الأصل هو قرار المرأة في بيتها ؛ لِقَوله تبارك وتعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) .
قال القرطبي في تفسير الآية : معنى هذه الآية الأمر بِلُزوم البيت ، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى .
هذا لو لم يَرِد دليل يخص جميع النساء ، كيف والشريعة طافِحة بِلُزوم النساء بيوتهن ، والانكفاف عن الخروج منها إلاَّ لِضرورة . اهـ .
وقال ابن كثير في تفسير الآية : هذه آداب أمَر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ونساء الأمة تَبَع لهن في ذلك . اهـ .
وقال ابن الملقِّن في قوله عليه الصلاة والسلام : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " :
فيه دلالة على استقرار المرأة في بَيْتِها ، وأن لا تَخْرُج منه إلاَّ لِمَصْلَحة شَرعية ، وأن تَرْجِع إليه بعد فَراغِها منه . اهـ .
ثم إن كثرة الخروج تُنافي الحياء .
قال عمر رضي الله عنه في قوله تعالى : (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال : ليست بِسَلْفَع من النساء خرّاجة ولاّجة ، واضِعة ثوبها على وجهها .
قال ابن كثير عن إسناد هذا القول عن عمر رضي الله عنه : هذا إسناد صحيح .
قال ابن منظور : السَّلْفَعةُ : البَذيَّةُ الفَحَّاشةُ ، القَلِيلةُ الحَياءِ .
ثم إذا عَمِلَت مِن أجل الحاجة ؛ فيشترط العلماء لذلك شروطا ، منها :
1 – أن تخرج غير مُتَجَمِّلة ، ولا مُتطيّبة ؛ لا فاتنة ولا مُفْتَتِنَة . فإن أصرّت على المخالفة ، فيجب على وَلِيها منعها مِن الخروج .
2 – أن لا يكون في العمل ولا في الذهاب إليه مُنكر ؛ مِن اختلاط أو خلوة بالأجنبي ، فإن تضمّن العمل أو الذهاب إليه شيء مِن ذلك ؛ فيَحرُم عليها حينئذ الخروج للعمل .
3 – أن لا يكون العَمل مُحرَّم في نفسه ، كالعمل في المصارف الربوية ، وحانات الخمور ، ونحوها .
4 - أن لا يترتّب على ذلك إهمال زوجها وأولادها بيتها ؛ لأن للمرأة رسالة أسمى مِن مُجرّد العمل ، وكسب المال .
5 – أن لا يكون خروجها ليلا ، لِخطورة ذلك .
قال ابن الملقِّن في مسألة خروج المرأة إلى المساجد :
وقال بعض العلماء : لا تخرج إلاّ بخمسة شروط :
1 – أن يكون ذلك للضرورة .
2 – أن تَلبس أدنى ثيابها .
3 – أن لا يظهر عليها الطيب ، وفي معناه البخور .
4 – أن يكون خروجها في طرفي النهار .
5 – أن تمشي في طرفي الطريق دون وسطها ؛ لئلا تختلط بالرجال. وفي صحيح ابن حبّان من حديث أبي هريرة مرفوعًا : " ليس للنساء وسط الطريق " .
ثم قال ابن الملقِّن :
وزاد بعضهم :
أن لا تكون ممن يُفتَتن بها .
وأن لا تكون ذات خلخال يُسمع صوته ، وفي معناه الحذاء الصَّرْصَر ، والإزار المقعقع الذي يوجب رفع الأبصار إليها بسببه .
وزاد بعضهم أيضًا : أن لا تَخاف في طريقها مفسدة .
وزاد بعض المتأخرين مِن المالكية على وجه البحث : أن لا تَرفع صوتها مِن غير ضرورة ، وأن لا يَظهر منها ما يجب سَتره .
والذي ينبغي في هذه الأزمان : المنع مطلقًا إلاّ أن تكون عالمة عاملة لا يُفتتن بها . اهـ .
يُضاف إلى ذلك : استئذان الزوج ، إذا كانت ذات زوج ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها . رواه البخاري ومسلم .
ففيه إشارة إلى عِظم حق الزوج ، وأن المرأة لا تَخرج مِن بيتها إلاّ بإذن زوجها ، حتى ولو كان هذا الخروج إلى الصلاة .
وأن لا يكون خُروجها من بيتها على حِساب ما هو أهم ، وهو تربية أولادها .