راجية العفو
الصورة الرمزية راجية العفو

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 13
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 4,421
بمعدل : 0.86 يوميا

راجية العفو غير متواجد حالياً عرض البوم صور راجية العفو


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم المحرمـات والمنهيات
افتراضي الرد على موضوع (أدلة عدم وجوب تغطية الوجه)
قديم بتاريخ : 17-03-2010 الساعة : 05:43 PM


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أرجو المعذرة على طول الموضوع ولكنه في غاية الأهمية . ما رأي فضيلتكم فيما ورد في هذا الموضوع وكيف أستطيع الرد عليه:
خمسون دليلا على عدم وجوب النقاب-
الحمد لله الذي بتحميده يستفتح كل كتاب، وبذكره يصدر كل خطاب، وبحمده يتنعم أهل النعيم في دار الثواب.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد و على آله وصحبه صلاة ننجوا بها يوم العرض والحساب وتمهد لنا عند الله زلفى وحسن مآب .
أما بعد
في الحقيقة ونفس الأمر أن الجدل في القضايا الخلافية لن ينتهي ببحث يحرر أو حتى بكتاب يؤلف، وما دامت أسباب الاختلاف قائمة فلن يزول الاختلاف بين الناس، وإن كانوا مسلمين متدينين بل قد يكون التدين أحيانا من أسباب حدة الخلاف حيث يتحمس كل طرف لرآية الذي يعتقد أنه الحق .سيظل الاختلاف قائما ما دامت أفهام البشر متفاوتة في القدرة على الاستنباط ومدى الأخذ بظاهر النص أو بفحواه، بالرخصة أو بالعزيمة، بالأحوط أم بالأيسر، سيظل الاختلاف قائما مادام في الناس من يأخذ بشدائد ابن عمر ومن يأخذ برخص ابن عباس، ومادام فيهم من يصلى العصر في الطريق ومن لا يصليها إلا في بني قريظة، وقد اختلف الصحابة ومن تبعهم بإحسان في فروع الدين فما ضرهم ذلك ووسع بعضهم بعضا، وصلى بعضهم وراء بعض، دون أن يكفر بعضهم بعضا ولا حتى ينكر بعضهم على بعض.
ومع إيماننا بأن الخلاف سيظل قائما فقد أجرينا هذا البحث حول قضية النقاب ( غطاء الوجه ) في هذا الوقت الذي كثر فيه الجدل وتعالت فيه الأصوات حول هذه المسألة ما بين مؤيد ومعارض و ما بين موقن ومرتاب . وقد تضمن البحث خمسين دليلا على عدم جواز النقاب في حق نساء المؤمنين من خلال ستة محاور رئيسية :
المحور الأول الأدلة من القرآن الكريم
1- قوله تعالى
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور آية (30)
ويتبين هنا من أمر الله للمؤمنين بغض أبصارهم أن وجوه النساء مكشوفة فلو كانت الوجوه كلها مستورة وكان كل النساء منقبات فما وجه الحث على غض الأبصار ؟ وماذا يخشى أن تراه الأبصار إذا لم تكن الوجوه سافرة يمكن أن تجذب الأبصار ؟
2- قول تعالى
( لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ) الأحزاب آية ( 52)
فمن أين يعجبه حسنهن إذا لم يكن هناك مجال لرِؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟
3- قوله تعالى
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور آية (31)
وهنا يستثني الحق سبحانه وتعالى زينه المرأة الظاهرة وهى وجهها وكفيها وذلك بإجماع جمهور المفسرين كما سنعرض له بالتفصيل. فالزينة الظاهرة هي الوجه والكفين لأن المستثنى لا بد أن يكون من جنس المستثنى منه فالحق استثنى الزينة الظاهرة من زينه المرأة فلا بد أن تكون الزينة من ذات المرأة وهى الوجه والكفين. أما من قال أن الزينة الظاهرة يقصد بها الثياب فيجاب بأن الاستثناء في الآية قصد التيسير و الرخصة وظهور الثياب الخارجية كالعباءة ونحوها أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير فالثياب تظهر شاءت المرأة أم أبت .
4- قوله تعالى في شأن المؤمنات
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور آية (31)
فالخمر جمع خمار ( وهو غطاء الرأس و الجيب والصدر و يظهر الوجه والكفين وليس له شكل معين فأي ثوب يؤدي هذا الغرض فهو خمار ) والجيوب جمع جيب وهو فتحه الصدر من القميص ونحوه. فأمر النساء المؤمنات أن يسدلن ويلقين بخمرهن وأغطيه رؤوسهن بحيث تغطي النحور والصدور ولا يدعنها مكشوفة كما كان نساء الجاهلية يفعلن. فلو كان ستر الوجه واجبا لصرحت به الآية فأمرت بضرب الخمر على الوجوه كما صرحت بضربها على الجيوب فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق و الصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه .
المحور الثاني الأدلة من الحديث الشريف والسنة الصحيحة
5- ما رواه أبو داود في سننه أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وعليها ثياب رقاق فاعرض عنها وقال ( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا ) وأشار إلى وجهه و كفيه. و الحديث حسنه الألباني في أكثر من كتاب من كتبه نذكر منها( حجاب المرأة المسلمة – الإرواء – صحيح الجامع الصغير - تخريج الحلال والحرام ) وأيضا الحديث قواه الإمام الذهبي والحافظ البيهقي واحتج به الإمام أحمد .
6- ما رواه الجماعة عن بن مسعود
أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ) فلو كانت الوجوه كلها مستورة وكان النساء منقبات فما معنى أن الزواج أغض للبصر إذا كان البصر لا يرى شيئا من النساء ؟ .
7- قوله صلى الله عليه و آله ( اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة واصدقوا إذا حدثتم وأدوا إذا اؤتمنتم وغضوا أبصاركم ...... ) رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب . ومعلوم أن غض البصر يكون عند مطالعة الوجه بداهة.
8- ما رواه أبو داود في سننه حديث رقم (2082 ) عن سيدنا جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال ( إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) قال جابر فخطبت امرأة من بني سلمة فكنت أختبئ لها حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها . رواه أبو داود في سننه .
9- قوله صلى الله عليه و آله ( لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ) رواه أحمد وأبو داود و الترمذي و الحاكم عن بريدة .و اتباع النظرة هنا معناه أن الرجل إذا نظر إلى المرأة بداهة فرأى ما يستحسنه منها فعليه ألا يكرر النظرة إليها . ولكن كيف يرى ما يستحسنه منها لو كانت منتقبة ؟ .
10- ما رواه الإمام مسلم في كتاب النكاح حديث رقم ( 1403) أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال (إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه ) قال الإمام الجصاص في تفسيره أحكام القرآن ( ولا يعجبه حسنهن إلا بعد رؤية وجوههن ) .
11- روى البخاري و مسلم عن عبد الله بن عباس قال ( أردف النبي صلى الله عليه و آله الفضل بن العباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئا فوقف النبي صلى الله عليه و آله للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي النبي صلى الله عليه و آله فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي صلى الله عليه و آله والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها ) فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها النبي صلى الله عليه و آله على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تغطي وجهها. ولو كان وجهها مغطى لما عرف الفضل ابن عباس أحسناء هي أو شوهاء . وروى الترمذي هذه القصة من حديث الإمام على كرم الله وجهه جاء فيها ( ولوى النبي صلى الله عليه و آله عنق الفضل . فقال العباس : يا رسول الله لم لويت عنق بن عمك ؟ قال: رأيت شاب وشابة فلم آمن الشيطان عليهما ) رواه الترمذي حديث رقم (885) باب الحج وقال : حديث حسن صحيح .
وقد استنبط بن القطان من هذا الحديث جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها النبي بتغطية وجهها . فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل سؤاله و لو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه النبي صلى الله عليه و آله ولأنكر عليه السؤال أصلا . ولا حجة في الحديث أن المرأة كانت محرمة في الحج لأن الواقعة كانت بعد النحر أي بعد التحلل من الإحرام .
12- ما رواه سيدنا عمار بن ياسر أن رجلا مرت به امرأة فأحدق بصره إليها فمر بجدار فمرس ( جرح ) وجهه فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله ووجهه يسيل دما فقال يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه و آله ( إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا وإن أراد به غير ذلك أمهل عليه بذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة كأنه عير ) أي كأنه ( حمار وحشي ) الحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10-192) ورواه الطبراني وإسناده جيد . فدل هذا الحديث على أن النساء كن سافرات الوجوه وكان منهن من تلفت بحسنها أنظار الرجال إلى حد الاصطدام بالجدار وحتى يسيل وجهه دما .
13- ما أورده السيوطى في الدر المنثور في تفسير الآية (31) من سوره النور أن السيدة عائشة قالت : دخلت على ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل وهى متزينة فدخلت عند النبي صلى الله عليه و آله فأعرض فقلت إنها ابنة أخي وجاريه فقال( إذا عركت المرأة ( بلغت الحلم ) لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا ) وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى. رواه الطبري في تفسيره ج 18 ص 93 .
14- ما روته السيدة عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال ( لا تلثم المرأة ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران ) الحديث رواه البخاري في صحيحه باب ما يلبس المحرم من الثياب .
15- ما روى عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه و آله قال ( لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ) رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ . واستدل كثير من الفقهاء بهذا الحديث أن الوجه والكفين ليسا بعورة وإلا لما أوجب كشفهما في الإحرام . وقد يقول بعض الناس أن الأمر بكشف الوجه في الحج أو في الصلاة يفيد أن الوجه يجب ستره فيما وراء ذلك وأن على المرأة ارتداء النقاب و القفازين . ونقول أن هذا استدلال مرفوض لأن محظورات الإحرام أشياء كانت مباحة في الأصل مثل لبس المخيط و الطيب و الصيد و نحوها و ليس منها شيئا كان واجبا ثم صار بالإحرام محظورا . بل إن هذا الاستدلال يعني أن الله سبحانه إذا أمر الحجاج بتعرية رؤوسهم في الإحرام كان ذلك يفيد أن الرؤوس تغطى وجوبا في غير الإحرام ؟ من قال ذلك من شاء غطى رأسه ومن شاء كشفه .
16- ما جاء في البخاري ومسلم عن السيدة عائشة قالت ( كن نساء مؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وآله صلاة الفجر متلحفات بمروطهن ( أي مستورات الأجساد بما يشبه الملاءة ) ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفن من الغلس ) والحديث يدل بمفهومه أن هؤلاء النساء كدن أن يعرفن لولا الغلس أي الظلمة التي بعد الفجر ولا يعرفن إلا إذا كن سافرات الوجوه .
17- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فقالت يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه و آله فصعد فيها النظر وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت أنه لم يقض فيها شيئا جلست . فقام رجل من الصحابة فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجه فزوجنيها فقال ( اذهب فقد أنكحتها بما معك من القرآن ) . لو لم تكن سافرة الوجه فما معنى نظره صلى الله عليه و آله إليها وإطالته النظر تصعيدا وتصويبا . ولم يرد أنها فعلت ذلك للخطبة ثم غطت وجهها بعد ذلك بل ورد أنها جلست كما جاءت فرآها الصحابي وطلب الزواج منها .
18- ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (ج3 ص19) عن جابر بن عبد الله قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و آله يوم عيد فبدأنا بالصلاة قبل الخطبة إلى أن قال: ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء ( أي من خيارهن ) سفعاء الخدين ( أي حمرة مشوبة بالسواد ) فقالت لم يا رسول الله؟ قال : ( لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير ) فجعلن يتصدقن من حليهم يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن . و السؤال هنا من أين لجابر أن يعرف أنها سفعاء الخدين إذا كان وجهها مغطى بالنقاب ؟ ولم أقرها صلى الله عليه و آله على سفور وجهها إن كان النقاب واجبا ؟
19- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما أن سبيعة بنت الحارث كانت تحت سعد بن خولة وهو ممن شهد بدرا وقد توفي عنها في حجة الوداع وهى حامل فلم تنشب ( أي لم تلبث ) أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت ( أي خرجت من نفاسها ) تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعك وقال لها : ما لي أراك متجملة ؟ لعلك تريدين النكاح !إنك والله ما أنت بناكحة حتى تمر عليك أربعة اشهر وعشر . قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسألته عن ذلك فأفتاني أني قد حللت حيث وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي .فدل هذا الحديث على أن سبيعة ظهرت متجملة أمام أبي السنابل وهو ليس بمحرم لها بل هو ممن تقدم لخطبتها بعد . ولولا أنها سافرة الوجه ما عرف إن كانت متجملة أم لا .
20- استغراب الصحابة لبس النقاب وذلك فيما رواه أبو داود في السنن في باب الجهاد حديث رقم (2488) عن قيس بن شماس قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله يقال لها أم خلاد وهى منتقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و آله جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة ؟ فقالت : إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي ! •والحديث فيه دلالة أنه لو كان النقاب أمرا معتادا للنساء في ذلك الوقت ما كان هناك وجه لقول الراوي : أنها جاءت وهى منتقبة •وما كان هناك معنى لاستغراب الصحابة وقولهم لها جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة ؟ •وأيضا رد المرأة يدل على أن حياءها هو الذي دفعها إلى الانتقاب وليس أمر الله ورسوله ولو كان النقاب واجبا شرعيا لأجابت بغير هذا الجواب بل ما صدر السؤال أصلا •فالمسلم لا يسأل لماذا أقام الصلاة أو آتى الزكاة. وفي القواعد المقررة : ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته.
21- ما رواه البخاري عن بن عباس أنه شهد العيد مع رسول الله صلى الله عليه و آله وأنه عليه السلام خطب بعد أن صلى ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن قال بن عباس ( فرأيتهن يهوين بأيدهن يقذفنه في ثوب بلال ) ودلالة هذا الحديث أن ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه و آله يرى أيدهن فصح بذلك أن اليد من المرأة و الوجه ليستا بعورة .
22- ما رواه بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله ( أنظرت إليها ؟ قال لا قال انظر فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه الترمذي والدارقطني وابن ماجه .وفي الأمر بالنظر إليها دليل على سفور وجهها و كونها غير منتقبة .
23- عن أبي هريرة قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله فأتى رجل فأخبره أنه خطب امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله ( أنظرت إليها ؟ قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا ) رواه مسلم حديث رقم ( 1424) و الدارقطني . والحديث فيه دلالة على كون المرأة غير منتقبة .
24- ما ورد أن كرائم الصحابيات يكشفن وجوههن بدليل ما أورده مسلم في صحيحه حديث رقم (1000) عن زينب امرأة عبد الله قالت : كنت في المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه و آله فقال: تصدقن ولو من حليكن – وكانت زينب تنفق على زوجها عبد الله و أيتام في حجرها – فقالت لعبد الله سل رسول الله صلى الله عليه و آله أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة فقال : سلي أنت رسول الله صلى الله عليه و آله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه و آله فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي . فمر علينا بلال فقلنا سل النبي صلى الله عليه و آله أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري وقلنا : لا تخبر بنا فدخل فسأله فقال: من هما قال زينب قال أي الزيانب قال : امرأة عبد الله . قال : نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة . ودلالة الحديث في أنه لولا أن عامة النساء كن سافرات الوجوه ويتعرف عليهن الرجال تبعا لذلك لما سأل رسول الله صلى الله عليه و آله من هما ولما تعرف عليها بلال وقال امرأة عبد الله .
25- ما رواه البخاري في صحيحه عن عون بن أبي جحيفة عن أبيهقال : ( آخى النبي صلى الله عليه و آله بين سلمان وأبي الدرداء . فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك ؟ قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ) . فكانت معرفة سلمان أنها متبذلة دليل على رؤيته لوجهها .
المحور الثالث الأدلة من تفسير علماء الصحابة
26- ما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد و ابن أبي حاتم عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس في قوله تعالى ( إلا ما ظهر منها ) قال : وجهها وكفاها و الخاتم .
27- ما أورده السيوطى في الدر المنثور وأخرجه بن جرير عن سيدنا سعيد بن جبير في قوله تعالى ( إلا ما ظهر منها ) قال الوجه و الكف .
28- ما أخرجه ابن جرير عن سيدنا عطاء بن يسار في قوله تعالى ( إلا ما ظهر منها ) قال: الكفان و الوجه .
29- ما أخرجه ابن أبي شيبه عن سيدنا عكرمة في قوله ( إلا ما ظهر منها ) قال: الوجه وثغرة النحر .
30- ما أخرجه عبد الرازق وابن جرير عن سيدنا قتادة أنه قال : بلغني أن النبي قال ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إلا ها هنا ويقبض نصف الذراع ) أورده السيوطي في الدر المنثور .
31- ما أخرجه عبد الرازق وابن جرير عن سيدنا المسور ابن مخرمه في قوله تعالى ( إلا ما ظهر منها ) قال القلبين ( السوار ) والخاتم والكحل . فالخاتم زينة الكف والكحل زينة الوجه .
32- ما أخرجه ابن المنذر عن سيدنا انس ابن مالك في قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قال: الكحل والخاتم .
المحور الرابع الأدلة من رأي أئمة التفسير
33- تفسير البيضاوي المسمى ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل ) فقال عندما تعرض للآية (31) من سورة النور " إلا ما ظهر منها " ( عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينية والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة ) .
34- تفسير الطبري المسمى ( جامع البيان عن تفسير القرآن ) بعد أن ذكر أكثر من رأى في تفسير ( إلا ما ظهر منها ) قال : ( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : الوجه والكفين ).
35- تفسير القرطبي المسمى ( الجامع لأحكام القرآن ) فيقول الإمام القرطبي ( لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعباده .وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجع إليهما ).
36- تفسير البغوي المسمى ( معالم التنزيل ) فقال ما نصه ( وإنما رخص في هذا القدر- الوجه والكفان - أن تبديه لأنهما ليسا بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة .وسائر بدنها عورة يلزمها ستره ).
37- تفسير أبو الحسن الخازن المسمى ( لباب التأويل في معاني التنزيل ) فقال فيه ما نصه ( وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة ).
38- تفسير ابن كثير المسمى ( تفسير القرآن العظيم ) فقال بعد ما عرض لأقوال بعض الصحابة المؤيدة أن المستثنى في الآية هما الوجه والكفان قال ( والمشهور عند الجمهور أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين ).
39- تفسير الجلالين : وجاء فيه ما نصه ( ولا يبدين زينتهن ) الخفية وهى ما عدا الوجه والكفين ( إلا ما ظهر منها ) هو الوجه والكفان .
40- تفسير الواحدي المسمى ( الوجيز ) قال ما نصه (إلا ما ظهر منها ) وهى الثياب والكحل والخاتم والخضاب والسوار. فلا يجوز للمرأة أن تظهر إلا وجهها وكفيها .
41- تفسير أبو بكر الرازي ( الجصاص ) المسمى ( أحكام القرآن ) يقول ما نصه ( ويدل على أن الوجه والكفين ليس بعورة أيضا أنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين ) .
المحور الخامس الأدلة من رأى أئمة المذاهب والفقهاء
42- مذهب الحنفية : فجاء في كتاب الاختيار وهو مرجع للمذهب الحنفي ما نصه ( ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه و الكفين إن لم يخف الشهوة وعن أبي حنيفة أنه زاد القدم لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب لإقامة معاشها ومعادها ) وجاء في بدائع الصنائع للكسائي ( ج4 ص266 ) ( لا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلا مواقع الزينة الظاهرة وهى الوجه والكفان رخص بقوله تعالى" ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " و المراد من الزينة الظاهرة الوجه والكفان فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف ) .
43- مذهب المالكية : فجاء في الشرح الصغير لسيدي أحمد الدردير المسمى أقرب المسالك لمذهب مالك ما نصه ( وعورة الحرة مع الرجل الأجنبي منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن غير الوجه والكفين وأما هما فليسا بعورة .)
44- مذهب الشافعية : قال الإمام الشافعي في كتابه الأم ج1ص89 ( وكل المرأة عورة إلا كفيها ووجهها ) قال الشرازي صاحب " المهذب " وهو من الشافعية ما نصه ( وأما الحرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين ) .
45- مذهب الحنابلة : فقال ابن قدامة في المغني ج1ص522 ( لا يختلف المذهب في انه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها . ثم يقول : وقال أبو حنيفة القدمان ليسا بعورة فهما كالوجه وقال مالك والأوزاعي والشافعي جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها ) .
ما ثبت عن أئمة الفكر السلفي ( الذي يتبنى فكرة النقاب )
46- ما ثبت عن أئمة الفكر السلفي ( الذي يتبنى فكرة النقاب ) أمثلة ابن كثير وابن تيمية والألباني وابن العثيمين. فأما ابن كثير فيقول في تفسيره ما نصه (عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال وجهها و كفيها و الخاتم وروى عن ابن عمر وعطاء و عكرمة وسعيد ابن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيره نحو ذلك ) أما ابن تيميه فقال في المحرر في الفقه ج1ص 42 ( وكل الحرة عورة سوى وجهها وفي كفيها روايتان ) أما الألباني فقد أقر صحة حديث السيدة أسماء الذي قال لها فيه رسول الله صلى الله عليه و آله "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين " وأورده الألبانى في صحيحه في باب ( صحيح سنن أبي داود ) وقال عنه حديث صحيح .
أما ابن العثيمين فقد قال في كتاب ( فتاوى نسائية عصرية ص18 ) وكان يجيب على سؤال عن حكم لبس النقاب و البرقع فقال ما نصه ( في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه. وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع في ما لا يجوز. ولهذا لم نفتِ امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه بل نرى أنه يمنع منعا باتا وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وألا تنتقب لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد ) .
ما ثبت أنه لا تكليف ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح .
47- فإن الأصل براءة الذمم من التكاليف. ولا تكليف إلا بنص ملزم لذا كان موضوع الإيجاب و التحريم في الدين مما يجب أن يشدد فيه ولا يتساهل في شأنه حتى لا نلزم الناس بما لم يلزمهم به الله . أو نحرم عليهم ما أحل الله لهم أو نحل لهم ما حرم الله عليهم . أو نشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى ولهذا كان أئمة السلف ( الحقيقيين ) يتورعون من إطلاق كلمة حرام إلا فيما علم تحريمه جزما .
فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يوجد نص صحيح الثبوت .
صريح الدلالة على التحريم يبقى الأمر على أصل الإباحة ولا يطالب المبيح بدليل لأن ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته . إنما المطالب بالدليل هو المحرم . وفي موضوع كشف الوجه والكفين لا نرى نصا صحيحا صريحا يدل على تحريم ذلك ولو أراد الله أن يحرمه لحرمه بنص بين يقطع كل ريب فقد قال سبحانه ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) الأنعام آية 119 . ولم نجد هذا في ما فصله لنا جل شأنه فليس لنا أن نشدد فيما يسر الله فيه حتى لا يقال لنا ما قيل لقوم حرموا الحلال من المطعومات ( قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) يونس59 .
ضرورة التعامل توجب معرفة الشخصية
48- فتعامل المرأة مع الناس في أمور معاشها يوجب أن تكون شخصيتها معروفة للمتعاملين معها بائعة أو مشترية أو موكلة أو وكيلة أو شاهدة أو مشهود عليها ومن ثم نجد أن الفقهاء مجمعون على أن تكشف عن وجهها إذا مثلت أمام القضاء حتى يتعرف القاضي و الشهود والخصوم على شخصيتها ولا يمكن التعرف على شخصيتها و الحكم بأنها فلانة بنت فلان ما لم يكن وجهها معروفا للناس من قبل وإلا فإن كشف وجهها في مجلس القضاء لا يفيد شيئا .
الله تعالى قد نفي عن دينه الحرج والعسر والشدة
49- إن إلزام المرأة المسلمة - وخصوصا في عصرنا - بتغطية وجهها ويديها فيه من الحرج والعسر الشديد ما فيه والله تعالى قد نفي عن دينه الحرج والعسر والشدة وأقامه على السماحة واليسر والتخفيف والرحمة قال تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج78 ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) البقرة 185 .( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) النساء28 . وقال صلى الله عليه وآله ( بعثت بحنيفية سمحة ) رواه الإمام احمد في المسند .فهي حنيفية في العقيدة سمحة في الأحكام . فقد قرر فقهاءنا في قواعدهم أن المشقة تجلب التيسير وقد أمرنا النبي صلى الله عليه و آله أن نيسر ولا نعسر ونبشر ولا ننفر وقد بعثنا ميسرين ولم نبعث معسرين .
النقاب يسبب ضررا بالغا بصحة المرأة
50- ما أثبته الطب الحديث أن ارتداء النقاب يسبب ضررا بالغا بصحة المرأة فقد أثبت أن المرأة المنتقبة تستنشق كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون مما يسبب كثير من الأمراض الصدرية مثل الربو والالتهاب الرئوي .هذا بالإضافة إلى تأثير بخار الماء ( الناتج من عملية التنفس ) على عينيها فيؤدي إلى ضعف البصر . وهذا مشهود ومعاين لدينا لمن يرتدين النقاب لفترات طويلة.وحاشا أن يأمر رسول الله بأمر يسبب ضررا بالغا بالمرأة التي أوصانا بها فقال : " رفقا بالقوارير " .
المحور السادس أدلة القائلين بوجوب النقاب والتي لم نرد عليها في أدلة المنع
الحق أننا لم نجد للقائلين بوجوب ارتداء النقاب ووجوب تغطية الوجه و اليدين دليلا شرعيا صحيح الثبوت صريح الدلالة سالما من المعارضة بحيث ينشرح له الصدر ويطمئن له القلب . وكل ما معهم متشابهات من النصوص تردها المحكمات وتردها الأدلة الواضحات ونذكر هنا أقوى ما استدلوا به ونرد عليهم :
أ- ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن السيدة عائشة قالت ( كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه و آله فإذا حاذوا بنا سدلت أحدانا جلبابها على رأسها فإذا جاوزونا كشفناه ). والرد على ذلك أن الحديث لا حجة فيه لوجوه :
1- أن الحديث ضعيف لأن في إسناده يزيد ابن أبي زياد وفيه مقال. ولا يحتج في الأحكام بضعيف .
2- أن هذا الفعل من السيدة عائشة لا يدل على الوجوب فإن فعل النبي صلى الله عليه و آله نفسه لا يدل على الوجوب بل يدل على الجواز فقط فما بالنا بفعل غيره .
3- ما عرف في الأصول أن وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فسقط بها الاستدلال .
والاحتمال يتطرق هنا بأن يكون ذلك حكما خاصا بأمهات المؤمنين من جملة أحكام خاصه بهن كحرمة نكاحهن بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وتضعيف اجرهن وما الى ذلك . وهذا هو الرأى الذى نرجحه .
4- كيف يتصور أن يكون الوجه والكفين عورة يجب سترهما مع الاتفاق على كشفهما في الصلاة ووجوب كشفهما في الإحرام .
ب- استدلال بعضهم بقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه و آله ( وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ) . وفي الرد على ذلك ينبغي أن نعرف معنى الحجاب أولا : فالحجاب هو الساتر الذي يستر المرأة كلية حتى لا يراها الرجال وقد يكون ستارا أو جدارا أو بابا مغلقا وليس زيا معينا كما يعتقد البعض وينتشر بين عامة الناس وهو خاص بنساء النبي صلى الله عليه و آله باتفاق أهل العلم . والدليل على ذلك ما رواه البخاري من قول سيدنا عمر يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب. ومن هنا فلا وجه للاستدلال بالآية لأنها خاصة بنساء النبي صلى الله عليه و آله كما هو واضح وقول بعضهم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا يرد هنا إذ اللفظ في الآية ليس عاما وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبي مردود لأنه قياس مع الفارق فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن كما قال تعالى ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء )
ج- ومما استدلوا به أيضا قول بعض المفسرين في قوله تعالى في سورة ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) فقالوا إن إدناء الجلابيب عليهن يعني أن هن يسترن بها جميع وجوههن بحيث لا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة يبصرون بها . ولنرد هذه الشبهة لابد أن نتعرف على معنى الجلباب ومعنى الإدناء فقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم حديث أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه و آله أمر النساء بلبس الجلباب لشهود صلاة العيد فقالت امرأة : إحدانا ليس لها جلباب فقال صلى الله عليه و آله: لتلبسها صاحبتها من جلبابها . وهذا يدل على أن الجلباب لم يكن لباسا أساسيا لستر العورة وإلا لوجب على كل امرأة أن يكون عندها جلباب يخصها .
الأمر الثاني في معنى الإدناء : قال عكرمة ( الإدناء أن تغطي المرأة ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها )
فالإدناء هو تقريب شيء من شيء وهو تقريب الجلباب من الأرض لتتميز الحرة من الأمة والمسلمة من غير المسلمى ولا علاقة له بتغطية الوجه مطلقا . وبناء على ما سبق فإن قوله تعالى ( يدنين عليهم من جلابيبهن ) لا يستلزم ستر الوجه لغة ولا عرفا ولم يرد باستلزامه ذلك دليل من كتاب ولا سنه ولا إجماع .
د- هناك دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الأدلة المحكمة من النصوص . ذلكم هو سد الذريعة فهذا هو السلاح الذي يشهر إذا قلت الأسلحة الأخرى .ولكن سد الذريعة يقصد به منع شيء مباح خشية أن يوصل إلى الحرام وهو أمر اختلف فيه الفقهاء ما بين مانع ومجوز وموسع ومضيق لكن المقرر لدى المحققين من علماء الفقه والأصول أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها فكما أن المبالغة في فتح الذرائع قد تأتي بمفاسد كثيرة تضر الناس في دينهم ودنياهم فإن المبالغة في سدها قد تضيع على الناس مصالح كثيرة أيضا في معاشهم ومعادهم . وإذا فتح الشارع شيئا بنصوصه وقواعده فلا ينبغي لنا أن نسده بآرائنا وتخوفاتنا فنحل بذلك ما حرم الله . أو نشرع ما لم يأذن به الله . وقد تشدد المسلمون في العصور الماضية تحت عنوان سد الذريعة إلى الفتنة فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد وحرموها بذلك خيرا كثيرا ولم يستطع أبواها ولا زوجها أن يعوضوها ما يمنحها المسجد من علم وموعظة فكانت النتيجة أن كثيرا من النساء المسلمات يعشن ويمتن ولم يركعن لله ركعة واحده . مع أن الحديث الصحيح يقول " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " رواه مسلم . ومنعت بعد ذلك من المدارس والجامعات وكانت أيضا حجة المانعين سد الذريعة .
أيها الإخوة في الله يكفينا الأحكام والآداب التي قررها الإسلام لتسد الذرائع إلى الفساد والفتن. من منع التبرج وفرض اللباس الشرعي وتحريم الخلوة ووجوب غض البصر من المؤمنين والمؤمنات وفي هذا ما يغنينا عن التفكير في مواضع أخرى من عند أنفسنا .
نسأل الله أن يكون ما قدمناه من الأدلة فيه شفاء لكل قلب أصابه مرض التشدد في الدين مع أن الكل يعلم قوله صلى الله عليه و آله ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) . وما دفعنا لإجراء هذا البحث إلا امتثالا لقوله صلى الله عليه و آله " لا يمنعن أحدا منكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه "رواه الترمذي



نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : راجية العفو المنتدى : قسـم المحرمـات والمنهيات
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-06-2015 الساعة : 07:25 AM



الجواب :


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً : طريقة أهل العِلْم الراسخين تحرِّي الحق واتِّبَاع الدليل ، والتجرّد عند البحث والمناقشة ، لا أن يدخل الداخل إلى مسألة ما بِخَلْفِية مُعينة ، أو حُكم مُسْبَق ، أو يبحث مسألة ما وهو يَنتصر لِقول مُعيّن !
ولا أن يُؤخذ بعض قول العالِم ويُتْرَك بعضه !

ثانيا : ما استُدِلّ به على عدم وُجوب تغطية المرأة لوجهها ليس فيه مُستمسك ، ولا يصحّ الاستدلال به لأربعة أسباب :
الأول : أن مِن أدلة الحجاب ما كان قبْل نُزول الحجاب ، فلا يصحّ الاستدلال به على ما بعد نُزول آيات الحجاب .
والثاني : أن مِنه ما هو فَهْم للكاتِب - كما سيأتي بيانه - ، والأصل الاحتكام إلى الكتاب والسنة بِفَهْم أهل العِلْم الراسخين .
الثالث : أنه أهْمَل الأدلة الموجبة لِتغطية المرأة لِوجهها .
الرابع : أن طريقة أهل العِلْم حَمْل الدليل الْمُحْتَمَل على الدليل الصريح ، كما سيأتي بيانه في الرد .

ثالثا : بيان ما استَدَلّ به على النحو التالي :

1 – قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ، حيث اسْتَدَلّ به على : (إن وجوه النساء مكشوفة فلو كانت الوجوه كلها مستورة وكان كل النساء منقبات . فما وجه الحث على غض الأبصار ؟)
والجواب عنه مِن وجهين :
الوجه الأول : أن مِن النساء مَن لا يُؤمَرن بِتغطية وُجوههن ، مثل : الجواري ( الإماء ) ونساء الكفار ، ومَن لا يَلْتزمن بالحجاب الشرعي ، والصغيرات ممن تلفت الأنظار ، وإن كانت دون البلوغ .

قال الإمام البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نِساء العَجَم يَكْشِفْن صُدورهن ورؤوسهن . قال : اصْرِف بَصَرَك عنهن ، يقول الله عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) .
قال قتادة : عما لا يحل لهم .
( خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ) من النظر إلى ما نَهى عنه ، وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تَحِض من النساء ، لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يُشتهى النظر إليه ، وإن كانت صغيرة ، وكَرِه عطاء النظر إلى الجواري التي يُبَعْن بمكة إلاَّ أن يُريد أن يشتري . اهـ .
وهذا مِن فَهْم السلف للآية ، ولِمعنى غضّ البصر .
وقوله : " إن نساء العجم يكشِفْن صُدورهن ورؤوسهن " فيه دليل على أن نساء العرب لم يَكن ذلك مِن شأنهن .

الوجه الثاني : أن النظر إلى مفاتِن المرأة منْهِيّ عنه ، وإن كانت مُحجّبة حجابا كاملا لا يُرى منها شيء ؛ وقد تُعْرَف المرأة مِن جسمها ، ويوجد مِن الرجال من يفتتن بِالنظر إلى جِسْم المرأة ، ولو كانت مُحجبة ، خاصة إذا كانت المرأة ممتلئة الجسم .
قال مجاهد: إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فَزَيّنها لمن يَنْظُر ، فإذا أدْبَرَت جَلَس على عَجْزها فَزَيّنها لمن يَنظر .

وبهذا يُقضَى على أكثر مِن دليل اسْتَدَلّ به ، كما في ( 6 ) ، ( 7 ) ، ( 9 ) مِن أدلته فيما يتعلّق بِغض البصر .

2 – قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)
حيث قال : (فمن أين يعجبه حسنهن إذا لم يكن هناك مجال لرِؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟)
وهذا اسْتِدلال ضعيف لِسببين :
الأول : لأن حُسْن المرأة قد يُعرَف بالوَصْف ، كأن تَصِفه النساء ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لا تُبَاشِر المرأة المرأة فَتَنْعَتها لِزوجها كأنه ينظر إليها . رواه البخاري .
أي لا تَصِفُها لِزَوجها فتقع مِن قلبه موقعا فيُفتن بها .
ومِن هذا الباب مَنْع النبي صلى الله عليه وسلم الْمُخنَّث مِن الدخول على النساء .
فقد روى البخاري ومسلم مِن حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ ، فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ : إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُنَّ .
نَقل ابن بطّال عن المهلّب قوله : لَمَّا سَمِع النبي صلى الله عليه وسلم وَصْف الْمُخَنَّث للمرأة بهذه الصفة التي تَهِيم نفوس الناس ، مَنَع أن يَدْخل عليهن ؛ لئلا يَصِفهن للرِّجال فيسقط معنى الحجاب . قال غيره : وفيه مِن الفِقه أنه لا ينبغي أن يَدْخُل على النساء مِن المؤنثين مَن يَفْطن لِمَحَاسِنهن ويُحْسِن وَصْفهن . اهـ .
الثاني : لأن حُسْن المرأة قد يُعْرَض على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجوز للنساء عَرْض أنفسهن على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وعلى الرجل الصالح ، كما بوّب الإمام البخاري : باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح
ثم روى بإسناده إلى ثابت البناني قال : كنت عند أنس وعنده ابنةٌ له . قال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تَعْرِض عليه نفسها ، قالت : يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها . واسوأتاه واسوأتاه ! قال : هي خير منك ، رَغِبَت في النبي صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَتْ عليه نفسها .
قال ابن حجر : جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه ، فيجوز لها ذلك وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه .
وقال عن هذا الحديث وحديث سهل بن سعد : وفي الحديثين جواز عَرْض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه ، وأن لا غضاضة عليها في ذلك ، وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار ، لكن لا ينبغي أن يُصرح لها بالرد بل يكتفي السكوت . وقال المهلب : فيه أن على الرجل أن لا ينكحها إلاَّ إذا وَجَد في نفسه رَغبة فيها . اهـ .
وقال الإمام النووي : وفيه استحباب عَرْض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها . اهـ .

وقال ابن كثير : وقوله : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) يعني : لِصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهنّ مِن كلامهن الرخيم ، وتعطفهن في المشية وحَركاتهن ، فإذا كان الطفل صغيرًا لا يَفهم ذلك ، فلا بأس بِدُخوله على النساء . فأما إن كان مُرَاهِقا أو قَريبا منه ، بحيث يَعْرِف ذلك ويَدْرِيه ، ويُفَرِّق بين الشوهاء والحسناء ، فلا يُمَكّن مِن الدخول على النساء . اهـ .

3 – قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) .
وقوله : (يستثنى الحق سبحانه وتعالى زينه المرأة الظاهرة وهي وجهها وكفيها وذلك بإجماع جمهور المفسرين)
وهذا تدليس على القُرّاء ، فإن هذا ليس هو قول جمهور المفسِّرين ، فضلا عن أن يكون إجماعا .
قال ابن جرير الطبري في تفسيره : وقوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) يقول تعالى ذِكْرُه : ولا يُظهرن للناس الذين لَيسُوا لهن بِمَحْرَم زينتهنّ ، وهما زينتان :
إحداهما : ما خَفِي ، وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد .
والأخرى : ما ظَهر منها ، وذلك مُخْتَلَف في المعنيّ منه بهذه الآية ، فكان بعضهم يقول : زينة الثياب الظاهرة .
ثم روى ابن جرير بإسناده إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : الزينة زينتان : فالظاهرة منها الثياب ، وما خَفِي : الخَلْخَالان والقرطان والسواران .
وروى بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : والزينة الظاهرة : الوجه ، وكحل العين ، وخِضَاب الكفّ ، والخاتم ؛ فهذه تَظهر في بيتها لمن دَخل مِن الناس عليها .
يعني مِن النساء ومِن محارمها .

وقال البغوي في تفسيره : قوله تعالى : (إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أراد به الزينة الظاهرة . واخْتَلَف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي استثناها الله تعالى : قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي : هو الوجه والكفان . وقال ابن مسعود : هي الثياب ، بدليل قوله تعالى : ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، وأراد بها الثياب . اهـ .

وقال ابن كثير : وقال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: لا يُظهرْنَ شيئا من الزينة للأجانب ، إلاَّ ما لا يمكن إخفاؤه .
وقال ابن مسعود : كالرِّداء والثياب . يعني : على ما كان يتعاطاه نساء العرب ، من المِقْنعة التي تُجَلِّل ثيابها ، وما يَبدو مِن أسافل الثياب فلا حَرج عليها فيه ؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. ونظيره في زِيّ النساء ما يَظهر من إزارها ، وما لا يمكن إخفاؤه . وقال بقول ابن مسعود : الحسن ، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النَّخَعي ، وغيرهم . اهـ .

فهل قال جمهور المفسِّرين بِما قاله صاحب الاستدلال ؟!

وقول ابن عباس رضي الله عنهما محمول على احد أمْرَين :
الأول : تَظهر في بيتها لمن دَخل مِن الناس عليها . كما رواه عنه ابن جرير ، وقد تقدَّم .
والثاني : في أمْن الفتنة .
قال القرطبي في تفسيره : وقد قال ابن خويز منداد مِن علمائنا : إن المرأة إذا كانت جميلة وخِيف مِن وجهها وكَفيها الفتنة فَعليها سَتر ذلك ، وإن كانت عجوزا أو مُقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها . اهـ .
ونقل الشوكاني عن ابن رسلان اتفاق المسلمين على مَنْع النساء أن يَخْرُجْن سَافِرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساق .


وقوله : (فالزينة الظاهرة هي الوجه والكفين لان المستثنى لا بد أن يكون من جنس المستثنى منه)
أقول : هذا قول ضعيف ، ولا أعلم أحدا قال به قبله !
فإن في اللغة : الاستثناء الْمُنْقَطِع ، وهو أن يكون المستثنى ليس مِن مَعْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْه . ويُمَثِّل لَه أهْل اللغَة بِقَولِهم : " جَاء القَوم إلاَّ حِمَارًا " ، كما قال ابن عقيل في شرحه على ألفية ابن مالك .

4 – الاستدلال بالآية السابقة على معنى الْخِمار ، وهو لم يأتِ بِفَهْم السلف ، بل بِفهمه هو للخمار !
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : و " الْجِلْبَابُ " هُوَ الْمُلاءَةُ ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ : الرِّدَاءَ ، وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ : الإِزَارَ ، وَهُوَ الإِزَارُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُغَطِّي رَأْسَهَا وَسَائِرَ بَدَنِهَا . اهـ .
وقال الشوكاني : الْجِلْبَابُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِتَكْرَارِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللامِ ، قِيلَ : هُوَ الإِزَارُ وَالرِّدَاءُ . وَقِيلَ : الْمِلْحَفَةُ . وَقِيلَ : الْمِقْنَعَةُ ، تُغَطِّي بِهَا الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَظَهْرَهَا . وَقِيلَ : هُوَ الْخِمَار . اهـ .
ويجب على المرأة أن تلبس ما يسترها ستْرًا كاملا عند الخروج ، وهو ما يكون في معنى الجلباب ، وقد سألتْ امْرَأَةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ : قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا . رواه البخاري ومسلم .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه إن الحرة تحتجب ، والأمَة تبرُز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة مختمرة ضربها ، وقال : أتتشبهين بالحرائر ! أيْ لكاع . فَيَظْهَر من الأمَة رأسها ويداها ووجهها …
وكذلك الأمَة إذا كان يُخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ، ووجب غض البصر عنها ومنها ، وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر … فإذا كان في ظهور الأمَة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك ، وهكذا الرجل مع الرجال ، والمرأة مع النساء : لو كان في المرأة فتنة للنساء ، وفى الرجل فِتنة للرِّجال لَكَانَ الأمر بالغضّ للناظر من بَصَرِهِ متوجِّها كما يتوجَّه إليه الأمر بِحِفْظِ فَرْجِه . انتهى كلامه رحمه الله .
وقول عمر هذا . قال عنه الألباني : هذا ثابت من قول عمر رضي الله عنه .وهذا الفعل من عمر رضي الله عنه من أقوى الأدلة على اختصاص الحرائر بالحجاب - الخمار ، وهو غطاء الوجه - دون الإماء ، وأن من كشفت وجهها فقد تشبّهت بالإماء !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء . اهـ .
قال ابن منظور في لسان العرب : والْمِقْنَعةُ : ما تتَقَنَّعُ به المرأَةُ من ثوب تُغَطِّي رأْسَها ومحاسِنَها . اهـ .
والخمار ما يُلفّ على الرأس ويُغطّى به الوَجه ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : فشققن مُروطَهن فاخْتَمَرْنَ بها . رواه البخاري .
ومِنه قوله عليه الصلاة والسلام : خَمِّرُوا الآنِيَةَ . رواه البخاري ومسلم . والمقصود به : التغطية .
ومِنه سُمِّيت الْخَمْر خمْرًا ؛ لأنها تُخامِر وتُغطِّي العقل .

قال ابن حجر : قوله : " فاخْتَمَرْن " ، أي : غَطّين وُجُوههن ؛ وصِفة ذلك أن تَضَع الخمار على رأسها وتَرْمِيه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع ، قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قُدّامها، فأمِرْن بالاستتار . اهـ .

ومِن أدلة وُجوب تغطية وجه المرأة إذا كانت بِحضرة رجال أجانب قول الله عَزّ وَجلّ في حقّ القواعد من النساء : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) .
قال ابن مسعود : إنما أُبِيح لهن وَضْع الجلباب الذي فوق الخمار والرداء .
قال ابن كثير : (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) يقول : فليس عليهنّ حرج ولا إثم أن يَضعن ثيابهنّ ، يعني جلابيبهنّ ، وهي القِناع الذي يكون فَوق الخمار ، والرداء الذي يكون فوق الثياب ، لا حرج عليهن أن يَضعن ذلك عند المحارِم مِن الرجال ، وغير المحارم مِن الغرباء ، غير متبرجات بزينة . اهـ .
فإذا كان هذا في حقّ النساء الكبيرات ، فكيف بِحقّ غيرهن من الشابات ؟!
ولا شك أن ما أُذِن للكبيرات في وضْعِه لا يُؤذَن للشابات في وضعه .

5 – الاستدلال بِحديث : " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا " لا يُسلَّم له به لأمرين :
الأول : ضَعْف الحديث ؛ فقد ضَعّفه غير واحد .
قال ابن كثير : قال أبو داود وأبو حاتم الرازي : هذا مُرْسَل ؛ خالد بن دُرَيك لم يسمع من عائشة . اهـ . والْمُرْسَل مِن أقسام الحديث الضعيف عند جمهور الْمُحدِّثين .
وقال ابن التركماني : في سَنَده الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير ، والوليد مدلس ، وابن بشير ، قال يحيى : ليس بشيء ، زاد ابن نمير : منكر الحديث وضعفه النسائي ، وقال ابن حبان فاحش الخطاء ، ورواه ابن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة . اهـ .
بل ضعّفه الشيخ مصطفى العدوي في رسالة " الحجاب " مِن سبعة أوْجُه .
الثاني : احتِمال أن يكون في أول الأمر ، وقبل نُزول الحجاب .

6 ، 7 – في غض البصر ، وسبق الجواب عنها ، إلاّ أن قوله : (ومعلوم أن غض البصر يكون عند مطالعه الوجه بداهة)أقول : ليس هذا مِن المعلوم بِداهة ! لأن المؤمن يُؤمَر بِغضّ بصَره عن الجواري وعن نساء الكفار وعمّن لم تلتزِم بالحجاب الشرعي ، كما يُؤمَر بِغضّ بصَرِه عن الأجسام الفاتنة . وقد تقدّم القول في الرد الأول ، ونَقْل قول البخاري وما ساقه مِن أقوال السلف في هذا الباب .

8 – الاستدلال بِحديث جابر ، وفيه : إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل .
واستدلاله ضعيف مِن وجهين :
الوجه الأول : معلوم أن ما يدعو الرجل إلى نكاح المرأة ليس هو النظر إلى الوَجْه فَحَسْب ، ولذا قال جابر رضي الله عنه : فخطبت امرأة من بني سليم فكنت أتخبأ لها في أصول النخل ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها . رواه أبو داود والحاكم وقال : هذا حديث صحيح .
وروى ابن ماجه عن محمد بن سلمة قال : خطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها ، فقيل له : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا ألقى الله في قَلب امرئ خِطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها .
والوجه الثاني : أن نساء الصحابة لو كُنّ سافرات عن وُجوههن في كل طريق ، وفي كل ذهاب ومجيء ، لم يكن أحد منهم بِحاجة إلى أن ينظر إلى مَن خَطبها ، ولا أن يتخبأ لها لينظر إليها !

وهذا الحديث مما استدلّ به الذين قالوا بِوجوب تغطية وجه المرأة ، إذا كانت بحضرة رِجال أجانب ، فمن عَجَب أن يُسْتَدَلّ به على جواز كشْف الوجه !

9 – الاستدلال بحديث " لا تتبع النظرة النظرة " استدلال ضعيف ، وقد تقدّم في الرد الأول تضعيف استدلاله بالأمر بِغضّ البصر ، على أن غضّ البصر يكون عن الوجوه .
وأزيد هنا :
أن الإنسان قد ينظر إلى امرأة لم تعلَم بِوجوده بِقربها أصلا ، فَنُهِي عن إتباع النظرة النظرة .
كما أن المؤمن يُنهَى عن النظر إلى الأمرد .
قال ابن كثير : قال كثير من السلف : إنهم كانوا يَنْهَون أن يُحِدَّ الرجل بَصَره إلى الأمْرَد . وقد شَدَّد كثير مِن أئمة الصوفية في ذلك ، وحَرَّمه طائفة مِن أهل العِلم ، لِمَا فيه من الافتتان ، وشَدّد آخرون في ذلك كثيرًا جدًا . اهـ .

10 – الاستدلال بحديث " إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله "
وقوله : (قال الامام الجصاص فى تفسيره احكام القرآن : ( ولا يعجبه حسنهن الا بعد رؤيه وجوههن ))
وهذا تلبيس على القراء ، فإن الجصاص إنما قال : (قَوْلُهُ : (لا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ) وَلا يُعْجِبُهُ حُسْنُهُنَّ إلاَّ بَعْدَ رُؤْيَةِ وُجُوهِهِنَّ) .

ولا يصح الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله " على كون النساء سافرات الوجوه ، لسببين :
الأول : أن في الحديث نفسه : إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ . رواه مسلم .
ومعلوم أن الإدبار ليس فيه نَظَر للوجوه إطلاقا ! فلو رأى الإنسان امرأة مُدبِرة ، ووقع في نفسه شيء ، فهو مأمور بأن يأتِ أهله .
الثاني – وهو تابِع للأول – أنه تقدّم أن الإنسان قد يُفتَن بالنظر إلى بدن المرأة .
ولذا قال زيد بن حارثة رضي الله عنه عن زينب رضي الله عنها : فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي . رواه مسلم .
ومِن هذا أمْر نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام للمرأة التي جاءته تمشي على استحياء .
روى ابن جرير في تفسيره عن ابن إسحاق أنه قال : فقال لها [ يعني موسى ]: امشي خَلْفي ، وانْعَتِي لي الطريق ، وأنا أمشي أمامك ، فإنا لا ننظر إلى أدبار النساء !

11 – الاستدلال بقصة المرأة الخثعمية التي وُصِفَت بأنها وضيئة .
لا يصحّ الاستدلال به لِعدة وجوه :
الأول : أن الوضاءة ليست مُختصة بالوجه .
والوضاءة تكون في الجسم ، وقد عَرَف عُمر رضي الله عنه سودة رضي الله عنها في الظلام !
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً ، وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً ، فَنَادَاهَا عُمَرُ : أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحِجَابَ .

الثاني : أنه جاء في رواية أن أباها كان يَعْرِضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لذا صَرَف النبي صلى الله عليه وسلم وَجْه الفضل عنها .
رواه أبو يعلى عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه ابنة له حسناء ، فجعل يَعْرِضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها . قال : فجعلت ألْتَفِتْ إليها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه .
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .
ولا يُعارضه قولها : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرًا لا يثبت على الراحلة . فإن الأب يُطلق على الْجَدّ أيضا .

الثالث : احتمال كشْف الوجه في الإحرام .
وأما قوله : ( ولا حجه فى الحديث ان المرأه كانت محرمه فى الحج لان الواقعه كانت بعد النحر اى بعد التحلل من الاحرام )فهو غير صحيح ، ففي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما في صِفة حجّة النبي صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا ، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ .. الحديث . رواه مسلم .
فهذا صريح في أن إرداف النبي صلى الله عليه وسلم للفضل كان مِن مُزدلفة وقبل رَمي الجمرة وقبل التحلل .

الرابع : أن صَرْف النبي صلى الله عليه وسلم لِبصَر الفضل إنما كان عن عموم النظر ، ففي الحديث السابق : " فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ " ، ومعلوم أن جَرْي الإبل مَدْعَاة لانكشاف النساء .
قال القاضي عياض : فيه سُنّة غضّ البصر خوف الفتنة ، وأن ذلك في حق النساء والرجال جميعا بعضهم لبعض ، ألا تراه كيف قال في الفضل : " وكان أبيض وَسِيمًا حَسَن الشَّعْر يخاف فتنة الظعن به ، وفتنته بهن " ؟ . اهـ .

12 – الاستدلال بقصة الرجل الذي نَظَر إلى امرأة .. وقوله : (فدل هذا الحديث على ان النساء كن سافرات الوجوه وكان منهن من تلفت بحسنها انظار الرجال)
أقول هذا قول ضعيف مِن عدّة وُجوه :
الوجه الأول : احتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب .
الوجه الثاني : أنه – إن صحّ الحديث – فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعْتبَر نَظَر الرجل إلى المرأة ذَنْبًا عُجِّلَتْ له عقوبته . فلو كان كشف وجْه المرأة جائزا والنظر إليه جائزا ، لَمَا كان الناظر مُستحِقّا للعقوبة !
الوجه الثالث : أنه قد يكون نَظَر إلى امرأة لا تَعْلَم بِوُجُودِه ، وقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي تميمة الهجيمي قال : بينا أنا في حائط من حيطان المدينة إذ بَصُرت بامرأة ، فلم يكن لي هم غيرها حتى حاذتني ، ثم أتبعتها بصري حتى حاذيت الحائط ، فالتفت فأصاب وجهي الحائط فأدماني .
فإذا كان ذلك كذلك ، فإنه يُرجِّح أن الرجل في الحائط والمرأة خارجه ، ويُحتَمل أنها لم تكن تعلم بِه .
والاحتمال الثاني أنها امرأة ليست مِن نساء المسلمين ، وهذا الاحتمال وارِد ، إذ كان اليهود يُخالِطون المسلمين في المدينة ، وكانت نساء اليهود يَدْخُلْن على عائشة رضي الله عنها ، كما ثبت ذلك في غير حديث .
وفي نساء اليهود جَمَال لا يُنْكَر ، ومِن ذلك ما ذُكِر لِرَسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فَتْح خيبر مِن جَمَال صفية رضي الله عنها ، حتى اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لِنفسه .

الوجه الرابع : أن المسألة لم تكن لِمُجرّد النظر .
فقد جاء في رواية لإمام أحمد والحاكم عن عبد الله بن مغفل : أن رَجُلا لَقِي امرأة كانت بَغِيًّا في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها ، فقالت المرأة : مه ، فإن الله عز وجل قد ذَهب بالشرك - وقال عفان مرة : ذَهب بالجاهلية - وجاءنا بالإسلام ، فَوَلّى الرجل ، فأصاب وجهه الحائط فَشَجّه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أنت عَبْد أرَاد الله بك خَيرا . إذا أراد الله عز وجل بِعَبْدٍ خَيرا عَجّل له عقوبة ذَنْبه ، وإذا أراد بِعَبْدٍ شَرًّا أمْسك عليه بذنبه حتى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة كَأَنَّهُ عَيْر . قال الحافظ العراقي : رواه أحمد والطبراني بإسناد صحيح من رواية الحسن عن عبد الله بن مُغَفّل مَرفوعا ومُتَّصِلاً . اهـ . وقال شعيب الأرنؤوط عن إسناد أحمد : صحيح لغيره ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة ، فمن رِجال مسلم . اهـ .

الوجه الخامس : أن الرجل عدّ فِعله ذلك ذَنْبًا . ففي رواية الطبراني في الأوسط عن أبي تميمة الهجيمي : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : هَلَكْت .
فهو يعتبره هلاكًا ، إذ لو كان يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها ، ويجوز للرجل أن ينظر إليه ، لَمَا كان ذلك يُعدّ عقوبة !

13 – الاستدلال بِما رواه ابن جرير وأوْرَده السيوطى فى الدر المنثور ، وفيه : " إذا عَرَكَت المرأة لم يَحِلّ لها أن تُظْهر إلاّ وجهها وإلاَّ ما دون هذا ... " .
وهذا ضعيف ، فإن ابن جرير أوْرَده بلا إسناد ، قال ابن جرير : قالت عائشة: دَخَلَتْ عليّ ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مُزَيَّنةً ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأعرض .. الحديث .
فلا حُجّة فيه .
وعلى من يستدلّ أن يُثبِت الدليل قبل استدلاله .

14 ، 15 – الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام : لا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ ، وَلا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ . رواه البخاري .
وبِقول عائشة رضي الله عنها : لا تَلَثَّمْ وَلا تَتَبَرْقَعْ وَلا تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلا زَعْفَرَانٍ . علّقه البخاري .

وهذا ليس فيه دليل على كَشْف الوجه مِن وُجوه :
الأول : أن النهي عن البرقع والنقاب ليس نهيًا عن تغطية الوجه ، ففي رواية البيهقي لقول عائشة رضي الله عنها : ولا تتبرقع ولا تَلَثّم وتُسْدِل الثوب على وجهها إن شاءت .
قال ابن حجر : وقال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : تُسْدِل المرأة جلبابها مِن فوق رأسها على وجهها .

الثاني : أن النهي عن تَغْطِية الوجه إنما هو بِما يُفَصَّل على قَدْره ، ولذلك قُرِن النهي عن النقاب بالنهي عن القفاز .
قال ابن القيم : وَجْه المرأة كَبَدَن الرجل ، يَحْرُم سَتره بالْمُفَصَّل على قَدْره ، كَالنقاب والبرقع ، بل ويَدَها يَحْرُم سَترها بِالْمُفَصّل على قَدْر اليد ، كَالقُفّاز ، وأما سَترها بِالْكُمّ وسَتْر الوَجه بالملاءة والخمار والثوب فلم يُـنْهَ عنه ألبته . اهـ .

الثالث : أنه لم يَقُل أحد إن المرأة الْمُحْرِمَة لا تلبس الثياب لأنها نُهِيت عن لبس ما فيه وَرْس أو زَعْفَرَان .
قال ابن القيم :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَشْرع لها كَشْف الوَجه في الإحرام ولا غيره ، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصّة ، كما جاء بالنهي عن القفازين ، وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل ، ومعلوم أن نَهْيَه عن لُبس هذه الأشياء لم يُرِد أنها تكون مكشوفة لا تُسْتَر البتة ، بل قد أجمع الناس على أن الْمُحْرِمة تَسْتُر بَدَنها بقميصها ودِرعها ، وأن الرَّجل يَستر بَدنه بالرداء وأسَافِله بالإزار ، مع أن مَخْرَج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحِد . وكيف يُزاد على موجب النص ويُفْهَم منه أنه شَرَع لها كَشْف وجهها بين الملأ جِهارا ؟ فأي نص اقتضى هذا ، أو مفهوم ، أو عموم ، أو قياس ، أو مصلحة ؟ . اهـ .

الرابع : أن نساء السلف فَهِمْن أن النهي إنما هو عن لبس النقاب والبرقع ، ولم يَفْهَمْن أنه لا يجوز لهنّ تغطية وُجوههن حال الإحرام .
قالت عائشة رضي الله عنها : كان الركبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سَدلتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه .
وهذا عام في أمهات المؤمنين وغيرهن .
ومن ادّعى خصوصية أمهات المؤمنين بهذا الأمر فقد غلِط ، وذلك لأن عائشة رضي الله عنها أفْتَتْ نساء المؤمنين بذلك .
فقد روى إسماعيل بن أبي خالد عن أمه قالت : كنا ندخل على أم المؤمنين يوم التروية فقلت لها : يا أم المؤمنين هنا امرأة تَأبى أن تُغَطِّي وَجهها . فَرَفَعَتْ عائشة خمارها مِن صدرها فَغَطَّت به وجهها . رواه ابن أبي خيثمة .
وكان عليه العمل عند غير أمهات المؤمنين . كَما رَوت ذلك فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جَدّتها . روى الإمام مالك عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نُخَمِّر وجوهنا ونحن مُحْرِمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .

16 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي الفجر ، فيشهدُ معه نساءٌ من المؤمنات متلفعاتٌ بِمُرُوطِهنّ ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ، ما يَعرفُهُنّ أحدٌ من الغَلَسِ . رواه البخاري ومسلم .
وليس في الحديث ما يدلّ على جواز كَشْف الوَجه ، إذ يُرد الْمُتَشَابِه إلى الْمُحْكَم .
وقد تظافرت أدلة الوحيين على وُجُوب تغطية المرأة لِوَجْهها .
وأما الأحاديث التي قد يُفهم منها كَشْف الوجه كهذا الحديث فليست صريحة في الدلالة .
وغاية ما في هذا الحديث نَفْي الْمَعْرِفة ، وهو مُحْتَمِل لِوُجُوه :
الأول : إما نفي معرفة أعيانهن من قِبل النساء أنفسهن .
الثاني : أن ذلك قبل نزول الحجاب ، كما قاله الباجي ، فيما نقله عنه ابن الملقّن .
الثالث : إن مِن عادة النساء في ذلك الزَّمَن أنهن يَنْصَرِفْن قبل الرِّجَال .
قالت أم سلمة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّم قام النساء حين يقضي تَسليمه ، ويمكث هو في مقامه يَسيرًا قبل أن يقوم . قالت : نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يُدْرِكهن أحَدٌ مِن الرجال . رواه البخاري .
بمعنى أنهن لو كشفن وجوههن مع الغَلَس وانصرافهن قبل الرجال لم يكن فيه مِن حَرج ، كما أنه ليس فيه مستمسك للقول بجواز كشف المرأة لوجهها بحضرة الرجال الأجانب ؛ لأنهن يَنْصَرِفن قبل الرجال .

17 – الاستدلال بقصة المرأة التي جاءت تعرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : (ولو لم تكن سافرة الوجه فما معنى نظره صلى الله عليه و آله اليها؟)
والجواب :
أنها جاءت تَعْرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن العَرْض بِخلاف غيره مِن الأحوال المعتادة .
ومِن جِهة أخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلة الْمَحْرَم للنساء ، فيجوز له ما لا يجوز لِغيره مِن النظر ، واستدلّ العلماء لذلك بأدلة ، منها :
قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
وفي قراءة تفسيرية : وهو أبٌ لهم .
قال الشنقيطي : وفي قراءة أُبَيّ بن كعب : (وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم) ورُوي نحوها عن ابن عباس ، وبهذا القول قال كثير مِن العلماء . اهـ .
ما رواه البخاري من طريق خَالِد بن ذَكْوَان عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي .
قال ابن حجر : وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَاز الْخَلْوَة بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا ، وَهُوَ الْجَوَاب الصَّحِيح عَنْ قِصَّة أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَانَ فِي دُخُوله عَلَيْهَا وَنَوْمه عِنْدهَا وَتَفْلِيَتهَا رَأْسه ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا مَحْرَمِيّة وَلا زَوْجِيَّة . اهـ .

وما رواه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَال : عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِنْدِي ، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ . قَالَ عُمَرُ : فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ ، ثُمَّ قَال : أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ ! أَتَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَ : نَعَمْ ! أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وغيرها من الأدلة .

18 – الاستدلال بـ (سفعاء الخدين) وهو استدلال ضعيف لوجهين :
الأول : أن يكون ذلك قبْل الحجاب . والأمر بالحجاب متأخّر عن الأمر بِصلاة العيد .
قال ابن الْمُلَقِّن رحمه الله : أول عيد صَلاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الفِطر مِن السَّنة الثانية مِن الهجرة . اهـ .

الثاني : أن تكون امرأة كبيرة .
قال القرطبي في " الْمُفْهِم " : لكن حُذّاق شُيوخنا زَعَموا : أن هذا الحرف مُغَيَّر في كتاب مسلم ، وأن صَوابه : " من سفلة النساء " ، ويؤيِّده : قول مَن رَواه : " ليست من عِلْيَةِ النساء " ، ويعضده أيضًا قوله بعد : " سفعاء الْخَدَّين" ، والسُّفعة : شُحوب بسواد . اهـ .


19 – الاستدلال بقصة سبيعه الأسلمية رضي الله عنها ، وقوله : (فدل هذا الحديث على ان سبيعه ظهرت متجملة امام ابى السنابل)
وهذا مُحْتَمَل لأمرين :
الأول : أن التجمّل أعمّ مِن أن يكون في الوَجْه ؛ لأن المرأة الْمُحِدّ على زوجها مأمورة باجتناب زينة اللباس وزينة الوَجه والطيب .
الثاني : أن أبا السنابل كان مِن ضِمّن الْخُطّاب . ويدلّ عليه ما في رواية النسائي في الكبرى : فَخَطَبها أبو السنابل بن بَعْكَك فأبَت أن تنكحه ، فقال : ما يصلح لك أن تنكحي حتى تَعْتَدّي آخِر الأجلين !

20 – الاستدلال بِقَول أم خلاّد : (ان أرزأ ابنى فلن أرزأ حيائى)
لا يصح لوجهين :
الأول : أن الحديث ضعيف . فقد رواه أبو داود ، وفي إسناده ضعيفان :
عَبْد الخبير بن ثابت بن قَيْس . قال ابن حجر في التقريب : مجهول الحال .
و فَرَج بن فضالة . قال ابن حجر في التقريب : ضعيف .

والثاني : لو صحّ لَكان حُجّة عليهم ؛ لأنها مُنتقبة مع عِظَم المصيبة !

21 – قوله : (قال بن عباس ( فرأيتهن يهوين بأيدهن يقذفنه فى ثوب بلال )
ودلاله هذا الحديث ان ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه و آله يرى ايديهن فصح بذلك ان اليد من المرأه و الوجه ليستا بعورة)

وهذا ضعيف أيضا لوجوه :
الأول : احتمال كونه قبل الحجاب ، وتقدّم أن أول صلاة عيد صلاّها رسول الله كانت في السنة الثانية مِن الهجرة .
الثاني : أنه ليس فيه التصريح بأن أيديهن كانت مكشوفة ، فليس فيها وَصْف خِضَاب أو خواتم ونحو ذلك .
الثالث : التعسّف في إقحام ذِكْر الوجه ! حيث قال في قول ابن عباس : (فرأيتهن يهوين بأيدهن) : (فصح بذلك ان اليد من المرأه و الوجه ليستا بعورة) فمن أين له ذِكْر الوجه ؟!
الرابع : أن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا ، فإنه كان قد ناهز الاحتلام عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : أنه كان آنذاك دون البلوغ ، هذا لو كان رأى شيئا !
الخامس : أنه يصحّ أن تقول : مدّت المرأة يدها ، وأنت لا تُريد بذلك أنها مدّت يدًا مكشوفة .
بل لو كانت مدّت يدها وهي تلبس القفازين ، فإنك تقول : مدّت يدها .

22 ، 23 – تقدّم القول في النظر إلى المخطوبة ، وأنه أعمّ مِن أن يكون في النظر إلى الوجه .
وتَعَسّف بقوله : (والحديث فيه دلاله على كون المرأة غير منتقبه)
فمن أين له ذلك القول ؟ ومَن قال به قَبْلَه ؟!

24 – قوله : (ما ورد ان كرائم الصحابيات يكشفن وجوههن)
وأضعف ما رأيت قوله : (ودلاله الحديث فى انه لولا ان عامة النساء كن سافرات الوجوه ويتعرف عليهن الرجال تبعا لذلك لما سأل رسول الله صلى الله عليه و آله من هما ولما تعرف عليها بلال وقال امرأة عبد الله)
فهل معرفة اسم المرأة يلزم مِنه كشْف وجهها ؟!
فإن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الاسم : أي الزيانب ؟!
وهُنّ مَن أخبرنه منهن ، ففي رواية لمسلم ، قالت زينب : فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ، فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلانِكَ : أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا ؟ وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ .

25 – استدلاله بـ (فزار سلمان ابا الدرداء فرأى ام الدرداء متبذله)
ثم قال مِن عنده : (فكانت معرفه سلمان انها متبذله دليل على رؤيته لوجهها)

أوّل مرّة أعرف أن التبذّل يكون في الوَجْه !!

قال القاضي عياض : قوله : " مُتَبَذِّلَـة " ، أي : لابِسَة بِذْلة ثيابها ، وهو ما يُمْتَهَن منها في الخدمة والشغل غير متزينة . اهـ .
وقال ابن الأثير : التَّبَذُّلُ : ترك التزيُّن والتَّهيُّئ بالهيئة الحسَنة الجميلة على جِهة التواضع . اهـ .
وقال ابن حجر : قوله : " مُتَبَذِّلَـة " ، أي : لابِسَة ثِياب البِذْلة ، وهي الْمِهْنَة وَزْنًا ومَعْنًى ، والمراد أنها تَارِكة لِلِبْس ثِياب الزِّينة . اهـ .

ولو كان سلمان رضي الله عنه رأى وجه أم الدرداء رضي الله عنها لَمَا كان فيه استدلال ، لوجهين :
الأول : أن يُحمَل ذلك على ما قبل الحجاب .
الثاني : ما كان بينهما مِن أخوّة الإسلام ، التي كانت في أوّل الأمْر بين المهاجرين والأنصار .

إلى هنا أقِف ، وما ساقَه مِن أقوال الصحابة رضي الله عنهم لا يُسلّم له به ؛ لأن الصحابة قد اخْتَلفوا ، وإن كان الكاتب غير أمين في النقل ؛ لأنه يُوهِم القُرّاء أن ذلك القول الذي قاله هو قول جمهور المفسِّرين ! أو يُلبّس على القراء بِفَهْمه هو دون فَهْم السلف ، أو يأتي بِما لم يأتِ به الأوائل !
أو يستدلّ بِما لا يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مع تهويله في العنوان ( خمسون دليلا .. ) مع أنه لا يُسلَّم له بِدليل واحد !

بل قد دلّت الأدلة على وُجوب تغطية المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب .

وسبق بيان بعض أدلة وُجوب تغطية وجه المرأة أمام الرجال الأجانب هنا :
الحجاب عادة !
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=1888

وأما قوله في نهاية مقاله : (وقد تشدد المسلمون فى العصور الماضيه تحت عنوان سد الذريعه إلى الفتنه فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد .. )
فهذا ليس تشددا .
قالت عائشة رضي الله عنها : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : قلت لِعَمْرَة : أو مُنِعْن ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لِمَا أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيبِ وحسنِ الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .
قال ابن المبارك : أكْرَه اليوم الخروج للنساء في العيدين ، فإن أبَت المرأة إلاّ أن تَخْرُج فليأذن لها زوجها أن تَخْرُج في أطهارها ولا تَتزين ، فإن أبَتْ أن تَخْرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك .

تنبيه :
نقل فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مَنْع النقاب ، والشيخ رحمه الله إنما مَنَع ذلك لتوسّع النساء فيه ، وليس لأنه لا يجوز ، بل الشيخ رحمه الله يرى وُجوب تَغطية المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب .
وهذه فتوى من فتاوى الشيخ رحمه الله :
http://binothaimeen.net/content/10126

والله تعالى أعلم .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حكم من أنكر تغطية الوجه وقال إنه عادة ثم رجع في فتواه نسمات الفجر قسـم الفقه العـام 0 01-10-2015 09:05 AM
ما الرد على مَن يجيز مسألة كشف الوجه ويستشهدون بأقوال بعض المشايخ ؟ إني مسلمة قسـم الفقه العـام 1 26-06-2015 12:50 PM
إذا نزل شعر الرأس على الوجه فكيف يُغسَل الوجه أثناء الوضوء ؟ راجية العفو إرشـاد الطـهــارة 0 04-04-2015 08:37 PM
موضوع (ليلة لا يؤذن فيها الفجر) ناصرة السنة قسـم الأنترنـت 0 17-11-2012 09:46 PM
نشْر صور الأزياء مع طمس ملامح الوجه ، ونشْر صور المكياج مع تقطيع الوجه نسمات الفجر قسـم الفتـاوى العامـة 0 16-02-2010 08:58 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 03:42 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى