إرشاد

المشـرف العـام


رقم العضوية : 3
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 141
بمعدل : 0.03 يوميا

إرشاد غير متواجد حالياً عرض البوم صور إرشاد


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم المقـالات والـدروس والخُطب
افتراضي محاضـرة الأُسرَة والإِجَازَة
قديم بتاريخ : 15-02-2010 الساعة : 02:39 PM

محاضرة ( الأسرة والإجازة )

الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
( عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض )


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الزوجين الذّكرَ والأنثى .

الحمد لله القائل : ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) والصلاةُ والسلام على أنبياء الله ورُسُلِه الذين قـال الله فيهم : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) .

وصلّى الله على من بعثه ربُّه هادياً ومُبشِّراً ونذيرا . وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين وسلّم تسليما كثيرا.

أمـا بعـد :.

فأسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوما ، وتفرّقنا من بعده تفرقا معصوما وأن نكون ممن يُقال لهم في ختام مجلسهم : انصرفوا مغفوراً لكم .

أيها الأحبة الكرام : أبدأ أولاً بعناصر هذه المحاضرة ، وهي كما يلي :
أولاً : تعريف الأسرة .
ثانيا : لماذا الاهتمام بالأسرة ؟
ثالثاً : أين موقع الإجازة من الإسلام ؟
رابعاً : مِن فوائد الإجازة .
خامساً : أقسام الناس في الإجازة .
سادساً : الترفيه بين المشروع والممنوع .
سابعاً : الأسرة والحياء .
ثامناً : الأسرة والسفر .
تاسعاً : مُقترحـات .
عاشراً : أخطاء ومُنكرات في الإجازات .

فأبدأ بتفصيل ذلك مُستعينا بالله فهو المستعان وعليه التُكلان .

أولاً : تعريف الأسرة
قال ابن منظور في لسان العرب : الأُسرة الدرع الحصينة . و أُسْرَةُ الرجل : عشيرتُه ورهطُه الأَدْنُونَ ؛ لأَنه يتقوى بهم . وعرّفها بعض الباحثين الاجتماعيين بأنها : رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالِهما ، وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب على أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة .
ثانياً : لماذا الاهتمام بالأسرة ؟

لأنه لا مجتمع بدون أسرة ، فالأسرة هي لبنة من لبِنات المجتمع ، والمجتمع ما هو إلا عبارة عن أُسر ، فإذا صَلَحت الأسر صَلَحَ المجتمع ، وإذا فَسَدَت الأسر فَسَد المجتمع .

وقد ظهرت الدعوة إلى إلغاء الأسرة والقضاء على النظام العائلي في القرنِ التاسع عشر وأوائلِ القرنِ العشرين ، ولكن هذه الدعوات باءت بالفشل الذريع ، ورفضتها البشرية ؛ لأنها على خلاف ما فطرهم الله عليه .

ولأن الميلَ إلى تكوينِ الأسرةِ هو ميلٌ فطري ، ولذا فشِلَ النظامُ الشيوعي في تطبيق قانونِ إلغاءِ الأسرة ، ومحاولةِ القضاءِ على النظامِ العائلي .وكلُّ إنسان يميل - فطرياً - إلى أن يختص ببيت وزوجة وذريّة .والأُسَر يقتدي بعضُها ببعض ، ويتآلف بعضُها مع بعض .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : الناس كأسرابِ القَطـا مجبولون على تشبُّه بعضِهم ببعض . انتهى .

ولذا تسمع قول بعض الأسر والعوائل : كل الناس يفعلون هذا .مما يعني تأثرَ بعضِهم ببعض .وقد تناولتُ فيما سبق موضوعَ الشبابِ والسفرِ للخارج .واليوم نتدارسُ موضوعَ الأسرةِ والإجازة .

ثالثاً : أين موقع الإجازة من الإسلام ؟

الترويح عن النفوس مطلوب ، لأن القلوب تَكلّ ، وإذا كلّت عَمِيَتْ .

لَقِيَ أبو بكر رضي الله عنه حنظلةَ الأُسيدي فقال لـه : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة .قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين ، فإذا خرجنا من عندِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضّيعاتِ فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : فوالله إنا لنلقى مثل هذا .

قال حنظلة : فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلتُ : نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قال حنظلة قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين ،فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ . نسينا كثيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة . ثلاث مرات . رواه مسلم .

وفي رواية لـه : فقال : يا حنظلة ساعةً وساعةً ، ولو كانت تكون قلوبُكم كما تكونُ عند الذِّكر ، لصافحتكم الملائكةُ حتى تُسلِّم عليكم في الطُّرُق . إذاً فالقلوب تحتاج إلى راحة . والنفوس تحتاج إلى شيء من الاستجمام .

رابعاً : مِن فوائد الإجازة .

1 – طلب رضا الله ومرضاته
ويكون ذلك بقصد بيت الله الحرام أو مسجد نبيِّه صلى الله عليه وسلم أو مسراه فكّ الله أسرَ المَسْرَى .ويكون بقصد زيارة الأقارب وصلة الأرحام إلى غير ذلك من المقاصد المشروعة المطلوبة .

2 – ( من فوائد الإجازة ) ليُعلم أن في دينِنا فُسحـة .
رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام الحبَشة يلعبون في المسجد فكأنه علم ما في نفس عائشة من حداثة سنِّها وحبها للعب ، فقال لها : أتحبِّين أن تنظري إليهم ؟ رواه النسائي في الكبرى ، وقال ابن حجر : إسناده صحيح .

قالت عائشة : وكان يومَ عيد يلعبُ السودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ ، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خـدِّي على خَـدِّهِ ، وهو يقول : دونكم يا بني أرْفِدَة .حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم .قال : فاذهبي متفق عليه .
وفي رواية في الصحيحين قالت : رأيتُ النبَّي صلى الله عليه وسلم يُسترني بِرِدِائِه ، وأنا أنظر إلى الحبشةَ يلعبون في المسجد حتى أكونَ أنا الذي أسأم ، فاقدروا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السنِّ الحريصةِ على اللهو .

وفي رواية للإمام أحمد قالت عائشة رضي الله عنهن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني أرسلت بحنيفية سمحة .

ومن فوائد الإجازة :

2 – إدخالُ السرورِ على الأهل .
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : خرجتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأنا خفيفةُ اللحم فنـزلنا منـزِلا فقال لأصحابه : تقدموا . ثم قال لي : تعالي حتى أسابقْكِ ، فسابقني فسبقتُه ، ثم خَرَجْتُ معه في سفر آخـر ، وقد حملتُ اللحمَ ، فنـزلنا منـزلا ، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال لي : تعالي أسابقْكِ ، فسابقني فسَبَقَنِي ، فضرب بيده كتفي وقال :هذه بتلك . رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى ، وغيرهم ، وهو حديث صحيح .وقوله صلى الله عليه وسلم : هذه بِتلك . أي واحدة بواحدة إ¾!

3 – ( من فوائد الإجازة ) إذهاب الملل والسآمة .
يأسِنُ الماء عند وقوفِه ، وتملُّ النفوس من روتين الحياة ، وتصدأُ القلوب كما يصدأ الحديد .
إني رأيتُ وقــوفَ المـاءِ يفسـدهُ
إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
والأسدُ لولا فراقُ الغابِ ما افترست
والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يُصب
والشمسُ لو وقفتْ في الفُلكِ دائمـةً
لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْم وَمِنَ عَـرَبِ
والبدرُ لـولا أفـولٌ منه مـا نظرتْ
إليه في كلِّ حين عَـيـنُ مُرتَقِـبِ
والتَّـبْـرَ كالتُّرْبَ مُلْقَى ً فـي أَمَاكِنِهِ
والعودُ في أرضه نوعٌ من الحطـب
فـإن تغـرَّب هـذا عـزَّ مَـطْلَـبُهُ
وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَـزَّ كالـذَّهَـبِ

وإذا كثُرَ تِكرارُ أمر مـا على النفوس ملّته ، وإن كان مما لا يُملُّ عـادةً .ولذا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها امرأة . فقال : مـن هذه ؟ قالت : فلانة . تذكرُ من صلاتِها . قال : مـه ! عليكم بما تطيقون ، فوالله لا يملُّ الله حتى تملوا . متفق عليه

وفي رواية لمسلم قالت عائشة : فقلت هذه الحولاءُ بنتُ تويت ، وزعموا أنها لا تنامُ الليل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنامُ الليل ! خذوا من العمل ما تطيقون فوالِله لا يسأمُ الُله حتى تسأموا .

وكان ابنُ مسعود رضي الله عنه يُذكِّرُ أصحابَه كلَّ يومِ خميس ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن إنا نحبُّ حديثَك ونشتهيه ، ولودِدْنا أنك حدثتَنا كلَّ يوم ، فقال : ما يمنعني أن أحدثَكُم إلا كراهيةُ أن أمِلَّـكَم . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كـان يتخولُنا بالموعظة في الأيامِ كراهيةَ السآمةِ علينا . متفق عليه .

فإذا كان هذا فيما يتعلّق بذكر الله الذي هو غذاء القلوب ، فما بالُكم بغيره ؟ قال بعضُ الحكماء : إن لهذه القلوب تنافراً كتنافرِ الوحشِ فتألّفوها بالاقتصادِ في التعليم ، والتوسطِ في التقديم ، لتحسُنَ طاعتُها ، ويدوم نشاطُها .

وكان ابن عباس يقول لأصحابه إذا دامـوا في الدرس : أحمضـوا . أي ميلوا إلى الفاكهة وهاتوا من أشعاركم ، فإن النفس تملّ .

4 – ( ومن فوائد الإجازة ) تجديد النشاط ، وكسر الروتين ، والتّقوّي على العبادة وذلك أن النفس تشعر بالارتياح بعد قضاء إجازة خاصة إذا صاحب ذلك تغيير مكان .

ولا تستجم الخيلُ حتى نُجِمّها
فيعرفها أعداؤنا ، وهي عِطّفُ
لذلك كانت خيلُنا مرةً تُرى
حسانا ، وأحيانا تقاد ، فتعجِفُ

دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، فإذا حبلٌ ممدود بين الساريتين فقال : ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلّقت به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا . حُلُّوه . لِـيُصلِّ أحدُكم نشاطَه ، فإذا فَتَرَ فليقعد . متفق عليه .

ومن فوائد الإجازة

3 – السير في الأرض . قال سبحانه وتعالى : ( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ ) . فيسير المسلم في الأرض مسير نظر واعتبار وتفكّر . ويجب أن يكون وِفق قواعدَ وضوابط .

أ – أن لا يمرّ بديار المُعذّبين وآثارهم ، فلا يدخلها بقصد الفُرجة .
ب – أن لا يكون السير ولا تكون السياحة إلى بلاد الكفار لِعِظم الأخطار .
جـ - أن يكون نظر تفكّر واعتبار لا نَظر فُرجة وتفكُّه أو نظر شماتة .
د – أن لا تُضيّع الفرائض ولا يُفرّط فيها .

5 – ( من فوائد الإجازة ) تآلف القلوب ، واجتماع أفراد الأسرة .عندماينهمك بعضُ الناس في عمله يدفعُه ذلك ويحمِلُه على التفريط في حق أهله وأسرته ، فلا يكاد يجلس معهم سوى مرة في الأسبوع أو ينسى ذلك ، ولا يُعيره اهتماماً وربما كان ذلك سببا في ضياع بعض أفراد الأُسرة .

فتأتي الإجازة لتجمعَ أفرادَ الأسرةِ وتؤلِّفَ بينهم ، ويحتاج رب الأسرة إلى الجلوس مع أولاده بصدر مشروح ونفس مُطمئنة بعيداً عن هموم العمل ، ليسمع مُشكلة هذا وهم ذاك ، وتسمع الأم هم بناتِها وما يُعانين منه من مُشكلات ونحوها .

وهذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس ، فيُرجّح جانب عملِه على حقِّ أسرتهِ .وربما حمَلَ همّ عملِه إلى بيته فحمله معه أفرادُ أُسرتِه . بل ربما حمله معه في إجازته وفي إجازة أُسرتِه . وربما انشغل في إجازته عن أهله وولده

وربما انشغلت بعض النساء العاملات بعمل لم يُكلّفن به خلال إجازاتِهن مما ينتج عنه بعد الأم والأب أحيانا عن البيت وبالتالي يؤدّي ذلك إلى تفكك الأُسر .

انظر - رعاك الله - إلى فقه سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فقد زار سلمانُ رضي الله عنه أخاه أبا الدرداء فما وجده لكنه وجد أم الدرداء وهي متبذِّلة ، فسألها عن شأنها ، فقالت : أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة في الدنيا ! فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما ، فقال له : كُل . قال : فإني صائم . قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل ، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم . قال له سلمان : نَم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم . فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قُم الآن ، فَصَلَّيَا ، فقال لـه سلمان : إن لربك عليك حقّـا ، ولنفسك عليك حقّـا ، ولأهلك عليك حقّـا ، فأعطِ كل ذي حق حقّه ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان . رواه البخاري .

والذي ذَكَرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم هو أبو الدرداء كأنه يشتكي سلمان . ومعنى ( متبذّلة ) أي لابسة ثياب البذلة وهي المهنة ، أي أنـها قد تركت الزينة . وعرّضت عن إعراض زوجها عنها بقولها : أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة . فانظر إلى فقهِ هذا الصحابيِّ الجليل . أعني سلمانَ رضي الله عنه .كيف قدّم الحقوق والواجبات على النوافل من الصيام وقيام الليل ، وما ذلك إلا لأن حقَّ الأهلِ أولى ، وهو ما أقرّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم .

فكيف بمن يضيع الأوقات في السهر على المحرمات ويترك الحقوق والواجبات ؟!

قال ابن حجر : وفيه جـواز النهـي عن المستحبات إذا خُشي أن ذلك يُفضي إلى السآمـةِ والمللِ وتفويتِ الحقوقِ المطلوبةِ الواجبةِ أو المندوبةِ الراجحِ فعلُها على فعـلِ المستحب المذكور .ومثله قصة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

قال رضي الله عنه : أنكحني أبي امرأةً ذاتَ حسب ، فكان يتعاهد كَنَّتَهُ فيسألها عن بعلها ، فتقول : نِعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ، ولم يَفْتش لنا كَنَفاً مذ أتيناه إ¾! فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : القني به . فلقيته بعد ، فقال : كيف تصوم ؟ قلت : كل يوم . قال : وكيف تختم ؟ قلت :كل ليلة . قال : صم في كل شهر ثلاثة ، واقرأ القرآن في كل شهر . قال قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : صم ثلاثة أيام في الجمعة . قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : أفطر يومين ، وصم يوما . قال قلت : أطيق أكثر من ذلك .قال : صم أفضل الصوم . صوم داود . صيام يوم وإفطار يوم ، واقرأ في كل سبع ليال مرّة . فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم . متفق عليه .

وفي رواية في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ فقلت : بلى يا رسول الله . قال : فلا تفعل . صم وأفطر ، وقم ونَم ، فإن لجسدك عليك حقّـأً ، وإن لعينك عليك حقّـاً ، وإن لزوجك عليك حقّـاً ، وإن لزورك عليك حقّـاً .

وفي رواية : زوّجني أبي امرأة من قريش ، فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة ، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنّته حتى دخل عليها ، فقال لها : كيف وجدت بعلك ؟ قالت : خير الرجال أو كخير البعولة مِنْ رجل لم يَفتش لنا كَنَفَاً ، ولم يعرف لنا فراشا ، فأقبل عليّ فعذلني وعضّني بلسانه ، فقال : أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فَعَضَلْتَها وفعلت وفعلت ، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته – ثم ذكر الحديث . كما في المسند .

ومعنى ( عضّني ) أي شدّد علي القول .

فانظر إلى شدّة نكير عمرو بن العاص على ابنه الذي لا يُعطي زوجته حقوقها ، وإن كان مُشتغلاً بالعبادة ، ولو كان الأمر مباحاً أو يسيراً لما أنكر عليه وشدّد عليه في الإنكار ولما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأذن له أن يصوم الدهر كلّه ، وما ذلك إلا ليُوازن بين حقوق أهله ونفسه .
ومعنى ( كَنّته ) أي زوجة ابنه .

وقوله صلى الله عليه وسلم : صُم ثلاثة أيام في الجمعة : أي في الأسبوع . وقولها : لم يفتش لنا كنفاً : أي لم يكشف لنا ستراً ، وهو كناية عن عدم إعطائها حقها من المعاشرة . ومعنى ( لزورك ) : أي لزائرِك .وفي رواية : ولِولدِك عليك حقّـاً .

خامساً : أقسام الناس في الإجازة .

ينقسم الناس في قضاء الإجازة إلى أقسام عِدّة بحسب رغباتِ نفوسهم واحتياجاتِهم .فقسمٌ يقضيها في أداء واجب كـ برّ والد أو صلة رحم واجبة ونحو ذلك .وقسمٌ يقضيها في القيام بمسنون كـ زيارة الأقارب أو زيارةِ الأصدقاء ، وأداءِ العمرة ، والدعوةِ إلى الله ، والتّفكّرِ في ملكوت السماوات والأرض ، ونحوِ ذلك .

وقسمٌ يقضيها في سفر مباح ، كـ سفرِ النُّزهة المباح ، وطلبِ برودة الجو أو البحث عن علاج ، ونحوِ ذلك .وقسم يقضيها في أمور مكروهه ، كأن يقضيها في اللهو والعبث أو في النوم ، أو يقضيها في سفر من الأسفار من غير فائدة مرجوّة ، ولا هدف منشود ، مباهاةً للناس ، ولو أدى ذلك إلى تحمل الدَّيْن أو أدى إلى الإسراف أحيانا .

وقسمٌ يقضي إجازته في أمور محرمة ، كالسفر إلى بلاد الكفار أو بلاد العهر والفجور أو ما يُصاحب ذلك السفر من تـهتّك وسفور ، أو تضييع لفرائض الله عز وجل .

وقسمٌ ينتظر الإجازة بفارغ الصبر ، فهو لها بالأشواق ، فإذا قدِمت طار مع رُفقته وترك أسرته ، وربما لجئوا إلى الناس يستجدونهم ويطلبون منهم المساعدة ، وهو في لهو ولعب ، وربما في سفر مُحرّم

ولسانُ حالِ أُسرتِه عموما وزوجته خصوصاً :
لا تسألـوني عنه إنـه طـارا
مضى وأشعل في اعماقي النارا
لا تسألـوني عنه حين ودّعني
شممت في قوله غِشاً وأسرارا
مضى وفي أعيِن الاطفالِ أسئلةٌ
أُجيب عنها اكاذيباً وأعذارا
مضى يجرب أحضاناً ينامُ بـها
ينسى على دفئها الاطفالَ والدارا

هكذا يمضي بعضُ الناس وأسرتُه تتمنّى لو صحِبَهم في نُزهة برية أو رحلة خَلَوية ، أو إجازة صيفية .
تتمنّى أُسرتُه أنْ لو قضى معهم إجازةً واحدة .ويتمنّى أهلُه لو أعطاهم شيئا من حقِّهم المشروع .وقد تقدّم " إن لأهلك عليك حقـاً ، ولِولدِك عليك حقّا "

وتُشير بعضُ الأرقام والإحصائيات إلى أن :
63% من السياح يسافرون بصحبة الأصدقاء .
29% فقط مع العائلة .
8% بمفردهم .

ولست مع سفر الأسر الأسفار المُحرّمة ، وستأتي الإشارة إلى ذلك .ولا شك أن قضاء الإجازة إذا كان في أمر أصله مباحاً وصاحبته نيّة صالحة فإنها تُؤثّر فيه .

سادساً : الترفيه بين المشروع والممنوع .
الترفيه عن النفس والأهل والأولاد مطلوب، مطلوبٌ لاستعادةِ النشاط، وتغييِر الجـو، وكسرِ الروتين . والترفيه لا يحرم لكونه مُجرّد ترفيه ، بل يحرم لما يُصاحبُه .إما من تضييع فرائض الله .أو من ارتكاب ما حرّم الله .أو تضييع الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا .

وقد يُنكر بعض الناس على من يُسافر سفراً مُباحاً لمجرّد الترويح عن النفس .وربما استدلُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : وليس من اللهو إلا ثلاثٌ : مُلاعبةُ الرجلِ امرأتَه ، وتأديبُه فرسَه ، ورميُه بقوسِه . رواه الإمامُ أحمد من حديثِ عقبةَ بنِ عامر رضي الله عنه ، ورواه النسائي في الكبرى من حديثِ جابر رضي الله عنه .

وهذا لا يدلُّ على الحصر ؛ لأنه ورد غيرُ هذه الثلاث كما في رواية النسائي .ثم إنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُمازِح أصحابه .فقد مازَح صلى الله عليه وسلم زاهراً والتزمه من خلفه وقال : من يشتري العبد .وثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال . رواه البخاري في الأدب المُفرَد . وتقدّم قولُ عائشة رضي الله عنها : فاقدروا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السنِّ الحريصةِ على اللهو .

سابعاً : الأسرة والحياء .
تظن بعض الأسر أن الحياء في البيوت فحسب ، أو أنه حياءٌ ممن يُعرف .ناسين أن الحياء يجب أن يكون حياءً من الله قبل أن يكون حياء من الناس .وربما لفَتَ نظرَك تصرّفاتُ بعضِ الأسـر ، في المجمّعات أو التّجمّعات أو المصايف والمتنـزّهات حتى شُوهِدت بعض النساء تقود الدراجة النارية في مثل تلك الأماكن .

وربما رأيت جلباب الحياء قد خُلِع بحجّة أن هذا ديدن الناس .ويجب أن تتّصف الأسر بالحياء في البيوت وخارجها .والحياء خُلقٌ كريم ، بل هو صفةٌ من صفات الله عز وجل .والنبيُّ صلى الله عليه وسلم كان يُوصف بأنه أشدُّ حياءً من العذراء في خِدرها ، كما في الصحيحين .

فبأي شيء وُصفَ النبي صلى الله عليه وسلم ؟وبأي شيء شُبِّـه ؟لقد وُصِف بالحياء ، بل بِشِدّةِ الحياء .وشُبِّه حياؤه بحياء العذراء في خِدرِها وفي غُرفتها الخاصة .فتأملوا هذا الخُلق الكريم ، واحرصوا على المحافظة عليه .

قال ابن حبان : الواجب على العاقل لزوم الحياء ؛ لأنه أصل العقل ، وبذر الخير ، وتركه أصل الجهل ، وبذر الشر . والحياء يدل على العقل كما أن عدمه دال على الجهل
إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء

قال في روضة العقلاء : الحياء من الإيمان ، والمؤمن في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجافي في النار ، إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه .
إذا قل ماءُ الوجه قلّ حياؤه
ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنما
يدل على وجه الكريم حياؤه

ثامناً : الأسرة والسفر .
تكثُر الأسفار في الإجازات ، وتتنوّع الوُجُهات ، وتختلف المقاصد .ومن هُنا تختلف نظرة الناس إلى السفر .

وقد قيل :
تغربْ على اسمِ الله والتمس الغنا
وسافر ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ
تفريجُ هـمّ واكتساب معيشـة
وعلمٌ وآدابٌ وصُحبـةُ ماجـدِ
فإن قيل في الأسفار ذلٌّ وغربـةٌ
وتشتيتُ شمل وارتكابُ شدائدِ
فَموتُ الفتى خيرٌ لـه من حياتِه
بدارِ هـوان بين ضـدّ وحاسدِ

وقال آخر :
إذا قيل في الأسفارِ خمسُ فوائدِ
أقول وخمسٌ لا تقاسُ بها بلوى
فتضييعُ أموال وحملُ مشقّـة
وهمٌّ وأنكادٌ وفرقةُ من أهوى

وأبلغ منه قوله عليه الصلاة والسلام : السفر قطعة من العذاب . متفق عليه . وفي الأسفار تحصل المشاقّ ، ويقعُ التّعب ، ويحصلُ النّصَب . وعلى الأُسر إذا سافرتْ أن تحرص على أمور :

أولُها : الحرص على الهداية والكفاية والوقاية
ثبت عند أبي داود من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولاقوة إلا بالله يُقال حينئذ : هُديت وكُفيت ووُقيت ، قال : فتتنحى له الشياطين ، فيقول له شيطان آخـر : كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي ؟

وعند أبي داود عن أم سلمة قالت : ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال : اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل ، أو أزل أو أزل ، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي .

فإذا أرادت الأسرة أن تُغادر البيت فليكن هذا منهم على بال . ففي هذا الدعاء هدايةٌ وكفايةٌ ووِقاية .

ثانيها : الحرص على مُصاحبةِ الملك .
احرص على مُصاحبةِ الملك لِـتُحفظ بحفظه .هل رأيت تلك السيارات التي تناثرت على جَنَبات الطريق ، فتناثرت تلك الأُسر ، وتطايرت حاجياتُها ، وأصابها ما أصابها. أجزم أن من أسباب ذلك عدم الحرص على الأدعية والأذكار .وقد يُعدُّ هذا ضربا من المبالغة أو من التهويل ، وليس الأمر كذلك .

تأمل معي هذا القدر من دعاء السفر الذي كان يدعو به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى . اللهم هَوّن علينا سفرنا هذا واطْوِ عنّا بُعده . اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل . اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب في المال والأهل . رواه مسلم .

وفي رواية له :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاسافر يتعوذ من وعثاءِ السفر ، وكآبةِ المنقلب والحورِ بعد الكون ، ودعوةِ المظلوم ، وسوءِ المنظرِ في الأهلِ والمال .

وإذا رأيت أن النفوس قد تغيّرت في السفر فاعلم أن من أسباب ذلك عدم المحافظة على دعاء السفر ونحوه ، فإن دعاء السفر تضمن الاستعاذة بالله من المشقة والهم والحُزن.وكما أن المحافظةَ على الأكار سببٌ في حفظ اللهِ لِعبدِه ، فإن التفريط في الأذكار قد يكون سبباً في وقوع ما يسوء .

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال : أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك . رواه مسلم . ولست بالشامت ، فإن المُذكِّر قد يُذكّر الناسَ بشيء وينساه ، فيُصاب هو .

ولذا لما حدّث أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم . ثلاث مرات حين يُمسي لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح .

ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات ، لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي .فأصاب أبانَ بنَ عثمان الفالج ، فجعلَ الرجلُ الذي سمع منه الحديث ينظر إليه ، فقال له : مالك تنظر إليّ ؟ فو الله ما كذبتُ على عثمان ، ولا كذب عثمانُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها .وفي رواية : ولكني لم أقله يومئذ ليمضيَ اللهُ عليَّ قدرَه . رواه أبو داود والترمذي ، وهو حديث صحيح .

إذاً فلا تستغرب مثلَ هذا القول .

أعني لا تستغرب أن يُقال إن ما يُصيب بعض الأسر في الحوادث قد يكون بسبب تفريطهم في الأدعية والأذكار .ولتحرص الأسرة على اقتناء شيء من الكتيبات والقصص وكُتيّب " حِصْنِ المسلم " ففيه الكثير من الأدعية والأذكار ، وإذا انطلقت الأسرة مسافرة فليقرأ أحدُ أفرادِها دعاءَ السفر ، وليُردد من لم يحفظه من الصغار أو الكبار .

3 - لِقطع المسافات الطويلة أقترِح أن يُقطع الملل بقرءاة القرآن من بعض أفراد الأُسرة ويروي أحدُهم قصة ، وآخر يُنشد أنشودة .

وهذه طريقة مرعية عند سلفِ هذه الأمة .
قال سلمة بن الأكوع : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، فقال رجل من القوم : أي عامر ! لو أسمعتنا من هُنيهاتِك ، فنـزل يحدو بهم ، يذكر " تالله لو الله ما اهتدينا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا السائق ؟ قالوا : عامر بن الأكوع . قال : يرحمه الله . فقال رجل من القوم : يا رسول الله لو متعتنا به ، فلما صافّ القوم قاتلوهم ، وأصيب عامر رضي الله عنه . رواه البخاري .

وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِحَادِيهِ – الذي يحدو ويُنشد بصوت حسَن - : ويحك يا أنجشة ! رويدَك سوقَك بالقوارير . قال أبو قِلابة : فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلّم بـها بعضكم لعبتموها عليه . قوله : سوقَك بالقوارير .

وفي رواية لمسلم قال أنس : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حَـاد حسـنُ الصوتِ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : رويداً يا أنجشة لا تكسر القوارير . يعني ضعفة النساء .
ولإذهاب الملل والسآمة عن الصغار تُجلب لهم بعض الألعاب يلهون بها داخل السيارة يقطعون بها السفر .

4 – استغلال أوقات الإجابة خاصة أن بعض الأسفار توافقُ آخرَ ساعة من يوم الجمعة ، وفيه ساعةُ إجابة ، فيحسُن تذكير أفراد الأسرة بهذه الساعة ، وحثِّهم على الدعاء .

5 – تذكيرُ أفرادِ الأسرة بعضِهم لبعض ببعض آيات الله الكونية ، فإذا مرّوا بالإبل على الطريق تذكّروا قوله سبحانه : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقت )وإذا مرّوا بالجبال – مثلاً – تذكروا ما يتعلّق بها من آيات ، وكيف أنها على عِظمِها تكون يومَ القيامةِ كالصُّوف .

وهكذا ...

وإذا أقبل الليل وهم في سفرهم حرصوا على أذكار المساء .وهناك بعض الكُتيّبات وبعض البطاقات التي توضع في الجيب يحس الحصول عليها والمحافظة على أذكار الصباح والمساء .ولا تُضيّق الأسرة على نفسها في سفرها ، ولتترخّص بِرُخصِ السفر ، فإن الله يحب أن تُؤتى رخصُه ، كما يكره أن تؤتى معصيتُه . كما في المسند وغيره .

تاسعاً : مُـقترحات .
هذه الإجازات من أثمنِ الأوقات ، وينبغي اغتنام الأوقات بما يعود بالنفع والفائدة . ولعلي أسوق بعضَ المُقتَرَحات للتذكير بها .

1 - الاستفادة من الإجازة لكل أفراد الأسرة .فيُستفاد من الدروس العلمية التي تجمع العلمَ الغزير في الوقت اليسير ، ويُمكن الاستفادة منها للرجال والنساء حيث تُوجد في كثير منها أماكن للنساء .

وهي في مُختلَف المناطق ، وفي أوقات متفرقة من الإجازة .كما يُمكن أن يُلحقَ أفرادُ الأسرةِ بما يُناسبهم .فيُلحقُ الذكور والإناث بالمراكز الصيفية إن وُجِدت ، أو بحلقِ تحفيظِ القرآنِ الكريم واستغلالِ تلك الفُرص الذهبية ، وقد أُعلِن عن دورة لحفظ كتاب الله خلالَ سبعةِ أسابيع
أو يُلحقون بما يعود عليهم بالنفع العاجل أو الآجل ، كالدورات التدريبية على الحاسب أو تعلّم السباحة ، وقد كان عمرُ رضي الله عنه يكتب مما يكتب به إلى الآفاق : وعلمواصبيانكم الكتابة والسباحة . كما عند عبد الرزاق في المُصنّف .

وتُلحق البنات بدورِ تحفيظ القرآن ، وهي بحمد الله قد انتشرت ، فيجد رب الأسرة ذلك في ميزان حسناته يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون .وقد تكون هناك أوقات خاصة عند البنات فيحسُن أن يُعلّمنَ أعمال المنـزل من طبخ وخياطة ونحو ذلك ، ولا يترك هذا الأمر للخدم فحسب .فإن عمل المرأة في بيتها أجر وغنيمة إذا احتسبت ذلك .

ويحسن أن يحفظ أفراد الأسرة سورةَ تبارك وهي المُنجية من عذاب القبر ، وسورةَ الكهف ، خاصة العشر الآيات الأولى منها ، فإنها تعصم من الدجال .

2 - يُمكن أن يُستفاد من بعض الوقت في حفظ شيء من السنة النبوية ، وتعلّم الآداب التي يستفيد منها جميعُ أفرادِ الأسرة في حياتِهم وفي تعامُلاتِهم .ويُضاف إلى ذلك تعلّم شيء من سيرة النبي المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم ، ودراسة بعض سيرِ أصحابه رضوانُ الله عليهم .فإن كثيراً من أولادنا يجهلون الكثير عن سيرته صلى الله عليه وسلم ، بينما يحفظون أسماء الفنانين واللاعبين .

3 - يُوصى بالاستفادة من المخيّمات الصيفية التي تُقـام في المصايف حتى لا تذهب الأوقات هَدرا ، وتضيعُ سدى .

وفي تلك المُخيّمات برامج يستفيد منها جميع أفراد الأسرة .

4 - يُمكن عمل مسابقات في البيت لحفظ شيء من القرآن أو من السنة ، أو شحذ الهمّة لطلب العلم ، ووضعِ لوحة حائطية تُكتب عليها أسئلة المسابقة ، وأسماء الفائزين .

5 – السفر إلى بلد الله الحرام ، وأداء العمرة ، وتعليق قلوب أفراد الأسرة بالبيت العتيق ، وزيارة المدينة النبوية والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، والتذكير بما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سبيل إقامة هذا الدين .

6 – ترتيب أوقات يُزار فيها الأقارب ، والتّذكير بحقوقِ الأقاربِ وفضلِ صِلةِ الرّحم .

7 – ترتيب وقت آخر لزيارة المقابر والتذكير باليوم الآخر .

8 - أقترح أن يتم ترتيب أفكار قضاء الإجازة ، وأن يُدوّن ذلك على ورقة بحيث يُعرف في أي شيء يتم قضاء الإجازة ، وفق برنامج مُحدد مُفيد .

9 – يجب أن تحرص الأسرة عند النـزولِ في مكان من الاستعاذة بالله ، وأن يقولوا: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق . ليُحفظوا من الهوام والجن وغير ذلك خاصة في الرحلات البريّة ، وعند البُروزِ إلى الصحاري .

فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : من نزل منزلا ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضُرُّه شيءٌ حتى يرتحل من منـزله ذلك . رواه مسلم .

10 - جرّب أوقات يصح أن نُسمّيها " ميّتة " بالنسبة لكثير من الأُسر .جرّب مع أسرتك أن تنام مُبكّرا وتستيقظ مُبكّراً ، فإن البكور مُبارك .جرّب تلك الأوقات لتجلس فيها مع بعض أفراد أُسرتِك .وجرّب فيها الجلوس في الحدائق والمتنـزهات أو على شواطئ البحار ، فإن المكان يكون لك وحدَك ، مع طيبِ الجو ونقاءِ الهواء .

اجلس حتى ترتفع الشمس وابحث لك عن ظلّ وارف وسوف تجد مُتعةَ صفاءَ الجو وقلّةِ المُرتاد .
10 - بعض الأسر تُمضي الوقت كلَّه في لهو ولعب وأحيانا في تسوّق دون أن تكون هناك فائدةٌ تُذكر .
بينما يحرص بعض أرباب الأسر في أسفارِهم وإجازاتِهم على تحصيل الفائدة إلى جانب المتعـة .
وتحرص بعض الأُسر على اكتساب الفوائد واقتناص الأوابد .

فيُجعل قـدرٌ من القرآن للحفظِ في كلِّ يوم ، وتكون التنـزّهات والتّمشيات والاستجابة لطلبات أفراد الأُسرة بقدر ما قاموا به من حفظ وتعاون بينهم وتفاهم لتسودَ روحُ المحبةِ بين أفرادِ الأُسرة .
عاشراً وأخيراً : أخطاء ومُنكرات .
أولاً : السفر المُحرّم إلى بلاد الكفر والعُهر .

فبعضُ الأُسر تتهيأ لهذه الإجازة ، فما أنْ تقفُ الإجازة على الأبواب إلا وقد وقفوا على أبوابِ المطارات وعتباتِ الطائرات ، وعندها تُودَّعُ العباءات ، وتُلفُّ كالثوبِ الخَلِق ويُلفُّ معها الحياء وكأنهم لما غابوا عن بلادِهم غابوا عن عينِ الله .ولا شك أن هؤلاء قد استخفُّوا بِنظرِ الله ، بل جعلوه أهونَ الناظرين إليهم .لقد ربطوا أمتِعَتَهم ليُسافروا إلى بلاد تُقتلُ فيها الفضيلة ، وتوءد فيها العِفّـة ، ولا وجود في أرضها للحياء ، فلا تسل بعد ذلك عما جنته يدُ الولي .

وربما تفرّق أفرادُ الأسرةِ عند وصولِهم فلا شأن لفرد بآخر ، فكلٌّ يُغنّي على ليلاه .وربما سافرت بعض العوائل إلى مثل تلك البلاد من غير وجودِ محرم .

ثانياً : ( من الأخطاء والمنكرات في الإجازة ) السهر .

في الإجازات يتم تبادل الزيارات ، وتكثر الرحلات ، كما تكثر النُزُهات البرية خاصة في ليالي الصيف ، ثم يمتد السهر إلى ساعات متأخرة بالإضافة إلى قِصَرِ الليل وينبني على ذلك ما يلي :

1 – كثرة النوم ، مما يؤدّي إلى إضاعة الصلوات ، وإهدار أنفسِ الأشياء ، وهو الوقت .
ومما يُلحظ خلال الإجازات أن بعض ألسر تسهر حتى ساعة متأخرة من الليل ، ويشدّ بعضُهم أزر بعض على السهر ، ويتعاونون على ذلك ، ولكن لا تجد أحداً يشد من أزر أحد للبقاء حتى تؤدّى صلاةُ الفجر .

ولا تجد فردا من أفراد الأسرة يُعين آخر على تخصيص وقت لقيام الليل مثلا أو قراءة القرآن ، أو التعاون على البر والتقوى .
2 - ( مما يترتّب على ذلك السهر )
الاعتماد الكامل على الخدم ، وترك الجميع يغطُّ في سُبات عميق .

ومن الأخطاء والمنكرات :
ثالثاً : تُقيمُ بعضُ الأُسر احتفالات لأبنائها الناجحين أو لبناتِها الناجحات ، ويصحبُ تلك الاحتفالات ما يصحبُها من موسيقى صاخبة أو أغاني ماجنة ورقص ونحو ذلك .

رابعاً : جلوس بعض الأسر قريبا من بعض بحيث لا يفصل بعضها عن بعض سوى أمتار ، خاصةً في البراري والمتنـزّهات أو على شواطئ البحار ، مما لا يؤمن معه نظرةٌ مُحرّمة أو التقاطُ صـور ، خاصة مع ظهور بعض أجهزة الجـوال التي يُمكن من خلالها التصوير دون أن يشعر بذلك المُصوَّر .
خامساً : اصطحابُ بعضِ الأجهزةِ الجالبةِ للشر والفتنة والرذيلة .

عندما تخرج بعض الأُسر إلى الحدائق أو الشواطئ ونحوها فإن بعض الأسر تُصرُّ على اصطحاب بعض الأجهزة التي اعتادوا عليها فهي لهم بمنـزلة الماء والهواء !ولا شك أن إراحة العيون بل القلوب من مثل تلك الأجهزة مطلبٌ مُلِحّ .فَلِمَ الحرص على اكتساب الذنوب وإزعاج الآخرين بأصوات الموسيقى ؟لقد قالت بُنيّةٌ لأبيها بعد أن رأت ما يُعرض في تلك القنوات . قالت : بابا اليوم شفت وحده ما عليها ثياب !

إذاً فلتحرِص الأسرة خاصة عند السكن في الشقق والفنادق لِتحرِص على حجب تلك القنوات أو إلغائها عن طريق إدارة الفندق أو الشُّقـة .ولِمَ يُصرّ البعض على ارتياد الأماكن العامة ومُضايقـة الآخرين سـواء كان ذلك بالتدخين وتلويث الهواء ، أو كان بتصرّفات بعض أفراد أسرته ، أو ترك المكان أشبهَ ما يكون بِمَزبَلَة !

سادساً : عدمُ إعطاء الخدم حظّهم من الإجازة والفسحة ، مما يؤدي إلى تكليفهم ما فيه مشقة
ولئن كان الاعتماد على الخدم سائغاً عند بعض الناس أيام الدراسة وأوقات العمل فلا يسيغ أبدا الاعتماد عليهم في كل وقت حتى في أوقات الإجازات ، وعدم إعطائهم إجازات حتى في أيام الجُمَع

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين ، أو لقمةً أو لقمتين ، فإنه وَليَ حَرَّه وعِلاجَه . متفق عليه . وقال عليه الصلاة والسلام : هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم . متفق عليه .وهذا في حق الموالي ، فكيف بالأحرار ممن ألجأتهم ظروف الحياة وضيق المعيشة على خدمةِ الآخَرِين ؟؟

ولا شك أن الاعتماد على الخدم والسائقين خطأ ، لأنه يُعوّد أفرادَ الأسرة على الكسل والاتكالية والاعتماد على الآخرين في كل صغيرة وكبيرة .فمتى تتعلّم البنات ؟ومتى يُعتمد على البنين ؟ومتى يتحمّلون المسؤولية ؟

وخِتاماً :
أسأل الله أن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه صلاح ديننا ودنيانا .وأن يُجزل لكم الأجر والمثوبة ، وأن يجزي الأخ بشير العنزي خير الجزاء .

إضافة رد


أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 11:44 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى