نسمات الفجر
الصورة الرمزية نسمات الفجر

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 19
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 3,356
بمعدل : 0.65 يوميا

نسمات الفجر غير متواجد حالياً عرض البوم صور نسمات الفجر


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسم أراشيف الفتاوى المكررة
افتراضي هل حديث مسلم " تطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " ضعيف ؟
قديم بتاريخ : 01-04-2016 الساعة : 07:59 AM


شيخنا الحبيب بورك فيكم
في صحيح مسلم :
و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ قَالَ يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ.

البعض يضعف هذا الحديث ويقول بأن علته تدور حول " أبو سلام ممطور الحبشي "
فأبو سلام لم يسمع من حذيفة فروايته عنه مرسلة كما نص عليه غير واحد من الأئمة والمرسل من أقسام الضعيف ،
قال ابن حجر رحمه الله:
ممطور الأسود الحبشي أبو سلام ثقة يرسل من الثالثة بخ م 4
وفي الكاشف(5623 ) ممطور أبو سلام الأسود عن ثوبان وحذيفة والنعمان بن بشير وعنه ابنه سلام وحفيده زيد والأوزاعي وما أراه لقيه قال أبو مسهر سمع من عبادة قلت غالب رواياته مرسلة ولذا ما أخرج له البخاري .أهـ
وقال أبو سعيد العلائي في جامع التحصيل في أحكام المراسيل :
ممطور أبو سلام الحبشي روى عن حذيفة وأبي مالك الأشعري وذلك في صحيح مسلم
وقال الدارقطني لم يسمع منهما.
إضافة إلى أن الحديث قد عارضه ما هو أصح منه وهو :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِى قَالَ فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى قَالَ قَاتِلْهُ . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِى النَّارِ.أخرجه مسلم
فالحديث السابق قد عارض عبارة " وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " وذلك من وجهين:
1- سند الأول مرسل وسند الثاني صحيح متصل ، فيقدم المتصل على المرسل.
2- في الحديث الثاني " إن جاء رجل " ورجل نكرة تفيد العموم يدخل بها الأمير وغيره ، ولا يصح تخصيص هذا العموم بزيادة شاذة ضعيفة لا يعول عليها.
فما قول فضيلتكم حفظكم الله



الجواب :

الجواب :

وبارك الله فيك وحفظك ورعاك .

هذه جُرْأة على الصحيح ، وطريقة النقد هذه ليست مِن طُرُق أهل العِلْم الراسخين ، بل هي أقرب إلى طُرق أهل الأهواء لِرَدّ الأحاديث الصحيحة لِحاجات في نفوسهم !

والحديث مُتّفق عليه مِن طريق أَبي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ – فَذَكَرَه بِنحوه – ، وليس فيه اللفظ المذكور .

ومِن المتقرِّر عند أئمة هذا الشأن أن الْمُرْسَل إذا اعتضد مِن وَجْه آخر أنه يَتقوّى به ، فكيف إذا كان في الصحيح ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والْمُرْسَل إذا عَمِل به جمهور الصحابة يحتج به الشافعي وغيره . اهـ .
وقال ابن القيم : وَالْمُرْسَلُ إذَا اتّصَلَ بِهِ عَمل ، وَعَضَدَهُ قِيَاسٌ ، أَوْ قَوْلُ صَحَابِيّ ، أَوْ كَانَ مُرْسِلُهُ مَعْرُوفًا بِاخْتِيَارِ الشّيُوخِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ الرّوَايَةِ عَنْ الضّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يَقْتَضِي قُوّتَهُ ؛ عُمِلَ بِهِ . اهـ .

ولم يَنْفَرِد به " ممطور " عن حذيفة ؛ فقد تابَعَه سُبَيْع بن خَالِد ، حيث رواه أبو داود الطيالسي والبزار والحاكم – وصححه – كُلّهم من طريق قَتَادَةَ ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : خَرَجْتُ إِلَى الْكُوفَةِ زَمَنَ فُتِحَتْ تُسْتَرُ لأَجْلِبَ مِنْهَا بِغَالاً ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا صَدْعٌ مِنَ الرِّجَالِ تَعْرِفُ إِذَا رَأَيْتَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ رِجَالِ الْحِجَازِ ، قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، وَقَالُوا : مَا تَعْرِفُ هَذَا ؟ هَذَا حُذَيْفَةُ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْخَيْرَ الَّذِي أَعْطَانَا اللَّهُ يَكُونُ بَعْدَهُ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : السَّيْفُ قُلْتُ : وَهَلْ لِلسَّيْفِ مِنْ بَقِيَّةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ قَالَ : جَمَاعَةٌ عَلَى فِرْقَةٍ ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ، وَإِلاَّ فَمُتْ عَاضًّا بِجِذْلِ شَجَرَةٍ .

فالحديث صحيح بلا ريب ، قد اعتضد مِن غير وَجْه ، هذا على افتراض أن رواية " ممطور " عن حذيفة مُرْسَلَة .

وما قيل عن ممطور أبي سلام غير صحيح ؛ فقد قال المزي في ترجمته :
ممطور أبو سلام الأسود الحبشي ... روى عن ثوبان (ت ق) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم والحارث بن الحارث الأشعري (ت س) والحجاج بن عبد الله الثمالي وحذيفة بن اليمان (م) يُقَال مُرْسَل . اهـ .
وصِيغة (يُقَال) صِيغة تضعيف ، وليست على سبيل الْجَزْم .
فكيف يسوغ تضعيف حديث في صحيح مسلم بِمجرّد صيغة تمريض ؟!
وذَكَر الذهبي في " الكاشف " أن ممطورا هذا يروي عن حذيفة رضي الله عنه .
وقال في السِّيَر : حَدَّثَ عَنْ : حُذَيْفَةَ ، وَثَوْبَانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَأَبِي ذَرٍّ ، وَعَمْرِو بنِ عَبَسَةَ ، وَكَثِيْرٌ مِنْ ذَلِكَ مَرَاسِيْلُ ، كَعَادَةِ الشَّامِيِّيْنَ يُرْسِلُوْنَ عَنِ الكِبَارِ . اهـ .

وعبارة الذهبي هنا دقيقة ، فليس كل ما رواه عن أولئك مُن الْمَرَاسِيل ، بل كثير منه مَرَاسيل ، وفَرْق بين العِبارَتين .
ومعلوم أن أصحاب الصحيح يَنْتَقُون من روايات الراوي .

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه ليس في معنى حديث حذيفة رضي الله عنه ، حتى يُضعَّف به .

فإن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في اعتداء رجل ، وهو في حُكم الصائل ، مثل : اللص ونحوه .
وحديث حذيفة رضي الله عنه في اعتداء الأمير ، ومَن في حُكمه .
ومعلوم الفرق بين الاثنين ، وبين الحالين .
فالأول لا مصلحة في السكوت ، بل المصلحة في مُدافعته .
والثاني : المصلحة في الصبر ، وقد دلّت الأحاديث على هذا المعنى .
ففي مُبايعته عليه الصلاة والسلام لأصحابه على السمع والطاعة . قال عُبادة : في مَنْشَطِنا ومَكرهنا ، وعُسرنا ويُسرنا ، وأثَـرَةٍ علينا ، وأن لا نُنَازِع الأمر أهله إلاّ أن تَرو كُفُرا بواحا عندكم من الله فيه برهان . رواه البخاري ومسلم .
قال عليه الصلاة والسلام : ستكون أثَـرَة ، وأمور تنكرونها . قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال : تُؤدّون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم . رواه البخاري ومسلم .

وكَما في أزمنة الفِتَن .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ لأبي ذر : يَا أَبَا ذَرٍّ . قال : قُلْتُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ .
قَالَ : كَيْفَ أَنْتَ إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ الزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ .
قال : قُلْتُ : مَا خَارَ اللَّهُ لِى وَرَسُولُهُ .
قَالَ : عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ .
قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ آخُذُ سَيْفِي وَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي ؟
قَالَ : شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذًا .
قال : قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي ؟
قَالَ : تَلْزَمُ بَيْتَكَ .
قال : قُلْتُ : فَإِنْ دُخِلَ عَلَيّ بَيْتِي ؟
قَالَ : فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

والسمع والطاعة للأمير الْمُسْلِم لِمَا في ذلك مِن المصلحة ، وإن جَارَ على بعض الناس ، ولذا كان مِن الصحابة مَن أدْرَك زمن الحجاج ، وكانوا يَسمعون له ويُطِعيون ، وهو أمِير عليهم ، ولم يكن هو خليفة المسلمين .

ومَن لم يصبِر على ظُلْم الْحَجَّاج وخَرَج عليه : ابن الأشعث ومَن معه مِن أهل العِلْم والفضل ، وحصل في ذلك الخروج مفاسِد ، ولذلك سُمِّيَت عند العلماء : فِتْنَة ابن الأشعث !

قال ابن أبي العزّ في " شرح الطحاوية " : دَلَّ الْكِتَابُ والسنة على وُجُوبِ طَاعَة أُولِي الْأَمْرِ، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَة ، فَتَأَمَّلْ قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) - كَيْفَ قَالَ : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، وَلَمْ يَقُلْ : وَأَطِيعُوا أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ؟ لأَنَّ أُولِي الأَمْرِ لا يُفْرَدُونَ بِالطَّاعَة ، بَلْ يُطَاعُونَ فِيمَا هُوَ طَاعَة لله ورسوله . وَأَعَادَ الْفِعْلَ مَعَ الرَّسُولِ للدلالة على أن مَنْ أطِاعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ، فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لا يَأْمُرُ بِغَيْرِ طَاعَة الله ، بَلْ هُوَ مَعْصُومٌ في ذَلِكَ ، وَأَمَّا وَلِي الأَمْرِ فَقَدْ يَأْمُرُ بِغَيْرِ طَاعَة الله ، فَلا يُطَاعُ إِلاّ فِيمَا هُوَ طَاعَة لله ورسوله .
وَأَمَّا لُزُومُ طَاعَتِهِمْ وَإِنْ جَارُوا ؛ فلأنه يَتَرَتَّبُ على الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ جَوْرِهِمْ ، بَلْ في الصَّبْرِ على جَوْرِهِمْ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمُضَاعَفَة الأُجُورِ ، فَإِنَّ الله تعالى مَا سَلَّطَهُمْ عَلَيْنَا إِلاّ لِفَسَادِ أَعْمَالِنَا ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ ، فَعَلَيْنَا الاجْتِهَادُ بالاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَة وَإِصْلاحِ الْعَمَلِ . قَالَ تعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ، وَقَالَ تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ، وَقَالَ تعالى : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) . (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . فَإِذَا أَرَادَ الرَّعِيَّة أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ ظُلْمِ الأَمِيرِ الظَّالِمِ فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ . اهـ .

وأوْرَد الشيخ الألباني في " الضعيفة " حديثا في آخره الحثّ على الصبر والكفّ عن أمراء الْجَور ، ثم قال رحمه الله : ولا بد لي بهذه المناسبة - إتمام الفائدة من التذكير بأن في آخر الحديث مِن الحض على الكف عن قتال الأمراء وبالصبر على ظلمهم ، قد جاء فيه أحاديث صحيحة في "الصحيحين" وغيرهما ، ولذلك فلا يجوز الخروج عليهم وقِتالهم ، ليس حُبًّا لأعمالهم ، وإنما دَرءا للفتنة ، وصبرا على ظلمهم في غير معصية لله عز وجل . اهـ .

وقد قال بعض الناس عن حديث عن طاعة ولي وإن جلد ظهرك .. : إن هذا يُناقض القرآن ؛ ﻷن الله يأمر بالقسط ، وليس بهذا المذلة للولي الظالم ..
والجواب عنه مِن عِدّة وُجوه :
الأول : أن مثل هذا الأمر لا يُمكن أن يخفى على العلماء حتى يأتي مَن يستَدْرِك عليهم بعد أكثر مِن ألف سنة !
فالعلماء لهم عناية بالغة في نقد الْمُتون ، كما لهم عناية بالغة في نقد الأسانيد .

الثاني : أن في ادِّعاء التناقض بين القرآن والسنة سُوء أدب مع النصوص ، والواجب على المسلم تعظيم النصوص ، واتهام عقله وفهمه ، كما قال ابن القيم رحمه الله .
والواجب الْجَمْع بين النصوص ، وعدم ضَرب بعضها ببعض ، فإن أشكل على المسلم فهم شيء منها ؛ فليَرِجع إلى أهل العِلم ، ويسأل سُؤال مُسترشِد ، لا سؤال متعنّت .

الثالث : أن هذا ليس لأجل الولي الظالِم ، وإنما هو لأجل جَمْع الكلمة ، وتوحيد الصف ، وحقن الدماء ؛ فارتُكِبَت المفسدة الصغرى دَفعا للمفسدة الكبرى .
وهذا تدلّ عليه أصول الشريعة .
وجَمْع الكلمة ، وتوحيد الصف ، وحقن الدماء ؛ مِن مقاصِد الشريعة .
ومِن هنا : أُمِرنا أن نسمع ونُطيع لِمن تولّى أمرنا ، وإن كان عبدا حبشيا ، ليس أهلا للولاية .

وأمَر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة – التي هي أعظم الفرائض العَمليّة – خَلف أئمة الجور ، فقال عليه الصلاة والسلام : ستكون أمراء ، فتعرِفُون وتُنْكِرون ، فمن عَرَف بَرئ ، ومن أنكر سَلِم ، ولكن من رضي وتابع . قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا . ما صَلّوا . رواه مسلم .

وأمَر عليه الصلاة والسلام بالصلاة خلف مَن يُؤخِّرون الصلاة عن وقتها ، فقال : قال : إنه ستكون عليكم أمراء يُؤخِّرون الصلاة عن ميقاتها ويخنقونها إلى شَرَق الموتى ، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك فَصَلُّوا الصلاة لميقاتها ، واجعلوا صلاتكم معهم سُبحة . رواه مسلم .

وصَبْر الواحد مِن الأمّة على الْجُور ، وتحمّله الظُّلْم خير مِن انفلات الأمر ، ووقوع السيف ، وسفك الدماء ، وانتهاك الأعراض .
فصَبْر الواحد مفسدة صُغرى .
وانفلات الأمر ، ووقوع السيف ، وسفك الدماء ، وانتهاك الأعراض ؛ مفسَدة كُبرى .

وقد فَهْم العلماء هذا ، فصَبَروا على ظُلْم أئمة الجور ، حتى مع سَفك دماء أبرياء .
ولا يَخفى ما وقع للعالِم الجليل سعيد بن جُبير ، وهو مِن أئمة التابعين ، وما وقع للإمام مالك ، وهو إمام دار الهجرة في زَمَنه ، وما وقع للإمام أحمد ، وهو إمام أهل السنة في زَمنه ..
وغيرهم كثير .

الرابع : أن الصبر المأمور به ما لم يكن في معصية .
رَوى ابن أبي زَمَنِين مِن طريق سويد بن غَفَلة قال : أخذ عُمر بيدي فقال : يا أبا أمية إني لا أدري لعلنا لا نلتقي بعد يومنا هذا ، اتق الله ربك إلى يوم تلقاه كأنك تراه ، وأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا مُجَدّعا ، إن ضَرَبك فاصبِر ، وإن أهانك فاصبر ، وإن أمرك بأمْرٍ يُنقِص دِينك فقُل : طاعة دمي دون ديني ، ولا تفارق الجماعة .
ورَوَى من طريق محمد بن المنكدر قال : لَمّا بُويع لِيزيد بن معاوية ذَكَر ذلك ابن عمر فقال : إن كان خيرا رَضِينا ، وإن كان شرا صَبَرْنا .

وهنا :
كيف نجمع بين المنع من الصلاة خلف الأحباش وحديث " صلوا خلف كل بر وفاجر " ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=13975

خُطبة جمعة عن .. (تعظيم السنة)
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14026

والله تعالى أعلم .




المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض


إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
متى لا أسأل أهل الذكر تطبيقًا لقول النبي ﷺ "وكره لكم كثرة السؤال" ؟ نسمات الفجر قسـم الفتـاوى العامـة 0 24-01-2016 09:21 AM
هل حديث " تطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " ضعيف ؟ نسمات الفجر قسـم السنـة النبويـة 0 28-10-2014 09:47 PM
حديث "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار" وحديث "من جرّ ثوبه خيلاء" هل النهي للمتكبر فقط؟ ناصرة السنة قسـم السنـة النبويـة 0 26-02-2010 09:17 PM
شبهات حول تفسير ابن كثير "يستخدم أحاديث ضعيفة وأثر ضعيف في تفسيره" ناصرة السنة قسم القـرآن وعلـومه 0 20-02-2010 07:12 PM
هل صح عن الإمام الشافعي قوله " كنت أتصفح الورقة بين يدي الإمام مالك تصفحا رقيقاً" ؟ ناصرة السنة قسم التوبـة والدعوة الى الله وتزكية النفس 0 16-02-2010 10:29 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 12:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى