ما تفسير قول إبراهيم بن أدهم (لا تتعرف إلى من لا تعرف وأنكر من تعرف) ؟ جاء في باب فوائد العزلة من كتاب مختصر منهاج القاصدين؟
الجواب :
قوله : لا تتعرف إلى من لا تعرف . هذا في الحث على عدم الإكثار من الأصدقاء والإقلال من التعرّف على الناس ؛ لأن كثرة الأصدقاء مَشْغَلَة ، تَذْهَب معها الأوقات ، ويقع الإنسان بِكثرة خُلْطَة الناس في الغيبة والبُهتان ، وما أشبه ذلك .
قال ابن القيم :
الاجتماع بالإخْوان قِسْمَان :
أحدهما : اجتماع على مُؤانَسَة الطّبع وشَغْل الوقت ؛ فهذا مَضَرّته أرْجَح مِن مَنْفَعَتِه ، وأقَلّ ما فيه أنه يُفْسِد القَلْب ، ويُضِيع الوقت .
والثاني : الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة ، والتواصي بالحقّ والصّبر ؛ فهذا من أعْظم الغنيمة وأنْفَعها ، ولكن فيه ثلاث آفات :
إحداها : تَزَيّن بَعضهم لِبعض .
الثانية : الكَلام والخلطة أكثر مِن الحاجة .
الثالثة : أن يَصير ذلك شَهوة وعَادة يَنْقَطِع بها عن المقصود . اهـ .
وأما قوله : وأنكر من تعرف ، فهذا في معنى الأول ، لكنه في حقّ مَن يَعرفهم الإنسان .
وإن كان هذا ليس على إطلاقه ؛ لأن الإنسان لا بُدّ له مِن صُحبَة الناس ، وعليه أن يتخيّر الأتقياء فيصحبهم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : لا تَصْحَب إلاَّ مُؤمِنًا ، ولا يأكل طعامك إلاَّ تَقِيّ , رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: اسْتَكْثِرْ مِنَ الإِخْوَانِ مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَغْنَيْتَ عَنْهُمْ لَمْ يَضُرُّوكَ، وَإِنِ احْتَجْتَ إِلَيْهِمْ نَفَعُوكَ .
والله تعالى أعلم .
المجيب فضيلة الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم