[نبض الدعوة]

في الحقيقة عندي موضوع مهم جدا لا يحتمل التأخير , وهو موضوع في غاية الخطورة إذا ثبت اعتقادي به , انتشرت في الآونة الأخيرة في بلدي الأردن واعظات داخل المساجد يقمن بإعطاء دروس الدين والنصائح للسيدات اللواتي يرغبن في تعلم ديننا الحنيف,و أخت زوجي التي ارتدت الحجاب منذ سنتين إحدى هؤلاء السيدات اللواتي يتعلمن في المساجد, والغريب في الأمر أنني تفاجأت عندما علمت بختمها للقرآن الكريم في شهر رمضان المبارك وبعد حديث مطول اكتشفت أنها تقرأ في المصحف الشريف وهي حائض فأخبرتها أنه حرام ولا يجوز لمسه من قبل الحائض أو الجنب إلا للأسباب التي أعرفها أنا وتعلمتها سابقا,لكنها أخبرتني أن الأخت الواعظة قد أجازت لهن ذلك استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع سيدتنا عائشة ونص الحديث هو ( ناوليني الخمرة من المسجد قالت فقلت إني حائض فقال إن حيضتك ليست في يدك) حيث تم شرح الحديث لهن على أساس أنه طلب منها (البردى التي كان يكتب عليها سابقا ) مكتوب عليها آيات من القرآن الكريم ,وبناء عليه اقتنعت النساء اللواتي يأخذن درس الدين أنه لا مانع من قراءة المصحف وأنت حائض ,وقد نست الأخت الواعظة أن رسول الله كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب وهو الذي يقرأه للمسلمين ويعلمهم أحكامه .
ولم يقتصر الأمر عليها فقط , حيث ناقشت الموضوع مع امرأة أخرى قريبة لنا معروفه بدينها وتدينها فأجابتني أنه صحيح من الجائز قراءة القرآن وأنت حائض ولكن يجب عليك مسك المصحف بحائل , في الحقيقة أختي حاملة المسك بحثت مطولا في الانترنت عن هذا الموضوع وتفاجأت بأن عدم المنع منتشر في كل مكان في المنتديات الأخرى مستشهدين بابن تيميه , وبصراحة لم أكتفي بذلك بل قمت بسؤال أختي والتي درست سابقا في الجامعة الشريعة الإسلامية حيث أكدت لي أنه لم تسمع قط بإجازة قراءة القرآن للحائض إلا للعلم والتعلم ,كما هو معروف لي .فيا ليت يا أختي أن تسرعي وتخبريني بالجواب الصحيح, فإذا ثبت ما أعتقده أنه حرام ولا يجوز فيا ليت لو يثار الموضوع من قبل شيخنا العزيز عبد الرحمن السحيم فهذا برأيي الشخصي خطير ومن الممكن أن يوقعنا بالمحرمات .
وأنا آسفة جدا جدا إذا أطلت عليك ولكن من أجل إعلاء كلمة الله وتوحيده .
جزاك الله كل خير وشكرا لك مقدما...



الجواب :


الخطأ في تفسير معنى حديث عائشة رضي الله عنها ، فليست الْخُمْرَة هي البردى التي كان يُكتب عليها !
وإنما هي سجادة صغيرة .
قال القاضي عياض في تعريف الْخُمْرَة : هي كالحصير الصغير مِن سَعف النخيل يُضفر بالسيور ونحوها بِقَدْر الوَجْه والكفّين ، وهي أصغر مِن المصلَّى يُصلى عليها ، سُمّيت بذلك لأنها تستر الوجه والكفين مِن بَرْد الأرض وحَرّها ، فإن كثرت عن ذلك فهي حصير . اهـ .

وقال الزمخشري : الْخُمْرَة هي السجادة الصغيرة مِن الحصير ، لأنها مُرْمَلة مُخَمَّرة خيوطها بسعفها.

وقال ابن الأثير : الْخُمْرَة هي مقدارُ ما يَضَع الرجُل عليه وجْهه في سجوده من حَصِير أو نَسِيجة خُوص ونحوه من النَّباتِ ، ولا تكون خُمْرة إلاّ في هذا المقدار ، وسُمِّيت خُمْرة لأنّ خُيوطها مَسْتُورة بِسَعَفِها . اهـ .

ولا يجوز تأويل حديث النبي صلى الله عليه وسلم مِن غير عِلْم ، ولا أن يقول الإنسان قولاً ليس له به سابِق مِن السلف .

ورحِم الله الأصمعي إذْ كان يتوقّف في تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنه مِن أئمة اللغة .
قال أبو قلابة عبد الملك بن محمد : قلت للأصمعي : يا أبا سعيد ، ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجار أحق بِسَقَبِه " ؟ فقال : أنا لا أفَسِّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن العرب تزعم أن السَّقَب اللزيق .

قال الإمام أحمد رحمه الله : إياك أن تتكلّم في مسالة ليس لك فيها إمام .

وأما قراءة الحائض للقرآن ، فهي مَحَلّ خِلاف ، والراجح جواز قراءة القرآن ، وكذلك بالنسبة للجُنُب .
قال الإمام البخاري : ولم يَر ابن عباس بالقراءة للجُنُب بأسًا . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه .
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ . وهذا عموم يدخل فيه أفضل الذِّكْر ، وهو قراءة القرآن .

قال ابن رجب : أما ابن عباس ، فقد حَكى عنه جواز القرآن للجنب غير واحد .
قالَ ابن المنذر : روينا عن ابن عباس أنه كانَ يقرأ وِرْدهُ وهو جنب ، ورخّص عكرمة وابن المسيب في قراءته . وقال ابن المسيب : أليس في جوفه ؟
وكذا قالَ نافع بن جبير بن مطعم في قراءة القرآن على غير طهارة : لا بأس به ، أليس القرآن في جوفه ؟

وليس هناك دليل صحيح صريح في مَنْع الحائض ولا الْجُنُب مِن قراءة القرآن ، بل ولا مِن مسّ الْمُصْحَف .

وسبق بسط هذه المسألة هنا :
شرح أحاديث عمدة الأحكام .. قراءة المُحـدِث للقرآن
http://saaid.net/Doat/assuhaim/omdah/029.htm

وهنا
هل يجوز للمرأة الحائض أن تسجد سجود شكر أو سجود تلاوة ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=8743


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض