نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جُمعة عن .. (خشية الله بالغيب)
قديم بتاريخ : 23-01-2016 الساعة : 10:52 PM

الْحَمدُ للهِ يَعلمُ السِرَّ وأخفى ، وَعَد مَنْ خَشِيَهُ بالغيبِ بالجزاءِ الأوفى ، فَقَالَ : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) .
والصَّلاةُ والسَّلامُ على النبيِّ الْمُجْتَبَى والرسولِ المصطَفى ، وَعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أهلِ البِرِّ والتُّقَى ، ومَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ ولآثارِهِم اقتفى ، وبهديهِم اهتدى .

أيُّها المؤمنونَ

وَصَفَ اللهُ عِبادَهُ المتّقينَ بالخشيةِ في الغيبِ ، فقَالَ : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) .
قَالَ القرطبيُّ : فَهُمْ يَخْشَوْنَهُ فِي سَرَائِرِهِمْ، وَخَلْوَاتِهِمُ الَّتِي يَغِيبُونَ فِيهَا عَنِ النَّاسِ . اهـ.
وَأخبَرَ اللهُ عَنْ جَزائِهِم ، فقَالَ : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) .
قَالَ مُجَاهِدٌ : هُوَ الرَّجُلُ يَهِمُّ بالمعصيةِ، فيَذْكُرُ اللهَ عزَّ وَجَلَّ فيَدَعُهَا .
وقَالَ محمدُ بنُ عليِّ الترمذيِّ: جَـنَّةٌ لِخوفِهِ ربِّهِ ، وجَـنَّةٌ لِتَرْكِهِ شَهْوَتَهُ .

ومراقبةُ اللهِ حالَ الخلوةِ أعظمُ ، ولِذا قَالَ سُبحَانَهُ : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ )
وَلَهُمُ المغفرةُ (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)
وهُمْ مَنْ يَنتفِعُونَ بالتذكيرِ ؛ لِصِحَّةِ وسَلامَةِ قُلوبِهم (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) .
ولهؤلاءِ أُزلِفَتِ الجناتُ :
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)
قَالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ قولِهِ تَعَالى : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ) : وَالْخَشْيَةُ خُلاصَةُ الإِيمَانِ وَالْعِلْمِ . اهـ .

وفي قِصَّةِ الثلاثةِ الذينَ آواهُمُ المبيتُ إلى غَارٍ ... قَالَ أحدُهُم :
اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا ... الحديث . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلمٌ .
وفي روايةٍ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، فَفُرِجَ لَهُمْ .
فلمَّا ذَكَّرَتْه باللهِ تذكّرَ وانتفضَ ، وتذكّرَ أنَّ اللهَ مُطّلعٌ عَليهِ ناظرٌ إليهِ .

وَدَخَلَ رَجُلٌ غيضةً فقَالَ : لو خَلَوتُ ها هُنَا بمعصيةٍ مَنْ كَانَ يَراني ؟ فَسَمِعَ صوتا مَلأَ مَا بيْنَ لابَتَي الغيضةِ (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ؟

والصَّالِحونَ يُراقِبونَ اللهَ في خَلْواتِهِم كما يُراقِبونَه في جَلْواتِهم

قَالَ محمدُ بنُ إسحاقٍ : نَزَلَ السَّرِيُّ بنُ دِينارٍ في دَرْبٍ بِمِصْرَ وكانتْ فيه امرأةٌ جَميلةٌ فَتنتِ النَّاسَ بِجمالِها ، فَعَلمتْ به المرأةُ ، فقَالَتْ : لأفتِنَّنَهُ ؛ فلمَّا دخلتْ مِنْ بَابِ الدَّارِ تَكشفَتْ وأظهرتْ نَفْسَها ، فقَالَ : مَالَكِ ؟! فقَالَتْ : هَلْ لَكَ في فِراشٍ وَطِي ، وَعَيْشٍ رَخِي ، فَأقْبَلَ عَليها وَهُوَ يَقولُ :
وَكَمْ ذي مَعَاصٍ نَالَ مِنْهُنَّ لَذَّةً = وَمَاتَ فَخَلاّها وَذَاقَ الدَّواهِيا
تَصَرَّمُ لذّاتُ المعاصي وَتَنْقَضِي = وَتَبْقَى تِباعاتُ المعاصي كَمَا هيا
فَيَا سَوْءتا واللهُ راءٍ وَسَامِعٌ = لِعَبْدٍ بعينِ اللهِ يَغْشَى المعاصيـا

وَكَانَ لِسليمانَ بنِ عبدِ الملكِ مُؤذِّنٌ يُؤذِنَهُ في قَصْرِهِ بِأوقَاتِ الصَّلاةِ ، فَجَاءتْه جاريةٌ لَهُ مَولِّدَةٌ فقَالَتْ : يا أميرَ المؤمنينَ إنَّ فُلانا المؤذِّنَ إذا مَرَرْتُ بِهِ لَمْ يُقلِعْ بِبَصَرِهِ عنِّي ، وكَانَ سُليمانُ أشدَّ الناسِ غَيْرَةً ، فَهمَّ أنْ يَأمرَ بالمؤذّنِ ، ثمَّ قَالَ : تزيَّنِي وتَطَيّبِي وامضي إليه فقولِي لَهُ : إنَّهُ لم يَخْفَ عنِّي نظرَكَ إليّ ، وَبِقَلْبِي مِنْكَ أكثرُ مِما بِقَلْبِكَ مِنِّي ، فَإنْ تَكُن لَكَ حَاجةٌ فَقَدْ أَمْكَنَكَ مِنِّي مَا تُريدُ ، وَهَذَا أميرُ المؤمنينَ غَافِلٌ ، فَإنْ لم تُبادِرْ لَمْ أرْجِعْ إليكَ أبدا .
فَمَضَتْ إلى المؤذِّنِ وقَالَتْ لَهُ مَا قَالَ لها
فَرَفَعَ طَرْفَهُ إلى السَّماءِ وقَالَ : يا جليلُ أيْنَ سِتْرُكَ الجميلُ ؟
ثم قَالَ : اذهبي ولا تَرْجِعِي ، فَعَسَى أنْ يَكُونَ الملتقى بينَ يديْ مَنْ لا يُخَيّبُ الظنَّ
فَرَجعتْ إلى سليمانَ وأخبرتْهُ الخبرَ فَأرْسَلَ إليه ، فَلمَّا دَخَلَ على سُليمانَ قَالَ لَهُ الحاجِبُ : إنَّ أميرَ المؤمنينَ رأى أنْ يَهَبَ لَكَ فُلانةً ، وَيحمِلَ إليكَ مَعَها خَمسينَ ألفَ دِرْهَمَ تَنفِقُها عليها .
قَالَ : هيهاتَ يا أميرَ المؤمنينَ ! إنِّي واللهِ ذَبَحْتُ طَمعِي مِنْها مِنْ أوَّلِ لَحظةٍ رأيتُها ، وجعلتُها ذخيرةً لي عِنْدَ اللهِ ، وأنَا أستحيي أنْ أَسْتَرْجِعَ شَيئا ادّخرتُهُ عِنْدَهُ .
فَجَهِدَ بِهِ سليمانُ أنْ يَأخُذَ المالَ والجاريةَ فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَكانَ يَعْجَبُ مِنهُ ، ولا يزالُ يُحدّثُ أصحابَهُ بِحديثِهِ .

وَلَقِيَ رَجُلٌ أعرابيةً فَأرَادَهَا على نَفْسِها فأبَتْ ، وقَالَتْ : أي ثكلتْكَ أمُّكَ ، أمَالَكَ زاجِرٌ مِن كَرَمٍ ؟ أمَالَكَ ناهٍ مِنْ دِينٍ ؟
قَالَ : واللهِ لا يَرَانا إلاَّ الكواكِبُ !
قَالَتْ : هَا بِأبِي أنتَ ! وأينَ مُكَوْكِبُهَا ؟ . رَوَاهُ البيهقيُّ في الشُّعَبِ .

عِبَادَ اللهِ :
إنَّ مِنَ الناسِ مَنْ إذا أَسَاءَ اليومَ جَعَلَ إساءةَ اليومِ عُذرا لإساءةِ غَدٍ
وَهَلْ يَجْمَعُ مَعَ السُّوءِ سَوءًا آخَرَ ؟
وهل يُسَوَّغُ التقصيرُ بِتَقْصِيرٍ آخَرَ ؟

قَالَ ابنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ :
لَمْ أرَ لإبليس أصيدَ ولا أقبحَ ولا أحْمَقَ مِنْ كلمتينِ ، ألقاهما عَلَى ألْسِنَةِ دُعاتِهِ :
إحْدَاهُما : اعتذارُ مَنْ أَسَاءَ بِأنَّ فُلانا أَسَاءَ قَبْلَهُ .
والثانيةُ : استسهالُ الإنسانِ أن يُسِيءَ اليومَ لأنَّهُ قَدْ أَسَاءَ أَمْس ، أَوْ أنْ يُسِيءَ في وجهٍ مَا ، لأنَّهُ قَدْ أَسَاءَ في غَيرِهِ .
فَقَدْ صَارَتْ هَاتَانِ الكلمتَانِ عُذرا مُسَهِّلَتَيْنِ لِلشَّرِّ ، ومُدْخِلَتَينِ لَهُ في حَدٍّ ما يُعْرَفُ ويُحْمَلُ ولا يُنْكَرُ .اهـ .

وقَالَ الذهبيُّ في تَرْجُمَةِ : الأميرِ قِرْوَاشِ بنِ مُقَلَّدٍ - صَاحبِ الموصِلِ - ... وَكَانَ أديبا شَاعِرًا جوادًا ممدِّحا نَهّابا وَهّابا ، فِيه جاهليةٌ وَطَبْعُ الأعرابِ . يُقَالُ : إنَّهُ جَمَعَ بينَ أختينِ فَلامُوهُ ، فقَالَ : حَدِّثُونِي ، ما الذي نَعْمَلُ بِالشَّرْعِ حَتَى تَذْكُرُوا هَذَا ؟ . اهـ .

فهَذَهَ الأعذارُ القبيحةُ قديمةٌ !


الثانيةُ :

وأمَّا عِلاجُ ذنوبِ الخَلْواتِ ؛ فَفِي النَّدَمِ عَليْها والبُكَاءِ مِنها
قَالَ الفضيلُ بنُ عياضٍ: بُكاءُ النَّهارِ يمحو ذُنوبَ العلانيةِ، وَبُكاءُ الليلِ يمحوُ ذنوبَ السِّرِّ .

ومُراقبةُ اللهِ فِيها ، والحياءُ مِنْه تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
قَالَ أبُو محمدٍ الأندلسيُّ :
وإذا خَلَوْتَ بِريبَةٍ في ظُلْمَةٍ = والنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إلى الطُّغيانِ
فاستحي مِنْ نَظَرِ الإلَهِ وَقُلْ لَها : = إنَّ الذي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَاني

قَالَ أَبو حامِدٍ الْخُلْقانيُّ : قُلتُ لأحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ : يا أبا عبدِ اللهِ ، هذِهِ القصائدُ الرِّقاقُ التي في ذِكْرِ الجنَّةِ والنَّارِ ، أيُ شَيءٍ تَقُولُ فِيها ؟
فقَالَ : مِثْلُ أيِّ شَيءٍ ؟
قُلتُ : يَقولونَ :
إذا مَا قَالَ لي رَبِّي *** أما استحييتَ تَعْصِيني
وَتُخفي الذنبَ مِنْ خَلْقِي *** وَبِالعصيانِ تَأتِيني
فقَالَ : أعِدْ عَليَّ . فأعَدْتُ عَلَيْهِ ، فَقَامَ وَدَخَلَ بَيتَهُ ، وَرَدَّ البَابَ ، فَسَمِعْتُ نَحيبَهُ مِنْ دَاخِلِ البيتِ ، وَهُوَ يَقولُ :
إذا مَا قَالَ لي رَبِّي *** أما استحييتَ تَعْصِيني
وَتُخفي الذنبَ مِنْ خَلْقِي *** وَبِالعصيانِ تَأتِيني

وَأنْ يَسْألَ الْمُسلِمُ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى العافيةَ والسَّلامةَ .
عَنْ قيسٍ بنِ عُبَادٍ قَالَ : صَلَّى عَمَّارُ بنُ ياسرٍ بِالقومِ صلاةً أخَفَّها ، فَكأنَّهم أَنْكَرُوها ، فقَالَ : أَلَمْ أُتِمَّ الركوعَ والسجودَ ؟ قَالَوا : بَلَى . قَالَ : أمَـا إنِّي دَعوتُ فِيها بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ :
اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعَدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرّةٍ ، وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ . اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ . رَوَاهُ النِّسائيُّ ، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .

فَاللهمَّ إنَّا نَسألُكَ خَشْيتَكَ في الغيبِ والشَّهادَةِ .

وأنْ يَعلَمَ الْمُسلمُ أنَّ صِدْقَ الإيمانِ إنَّما هُوَ بِصِدْقِ مُراقبَةِ اللهِ .
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لا تَنْظُرُوا إِلَى صلاةِ أَحَدٍ، وَلا إِلَى صيَامِهِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى مَنْ إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ أَدَّى، وَإِذَا أَشْفَى وَرعَ .
قَالَ الزمخشريُّ : أَيْ إِذا أشرَفَ على مَعْصِيّةٍ امْتنعَ .
وقَالَ ميمونُ بنُ مَهْرَانَ: الذِّكْرُ ذِكْرَانِ ؛ فَذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاللسانِ حَسَنٌ ، وأفْضَلُ مِنْه أنْ تذكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عِندما تُشْرِفُ عَلَى مَعَاصِيهِ .
وقَالَ عبيدُ بنُ عُميرٍ : صِدْقُ الإيمانِ وَبِرّهُ أنْ يَخلوَ الرَّجُلُ بِالمرأةِ الحَسْنَاءِ فيَدَعَهَا لا يَدَعَها إلا للهِ عَزَّ وَجَلَّ .

قَالَ رَجُلٌ مُتعفِّفٌ :
واللهِ لَوْ قِيلَ لِي تأتي بِفاحشةٍ ... وإنَّ عُقبَاكَ دُنْيانا وَمَا فِيها
لَقُلْتُ لا والذي أَخْشَى عُقوبَتَهُ ... وَلا بِأضْعَافِهَا مَا كُنْتُ آتِيها

والخوفُ مِنْ انتكاسةِ القَلْبِ ، وَالحَذرُ مِن سوءِ الخاتمةِ
قَالَ ابنُ رَجَبٍ : دَسائِسُ السُّوءِ الخفيَّةِ تُوجِبُ سُوءَ الخاتِمةِ

وَحَذَارِ أنْ يُخالِفَ قولُ المسْلِمِ أفعالَهُ خاصَةً في خَلْواتِهِ
قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ . رَوَاهُ البخاريُّ وَمسلِمٌ .

وعَنْ ثَوْبَانَ رضيَ اللّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا . قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا . رَوَاهُ ابنُ ماجه ، وَصَحَّحَهُ الألبَانيُّ .
وهذا الحَديثُ جَاءَ في وصْفِ قَوْمٍ استهانوا بِنَظَرِ اللهِ لَهُمْ ، بَلْ جَعَلُوه أهونَ النَّاظرينَ إليهِم .
وَهَذَا هُوَ شأنُ المنافقينَ ، الذين إذا خَلَوا بِمحارِم اللهِ انتهكوها ، أيْ : أنَّ هَذَا هُوَ شأنُهُم ودأبُهُم ، وَليسوا كَمَنْ وَقَعَ في الذَّنْبِ ، ثمَّ تَابَ وَأنَابَ .

قَالَ رجلٌ لِوُهَيبِ بنِ الوَردِ : عِظْنِي فقَالَ لَهُ : اتقِ اللهَ أنْ يَكُونَ أهونَ النَّاظرينَ إليكَ.

وأمَّا ما في الأحاديثِ التي جَاءَ فِيها السِّترُ ، كَقَولِه عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إنَّ اللهَ يُدْني المؤمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَستُرُهُ فَيقولُ : أتعرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). رَوَاهُ البخاريُّ ومسلمٌ .
فَهَذَا محمولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا شَأنُهُ وَدَيدَنُهُ ، بلْ هُوَ شَأنُ بني آدمَ ؛ يَضْعُفُ أحَدُهُم فَيَقَعُ في المعصيةِ ، ثمَّ يَستَتِرُ بِسِتْرِ اللهِ .
وهذا كَقَولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ذَنْبًا قَدِ اعْتَادَهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبًا لَيْسَ بِتَارِكِهِ حَتَّى يَمُوتَ ، أَوْ تَقُومَ عَلَيْهِ السَّاعَةُ ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُذْنِبًا مُفَتَّنًا خَطَّاءً نَسَّاءً فَإِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ . رَوَاهُ عبدُ بنُ حُميدٍ والطبرانيُّ والبيهقيُّ في "الشُّعَبِ" ، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جُمعة بعنوان : سَلُوا الله العافية نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 04-04-2016 12:07 AM
خُطبة جُمعة عن .. (غرس محبة الله في النفوس) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 28-11-2015 05:32 PM
خُطبة جُمعة عن .. (الرضا عن الله ) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 13-10-2015 10:29 AM
خُطبة جُمعة عن .. (محبة الله) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 25-08-2015 03:51 AM
خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 03-04-2015 08:06 AM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 11:28 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى