله ، وكالاستهزاء بثواب الله وعقابه ، والاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أجل أمرهم به أو نهيهم عنه ، وكالاستهزاء بالصلاة سواء كانت نافلة أو فريضة ، وكذلك الاستهزاء بالمُصلّين لأجل صلاتِهم ، وكذلك الاستهزاء بمن أعفى لحيته لأجل إعفائها أو بتارك الربا لأجل تركه ؛ فهو كافـر . انتهى كلامه – حفظه الله – .
وقد ختم الإمام محمد بن عبد الوهاب نواقض الإسلام بقوله : ولا فـرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجادّ والخائف ، إلا الـمُـكرَه . انتهى .
ومن تأمل قول الله عز وجل :
( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَة مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ )
يتبيّن له أن الله عز وجل أمر نبيّـه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ؟
مع أنهم لم يستهزئوا بالله ولا بآياته ولا برسوله صلى الله عليه وسلم ، وإنما استهزئوا بالصحابة كما تقدّم .
فليحذر كل الحذر أولئك الذين يخوضون فيما لا يُحسنون ، ولو كان الهدف سامياً والغاية نبيلة ؛ فإن ذلك لا يُسيغ الوقوع في المحذور .
وليس الأمر في مسألة خلافية إذا أخطأ الإنسان يُقال له : أخطأت .
بل في مسائل إذا وقع فيها واقع يُقال له : كفرت .
فالأمر في غاية الخطورة .
والله تعالى أعلى وأعلم .