الناس تبحث عن السعادة والانشراح في الغناء والطرب ونَبْذ الشَّرْع
🔹قال ابن كثير : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) أي : خَالَف أمْرِي ، وما أنْزَلته على رَسُولي ، أعْرَض عنه وتَنَاسَاه وأخَذ مِن غيره هُدَاه .
🔸(فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) أي : في الدنيا ؛ فلا طُمأنينة له ، ولا انْشِراح لِصَدْرِه ، بل صَدْره ضَيّقٌ حَرَج لِضَلاله ، وإن تَنَعّم ظِاهِره ، ولَبِس ما شاء ، وأكَل ما شاء ، وسَكَن حيث شاء ، فإن قَلبه ما لم يَخْلُص إلى اليقين والهدَى ، فهو في قَلَق وحَيْرة وشَكّ ، فلا يَزال في رِيبَةٍ يَتَرَدّد . فهذا مِن ضَنْك المعيشَة .
قال ابن الجوزي :
فَوَا أَسَفَا لِمَضْروب بِالسِّيَاط ما يُحسّ بِالألم !
ولِمُثْخَنٍ بِالْجِرَاح وما عنده مِن نَفْسه خَبَر !
ولِمُتَقَلّب في عقوبات ما يَدري بها !
🔸 ولَعَمْرِي إن أعظم العُقوبة أن لا يَدْرِي بِالعُقوبة.
قال ابن القيم :
اطلب قلبك في ثلاثة مواطن :
عند سماع القرآن .
وفي مجالس الذّكْر .
وفي أوقات الخلوة .
فإن لم تجده في هذه المواطن ، فَسَل الله أن يَمنّ عليك بِقلب ، فإنه لا قلب لك .
قال ابن الجوزي :
الْحَذَر الْحَذَر مِن المعاصي ؛ فإن عَوَاقِبها سَيئة .
وكَم مِن مَعصية لا يزال صاحبها في هبوط أبدًا ، مع تَعْثِير أقدامه ، وشِدّة فَقْره ، وحَسَرَاته على ما يَفُوته مِن الدّنيا .. واحَسْرة لِمَن نَالَها ..
فوا أسَفا لِمُعَاقَب لا يُحسّ بِعُقُوبته !
وآهٍ مِن عِقاب يَتأخّر حتى يُنْسَى سَبَبه .
أوَ لَيس ابن سيرين يقول : عَيّرْتُ رَجلا بِالفَقْر ، فَافْتَقَرتُ بعد أربعين سَنة ؟!
وابنُ الْجَلاء يقول : نَظَرتُ إلى شاب مُسْتَحْسَن ، فَنَسِيتُ القرآن بعد أربعين سَنة .
فَوا حَسْرة لِمُعَاقَب لا يدري أن أعظم العقوبة عَدَم الإحساس بها !
فالله الله في تَجويد التّوبة ، عساها تَكُفّ كَفّ الجزاء .
قال ابن القيم :
أيّ عقوبة أعظم مِن عقوبة مَن أهْمَل نَفْسه وضَيّعَها ، ونَسِي مَصَالحها ، ودَاءها ودَواءها ، وأسباب سعادتها وفَلاحها وصلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم ؟
ومَن تَأّمل هذا الموضِع تَبَيّن له أن أكثر هذا الْخَلْق قد نَسُوا حَقيقة أنْفُسِهم وضَيّعوها وأضَاعُوا حَظّها مِن الله ، وبَاعُوها رَخيصة بِثَمن بَخْس بَيْع الغَبْن .
وإنما يَظهر لهم هذا عند الْمَوْت ، ويَظْهر هذا كل الظهور يوم التَّغَابُن ، يَوم يظهر للعبد أنه غُبِن في العَقد الذي َعَقده لِنَفْسه في هذه الدَّار ، والتجارة التي اتَّجَر فيها لِمَعَادِه ، فإن كُلّ أحد يَتَّجِر في هذه الدنيا لآخِرَته .
قال الإمام مجاهد في قوله تعالى :
(ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا)
قال لهم خيرا .
ألا ترى أنه يقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)
يقول : بعضكم بعضا .
(فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُم)
قال : يُسلّم بعضكم على بعض . رواه ابن جرير في تفسيره .
قال ابن كثير : نَبّه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كُفّار في نفس الأمر .
وهذا مِن المحذورات الكبار : أن يُظن بأهل الفجور خير .
مخالفة الشرع سبب في ارتفاع الأسعار
وشُكر النِّعَم سبب في زيادتها وحِفْظها
قال نبيّ الله شُعيب عليه الصلاة والسلام لِقومه : (إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ)
قال ابن عباس : مُوسِرِين في نِعْمة .
وقال مجاهد : في خَصْب وسَعَة ، فَحَذّرهم زَوال النّعْمَة ، وغَلاء السِّعر ، وحُلول النّقْمة ، إن لم يَتَوبُوا . (تفسير البغوي : معالِم التّنزيل)
🔸وقال القرطبي : أي في سَعة مِن الرّزق ، وكَثْرة مِن النّعم .
وقال الحسَن : كان سِعْرهم رَخِيصا .
كان رسول الله ﷺ إذا أمّر أميرا على جيش أو سَرية ، أوصاه في خاصّته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : اغزُوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا مَن كفر بالله ، اغزوا ولا تَغلّوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وَليدا . رواه مسلم .
وفي وصاياه ﷺ لجيوشه :
لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ، ولا تغلّوا ، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين . رواه أبو داود .
وعلى هذا سار خلفاؤه رضي اللّه عنهم
قال أبو بكر الصديق لأمير جيش :
وإني مُوصِيك بِعَشر : لا تَقتلنّ امرأة ، ولا صَبيّا ، ولا كبيرا هَرِما ، ولا تَقطعنّ شَجرا مُثمرا ، ولا تُخرّبَنّ عامِرا ، ولا تَعقِرن شاة ولا بعيرا إلا لِمأكلة ، ولا تُحرقن نَخلا ، ولا تُغرقنّه ، ولا تَغلُل ، ولا تَجبُن . رواه الإمام مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة .
وقال زيد بن وهب : أتانا كتاب عُمر : لا تَغلّوا ، ولا تَغدروا ، ولا تَقتُلوا وَليدا ، واتقوا الله في الفَلاّحين . رواه ابن أبي شيبة .
وإنما خصّ الفلاحين لأنهم ليسوا أهل قتال، وإنما هم أهل حرث وزرع .