العودة   منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية فتاوى الإرشاد قسـم المقـالات والـدروس والخُطب قسم الخُطب المنبرية
منوعات المجموعات مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم الخُطب المنبرية
افتراضي خُطبة جمعة عن .. (تحريم الدماء والاعتداء)
قديم بتاريخ : 20-01-2015 الساعة : 10:28 AM

الحمدُ للهِ حَمْدًا كثيرا طيبا مُبَارَكا فيه ، كما يُحِبّ ربُّنا ويَرْضَى ..
الحمدُ للهِ الذي حَرَّم الظُّلْمَ على نَفْسِه وجَعَلَه بَيْن الناسِ مُحَرَّمًا ..
والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ الانبياءِ وخاتَمِ المرسلينَ ، مَن بَعَثَهُ ربُّهُ رحمةً للعالمينَ

أمَّا بعدُ :
فقدْ كَثُرَ في الآونةِ الأخيرةِ استخفافُ بعضٍ مِنَ الناسِ بالاعتداءِ على الآخَرينَ .
فَتَسمعُ بينَ حينٍ وآخَرٍ : اعتداءً بالسلاحِ ، وإصابَةَ بريءٍ لِخِلافٍ أو شِجَارٍ .
وسَفْكَ دَمٍ ، وتَرْويعَ آمِنٍ .. وهذا لا يصدُرُ مِنْ مؤمنٍ ، إلاّ عنْ طريقِ الخطأِ ، إذْ لا يَقْتُلُ إلاَّ ضعيفُ إيمانٍ ، أو مَن سُلِبَ الإيمانُ .
قالَ تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً) فالمؤمنُ لا يَقْتُلُ عَمْدًا ؛ لأنَّ الإيمانَ يَحْجِزُه .
ولذا قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : الإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ

قالَ ابنُ عبدِ البرِّ : لأَنَّ الإِيمَانَ شَأْنُهُ مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ كُلِّ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ إِذَا صَاحَبَهُ التَّوْفِيقُ ، فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالإِيمَانِ يَرْدَعُهُ عَنِ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ وَالآثَامِ . اهـ .
وقالَ ابنُ الجوزيِّ : الفَتْكُ: أَنْ يأتِيَ الرَّجُلُ صاحِبَهُ وَهُوَ غَارٌّ غَافِلٌ فيَشُدَّ عَلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ، والغِيَلَةُ: أَنْ يَخْدعَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ فِي مَوْضعٍ خَفِيٍّ . اهـ .

فقد كان الناسُ قَبْل الإسلامِ في جَاهِليةٍ وشَرّ ..
كان الناس في هَرْج ومَرْج .. يَقْتُل القويُّ الضعيف ..

تُستباحُ الدماء ، وتُنْتَهَكُ الأعراض ، وتُسْلَبُ الحقوق .. ويُقْتَلُ البريء، والجاني حُـرٌّ طَلِيق ..

فَجَاء الإسلام وحَفِظَ الحقوق ، وصَانَ الأعراض ، وحَرَّمَ الدماء وشدَّدَ في شأنها ، حتى كان القاتِلُ مُتوعّدا بالنارِ واللعنةِ والغضبِ والعذابِ الشديد .. وكان جزاؤه في الدنيا القَتْل ، إلاّ أن يَعفو أولياءُ الدم .
قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) .

وجَعَل الله عَزّ وَجَلّ قَتْلَ النفسِ قَرِينَ الشِّرِك ، فقال عَزّ وَجَلّ : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) .

بل عَظَّمَ الله شأنَ النفس حتى كان قاتِل النفسِ كَقَاتِلِ الناسِ جميعا .
قال عَزّ وَجَلّ : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) .
قال مجاهد : مَن قَتَل نَفْسًا مُحَرَّمَة يَصْلَى النار بِقَتْلِها ، كَمَا يَصْلاها لو قَتَلَ الناسَ جميعا .
وقال قتادة : أعْظَّم اللهُ أجْرَها ، وعَظَّمَ وِزْرَها .

وعَظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنَ الدِّمَاء ، حتى جَعَل دَم المسلم أعْظَم مِن الدُّنْيا بأسْرِها ، فقال عليه الصلاة والسلام : لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِم . رواه الترمذي والنسائي ، وصححه الألباني .

واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم سَفْكَ الدم الحرام مِن أعْظم الذنوب ، فقد سُئل عليه الصلاة والسلام : أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ . قيلَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ . قيلَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ. رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : لنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا . رواه البخاري .

مِن أجل ذلك كانت الدماء أوّلَ ما يُقضى به بين الناسِ يومَ القيامة .
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ. رواه البخاري ومسلم .

واطَّرَح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دِماءَ الجاهلية ، فقال في خُطبة حجة الوداع : أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوع ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ . رواه مسلم
وقال في يومِ الحجِّ الأكبر : إنّ دِمَاءكم وأمْوَالَكم وأعْرَاضَكم بينكم حَرَامٌ كَحُرْمةِ يومِكُم هذا في شَهْرِكُم هذا في بَلَدِكُم هذا . رواه البخاري ومسلم .

وقد تَبَرّأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن خَرَج على أمتّه يَضْرِبُ بَرَّها وفَاجِرَها، فقال عليه الصلاة والسلام : مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ . رواه مسلم .

وإنَّ مما يَنْتَظِمُ في هذا التشديد أنْ مَنَعَ الإسلامُ كلَّ وسِيلَةٍ تُفْضِي إلى ذلك ؛ فَمَنَعَ العَدَاوَاتِ والبغضاءَ والإحَن ، وما يَكُون سَببًا للاعْتِدَاء .
ففي الحديث : مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ .
وسَبَبُ ذلك أن الشيطانَ قد يَدْفَعُه لارْتِكاب جَريمة ، ولذلك جاء في رواية ما يُفَسِّر هذه الرواية : لا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلاحِ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ . رواه مسلم .

وأكثرُ ما يَحصلُ القتْلُ والاعتداءُ في حالِ الغضبِ
وقد أرشدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى علاجِ ذلِكَ ، فقالَ : إذا غَضِبَ أحدُكُم وهُوَ قائمٌ فليجلِسْ ،فإنْ ذهبَ عنْهُ الغضبُ وإلاَّ فليضطجِعْ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ . وصحَّحَه الألبانيُّ .
ومما يردعُ عنْ ذلِكَ أنْ يتذكَّرَ الإنسانُ أنَّ القاتِلَ في النارِ
قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ» ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ. رَوَاهُ البخاريُّ ومسلم .

ولَيْسَ مِنَ الشجاعةِ في شيءٍ ، ولا مِنَ الرجولةِ أنْ يأتيَ الإنسانُ إلى إنسانٍ غارٍّ غافِلٍ فيقتُلَه .
ولم يَكنْ هذا مِن شأنِ أهلِ الجاهليةِ فضلا عنْ أهلِ الإسلامِ ، إذْ كانَ الرَّجُلُ يُعيَّرُ ويُعابُ إذا قَتَلَ غدْرًا ، وكانوا يَرَونَ أنَّ الشجاعةَ والرجولةَ أنْ يُقابِلَ الخصمُ خَصْمَهُ وجَهًا لِوجْه .
وأما الإسلامُ فلم يُجِزْ ذلك إلاَّ في حالِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ ، أو الدَّفْعِ عنِ النَّفسِ .
ولذلِكَ قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ . رَوَاهُ البخاريُّ ومسلم .

وِإن مِن أعْظَم الْخُسْرَان أن يَتجرّأ الإنسان على سَفْكِ الدَّم لإرضاءِ غيره ، أو نَيْلِ مَكَانَة .
ذلك أنَّ أظْلَمَ الناس .. مَن ظَلَمَ الناسَ للناس ..
قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : لِمَ قَتَلْتَهُ ؟ فَيَقُولُ : قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ ، فَيَقُولُ : فَإِنَّهَا لِي ، وَيَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ : إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : لِمَ قَتَلْتَهُ ؟ فَيَقُولُ : قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلاَنٍ ، فَيَقُولُ : فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلاَنٍ ، فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ . رواه النسائي .
قالَ ابنُ بطَّالٍ : وأما إثِمُ الدمِ الحرامِ ، فقد عَظَّمَهُ اللهُ في غيرِ مَوْضعٍ مِن كِتابِهِ، وعلى لسانِ رَسُولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حتى قالَ بعضُ الصَّحابةِ : إنَّ القاتلَ لا توبةَ له . اهـ .

وشَدَّد السَّلَفُ في شأن الدِّمَاء ، حتى جَعَلُوا سَفْكَ دمِ المسْلِمِ أعظمَ مِن نَقْضِ الكعبةِ حَجَرًا حَجَرًا .

نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ : مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ . رواه الترمذي ، وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . وصححه الألباني
ونَظَرَ ابنُ عباسٍ إلى الكَعبةِ فقال : مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَمَا أَعْظَمَ حَقَّك ، وَلَلْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ ، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ ، وَحَرَّمَ دَمَهُ ، وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سوءٍ . رواه ابنُ أبي شيبة .
وسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا , ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا , ثُمَّ اهْتَدَى ، قَالَ : وَيْحَهُ ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى ؟ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ يَقُولُ : رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّكُمْ ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا بَعْدَ مَا أَنْزَلَهَا. رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني .
وقال سَعيدُ بنُ مِينَاء : إني لأطوفُ بالبيت مع عبدِ الله بن عمروٍ بعد حَريقِ البيت إذْ قال : أيْ سعيد! أعْظَمْتُم ما صُنِع بالبيت ؟ قال : قلت: وما أعْظَمَ منه ؟ قال : دمُ الْمُسْلِمِ يُسْفَكُ بِغِيرِ حَقِّه . رواه عبد الرزاق .
وكَتبَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنِ اكتُبْ إِلَيَّ بِالعِلمِ كُلِّهِ .
فَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنَّ العِلمَ كَثِيْرٌ ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ ، خَمِيْصَ البَطنِ مِنْ أَمْوَالِهِم ، كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِم ، لاَزمًا لأَمْرِ جَمَاعَتِهِم ، فَافعَلْ .
وقَالَ ابنُ عُمَرَ : إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ . رَوَاهُ البخاريُّ .

وقال الإمام أحمد : الإمْسَاكُ في الفِتْنةِ سُنَّةٌ مَاضِية ، واجِبٌ لُزُومِها ، فإن ابْتُلِيتَ فَقَدِّم نفسك دون دِينِك ، ولا تُعِن على فتنة بِيَدٍ ولا لِسَان ، ولكن اكْفُف يَدَكَ ولِسانَك وهَوَاك .
تَـمَّـتْ ..

وإذا كانَ الإسلامُ حرَّمَ قَتْلَ الطيرِ بِغيرِ حقٍّ ، فكيف بالمسلمِ ؟
مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا، وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ لَعَنَ اللهُ، مَنْ فَعَلَ هَذَا . إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا . رَوَاهُ مسلمٌ .

الخطبة الثانية :
أيها الناس :
لعلنا في زَمَنٍ كَثُرَ فيه التهاون بشأن الدماء ، حتى لكأنّا فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بِقوله: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ؟ فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ : الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ . رواه مسلم .

وإن مما يُمْدَحُ به المسلم : أن يَكُفَّ غَضَبه ، وأن يملِكَ زِمامَ نَفْسِه .
فقد سَألَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه يومًا : مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ ؟ قَالوا : الَّذِي لا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ . قَالَ : لَيْسَ بِذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ . رواه مسلم .

وكان كفُّ الْكَفّ مما سُطِّرتْ به صَفحاتُ التاريخ مَدْحا .
فقد نَاشَدَ عُثْمَانُ رَضْي اللهُ عنهُ النَّاسَ أَنْ لاَ تُرَاقَ فِيهِ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ . رواه ابن أبي شيبة .

وروى الإمام أحمد من طريق الْحَسَنُ البصري قال : حَدَّثَنَا أَبُو بَكَرَةَ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَثِبُ عَلَى ظَهْرِهِ إِذَا سَجَدَ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ ، فَقَالُوا لَهُ : وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَفْعَلُ بِهَذَا شَيْئًا مَا رَأَيْنَاكَ تَفْعَلُهُ بِأَحَدٍ .. قَالَ : إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
فَقَالَ الْحَسَنُ : فَوَاللَّهِ وَاللَّهِ بَعْدَ أَنْ وَلِيَ لَمْ يُهْرَقْ فِي خِلاَفَتِهِ مِلْءُ مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمٍ .

وخَطب الحسنُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما فقال: إِنَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ ، وَإِنَّ أَمْرَ اللهِ وَاقِعٌ وَإِنْ كَرِهَ النَّاسُ ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِنُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ يُهْرَاقُ فِيهَا مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ مُنْذُ عَلِمْت مَا يَنْفَعُنِي مِمَّا يَضُرُّنِي . رواه ابن أبي شيبة .

وذاك سَيِّدٌ آخَرَ كَفَّ كفَّه في زَمَن الفِتن .
قال الحسنُ : لَما كان مِن اختلافِ الناسِ ما كان ، أتَوا عبدَ الله بنَ عُمر فقالوا : أَنْتَ سَيِّدُنَا ، وَابْنُ سَيِّدِنَا ، اخْرُجْ يُبَايِعْكَ النَّاسُ ، وَكُلُّهُمْ بِكَ رَاضٍ ، فَقَالَ : لاَ وَاللَّهِ لاَ يُهْرَاقُ فِي سَبَبِي مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ ، مَا كَانَ فِيَّ رُوحٌ ، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ فَخَوَّفُوهُ فَقَالُوا : لَتُخْرُجَنَّ أَوْ لَتُقْتَلَنَّ عَلَى فِرَاشِكَ ، فَقَالَ : مِثْلَهَا ، فَأُطْمِعَ وَأُخِيفَ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا اسْتَقَلُّوا مِنْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

ومَن كَفّ غضبه سَلِم ، ومَن أتْبَع نفسَه هواها نَدِم .

عباد الله :
عَظِّمُوا ما عَظَّمَه اللهُ ورَسُولُه صلى الله عليه وسلم ..
ومَن اسْتَطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنةِ بِمِلءِ كفٍّ مِن دمٍ حرام ، فَعَلَيه أن يَفْعَل .
ففي الحديث : مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لا يُصِيبَ دَمًا حَرَامًا، وَلا مِحْجَمَةً مِنْ دَمٍ حَرَامٍ لا يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَهَا. رواه البيهقي في شُعب الإيمان .
وعند الطبراني مِن حديث جُنْدُبِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَحُولَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمٍ يُهْرِيقُهُ ، كَأَنَّمَا يَذْبَحُ دَجَاجَةً ، كُلَّمَا تَقَدَّمَ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ . قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله رجال الصحيح . وصححه الألباني .
وقال جُنْدُبُ رضي الله عنه : مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ . رواه البخاري .
قال ابن حجر : وهذا لو لَم يَرِد مُصَرَّحًا بِرَفْعِه لَكَانَ في حُكْمِ المرفوعِ ، لأنه لا يُقال بالرأي ، وهو وعيد شديد لِقَتْلِ المسلمِ بِغيرِ حَقّ .

قال ابن القيم رحمه الله :
يا مغرورا بالأماني ! لُعِن إبليس وأُهْبِط مِن مَنْزلِ العِزّ بِتَرْكِ سَجْدةٍ واحدةٍ أُمِرَ بها ، وأُخْرِج آدم من الجنة بِلُقْمَةٍ تَنَاوَلَهَا ، وحُجِبَ القاتِلُ عنها بعد أن رَآها عِيانا بِمِلء كَفٍّ مِن دَم ، وأُمِر بِقَتْل الزاني أشْنَعِ القِتْلاتِ بإيلاج قَدْرِ الأُنْمُلَةِ فيما لا يَحِلّ ، وأُمِر بإيساعِ الظَّهْرِ سِياطًا بكلمةِ قَذْفٍ ، أو بِقَطْرَةِ سُكْر ، وأبان عُضْوًا مِن أعضائك بِثلاثةِ دراهم؛ فلا تأمَنْه أن يَحْبِسَك في النار بمعصية واحدة مِن معاصيه ، (وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) .

الجمعة 29/7/1432 هـ

إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خُطبة جمعة عن .. (الاحتفاء بالكفار) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 29-05-2016 07:11 AM
خُطبة جمعة عن .. (التعرف على الله) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 13-05-2016 09:51 PM
خُطبة جمعة .. يا صاحب الهمّ نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 10-12-2015 02:42 AM
خُطبة جمعة عن .. (تعظيم السنة) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 28-11-2015 11:58 PM
خُطبة جمعة عن (التحذير من التدخين) نسمات الفجر قسم الخُطب المنبرية 0 04-11-2014 08:28 PM


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:07 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى