[راجية العفو]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الكريم ,,

أنا من سكان جده , لما جانا العيد اندهشت وفُجعت بما حصل لإخواننا في أحياء الجنوب من غرق و دمار قبل العيد بيوم !!

فالأمر كان بغته لنا !!

وبما أني من أهالي شرق جده وقريبة من بحيرة المجاري اجلك الله وتابعت أخبار المناخ حسب توقعات هيئة الارصاد وماتوقعوه من هطول امطار بغزارة ؟

ثم في ثالث العيد أخلى الدفاع المدني بعض المنازل في الأحياء القريبة منا وحذرونا بشكل عام من فيضان البحيرة ؟؟

الخ من أحوالنا العصيبة والخوف الذي أصابنا أيام العيد

أنا سريعة التأثر وعندي خوف فضييييع من الظواهر الكونية , إضافة الى أني دائماً في خوف من سخط ربي وعقابة وعذابة ؟؟ ودائماً معنوياتي محبطه لأننا نعيش في زمن فتن وأمور جسيمة كثيرة !! أضف الى أني أعيش في جده وأرى أحوال قومي فيها وفي خوف دائم من غضب الله لما يقوم به الناس من عصيان ومجهارة بالسوء والعياذ بالله

لما رأيت صور اخواننا في قويزة والسيل المباغت لهم ولما تتبعت أحوال البحيرة القريبة منا وكذلك أحوال المناخ

أصبت بهلع وخوف وترقب لكارثة الفيضان ( قل نومي , وزاد فزعي ) , فصرت أصر على أهلي ان يجتمعوا كلهم في منزلنا , وأعددت الغرفة العلوية من البيت لكي تكون جاهزة في حالة الطوارئ ( حسب تعليمات وصلتني عبر البريد ) فقمت بكل مافي هذه الرسالة من وصايا وارشادات وقمت بتصويرها كذلك ووزعتها على أهلي , وأرفض خروج أحداً من البيت ؟؟ وذلك كله لأن منزلنا بقرب البحيرة

ولم يغب عن تفكيري أن هذا الذي حل بنا غضب من الله وسخط وعقوبة وكذلك بلاء وتذكير من الله لنا , فكنت أستغفر الله كثيراً

والدي وكثير مع أنهم في قرارة أنفسهم خائفين من الفيضان وان لم يظهروا ذلك نقدوني وعلقوا علي بأني لا أتوكل على الله ,,

وذكروني بالتوكل على الله ,,

شككت في تصرفي وردة فعلي ؟؟ انا أعلم أن أمر الله لا راد له , وان لا أحد يأمن مكر الله

وأخذت بالارشادات والاحتياطات للسلامة وأعلم يقيناً أن الله إذا كتب لنا الغرق فلا راد له

ولكن كنت خاااائفة كثيراً ورتبت أمور السلامة

أنا أخشى أن أقوم بعملاً يخدش العقيدة فهل أخطأت ؟ وهل لم أحسن توكلي على الله ؟
أفتني جزاك الله خير



الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا . وأعانكم الله .

التوكّل على الله لا يُنافي الأخذ بالأسباب ، بل إن الأخذ بالأسباب مِن تمام التوكّل على الله .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان أهل اليمن يَحُجُّون ولا يَتَزَوّدُون ، ويقولون : نحن المتوكلون ! فإذا قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) . رواه البخاري .

ونبينا صلى الله عليه وسلم هو سيِّد الْمُتوكِّلين ، ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب ، فقد لبس الدرع في الحرب ، واحتاط لنفسه ومن معه في وُرود الماء قبل العدو ، وحفروا الخندق حول المدينة صدّا للأحزاب .. إلى غير ذلك مما يُعلَم مِن هديه صلى الله عليه وسلم ومن سيرته وسُنته .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع توكّله على الله يخشى أن يَحِلّ بأمته ما حلّ بالأمم الماضية .
قَالَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ، فَإِذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) الآيَةَ . رواه البخاري ومسلم .

وفي رواية : قَالَتْ : وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ ؟ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا ( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )

وفي رواية لمسلم : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ . قَالَتْ : وَإِذَا تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَاد : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) .

فمن أخذ بالأسباب وتوكّل على الله فقد فَعَل ما أُمِر به شرعًا .
خاصة إذا كان يخشى من أن يحلّ به ما حلّ بِغيره ، وعَلِم أن مِن أعظم أسباب ذلك الذنوب والمعاصي ، فأكثر من الاستغفار وعَمِل ما يَعْلَمه مِن أسباب النجاة الظاهرة والباطنة .

والله تعالى أعلم .



المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد