نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جمعة .. عن (الاختبارات)
قديم بتاريخ : 20-01-2017 الساعة : 09:03 PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ يَبتلي عِبادَه بالسَّرَّاءِ والضَّراءِ ، وبالخيرِ والشرِّ . القائلِ في مُحْكمِ التنْزِيل : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) .

أمَّا بَعْدُ :
فإنَّ في الأيَّامِ مُعتَبَرا ، وفي الأحوالِ مُدَّكَرا
وكانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغِلُّ المواقِفَ ليُذكِّرَ أصحابَهُ ويَعِظَهُمْ .

مرَّ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسوقِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ؟ فَقَالَوا : مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ قَالَ : أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟ قَالَوا : وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ ، لأَنَّهُ أَسَكُّ ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ : فَوَ اللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ . رَوَاهُ مُسلِمٌ .
( والأسكُّ : صغيرُ الأُذُنَين ) .
ولَمّا رَأَى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المرأةَ التي تبحثُ عَنْ صَبيِّها في السَّبيِ ، ذَكّرَهُمْ بِسَعَةِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجَلّ ، كَمَا فِي الصحيحينِ .

وَكَانَ السَّلفُ يَتَّعِظُون بالمواقِفِ ، وتُذَكِّرهُم الوقائعُ ، وَتَأخُذُ بألْبَابِهِمْ المواقفُ العابِرةُ ؛ تُذكِّرُهُمْ ظُلْمَةُ الْمَكانِ بِظُلْمةِ القبورِ ، وطولُ القيامِ بطُولِ المقامِ في عَرَصاتِ القيامَةِ .
وَقَفَ المهاجرونَ والأنصارُ ببابِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَجَعَلَ يَأذَنُ للنَّاسِ عَلَى قَدْرِ منازِلِهم ، وثَـمَّ سُهيلُ بنُ عَمرٍو، وَعَكرمةُ بنُ أبي جَهْلٍ، ووُجُوهُ قُريشٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ ، فَجَعلَ ينظرُ بعضُهُمْ إلى بَعْضٍ ، فَقَالَ سُهيلُ بنُ عمرٍو: عَلَى أنفسِكُم فاغضبُوا ، دُعِي القَومُ ودُعيتُم ، فأسرعَ القومُ وأبطأتُم ، فَكَيْفَ بِكُم إذَا دُعيتُم إلى أبوابِ الْجَنَّةِ ؟!
وَرَوَى الإمامُ أَحْمَدُ فِي " الزُّهْدِ " مِنْ طَريقِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُسُ وَفُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا ، بَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ جَالِسًا وَحْدَهُ يَبْكِي ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ ؟؟ قَالَ: وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ ، مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللَّهِ إِذَا هُمْ تَرَكُوا أَمْرَهُ ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمُلْكُ ، تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى .
ومَا خَرَجَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى السوقِ فَمَرَّ عَلَى الحدَّادِينَ فَرَأَى مَا يُخْرِجُونَ مِنَ النارِ إلاَّ جَعَلَتْ عيناهُ تَسيلان .
وَكَانَ طاووسُ اليَمَانِيُّ إذَا مَرَّ فِي طريقِهِ عَلَى السوقِ فَرَأَى تِلْكَ الرؤوسَ المشويَّةَ لم يَنعَسْ تِلْكَ الليلةَ .
وَكَانَ عَمْرُو بنُ قيسٍ إذا نَظَرَ إلى أهلِ السوقِ بَكَى ، وَقَالَ : مَا أَغْفَلَ هؤلاءِ عَمَّا أُعِدَّ لَهُمْ .

أيُّها المؤمِنونَ
في اختباراتِ الطُّلابِ عِبْرٌ ، وَمَعَها وَقَفَاتٌ
الوقْفَةُ الأوُلَى :
أنَّ الدُّنْيَا بِرُمَّتِهَا : دَارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ . فَالدُّنْيَا دارُ اختبارٍ وامتحان ، والآخِرَةُ دارُ النتائجِ والجزاءِ .
وامتحانُ الدُّنيا : إمَّا بالسَّرَّاءِ ، وإمَّا بِالضرَّاءِ ، تارةً يَرَاهُ الإنسانُ عَيَانا ، وَحِينًا يَخفى عَلَى كثيرٍ مِنَ النَّاسِ .
قَالَ عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : ابْتُلِينا بالضراءِ فَصَبَرْنا ، وابْتُلِينا بالسرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ . رَوَاهُ عبدُ الرزَّاقِ .

الوَقْفَةُ الثانيةُ :
أنَّ أقربَ الأقربينَ لا يَملِكُ لَكَ شَيْئا بَعْدَ دُخولِ قَاعَةِ الامْتِحَانِ .
وَهَذَا يُذَّكِرُنَا بِالقَبْرِ إذَا أَسْلَمَكَ مُحِبُّوكَ وهَالُوا عَلَيْكَ التُّرابَ ، لا يَملِكونَ لَكَ سِوَى الدُّعَاءِ وَسُؤالِ التثبيتِ .
حِينَهَا يَعْلَمُ (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) .
ولا ينفعُ ثـمَّ إلاّ اليقينُ ، فكُلُّ مؤمنٍ صادِقُ الإيمانِ يُثَبِّتُهُ اللهُ عِنْدَ السُّؤالِ ، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) ، وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : أُوحِيَ إليّ أنكم تُفْتَنُون في قبورِكم مثلَ أو قريبَ مِنْ فتنةِ المسيحِ الدجالِ ، يُقَالُ: ما عِلْمُكَ بهذا الرَّجُلِ ؟ فأمَّا المؤمنُ أو الموقِنُ ، فيقولُ : هو محمدٌ رسولُ اللهِ ، جاءنا بالبيناتِ والهدَىَ فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا ، هو محمدٌ ثلاثا ، فيُقَالُ : نَمْ صَالِحا ، قَدْ عَلِمنا إن كُنتَ لَمُوقِنا به ، وأمَّا المنافِقُ أوِ الْمُرتابُ ، فيقولُ : لا أدْرِيْ ، سَمِعْتُ النَّاسَ يقولون شيئا فَقُلْتُهُ. رَوَاهُ البخاريُّ ومسلِمٌ .

الوقفةَ الثالثَةُ :
أنَّهُ يَجِبُ تَعَاهُدُ النيّةِ ، وإخلاصُ العَملِ ، فإنَّ النيَّةَ الصالِحةَ تَخْدِمُ صاحِبَهَا ، ونيّةُ السوءِ تَخْذِلُ صَاحِبَهَا .
فأحسِنِ النيَّةَ ، تَصلُحُ لكَ العاقِبَة .
قَالَ ابنُ رَجَبٍ : وَقَدْ ذمَّ اللهُ مَنْ كَانَ يريدُ الدُّنيا بِعَمَلِهِ وسَعْيِهِ ونِيتِهِ . اهـ .

الوقفَةُ الرَّابِعَةُ :
أنَّهُ لا يَنْدَمُ إلاّ المفرِّطُ ؛ فيندَمُ أَهْلُ التفريطِ في الدُّنْيَا إذا رَأَوا حَصَادَ غَيْرِهِمْ ، وفي الآخِرَةِ ينْدَمُ أهلُ التفريطِ (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) .
وَحِينَمَا يُقبِلُ أهلُ النارِ عَلَى بعضٍ َيتلاومُون ، تَظهرُ حسراتُ المفرِّطينَ ، ونَدَمُ العاصِينَ .

وفي الحديثِ القدسيِّ : يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ . رَوَاهُ مسلمٌ .
تيقظ للَّذي لا بُدَّ مِنْهُ = فَإِن الْمَوْتَ مِيقَاتُ الْعبادِ
يَسُرك أَن تكونَ رَفِيقَ قومٍ = لَهُم زَادٌ وأنتَ بِغَيْر زَادِ

الوقْفَةٌ الخَامِسَةُ :
قارِنْ بينَ مَشْهَدِ النجاحِ في الدنيا ، ومَشْهَدِ الفوزِ يومَ العَرْضِ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) .
ومشْهَدِ الخيبَةِ في الدُّنْيا ، ومَشْهَدِ الخسرانِ يومَ العَرْضِ الأكْبَرِ (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)

الوقْفَةُ السادِسَةُ :
أنَّ الصِّدْقَ مَنْجَاةٌ في الامتحان ؛ فَمَنْ نَجَحَ بِالكَذِبِ ظَلَّ في صراعٍ مَعَ نَفْسِهِ وَتَأنيبِ ضميرِه .

وصِدقُ اللجوءِ إلى اللهِ نَجَاةٌ ، وربُّكَ لا يُضِيعُ عَملَ عامِلٍ
يُعامَلُ المجتَهِدُ بأحْسَنِ أعمالِهِ ، والمسيءُ بسيئِ أعمالِهِ ، جَزَاءً وِفاقا .
قال اللهُ عزَّ وجَلَّ عن أهل الجنة (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) .

وقال عن أهلِ النار : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)

الوقفةُ السابِعَةُ :
أنَّهُ قَدْ يَقَعُ الظُّلْمُ في اختباراتِ الدُّنْيَا ، أو يجتازُ الطالِبُ بِالغِشِّ
ولا تُراجَعُ ورقةُ الاختبارِ إلاَّ في أَضْيَقِ الحدودِ .
بيْنَمَا في الآخِرَةِ يظهرُ العَدْلُ ويَنْتَفِي الحيْفُ ، وتُشْهَدُ الجوارِحُ
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .
يقولُ العبدُ : يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ فيَقُولُ : بَلَى . فَيَقُولُ : فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّي . فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، فَيُقَالَ لأَرْكَانِهِ : انْطِقِي ، قَالَ : فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، قَالَ : ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ ، قَالَ فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ. رَوَاهُ مسلِمٌ .
وصَدَقَ اللهُ : (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) .
وقَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ . أَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والنَّسائيُّ في الكُبْرَى .

الوقفةُ الثامِنَةُ :
أنَّ ما يتعلَّمُهُ الإنسانُ في حياتِهِ مقصودٌ لثمرتِهِ ، وثمرةُ العِلْمِ العَمَلُ والخشيَةُ .
قَالَ مسروقٌ : بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الجَهْلِ أنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ ، وَبِحَسْبِهِ مِنَ العِلْمِ أنْ يَخْشَى اللهَ .
وقَالَ أبو إسحاقَ الألبيريُّ :
وإنْ أوتيتَ فيه طولُ بَاعٍ = وقَالَ النَّاسُ أنَّكَ قَدْ سَبَقْتَا
فَلا تَأمَنْ سُؤالَ اللَهِ عَنهُ = بِتَوبيخٍ عَلِمتَ فَهَل عَمِلتا
فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَهِ حَقًّا = وَلَيسَ بِأَنْ يُقالَ لَقَدْ رَأَستا
إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيرًا = فَخَيرٌ مِنهُ أَنْ لَو قَد جَهِلتا
وَإِنْ أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ = فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا
استغفِرُوا ربّكم إنه كان غفارا ..

الثانية :
الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقَلَمِ ، علَّمَ الإنسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى النبيَّ الأكرَمِ ، الذي دلَّ أمتَّهُ عَلَى الخيْرِ وسَلَكَ بِهَا الطريقَ الأقومَ .

أيُّها الكِرَامُ :
يجبُ تعظيمُ ما عظّمَه اللهُ ، وما اشتملَ على كلامِ اللهِ ورسولِهِ ، وَغَرْسُ ذلِكَ في نفوسِ الناشِئةِ .

وضَرَبَ السَّلَفُ أروَعَ الأمثلَةِ في تعظيمِ مَا عظَّمَهُ اللهُ تباركَ وتَعَالى .
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَجَلَسَ فَحَدَّثَهُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: وَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَتَعَنَّ ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحَدِّثَكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُضْطَجِعٌ .
وقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ : سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ يَمْشِي ، فَقَالَ : لَيْسَ هَذَا مِنْ تَوْقِيرِ الْعِلْمِ . قَالَ بِشْرٌ : فَاسْتَحْسَنْتُهُ جِدًّا .
وقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ : حُرْمَةُ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحُرْمَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
وعُرِفَ عنِ الإمامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ شِدّةَ تعظيمِ حَديثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ إسماعيلُ بنُ أبي أويسٍ : كَانَ الإمامُ مَالِكٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ تَوَضَّأَ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِ فِرَاشِهِ، وَسَرَّحَ لِحْيتَهُ وَتَمَكَّنَ فِي جُلُوسِهِ بِوَقَارٍ وَهَيْبَةٍ، وَحَدَّثَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أُحَدِّثُ إِلاَّ عَلَى طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ هُوَ قَائِمٌ أَوْ مُسْتَعْجِلٌ ، وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَتَفَهَّمَ مَا أُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ومِمَّا يَنْبَغِي تربيةُ النَّاشِئَةِ عَلَيْهِ : عَدَمُ امتهانِ كُتبِ العِلْمِ .
ونصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أنَّهُ " لا يَجُوزُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ وَلا غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ " .
وقَالَوا : وَلَوْ وَصَّى بِدَفْنِ كُتُبِ الْعِلْمِ لَمْ تُدْفَنْ . احتراما لها .
وسُئلَ الإمامُ أحْمَدُ : أَيَضَعُ الرَّجُلُ كُتُبَ الْحَدِيثِ تَحْتَ رَأْسِهِ؟ قَالَ : إذَا خَافَ أَنْ تُسْرَقَ فَلا بَأْسَ ، وَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَها وِسَادَةً فَلا .
ورَمَى رَجُلٌ بِكِتَابٍ عِنْدَ الإمامِ أَحْمَدَ فَغَضِبَ . وقَالَ : هَكَذَا يُفعلُ بِكلامِ الأبرارِ ؟!
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ : يَحْرُمُ الاتِّكَاءُ عَلَى الْمُصْحَفِ وَعَلَى كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ اتِّفَاقًا . نَقَلَه ابنُ مُفْلِحٍ .
وقَالَ ابنُ الْهُمَامِ : وَقَالَوا : يُكْرَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ إلَى الْمُصْحَفِ أَوْ كُتُبِ الْفِقْهِ إلاَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ عَنْ الْمُحَاذَاةِ . اهـ .

ونَصَّ العلماءُ على : أنَّهُ مِنَ الْمُحْتَرَمِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعظَّم أَو عِلْمٌ كَحَدِيثٍ أَو فِقْهٍ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَلا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحتَرَمِ ، سَوَاءً كَانَ شَرْعِيًّا أمْ لا ؟ كَحِسابٍ وَنَحْوِه وطِبٍّ وعَرُوضٍ ، فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ .

وشَدَّدَ العُلَمَاءُ عَلَى مَنْ أهَانَ شيئا مِمَّا يُعظَّمُ ، كالقرآنِ والحَدَيثِ ، ومَا فِيهِ قُرآنٌ أو حَديثٌ أو اسْمٌ مُعظّمٌ .
وَقَدْ عَدُّوا ذَلِكَ مِنَ الأمورِ التي تُخْرِجُ مِنَ الإسْلامِ .
قَالَ الإمامُ النوويُّ : وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا ، كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ .
قَالَ الخطيبُ الشربينيُّ : وَيَلْتَحِقُ بِالْمُصْحَفِ كُتُبُ الْحَدِيثِ. قَالَ الرُّوْيَانِيُّ: أَوْ أَوْرَاقُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ . اهـ .
وقَالَ الغَمْرَاويُّ : وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ استهزاءً صَرِيحًا بِالدّينِ ، أَو جحُودًا لَهُ ، كَإلْقَاءِ مصحفٍ بِقاذورةٍ ، وَكَذَلِكَ كتبُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيّ ، وَلَو كَانَتِ القاذورةُ طَاهِرَةً كالبُصَاقِ . اهـ.

وبَلَغ مِنْ تعظيمِ اسمِ اللهِ : أن يُستخرجَ الفَلْسُ الذي وقعَ في مَكَانٍ قَذِرٍ .
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ في " شُعبِ الإيمانِ " أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وَقَعَ مِنْهُ فَلْسٌ فِي بِئْرٍ قَذِرَةٍ ، فَاكْتَرَى عَلَيْهِ بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارًا حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْهَا ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : كَانَ عَلَيْهِ اسْمُ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَمن تَعْظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَعْظِيمِ رَسُولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ لا يُحْمَلَ عَلَى مُصْحَفِ الْقُرْآنِ وَلا عَلَى جَوَامِعِ السُّنَنِ كِتَابٌ ، وَلا شَيْءٌ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ ، وَأَنْ يُنْفَضَ الْغُبَارُ عَنْهُ إِذَا أَصَابَهُ ، وأن لا يَمْسَحَ أَحَدٌ يَدَهُ مِنْ طَعَامٍ وَلا غَيْرِهِ بَوَرَقَةٍ فِيهَا ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى ، أَوْ ذِكْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا يُمَزِّقُهَا تَمٍزِيقًا . اهـ .

أيها المؤمنون :
رأيتُ مِنْ حَاجَةِ النَّاسِ في بعْضِ الدُّوَلِ إلى الكِتَابِ الوَاحِدِ الذي قَدْ يُستهانُ بِهِ ، فرأيْتُ في كُليّةٍ كبيرةٍ كِتابيْنِ مِنْ كُتُبِ الْمَعَاهِدِ العلميَّةِ عِنْدَنَا يُصّورُهَا الطلابُ ، ولا يُسْمَحُ بِخُرُوجِ الكتابينِ مَعًا حًتًى لا يُفْقَدَا .

واللهُ الْمُستعانُ ، وعليه التكلانُ .

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جمعة عن .. (الاحتفاء بالكفار) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 29-05-2016 07:11 AM
خُطبة جمعة عن .. (التعرف على الله) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 13-05-2016 09:51 PM
خُطبة جمعة .. يا صاحب الهمّ نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 10-12-2015 02:42 AM
خُطبة جمعة عن .. (اتِّباع الهوى) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 24-12-2014 11:06 PM
خُطبة جمعة عن (التحذير من التدخين) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 04-11-2014 08:28 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 04:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى