العودة   منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية فتاوى الإرشاد قسـم المقـالات والـدروس والخُطب صوتيات ومرئيات فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم
منوعات المجموعات مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : صوتيات ومرئيات فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم
افتراضي محاضرة قصيرة بعنوان : الدين كله خُلُق
قديم بتاريخ : 27-10-2019 الساعة : 11:48 AM

الدين كله خُلُق

المحاضرة صوتية
https://5.top4top.net/m_1395ne1ym1.mp3

مرئية :
https://www.youtube.com/watch?v=weKJbzIHr38

يَتصوّر بعض الناس أن مُصطَلَح الأخلاق مُرادِف للأدب ، أو يُعنى به : دَمَاثَة الْخُلُق والسماحة والتواضع ، بينما الإسلام هو دِين الأخلاق ، والأخلاق أعمّ مِن ذلك .
وقد لَخّص النبي صلى الله عليه وسلم دَعْوَته بِأنها لإتْمَام مَكَارِم الأخلاق ؛ فقال : إنما بُعثت لأُتَمِّم مَكَارم الأخلاق . رواه البيهقي .
وفي رواية : لأُتَمِّم صَالِح الأخلاق . رواه الإمام أحمد والبخاري في " الأدب المفْرَد " . وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .

والعلماء يُعرِّفون الأخلاق بأنها : الدِّين كُلّه ، وبِأن الدِّين كلّه خُلُق .

قال أبو الوليد البَاجِي : قَالَ تَعَالَى : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمِ) ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ . وَمَنْ تَخَلَّقَ بِأَوَامِرِ الْقُرْآنِ أَوْ نَوَاهِيهِ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا .

وقال ابنُ القيمِ : الدِّينُ كُلُّه خُلُق ، فمن زادَ عليكَ في الْخُلُقِ ، زادَ عليك في الدِّين .

وقال ابنُ رَجَبٍ : حُسنُ الْخُلُقِ قد يُرادُ به التَّخَلُّقُ بِأَخْلاقِ الشَّرِيعَةِ ، وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِ اللَّهِ الَّتِي أَدَبَّ بِهَا عِبَادَهُ فِي كِتَابِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ : كَانَ خُلُقُهُ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ ، يَعْنِي أَنَّهُ يَتَأَدَّبُ بِآدَابِهِ ، فَيَفْعَلُ أَوَامِرَهُ ، وَيَتَجَنَّبُ نَوَاهِيَهُ ، فَصَارَ الْعَمَلُ بِالْقُرْآنِ لَهُ خُلُقًا كَالْجِبِلَّةِ وَالطَّبِيعَةِ لا يُفَارِقُهُ . وَهَذَا أَحْسَنُ الأَخْلاقِ وَأَشْرَفُهَا وَأَجْمَلُهَا . اهـ . (جامع العلوم والْحِكَم)

وقال ابنُ رجبٍ أيضا في قولِه عزّ وجَلّ : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) : وَصَفَ [الله] الْمُتَّقِينَ بِمُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالإِنْفَاقِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ ، فَجَمَعَ بَيْنَ وَصْفِهِمْ بِبَذْلِ النَّدَى ، وَاحْتِمَالِ الأَذَى ، وَهَذَا هُوَ غَايَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ الَّذِي وَصَّى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ . اهـ . (جامع العلوم والْحِكَم)

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم جاءَ بِمَكارِمِ الأخلاقِ ، ودَعا إليها ، حتى عَرَفَ ذلك القاصِي والدّاني ، والموافِقُ والْمُخالِف .
لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَالَ لأَخِيهِ أُنَيْس : ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي ، فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ ، فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي ، فَانْطَلَقَ الآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ ، وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ : رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ . رواه البخاري ومسلم .
لقد اخْتَصَر أُنيس رضي الله عنه دَعوة النبي صلى الله عليه وسلم بـ (مَكَارِمِ الأَخْلاقِ) !
قال القسطلاّني : " قال لأخِيه " : أُنَيْس بضم الهمزة مُصَغّرًا . اهـ .

قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ : كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا أَنْتَ ؟ قَال : أَنَا نَبِيٌّ ، فَقُلْتُ : وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَال : أَرْسَلَنِي اللهُ ، فَقُلْتُ : وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ ؟ قَال : أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ ، قُلْتُ لَهُ : فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذا ؟ قَال : حُرٌّ وَعَبْدٌ ، قَال : وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ . رواه مسلم .

فهذه أخلاق الإسلام التي جاءت مع بِعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وظَهَرت حتى وهو صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ في دعوته .

ولَمّا سألَ هِرَقْلُ أبا سُفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بِمَ يَأْمُرُكُم ؟ قال أبو سفيان : يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالعَفَافِ . رواه البخاري ومسلم .

وجاءت النصوص الكثيرة التي تدلّ على حُسن الْخُلُق .
ومِن فَضْل حُسْنِ الْخُلُق :
1 - أنه خَيرُ الأُعطِياتِ

سُئلَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم : ما خَيْرُ ما أُعطِيَ الناسُ ؟ فقال : خُلُقٌ حَسَنٌ . رواه الإمامُ أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ .
وسُئلَ عليه الصلاة والسلام : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ ؟ فقَال : تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ . رواه الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ في " الأدبِ المفْرَدِ " والترمذيُّ ، وحسَّنَه الألبانيُّ والأرنؤوطُ .

2 - ويَكفي في فضلِ حُسنِ الْخُلُق : أنه يَرفَع صاحِبَه إلى الدّرَجات العُلى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .

3 - وبِحُسْنِ الْخُلُق تَثْقل الموازين .
قال عليه الصلاة والسلام : مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .

ويَكْفِي في فضلِ حُسْنِ الْخُلُقِ :
4 - أن صاحِبَ الْخُلُق الْحَسَن مِن أحبّ الناس إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى عِبادِ الله

قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .
قَرَأَ الْحَسَن يَوْمًا هَذِهِ الآيَةَ ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَال : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَمَعَ لَكُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ فَوَ اللهِ مَا تَرَكَ الْعَدْلُ وَالإِحْسَانُ مِنْ طَاعَةِ اللهِ شَيْئًا إِلاّ جَمَعَهُ، وَلا تَرَكَ الْفَحْشَاءُ وَالْمُنْكَرُ وَالْبَغْيُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيْئًا إِلاَّ جَمَعَهُ . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا . رواه الطبراني ، وصححه الألباني .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْس : إنّ فِيك لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ . رواه مسلم .
وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ ...

ويَكْفِي في فضلِ حُسْنِ الْخُلُقِ :
5 - القُرْب مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ .

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ : أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ ، فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَال : المُتَكَبِّرُونَ. رواه الترمذي وصححه الألباني .
قال الترمذي : وَالثَّرْثَارُ : هُوَ الكَثِيرُ الكَلامِ ، وَالْمُتَشَدِّقُ الَّذِي يَتَطَاوَلُ عَلَى النَّاسِ فِي الكَلامِ وَيَبْذُو عَلَيْهِمْ . اهـ .
وقال ابنُ الأثيرِ : الثَرْثَارُون : هُم الَّذِينَ يُكْثِرون الْكَلامَ تَكَلُّفاً وَخُرُوجًا عَنِ الحقِّ . والثَّرْثَرَةُ : كَثْرةُ الْكَلامِ وتَرْدِيدُه . وقال : الْمُتَشَدِّقُونَ : هُمُ الْمُتَوَسِّعون فِي الْكَلامِ مِنْ غَيْرِ احتياطٍ واحترازٍ . وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْمُتَشَدِّقِ : الْمُسْتَهْزِئَ بِالنَّاسِ يَلْوِي شِدْقَهُ بِهِمْ وعليهم . اهـ . (النهاية في غريب الحديث)
فإيَّاك وكَثْرَةَ الكلامِ ، وإيّاك وبَذَاءةَ اللسانِ ..

6 – أن حُسْن الْخُلُق ذَهَبَ بِخَيْريّ الدنيا والآخِرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ . رواه أبو داود ، وَحسّنه الألباني والأرنؤوط .
قال ابن الأثير : " فِي رَبَضِ الجنَّة " هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ : مَا حَوْلها خَارِجًا عَنْهَا ، تَشْبيها بالأبْنِيَة الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ المُدُن وَتَحْتَ القِلاَع . اهـ .
فَجَمَع هذا الحديث خَير الآخِرَة ، وهو منازِل الجنة ، بل ضَمَان الجنة لِمَن حَسُن خُلُقُه :
بَيْت حول الجنة لِمَن تَرَك الْمِرَاء - وهو الْجِدَال – وإن كان على حَقّ .
وبيت فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا .
وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ .
مع ما تقدَّم مِن نِدَائه على رُؤوس الأشهاد ، إذا كَظَمَ غيظَه ، وهو قادِر على إنفاذِه .
وأمّا في الدّنيا ؛ فإن الْخُلُق الْحَسَن قَرِين الدِّين ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ . رواه الترمذي ، وحسّنه الألباني .

7 - وحُسْن الْخُلُق تُنال به الْخَيْريّة في الدينا والآخِرة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شَرَّ الناسِ مَنْ تَرَكَه الناسُ - أو وَدَعَه الناسُ - اتّقاءَ فُحْشِه . رواه البخاري ومسلم .
ومَفهُومه : أن خِيَار الناس مَن ألِفَه الناس ، كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : الْمُؤْمِنُ مَأْلَفٌ ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ . رواه الإمام أحمد ، وَصحّحه الألباني وحسّنه الأرنؤوط .
وسبق : " وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا . رواه البخاريُّ ومسلمٌ .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقًا : الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا ، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ . رواه الطبراني في " الصغير " ، وحسّنه الألباني .

8- وأن صاحِب الْخُلُق الْحَسَن تُصيبه دَعوة النبي صلى الله عليه وسلم .
بوّب الإمام البخاري : بَابُ السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاء وَالبَيْع ، وَمَن طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ في عَفَاف .
ثم رَوَى بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى .
قال ابن بطّال : فيه : الْحَضّ على السّماحة وحُسن المعاملة ، واستعمال معالي الأخلاق ومَكارِمها ، وتَرْك الْمُشَاحّة ، والرّقّة في البَيْع ، وذلك سبب إلى وُجود البَرَكة فيه ؛ لأن النبي عليه السلام لا يَحُضّ أمّته إلاّ على ما فيه النّفْع لهم في الدنيا والآخرة .
فأما فَضْل ذلك في الآخرة ؛ فقد دَعَا عليه الصلاة والسلام بِالرّحْمَة لِمَن فَعَل ذلك، فمَن أحبّ أن تَنَاله بَرَكة دَعْوة النبي عليه الصلاة والسلام فَلْيَقْتَد بهذا الحديث ، ويَعْمَل به . اهـ .

9 - وحُسنُ الْخُلُقِ مِمّا يُعمِّرُ الدّيَارَ ، ويَزيدُ في الأعمارِ .
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ . رواه الإمامُ أحمدُ ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .

10 – أنه يُباعِد مِن غَضَب الله
وفي مُسند الإمام أحمد أن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَال : لا تَغْضَبْ .

ولَمّا وَصَفَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم ومَدَحَه: مَدَحه بِِحُسنِ الْخُلُقِ ، فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، فلم يَمْدَحْه بِحسَبٍ ولا نسَبٍ ، وإنما مَدَحَه بِما هو مُكتَسَبٌ !
لم يَمْدَحْه بِجَمالِه ، وكان أحسنُ الناسِ وَجْهًا .

قال عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَمْرٍو : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا . رواه البخاريُّ ومسلمٌ .
وفي روايةٍ لمسلمٍ : وَقَال : قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا .
قال ابنُ حَجَرٍ : حُسنُ الْخُلُقِ : اختيارُ الفضائلِ ، وتَرْكُ الرّذائلِ . اهـ .

قالَ عبدُ اللهِ ابنُ الْمُبَارَكِ في وَصْفِ حُسْنِ الْخُلُقِ : هُوَ بَسْطُ الْوَجْهِ ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الأَذَى . رواه الترمذي .

وكان السَّلَفُ يَتَمَثّلون ويَمْتَثِلُون حُسن الْخُلُق واقِعًا عَمَلِيًّا .
قال القرطبيُّ : رُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ جَارِيَتَهُ جَاءَتْ ذَاتَ يَوْمٍ بِصَحْفَةٍ فِيهَا مَرَقَةٌ حَارَّةٌ، وَعِنْدَهُ أَضْيَافٌ فَعَثَرَتْ فَصَبَّتِ الْمَرَقَةَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ مَيْمُونٌ أَنْ يضربَها ، فقالتْ الجاريةُ : يا مَولايَ، استعملْ قولَ اللهِ تَعَالَى : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) قَالَ لَهَا : قَدْ فَعَلْتُ . فَقَالَتْ : اعْمَلْ بِمَا بَعْدَهُ : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) فَقَال : قَدْ عَفَوْتُ عَنْكِ ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فقَال مَيْمُونٌ: قَدْ أَحْسَنْتُ إِلَيْكِ ، فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى . وَرُوِيَ عَنِ الأحنفِ بنِ قَيسٍ مِثلُه .
(الجامع لأحكام القرآن) .

والعَفْوُ والصَّفْحُ مِن أَجَلِّ أخلاقِ المسلمِ
قال ابنُ عَطِيّةَ : والعَفوُ عن الناسِ مِن أجَلِّ ضُرُوبِ فِعلِ الخيرِ ، وهذا حيثُ يجوزُ للإنسانِ ألاّ يَعفُوَ ، وحيثُ يَتّجِهُ حَقُّه .
وقال القرطبيُّ : قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْكَلْبِيُّ وَالزَّجَّاجُ : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) يُرِيدُ عَنِ الْمَمَالِيكِ . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا حَسَنٌ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ ، إِذْ هُمُ الْخَدَمَةُ فَهُمْ يُذْنِبُونَ كَثِيرًا ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِمْ مُتَيَسِّرَةٌ، وَإِنْفَاذُ الْعُقُوبَةِ سَهْلٌ ؛ فَلِذَلِكَ مَثَّلَ هَذَا الْمُفَسِّرُ بِهِ .
(الجامع لأحكام القرآن) .

وإنّما يَظْهَرُ العَفْوُ والصَّفْحُ وضَبْطُ النّفْسِ ويُحمَدُ ويُمْدَحُ في وَقْتِ الغَضَبِ .

قال ابن عبد البر :
وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ قَالَ : كَانَ الشعبيُّ مِن أوْلعِ الناسِ بهذا البيت :
ليست الأَحْلامُ فِي حِينِ الرِّضَا *** إِنَّمَا الأَحْلامُ فِي حَالِ الْغَضَبْ
وَقَالَ غَيْرُهُ :
لا يُعْرَفُ الْحِلْمُ إِلاّ سَاعَةَ الْغَضَبِ
وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ :
وَلَمْ أَرَ فَضْلا صَحَّ إِلاّ عَلَى التُّقَى *** وَلَمْ أَرَ عَقْلا تَمَّ إِلاّ عَلَى أَدَبْ
وَلَمْ أَرَ فِي الأَعْدَاءِ حِينَ خَبَرْتُهُمْ *** عَدُوًّا يَفْعَلُ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبْ . اهـ .

وقد عَرّفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ الشّديدَ القويَّ بأنه الذي يَملِكُ نفسَه عند الغضبِ ، فقالَ : لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ . رواه البخاريُّ ومسلمٌ .
قال ابن عبد البر : وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ فِي صَرْفِهَا عَنْ هَوَاهَا أَشَدُّ مُحَاوَلَةً وَأَصْعَبُ مَرَامًا وَأَفْضَلُ مِنْ مُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَعَلَ لِلَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ مَا لَيْسَ لِلَّذِي يَغْلِبُ النَّاسَ وَيَصْرَعُهُمْ . اهـ .

وفي مُسند الإمام أحمد أن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَال : لا تَغْضَبْ .

قِيلَ لابْنِ الْمُبَارَكِ : اجْمَعْ لَنَا حُسْنَ الْخُلُقِ في كَلِمَةٍ ، قَال : تَرْكُ الْغَضَبِ .
وَكَذَا فَسَّرَ الإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ حُسْنَ الْخُلُقِ بِتَرْكِ الْغَضَبِ . (جامع العلوم والْحِكَم)

ومِن محاسِن الأخلاق ، وأجلِّ أخلاق الكِرام : عدم الانتقام ، وعدم التَّشَفِّي ، وكَظْم الغيظ .
قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها : مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلاّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا . رواه البخاري ومسلم .

ولِفَضْل الصّفْح والعفو ، وكَظْم الغيظ ، وعدم الانتقام : يُنادَى صاِحِب هذا الْخُلُق على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ، ويُشَاد به .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ ، دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي : حديث حَسَن ، وحسّنه الحافظ العراقي . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .

وقد أمَر الله بِالصَّفْحِ الْجَمِيل ، فقال عزّ وجَلّ : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)
قال الراغبُ : والصَّفْحُ : تركُ التّثْرِيبِ ، وهو أبْلَغُ مِنَ العفوِ ، ولذلك قالَ : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) ، وقد يعفو الإنسانُ ولا يَصْفَحُ . قال تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) ..
وصَفَحْتُ عنه : أوْلَيْتُه مِنّي صَفْحَةً جَمْيلةً مُعْرِضًا عن ذَنْبِه ، أوْ لَقِيتُ صَفْحَتَهُ مُتَجَافِيًا عنه ، أو تَجَاوَزْتُ الصَّفْحَةَ التي أثْبَتُّ فيها ذَنْبَه مِن الكتابِ إلى غيرِها ، مِن قَولِك : تَصَفَّحْتُ الكتابَ . اهـ . (المفردات في غريب القرآن)

لَمّا نالَ أبا بكرٍ الصِّدّيقَ رضي الله عنه الأذى مِن مِسْطَحٍ حَلَفَ أبو بكرٍ ألاّ يُنفِقَ على مِسْطَحٍ ، فأنْزَلَ اللهُ قولَه : (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فقَال أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وقال : وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا . رواه البخاري ومسلم .

والرِّفْقُ بالْخَلْقِ مِن مَحاسِنِ الأخلاقِ
والرِّفْقُ يُحبُّه اللهُ تَبارَك وتَعالى ورَسولُه صلى الله عليه وسلم .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية البخاريِّ : إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ .
وقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ . رواه مسلم .

ومِن أجلِّ الأخلاقِ : تَرْكُ شُؤونِ الْخَلْقِ الخاصَّةِ بِهِم
قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ . رواه الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ ، وحسّنَه الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وما أكثرُ ما يخوضُ الناسُ في أمورِ غيرِهم مما لا تَعْنِيهم لا مِن قريبٍ ولا مِن بعيدٍ ، وإنما هو الخوضُ فيمَا لا يَعنِيهم .
روى الطبرانيُّ في الأوسطِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَدَ كعبَ بنَ عُجْرَةَ رضي الله عنه فقال : ما فَعلَ كَعبٌ ؟ قالوا : مَريضٌ ، فَخَرجَ يمشي حتى دَخَلَ عليه ، فقال له : أبْشِرْ يا كَعبُ . فقالتْ أمُّهُ : هنيئا لك الجنةُ يا كَعبُ . فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : مَن هذه المتألِّيَةُ على اللهِ ؟ قال : هي أمي يا رسولَ الله . قال : ما يُدريكِ يا أمَّ كعبٍ ؟ لعلَّ كَعْبًا قال ما لا يَنْفَعُهُ ، أو مَنَعَ ما لا يُغْنيه . وصححه الألبانيُّ .
وفَرْق بين شؤون الْخَلْق الخاصّة ، وبين ما يَقَع منهم مِن مُنكرات يَجب إنكارها .

ومِن الحكمةِ : تَركُ الإنسانِ ما لا يَعنيه .
قيل لِلُقْمانَ الحكيمِ : ما بَلَغَ بك ما نَرى ؟ قال : صِدْقُ الحديثِ ، وأداءُ الأمانةِ ، وتَرْكُ ما لا يَعْنِيني .
وقال رجلٌ للأحنفِ بنِ قيسٍ : بِمَ سُدتَ ؟ - وأرادَ أن يَعِيبَه - قال الأحنفُ : بِتَرْكِي ما لا يَعنيني كَمَا عَنَاكَ مِنْ أمْرِي ما لا يَعنِيك !
وذَكَرَ مُصعبٌ الزبيريُّ عن مالِكٍ قال : اخْتَلَفْتُ إلى جعفرَ بنِ محمدٍ زمانا ، فما كنتُ أرَاه إلاَّ على ثلاثِ خصالٍ : إما مُصَلٍّ ، وإما صائم ، وإمّا يَقرأ القرآنَ ، وما رأيتُه يُحَدِّثُ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ على طهارةٍ ، وكان لا يتكلَّمُ فيما لا يَعنِيه ، وكان مِن العلماءِ العُبّادِ الزهّادِ الذين يَخْشَون الله . اهـ .

قال ابنُ رَجَبٍ : وَكَانَ السَّلَفُ كَثِيرًا يَمْدَحُونَ الصَّمْتَ عَنِ الشَّرِّ ، وَعَمَّا لا يَعْنِي لِشِدَّتِهِ عَلَى النَّفْسِ ، وَذَلِكَ يَقَعُ فِيهِ النَّاسُ كَثِيرًا ، فَكَانُوا يُعَالِجُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَيُجَاهِدُونَهَا عَلَى السُّكُوتِ عَمَّا لا يَعْنِيهِمْ . اهـ .

وحُسْن الْخُلُق سبب حُسْن الْخَاتِمة
دَخَلَ زيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَلى ابْنِ أَبِي دُجَانَةَ رضي الله عنه وَهُوَ مَرِيضٌ ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ ، فَقَالَ لَهُ : مَا لَكَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُكَ ؟ قَال : مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقَ عِنْدِي مِنَ اثْنَيْنِ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ لا أَتَكَلَّمُ بِمَا لا يَعْنِينِي ، وَأَمَّا الأُخْرَى : فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا . رواه ابن وَهْب في " الجامع " .

وكَمَا تُحِبُّ أنْ يَكونَ اللهُ لك ؛ كُنْ لِخَلْقِه ، خاصّةً الضعفاءَ منهم
قال ابنُ القيمِّ : وهو سبحانه وتعالى رَحِيمٌ يُحبُّ الرُّحَماءَ ، وإنما يَرْحَمُ مِنْ عبادِه الرحماءَ ، وهو سِتِّيرٌ يُحِبُّ مَن يَسترُ على عبادِه ، وعَفوٌّ يُحِبُّ مَن يعفو عنهم ، وغفورٌ يُحِبَّ مَن يَغفرُ لهم ، ولطيفٌ يُحِبُّ اللطيفَ من عبادِه، ويُبغِضُ الفظَّ الغليظَ القاسِيَ الجعْظَرِيَّ الجوَّاظَ ، ورفيقٌ يُحِبُّ الرفقَ ، وحليمٌ يُحِبُّ الْحِلمَ ، وبَرٌّ يُحِبُّ البِرَّ وأهْلَه ، وعَدْلٌ يُحِبُّ العدلَ ، وقابِلُ المعاذيرِ يُحِبُّ مَن يَقبلُ معاذيرَ عبادِه، ويجازي عبدَه بحسَبِ هذه الصفاتِ فيه وجودا وعَدَما ، فمَنْ عَفا عَفا عنه ، ومَن غَفَرَ غَفَرَ له ، ومَن سامَحَ سامَحَه ، ومَنْ حَاقَقَ حَاقَقَه ، ومَنْ رَفَقَ بعبادِه رَفَقَ به ، ومَن رَحِمَ خَلْقَه رَحِمَه ، ومَنْ أحْسَنَ إليهم أحسَنَ إليه ، ومَن جَادَ عليهم جَادَ عليه ، ومَن نَفَعَهم نَفَعَه ، ومَن سَتَرَهم سَترَه ، ومَنْ صَفَحَ عنهم صَفَحَ عنه ، ومَن تَتَبَّعَ عورتَهم تَتَبَّعَ عورتَه ، ومَن هَتَكَهم هَتَكَه وفَضَحَه ، ومَن مَنعهم خَيرَه مَنَعَه خيرَه ، ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ تعالى به ، ومَنْ مَكَرَ مَكَرَ بِه ، ومَنْ خَادَعَ خَادَعَه . ومَن عامَلَ خَلْقَه بِصِفَةٍ عامَلَه اللهُ تعالى بِتلك الصِّفَةِ بِعَيْنِها في الدنيا والآخرةِ .
فالله تعالى لِعَبْدِه على حَسَبِ ما يكونُ العَبدُ لِخَلْقِه . اهـ . (الوابل الصّيِّب)
وقال ابنُ رَجَبٍ : وفي الجملةِ : فكان خُلُقُه صلى الله عليه وسلم القرآنَ ؛ يَرْضَى لِرِضَاه ويَسْخَطُ لِسَخَطِهِ ، فأكْمَلُ الْخَلْقِ مَن حَقَّقَ مُتَابَعَتَه وتَصديقَه قَولا وعَملا وحالاً ، وهُم الصّدِيقُون مِن أُمّتِه الذين رأَسَهم : أبو بكر - خليفتُه بعده - وَهُم أعلى أهلِ الجنةِ دَرَجةً بَعد النّبِيِّين . اهـ . (فتح الباري)

ومَع كمالِ خُلُقِه صلى الله عليه وسلم وحُسْنِ أدَبِه إلاّ أنه كان يسألُ اللهَ أن يَهدِيَه لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ .
فقد كان مِنْ دُعائه : اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاّ أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاّ أَنْتَ . رواه مسلم .
ومِن دُعائه عليه الصلاةُ والسلام : اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا . رواه مسلم .
ومِن دُعائه عليه الصلاةُ والسلام : اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي ، فَأَحْسِنْ خُلُقِي . رواه الإمام أحمد ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
ومِن دُعائه عليه الصلاةُ والسلام : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ . رواه الترمذي ، وصححه الألباني .

وكلّما زادَ الإيمان حسُنَت الأخلاق
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا ، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ . رواه الطبراني في الأوسط ، وحسّنه الألباني .

والعكس : سوء الْخُلُق يدلّ على ضَعْف الإيمان ، ولذا جاء في الحديث : وَالْخُلُقُ السُّوءُ يُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ . رواه الطبراني ، وصححه الألباني .

وسيّد الأخلاق ورأسها : الحياء ، فهو الْخُلُق الذي يَجمَع خِصال الخير .

قال الحسن البَصري : الحياء والتّكَرّم خَصْلتان مِن خِصال الخير ، لم يَكُونا في عبدٍ إلاّ رَفَعه الله عزّ وجَلّ بهما . رواه ابن أبي الدنيا فِي " مكارم الأخلاق " .
وعند ابن أبي الدنيا فِي " الصمت " وفي " ذم الكذب " : زَيْنُ الْمَرْأَةِ الْحَيَاء ، وَزَيْنُ الْحَكِيم الصمت .

وليس بين الإنسان وبين الأخلاق الفاضلة : إلاّ أن يُعوّد نَفسَه على التّخَلّق بأخلاق الكرام .
قال عليه الصلاة والسلام : إنما العِلْم بالتَّعَلُّم ، وإنما الْحِلْم بالتَّحَلّم . مَن يَتَحَرّ الخير يُعْطَه ، ومَن يَتَّقّ الشَّرَّ يُوقَه . رواه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني .

قال أبو الوليد البَاجِي : قَالَ تَعَالَى: ({خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآيَةُ مِنْ حُسْنِ الأَخْلاقِ مَا لا يَسْتَطِيعُ امْتِثَالَهُ إلاّ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَكَيْفَ سَائِرُ مَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ وَسُنَّةُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام . اهـ .

وخُلاصَة الكلام : ما قاله الإمام الْهُمَام ، شيخ الإسلام : أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام :
وَجِمَاعُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ مَعَ النَّاسِ : أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك بِالسَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالزِّيَارَةِ لَهُ ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَك مِنْ التَّعْلِيمِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِ ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ . وَبَعْضُ هَذَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهُ مُسْتَحَبٌّ . وَأَمَّا الْخُلُقُ الْعَظِيمُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الدِّينُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُطْلَقًا . هَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ . اهـ .

وقوله : " وَجِمَاعُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ مَعَ النَّاسِ " أي : الذي يَجْمَع الْخُلُق الْحَسَن في التعامل مع الناس .

وسبق :
ظاهرة الفُحش والتفحش
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7660

محاضرة قصيرة بعنوان : سَيِّد الأخلاق : خُلُق الحياء
https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=21851


والله تعالى أعلم .

ألقاها : فضيلة الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض – صفر 1441 هـ


إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
محاضرة قصيرة بعنوان : سَيِّد الأخلاق : خُلُق الحياء نسمات الفجر صوتيات ومرئيات فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم 0 27-10-2019 11:26 AM
محاضرة قصيرة .. ورثة ذي الخويصرة منتقدو العلماء والشريعة نسمات الفجر صوتيات ومرئيات فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم 0 19-09-2019 01:13 AM
محاضرة قصيرة .. دروس وعبر من يوم عاشوراء (20 درسًا) نسمات الفجر صوتيات ومرئيات فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم 1 11-09-2019 07:55 AM
محاضرة قصيرة بعنوان : إن ربي رحيم ودود نسمات الفجر صوتيات ومرئيات فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم 0 10-04-2019 12:23 AM
محاضرة قصيرة بعنوان .. مِن دلائل التوحيد نسمات الفجر صوتيات ومرئيات فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم 0 09-04-2019 11:41 PM


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 02:37 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى