الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
الأصل أن لا يقع التفاخر بين المسلمين ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يَبْغِ أحَد على أحد . رواه مسلم .
والفَخْر منه ما هو جائز ، ومنه ما هو منهي عنه ممنوع شرعا .
قال عليه الصلاة والسلام : الخيلاء التي يحبها الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال ، واختياله عند الصدقة ، والخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل بنفسه في الفخر والخيلاء . رواه الإمام أحمد واالنسائي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : دل على أن الاستطالة على الناس ان كانت بغير حق فهى بَغْي ، إذ البغي مُجَاوزة الْحَدّ ، وإن كانت بِحَقّ فهي الفَخْر . اهـ .
قال عليه الصلاة والسلام : أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة . رواه مسلم .
وفي حديث ابن عباس أن العباس بن عبد المطلب جاء عام الفتح بأبي سفيان بن حرب فأسْلَم بِمَرّ الظهران ، فقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يُحِبّ هذا الفخر ، فلو جعلتَ له شيئا . قال : نعم ، من دَخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن . رواه أبو داود .
ويجوز الافتخار بالعِلْم إذا لم يكن على سبيل التعالي .
قال ابن عبد البر : وفي قول عبد الله بن سلام رضي الله عنه : " قد علمتُ أيّ ساعة هي " دليل على أن للعَالِم أن يقول : قد علمت كذا ، وأنا أعلم كذا ، إذا لم يكن على سبيل الفخر ، وما الفخر بالعِلْم إلاَّ حَديث بنعمة الله .
وفي حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه بينما يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْن ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَة ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَعْطُونِي رِدَائِي ، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلا وَلا كَذُوبًا وَلا جَبَانًا . رواه البخاري .
قال ابن حجر : وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة ، كخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك ، ولا يكون ذلك من الفخر المذموم . اهـ .
ومن الفخر الذموم بالقبيلة أو بالحسب ما تُذمّ به القبائل الأخرى ، أو يكون افتخار الشاعر بِقبيلته على حساب القبائل الأخرى ، ونحو ذلك .
وقال ابن عبد البر عن الشِّعْر : وأما ما كان فيه من الفخر بالآباء الكفار ، والتشبيب بالنساء ، وذكرهن على رؤوس الملأ ، وشِعر يكون فيه شيء مِن الْخَنَا ؛ فهذا كله لا يجوز في المسجد ولا في غيره ، والمسجد أوْلَى بالتَّنْزِيه مِن غيره . اهـ .
فائدة :
مُصطلح " رِجال الدين " مُصطلح نصراني !
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله : الدِّين في الفكر الغربي بشتى مذاهبه ودياناته يعني : العبادة المصحوبة بالرهبة أو الوحشة . ومعنى هذا أنّ رجل الدِّين لا يَصلح لِفَهْم أمور المعاش بسبب انقطاعه عن محبة الناس ، وليس كذلك في مفهوم الإسلام الذي لا يعترف بأن هناك رجل دِين له نفوذ واختصاص ، فكل مسلم رجل دين ودنيا .
فالدين في المفهوم الإسلامي هو : ما شرعه الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما ينظم صلة العبد مع ربه ومع عباده على اختلاف طبقاتهم ، وينظم أُمور معاشه وسلوكه ، من غير وجود وساطة بشرية .
ولهذا فلا تجد في المعاجم الإسلامية ما يسمى برجال الدين ، وإنما تسربت بواسطة المذاهب المادية وخاصة : العلمانية . وقد بسط الأُستاذ الحوالي عن هذه الاصطلاح في كتابه " العلمانية " ، فَشَفَى ، ويُرجع إليه . والله أعلم .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد