السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيك شيخنا
كم مرحلة مر بها تحريم الخمر ؟
هل : 1. قوله تعالى : (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سَكَرا ورزقا حسنا )
ثم : 2. قوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )
ثم : 3. قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )
ثم : 4. قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )
أم مرت بهذه المراحل :
1. قوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )
2. ثم قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى )
3. ثم قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب ... )
وجزاكم الله خيرا
الجواب/
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
اخْتُلِف في آية النحل . هل هي داخلة في مراحل تحريم الخمر أوْ لا ؟
قال ابن كثير : لَمَّا ذَكَر اللَّبَن وأنه تعالى جَعله شَرَابًا للناس سائغا ، ثَنَّى بِذِكْر ما يتخذه الناس من الأشربة ، مِن ثمرات النخيل والأعناب ، وما كانوا يصنعون مِن النبيذ الْمُسْكِر قَبل تحريمه ؛ ولهذا امْتَنّ به عليهم ، فقال : (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا) ، دَلّ على إباحته شَرْعًا قبل تحريمه . اهـ .
قال القرطبي : قال ابن عباس: نَزَلَت هذه الآية قبل تحريم الخمر .
وأراد بالسُّكر الخمر ، وبالرزق الحسن جميع ما يؤكل ويُشرب حَلالا مِن هاتين الشجرتين .
وقد قيل : إن السَّكر الْخَلّ بلغة الحبشة ، والرزق الحسن الطعام .
وقيل : السَّكر العصير الحلو الحلال ، وسُمّي سَكَرًا ؛ لأنه قد يصير مُسْكِرًا إذا بَقي ، فإذا بلغ الإسكار حَرُم .
قال ابن العربي : أسدّ هذه الأقوال قول ابن عباس . ويخرج ذلك على أحد معنيين ، إما أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر ، وإما أن يكون المعنى : أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه ما حَرَّم الله عليكم اعتداء منكم ، وما أحلّ لكم اتفاقا أو قَصدًا إلى منفعة أنفسكم .
والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فتكون منسوخة ، فإن هذه الآية مَكية باتفاق من العلماء ، وتحريم الخمر مدني .
قلت : فَعلى أن السكر الخمر أو العصير الحلو لا نَسْخ ، وتكون الآية مُحْكَمَة وهو حَسن . اهـ .
وقال ابن عاشور : والسَّكَر بفتحتين : الشراب المُسْكِر .
وهذا امتنان بما فيه لذّتهم المرغوبة لديهم والمتفشّية فيهم ، وذلك قبل تحريم الخمر ؛ لأن هذه الآية مكّية ، وتحريم الخمر نَزَل بالمدينة ؛ فالامتنان حينئذ بمباح . اهـ .
وأوْرَد الرازي سؤالا قال فيه :
فإن قيل الخمر مُحَرَّّمَة ، فكيف ذَكَرَها الله في مَعْرِض الإنعام ؟
قال : أجابوا عنه مِن وجهين :
الأول : أن هذه السورة مَكِّـيَّة ، وتحريم الخمر نَزَل في سُورة المائدة ، فكان نزول هذه الآية في الوقت الذي كانت الخمر فيه غير مُحَرَّمة .
الثاني : أنه لا حاجة إلى الْتِزَام هذا النسخ ، وذلك لأنه تعالى ذَكَر ما في هذه الأشياء مِن النافع ، وخاطب المشركين بها ، والخمر مِن أشربتهم ، فهي منفعة في حقهم ، ثم إنه تعالى نَـبَّه في هذه الآية أيضا على تحريمها ، وذلك لأنه مَـيَّز بَينها وبَيْن الرِّزْق الْحَسَن في الذِّكْر ، فَوَجَب أن لا يكون السّكر رِزقًا حَسَنا ، ولا شك أنه حسن بحسب الشهوة ، فوجب أن يُقال : الرجوع عن كَونه حَسَنًا بِحَسب الشريعة ، وهذا إنما يكون كذلك إذا كانت مُحَرَّمَة . اهـ .
والذي يظهر أن تحريم الخمر مرّ بثلاث مراحل .
ودَلّ عليه ما جاء عن عمر رضي الله عنه .
قال عمر رضي الله عنه : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء ، فَنَزَلَت الآية التي في البقرة : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) الآية . فَدُعِي عُمَر فَقُرِئت عليه ، فقال : اللهم بَيِّن لَنَا في الْخَمْر بَيانًا شِفاء ، فَنَزَلت الآية التي في النساء : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ، فكان مُنادي رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أُقِيمت الصلاة يُنادي : ألا لا يَقْرَبَنّ الصلاة سَكران ، فَدُعِي عُمَر فَقُرِئت عليه ، فقال : اللهم بَيِّن لَنَا في الْخَمْر بَيانًا شِفاء ، فَنَزَلت فنزلت الآية التي في المائدة ، فَدُعِي عُمَر فَقُرِئت عليه ، فلما بلغ : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قال عُمر : انتهينا ، انتهينا . رواه الإمام أحمد . وأبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
ويُمكن الاستئناس بِما رواه أبو داود الطيالسي قال : حدثنا محمد بن أبي حميد ، عن أبي توبة المصري ، قال : سمعت ابن عمر يقول : نَزَلَت في الخمر ثلاث آيات ، فأول شيء نزل : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية ، فقيل : حُرِّمَت الخمر ، فقيل : يا رسول الله ، دَعنا ننتفع بها كما قال الله عز وجل ، فَسَكَت عنهم ، ثم نزلت هذه الآية : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ، فقيل حُرِّمَت ، فقالوا : لا يا رسول الله ، إنا لا نَشربها قُرب الصلاة ، فَسَكَت عنهم ، ثم نزلت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية .