[راجية العفو]

السؤال
شيخنا الكريم :
السلام عليكم ورحمة الله .. وجزاكم الله ألف خير على هذا المجهود الجبار .. جعله الله في موازين أعمالكم.. لدي سؤال أوجزه في هذه القصة التي حدثت لي:
قام شخص بوضع إعلان في الانترنت عن بيع جهاز جوال. وقد ذكر الشخص المعلن (حرفيا) في نص الإعلان بأن الجوال يتوافق مع كل الشركات (الاتصالات - موبايلي - زين)، وبعد شرائي للجهاز من صاحبه اتضح لي بعد مغادرة البائع بأنه لا يتوافق مع شركة موبايلي وإنما يعمل فقط مع شركة الاتصالات.
قمت بالاتصال على البائع لأخبره عن المشكلة بعد أقل من (3) ساعات من شراء الجوال، وقد أفادني بعد مماطلة طويلة في الرد على الاتصالات المتكررة بأنه قد أوضح في (الردود) المرتبطة بالإعلان نفسه بأن الجهاز لا يتوافق مع شركة موبايلي. علما بأن عدد الردود كان كثير جدا ويصل إلى 200 رد وهو ما منعني من قراءتها جميعا.
وقد تحجج البائع بأن مبرراته هو أنه أوضح تلك المشكلة في ثنايا الردود المرتبطة بالإعلان، وقد سألته ولماذا لم تصحح هذه المعلومة في صلب الإعلان وتحدثها حيث أن الإعلان هو الفيصل والمرجعية والأساس وهو بمثابة العقد أو العهد (والعقد شريعة المتعاقدين)؟ وقد أجاب عن ذلك بأنه ليس لديه وقت لتصحيح الإعلان! بالرغم من وجود خاصية (التعديل) على الإعلان في أي وقت يشاء. ولكنه لم يأبه بذلك متعللاً بأنه ذكر ذلك في الردود ، وقد أقسمت له بأني لم أقرأ رده الخاص بذلك -بالرغم من عدم تكذيبه - وإلا لما اشتريت جهازاً لا يتوافق مع الشركة التي أرتبط معها (موبايلي).
طلبت من البائع عدة مرات أن يقابلني أو يعطيني عنوان محله ولكنه تجاهل ذلك ورفضه تماما، حيث أنني قابلته عند استلام الجهاز في مكان عام وليس في محله الخاص.
كما سألته لماذا لم يذكر هذا العيب حال وقت البيع؟ حيث آثر البائع الصمت أثناء استلام المبلغ متعللا بأنه ظن أنني أعرف ذلك العيب بسبب مقولتي له بأنني قرأت كل الردود , وكنت أقصد من عبارة (قرأت الردود) أي بعضا منها وليس الأمر على إطلاقه حيث أن عددها ضخم جدا ولم أكن أقصد بأنني قرأت كل رد بذاته بما في ذلك رده المتعلق بعدم توافق الجهاز مع موبايلي، وقد أعدت له التساؤل مراراً بأنه فيما لو كان هناك تعارض بين نص الإعلان وبين المعلومات التي ذكرها والمتناثرة بين تفاصيل الردود، فالمعول عليه والمرجعية بيني وبينه هو (نص الإعلان) والذي لم يتجاوز خمسة أسطر حيث أنها هي الصيغة المعنية بالقراءة وهي ظاهرة في مقدمة الموضوع ولا تختفي أو يصعب تفويتها مثل بعض الردود التي قد تكون بواسطة المعلن أو بواسطة غيره وهو ما يفقدها أهمية تغطيتها كاملة. بالإضافة إلى أنه وعدني (كتابيا من خلال الرسائل بالانترنت) بأنه مستعد لتحويل المبلغ لحسابي إذا كنت سأقبل أن يكون أمر البيعة في ذمتي، فأجبته بأنني موافق تماماً وسأتحمل أي وزر في ذمتي وعلي إعادة جهازه إليه فورا وبحالته الجديدة. إلا أنه وللمرة الثانية يتملص من وعده ويقول لن أعيد إليك النقود وبلغة تهكمية ومن وراء الكيبورد. علما بأنه قام بحذف إعلانه حتى لا يتأثر بالردود السلبية من الزبائن غير الراضين مثلي.
فما هو حكم مثل هذه البيعة وهل يتحمل وزرها هذا البائع أم أنه خطئي؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا وأقسم بالله أن كل ما ذكرته كان صحيحا وفي ذمتي يوم القيامة . وما هي نصيحتكم لمن يماطل في الرد أو الإجابة أو يخلف الوعد المكتوب والذي لا يمكن إنكاره.
ولكم شكري




الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

إذا كان الأمر كما ذُكِر فهذا مِن الغشّ الْمُحرَّم ؛ لأنه يجب على البائع أن يُبيِّن العيب الذي في السلعة ، وإلا رُدَّت عليه شَرْعًا ، فإن السلعة تُرَدّ بالعيب ، ولا يُعفي البائع أن يقول : بِعْتُك هذه السلعة بما فيها مِن عَيب ، إلاّ أن يُبيِّن ويُحدد العيب ، فإن رضي به المشتري بعد بيانه وتوضيحه لزمه البيع ، وإلا رُدّت السلعة على البائع بالعيب .
ولو طالبه في المحكمة فإن القاضي يردّ البيع لأجل العيب .

قال شيخنا العثيمين رحمه الله : العَيب ضد السلامة ، والْمَعِيب ضد السليم ، والفرق بين خيار العيب وخيار التدليس ، أن العَيب فَوات كَمال ، أما التدليس فهو إظهار مَحَاسِن والْمَبِيع خَالٍ منها . اهـ .

كما لا يُخرج البائع مِن المسؤولية اشتراط بعضهم في الفاتورة : أن البضاعة الْمُبَاعة لا تُرَدّ ولا تُستبدل .

فقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة عن كتابة عبارة : (البضاعة المباعة لا تُرَدّ ولا تُسْتَبْدَل) التي يكتبها بعض أصحاب المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم ، وهل هذا الشرط جائز شرعا ؟ وما هي نصيحة سماحتكم حول هذا الموضوع ؟
فأجابت اللجنة :
بيع السلعة بِشَرْط أن لا تُرَدّ ولا تُسْتَبْدَل لا يجوز ؛ لأنه شرط غير صحيح ؛ لِمَا فيه من الضرر والـتَّعْمِيَة ، ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت مَعيبة ، واشتراطه هذا لا يُبرئه مِن العيوب الموجودة في السلعة ؛ لأنها إذا كانت مَعيبة فَلَه استبدالها ببضاعة غير مَعيبة ، أو أخْذ المشتري أرْش العَيب . ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة، وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق . ولأن الشرع أقام الشرط العُرْفي كاللفظي، وذلك للسلامة مِن العَيب حتى يَسوغ له الردّ بِوجود العَيب ، تَنْزِيلا لاشْتِراط سَلامة المبيع عُرْفًا مَنْزِلة اشتراطها لَفْظًا . اهـ .

فإن اسْتَعْمَل المشتري السلعة ثم تبيّن له العيب فإنه يردّها ويَرُدّ قيمة استعماله لها ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا فَلْيَحْلُبْهَا ، فَإِنْ رَضِيَ حِلابَهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِلاَّ رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ . رواه البخاري ومسلم .
أما إذا لم يستعملها فإنه يردّها عليه ويأخذ ما دفعه قيمة لها .

قال ابن الأثير : الْمُصَرَّاة : النَاقَةُ أو البقَرَةُ أو الشَّاةُ يُصَرَّي اللَّبنُ في ضَرْعها : أي يُجْمَع ويُحْبَس . قال الأزهري : ذكر الشافعي رضي اللّه عنه المُصرَّاةَ وفّسرها أنَّها التي تُصَرُّ أخْلافُها ولا تُحلَبُ أياماً حتى يجتمعَ اللبنُ في ضَرْعها فإذا حلَبها المُشْتري اسْتَغْزَرَها .

قال أبو عُبيد القاسم بن سلاّم : وفي حديث الْمُصَرّاة والْمُحَفَّلَة أصْل لكل مَن باع سلعة وقد زَيّنها بالباطل أن البيع مَرْدُود إذا عَلِم به المشتري ؛ لأنه غِش وخِداع . اهـ .

والله تعالى أعلم .



المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد