راجية العفو
الصورة الرمزية راجية العفو

الهيئـة الإداريـة


رقم العضوية : 13
الإنتساب : Feb 2010
الدولة : السعودية
المشاركات : 4,421
بمعدل : 0.86 يوميا

راجية العفو غير متواجد حالياً عرض البوم صور راجية العفو


  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : قسـم العقـيدة والـتوحيد
افتراضي أرجو الإفادة عن فتاوى ابن تيمية حول تجسيم الخالِق جلّ جلاله
قديم بتاريخ : 10-10-2017 الساعة : 09:49 PM

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الجليل
جزاكم الله عنا خيرا وبارك فيكم
ما صحة هذا الموضوع
موضوع ابن تيميه وفتاواه
المتعلقه بتجسيم الخالق
ابن تيميه يقول بتجسيم رب العالمين اي له رجلين ويدين وهو مثل خلقه (حاش الله)
وكذالك يقول راى رب العالمين في المنام ولا اريد ان اقص المنام لأبن تيميه
قال أبو الفداء (ت732هـ) في تاريخه المختصر في أخبار البشر ج2/392 (حوادث سنة 705هـ) :
(وفيها) استُدْعيَ تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشق إلى مصر ، وعُقدَ له مجلس ، وأُمسِكَ وأُودعَ الاعتقال ، بسـبـب عـقـيــدتــه ، فإنه كــان يقـــول بالتجسيم على ما هو منســوب إلى ابن حنبــل. انتهى بعين لفظه
أبو الفداء معاصر لابن تيمية
ابن تيمية (ت728هـ)
أبو الفداء (ت732هـ)
أقول : لاحظ كلمة أبي الفداء : ... فإنه كان يقول بالتجسيم.
يعني جزم لا احتمال أو نسبة.
ثم لاحظ قوله بعدها : ... على ما هو منسوب إلى ابن حنبل.
فالتجسيم جزم به بخصوص ابن تيمية.
أما نسبة هذا التجسيم لأحمد بن حنبل فأخبر أنه كان منسوباً إليه.
وقصد أبي الفداء - والله أعلم - أن هذا التجسيم الذي يقول به ابن تيمية ومن لف لفّه ينسبه هؤلاء الذين يقولون به إلى الإمام أحمد بن حنبل.
هذا الموضوع موجود بموقع لاهل السنة افيدونا بارك الله فيكم
للضرورة القصوى ويعلم الله ربى ان الامر جد خطير جدا
اسأل الله ان يجعله بميزان حسناتكم وحجة لكم يوم القيامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا ، وبارك الله فيك .

هذا كذب على شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو باطل مِن وُجوه :

الوجه الأول : أن كُتُب شيخ الإسلام ابن تيمية شاهِدة على تقريره لِعقيدة السلف ، وما عليه الأئمة الأربعة ؛ مِن إثبات ما أثبته الله لنفسه مِن غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف .
ومِن كُتُب شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير عقيدة السلف : العقيدة الواسطية ، والعقيدة التدمرية ، والفتوى الحموية الكبرى ، والعقيدة الأصفهانية .

ولَمّا سُئل ابن تيمية عن قوله في الاستواء ، ما قوله في آيات الصفات ؟

قال : قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ؛ وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم ، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره . اهـ .

وكلّ مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية شاهدة بذلك ، ليس فيها حرف مما نُسب إليه ظلما وزورا .

والعقيدة الواسطية قرر فيها شيخ الإسلام ابن تيمية عقدية السلف فيما يتعلّق بالأسماء والصفات .

ولا يُعرَف ذلك القول المذكور (بالتجسيم) عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولا هو موجود أصلا في كُتُبه ، ولا كُتُب تلاميذه .

وامتُحِن شيخ الإسلام ابن تيمية بسبب هذه العقيدة التي قررها على خلاف ما كان عليه كثير من علماء عصره ، مِن تأويل الصفات !

وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ، فإنه قال في : فَكَانَ مِمَّا اعْتَرَضَ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ - لِمَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِهَا وَمِنْ الإِيمَانِ بِاَللَّهِ : الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلا تَعْطِيلٍ وَلا تَكْيِيفٍ وَلا تَمْثِيلٍ فَقَالَ : - مَا الْمُرَادُ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ ؟! ... ( مجموع الفتاوى ) .

الوجه الثاني : أن أبا الفداء لم يذكر مُستنده ولا سَنَده إلى تلك الحكاية !
فقد قال في حوادث سنة 705 هـ : (وفيها استدعي تقي الدين أحمد بن تيمية ... )
وهي تُشبه ما يُحكى عن ابن بطوطة ! مِن أنه رأى شيخ الإسلام ابن تيمية ، وحَكى عنه حكاية تُشبه هذه الحكاية !
والحقّ أن ابن بطوطة لم يلتق شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولا رآه
وذلك لأن شيخ الإسلام ابن تيمية كان مسجونا بقلعة دمشق وقت دخول ابن بطوطة دمشق !!

قال ابن كثير : قال البرزالي : وفي يوم الاثنين عند العصر سادس عشر شعبان اعتقل الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشق .
ثم ذَكَر سبب سجنه ، فقال : وهذه الواقعة سببها فتيا وجدت بخطه في السفر وإعْمال الْمُطِيّ إلى زيارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقبور الصالحين . اهـ .

وهذا يؤكِّد أن سبب سجنه ليس ما ذَكَره أبو الفداء ، ولا ما ادّعاه ابن بطوطة !

وسبب آخر لِسجنه بمصر ؛ وهو أنه كُذِب عليه ، كما ذَكَر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ، وذَكَرَه ابن كثير في " البداية والنهاية " ، وقد نُوقِش بِما في العقيدة الواسطية ، وغَلَب خصومه ، كما سيأتي ذِكْره .

الوجه الثالث : أن أقرب الناس إلى ابن تيمية هم طلاّبه ، وهم الذين أخذوا العِلْم عنه ، وكانوا أقرب الناس إليه ، وأعرف الناس بِمقالاته وعقيدته .
ومِن تلاميذه : الحافظ ابن كثير والحافظ ابن رجب والإمام ابن القيم والإمام الذهبي .

وأكثر من روى الحوادث والوقائع التي مرّ بها شيخ الإسلام ابن تيمية هو ابن كثير .
وابن كثير شافعي المذهب ، وكان يُجِلّ شيخ الإسلام ابن تيمية ويعرف له مكانته وسَعة عِلمه .

قال ابن كثير عن شيخه ابن تيمية : وأشياخنا الذين أدركناهم : جهبذ الوقت شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية .
وقال :
وفي يوم الأربعاء سابع عشر شعبان دَرَّس الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الحراني بالمدرسة الحنبلية .

وذَكَر ابن كثير ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية من ابتلاء وامتحان بسبب عقيدته ، ومَا نَالَه مِن خصومه الذين حسدوه ! وهذا أيضا ذَكَره ابن تيمية ، كما في " مجموع الفتاوى " .
قال ابن كثير :
أول المجالس الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية :
وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عند نائب السلطنة بالقصر ، وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية ، وحصل بحث في أماكن منها ، وأُخِّرت مواضع إلى المجلس الثاني ، فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي ، وتكلّم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا ، ولكن سَاقِيَته لاطَمَتْ بَحْرًا، ثم اصطلحوا على أن يكون الشيخ كمال الدين بن الزملكاني هو الذي يُحَاقِقه من غير مُسامحة ، فتناظرا في ذلك ، وشكر الناس من فضائل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني وجَوْدة ذهنه ، وحُسن بحثه حيث قاوم ابن تيمية في البحث ، وتكلّم معه ، ثم انفصل الحال على قبول العقيدة ، وعاد الشيخ إلى مَنْزِله مُعَظَّمًا مُكَرَّمًا ، وبلغني أن العامة حَمَلُوا له الشمع من باب النصر إلى القصاعين على جاري عادتهم في أمثال هذه الأشياء ، وكان الحامل على هذه الاجتماعات كتاب وَرَد مِن السلطان في ذلك ، كان الباعث على إرساله قاضي المالكية ابن مخلوف ، والشيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه ، وذلك أن الشيخ تقي الدين بن تيمية كان يتكلم في المنجبي ويَنسبه إلى اعتقاد ابن عربي ! وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يَحسدونه لتقدّمه عند الدولة ، وانفراده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطاعة الناس له ، ومحبتهم له ، وكثرة أتْبَاعه ، وقيامه في الحق ، وعِلْمه وعَمَله ، ثم وقع بدمشق خبط كثير وتشويش بسبب غيبة نائب السلطنة ، وطلب القاضي جماعة مِن أصحاب الشيخ وعزَّر بعضهم ، ثم اتفق أن الشيخ جمال الدين المزي الحافظ قرأ فَصْلا بالردّ على الجهمية مِن كتاب أفعال العباد للبخاري تحت قُبة النسر بعد قراءة ميعاد البخاري بسبب الاستسقاء ، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وشَكَاه إلى قاضي الشافعي ابن صصرى ، وكان عدو الشيخ فَسُجِن المزِّي ، فبلغ الشيخ تقي الدين فتألم لذلك ، وذهب إلى السجن فأخرجه منه بنفسه ، وراح إلى القصر فَوَجَد القاضي هنالك ، فتقاولا بسبب الشيخ جمال الدين المزِّي ، فحلف ابن صصرى لا بد أن يُعيده إلى السجن وإلاَّ عَزَل نفسه ! فأمر النائب بإعادته تطييبا لقلب القاضي ، فحبسه عنده في القوصية أياما ثم أطلقه .
ولما قدم نائب السلطنة ذكر له الشيخ تقي الدين ما جرى في حقه وحق أصحابه في غيبته ، فتألم النائب لذلك ونادى في البلد أن لا يتكلم أحد في العقائد ، ومن عاد حَلّ ماله ودمه ورتبت داره وحانوته ، فسكنت الأمور .
وقد رأيت فصلا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات .
ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر واجتمع جماعة على الرضا بالعقيدة المذكورة ، وفي هذا اليوم عَزل ابن صصرى نفسه عن الحكم بسبب كلام سمعه من بعض الحاضرين في المجلس المذكور ، وهو مِن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ، ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادة ابن صصرى إلى القضاء ، وذلك بإشارة المنبجي ، وفي الكتاب : إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية ، وقد بلغنا ما عقد له مِن المجالس ، وأنه على مذهب السلف ، وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نُسِب إليه ، ثم جاء كتاب آخر في خامس رمضان يوم الاثنين وفيه الكشف عن ما كان وقع للشيخ تقي الدين بن تيمية في أيام جاغان ، والقاضي إمام الدين القزويني ، وأن يُحْمَل هو والقاضي ابن صصرى إلى مصر ، فتوجها على البريد نحو مصر ، وخرج مع الشيخ خَلْق من أصحابه ، وبَكوا وخَافُوا عليه مِن أعدائه ، وأشار عليه نائب السلطنة ابن الأفرم بترك الذهاب إلى مصر ، وقال له : أنا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا ، فامتنع الشيخ من ذلك ، وذَكَر له أن في توجهه لمصر مصلحة كبيرة ، ومصالح كثيرة ، فلما توجه لمصر ازدحم الناس لوداعه ورؤيته حتى انتشروا مِن باب داره إلى قرب الجسورة ، فيما بين دمشق والكسوة ، وهم فيما بين باكٍ وحَزين ومتفرّج ومُتَنَزِّه ، ومزاحم مُتَغَالٍ فيه .
فلما كان يوم السبت دخل الشيخ تقي الدين غـزّة ، فعمل في جامعها مجلسا عظيما ، ثم دخلا معا إلى القاهرة والقلوب معه وبِه متعلقة ، فَدَخلا مصر يوم الاثنين الثاني والعشرين مِن رمضان ، وقيل : إنهما دخلاها يوم الخميس ، فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة عُقِد للشيخ مجلس بالقلعة اجتمع فيه القضاة وأكابر الدولة ، وأراد أن يتكلم على عادته فلم يتمكن من البحث والكلام ، وانتُدِب له الشمس ابن عدنان خَصْمًا احتسابا ، وادّعى عليه عند ابن مخلوف المالكي أنه يقول : إن الله فوق العرش حقيقة ، وأن الله يتكلم بِحَرف وصَوت ، فسأله القاضي جوابه فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه ، فقيل له : أجب ما جئنا بك لتخطب ! فقال : ومن الحاكم فيّ ؟ فقيل له: القاضي المالكي .
فقال له الشيخ : كيف تحكم فيّ وأنت خصمي ؟! فغضب غضبا شديدا وانزعج وأقيم مرسما عليه وحُبِس في برج أياما ، ثم نُقِل منه ليلة العيد إلى الحبس المعروف بالْجُبّ ، هو وأخوه شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن .
وأما ابن صصرى فإنه جدد له توقيع بالقضاء بإشارة المنبجي شيخ الجاشنكير حاكم مصر، وعاد إلى دمشق يوم الجمعة سادس ذي القعدة والقلوب له مَاقِتَة ، والنفوس منه نافرة ، وقُرئ تقليده بالجامع ، وبعده قُرئ كتاب فيه الحطّ على الشيخ تقي الدين ومُخَالفته في العقيدة ، وأن يُنَادَى بذلك في البلاد الشامية ، وأُلْزِم أهل مذهبه بمخالفته ، وكذلك وقع بمصر ، قام عليه جاشنكير وشيخه نصر المنبجي ، وساعدهم جماعة كثيرة من الفقهاء والفقراء، وجرت فتن كثيرة منتشرة، نعوذ بالله من الفتن .
وقال ابن كثير :
ثم دخلت سنة ست وسبعمائة ، استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها ، والشيخ تقي الدين بن تيمية مسجون بالجب من قلعة الجبل .
وقال :
وفي ليلة عيد الفطر أحْضَر الامير سيف الدين سلار نائب مصر القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء فالقضاة الشافعي والمالكي والحنفي ، والفقهاء الباجي والجزري والنمراوي ، وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين بن تيمية من الحبس ، فاشترط بعض الحاضرين عليه شروطا بذلك ، منها : أنه يلتزم بالرجوع عن بعض العقيدة ، وأرسلوا إليه ليحضر ليتكلموا معه في ذلك ، فامتنع من الحضور وصمم ، وتكررت الرُّسُل إليه سِتّ مرّات ، فصمم على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم ولم يَعِدْهم شيئا ، فطال عليهم المجلس ، فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين .

وقال أيضا :
ثم دخلت سنة سبع وسبعمائة ، استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها، والشيخ تقي الدين بن تيمية معتقل في قلعة الجبل بمصر ... وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر اجتمع القضاة بدر الدين بن جماعة بالشيخ تقي الدين بن تيمية في دار الاوحدي من قلعة الجبل، وطال بينهما الكلام ثم تَفَرَّقا قبل الصلاة ، والشيخ تقي الدين مصمم على عدم الخروج من السجن ، فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول جاء الأمير حسام الدين مهنّا بن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه وأقسم على الشيخ تقي الدين ليخرجنّ إليه ، فلما خرج أقسم عليه ليأتين معه إلى دار سلار ، فاجتمع به بعض الفقهاء بدار سلار وجرت بينهم بحوث كثيرة .ثم فَرَّقَتْ بينهم الصلاة ، ثم اجتمعوا إلى المغرب وبات الشيخ تقي الدين عند سلار، ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم السلطان جميع النهار ، ولم يحضر أحد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير، أكثر من كل يوم ، منهم الفقيه نجم الدين بن رفع وعلاء الدين التاجي ، وفخر الدين ابن بنت أبي سعد ، وعز الدين النمراوي ، وشمس الدين بن عدنان ، وجماعة من الفقهاء وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار ، بعضهم بالمرض ، وبعضهم بغيره ، لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم والأدلة ، وأن أحدا من الحاضرين لا يُطيقه ، فَقَبِل عُذرهم نائب السلطنة ولم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم أو بفصل المجلس على خير، وبات الشيخ عند نائب السلطنة ، وجاء الأمير حسام الدين مهنا يُريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق ، فأشار سلار بإقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه ، وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه .

واستمر الشيخ في الحبس يُسْتَفْتَى ويَقْصده الناس ويزورونه ، وتأتيه الفتاوى المشكلة التي لا يستطيعها الفقهاء من الأمراء وأعيان الناس ، فيكتب عليها بما يُحير العقول من الكتاب والسنة .

ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة ، استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها، والشيخ تقي الدين قد أُخْرِج مِن الحبس ، والناس قد عكفوا عليه زيارة وتعلُّمًا واستفتاء وغير ذلك .

وذَكَر ابن كثير في حوادث سنة تسع وسبعائة :
وفي ليلة سلخ صفر توجه الشيخ تقي الدين بن تيمية من القاهرة إلى الإسكندرية صحبة أمير مقدم ، فأدخله دار السلطان وأنزله في برج منها فسيح الأكناف ، فكان الناس يدخلون عليه ويشتغلون في سائر العلوم ، ثم كان بعد ذلك يحضر الجمعات ويَعمل المواعيد على عادته في الجامع ، وكان دخوله إلى الإسكندرية يوم الأحد ، وبعد عشرة أيام وصل خبره إلى دمشق فحصل عليه تألّم وخافوا عليه غائلة الجاشنكير وشيخه المنبجي ، فتضاعف له الدعاء ، وذلك أنهم لم يمكنوا أحدا من أصحابه أن يخرج معه إلى الإسكندرية ، فضاقت له الصدور ، وذلك إنه تمكن منه عدوه نصر المنبجي .
وكان سبب عداوته له أن الشيخ تقي الدين كان ينال من الجاشنكير ومِن شيخه نصر المنبجي ، ويقول : زالت أيامه ! وانتهت رياسته ، وقَرُب انقضاء أجله ، ويتكلّم فيهما وفي ابن عربي وأتباعه ، فأرادوا أن يسيروه إلى الإسكندرية كهيئة المنفِي ، لعل أحدا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غِيلة ، فما زاد ذلك الناس إلاَّ محبة فيه وقُرْبًا منه ، وانتفاعا به ، واشتغالا عليه ، وحُنُوًّا وكرامة له .
واتفق أنه وجد بالإسكندرية إبليس قد باض فيها وفرّخ ! وأضل بها فرق السبعينية والعربية ، فمزق الله بِقُدُومِه عليهم شملهم ، وشَتّت جموعهم شَذَر مَذَر ! وهتك أستارهم وفضحهم ، واستتاب جماعة كثيرة منهم ، وتوّب رئيسا من رؤسائهم ، واستقر عند عامة المؤمنين وخواصهم من أمير وقاضٍ وفقيه ، ومُفْتٍ وشيخ وجماعة المجتهدين ، إلاّ مَن شَذّ مِن الأغمار الجهال ، مع الذلة والصغار - محبة الشيخ وتعظيمه وقبول كلامه والرجوع إلى أمره ونهيه ، فَعَلَت كلمة الله بها على أعداء الله ورسوله ، ولُعنوا سِرًا وجَهرا ، وباطنا وظاهرا، في مجامع الناس بأسمائهم الخاصة بهم ، وصار ذلك عند نصر المنبجي المقيم المقعَد ، ونَزَل به من الخوف والذلّ ما لا يُعَبّر عنه .

والمقصود أن الشيخ تقي الدين[يعني : ابن تيمية] أقام بثغر الإسكندرية ثمانية أشهر ، مُقيما بِبُرْج مُتَّسع مَليح نَظيف ، له شُبَّاكَان ؛ أحدهما إلى جهة البحر ، والآخر إلى جهة المدينة، وكان يدخل عليه من شاء ، ويتردد إليه الأكابر والأعيان والفقهاء ، يقرؤون عليه ويستفيدون منه ، وهو في أطيب عيش وأشرح صدر .

وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول : ما رأينا مثل ابن تيمية حَرَّضنا عليه فلم نَقْدِر عليه ! وقَدَر علينا فَصَفَح عَـنّا وحَاجَجَ عَـنّا !

وقال في ترجمة الشيخ الزاهد نور الدين أبو الحسن علي بن يعقوب بن جبريل البكري المصري الشافعي ... : وقد كان في جملة مَن يُنْكِر على شيخ الإسلام ابن تيمية ، أراد بعض الدولة قتله فهرب واختفى عنده كما تقدم ، لَمّا كان ابن تيمية مُقِيمًا بِمصر، وما مثاله إلاَّ مثال سَاقِية ضَعيفة كَدرة لاطَمَتْ بَحْرًا عَظيما صافيا ، أوْ رَمْلة أرَادت زَوال جَبل ! وقد أضحك العقلاء عليه .

ولَمّا ذَكَر ابن المطهر الشيعي قال :
وقد انتدب في الرد عليه الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس بن تيمية في مجلدات أتى فيها بما يُبْهِر العقول مِن الأشياء المليحة الحسنة ، وهو كتاب حافل .

ولَمّا ذَكَر شمس الدين ابن الحريري الحنفي قال :
وكان يقول : إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فَمَن ؟ وقال لبعض أصحابه : أتُحِبّ الشيخ تقي الدين ؟ قال : نعم ، قال : والله لقد أحببتَ شيئا مليحا !

وذَكَر جنازة شيخ الإسلام ابن تيمية حتى صارت مثلا !
قال ابن كثير في ترجمة الشيخ محمد بن تمام :
وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها ، لكثرة مَن حَضرها مِن الناس رجالا ونساء . اهـ .

فتبيّن أن سبب سجنه بمصر هو ما يتعلّق بالعقيدة ، سواء ما أثبته في " الواسطية " أو ما أثبته أيضا في " الرسالة الحموية " ، وليس فيها شيء مِن التجسيم ، بل فيها إثبات صِفات الله عزَّ وَجَلّ كما أثبتها السلف .

قال الذهبي في " تاريخ الإسلام " : الإنكار على ابن تيمية كلامه في الصفات .
وفي ربيع الأول قام جماعة من الشافعية المتكلمين فأنكروا على ابن تيمية كلامه في الصفات . وأخذوا فُتياه الحموية فَرَدّوا عليه ، وانتصبوا لأذيته ، وسَعَوا إلى القضاة والعلماء ، فطاوعهم جلال الدين قاضي الحنفية في الدخول في القضية ، فطلب الشيخ ، فلم يحضر . فأمر فنودي في بعض دمشق بإبطال العقيدة الحموية ، أو نحو هذا . فانتصر له الأمير جاغان ، واجتمع به الشيخ ، فطلب من سعى في ذلك ، فاختفى البعض ، وتشفع البعض ، وضُرب المنادي ومن معه ...
وجلس الشيخ على عادته يوم الجمعة وتكلم على قوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) . ثم حضر مِن الغدّ عند قاضي القضاة إمام الدين ، رحمه الله ، وحضر جماعة يسيرة ، وبحثوا مع الشيخ في الحموية ، وحاقَقُوه على ألفاظ فيها . وطال البحث ، وقُرئ جميعها ، وبَقُوا من أوائل النهار إلى نحو ثلث الليل ، ورَضُوا بما فيها في الظاهر ، ولم يقع إنكار ، بحيث انفصل المجلس ، والقاضي ، رحمه الله ، يقول : كل مَن تكلّم في الشيخ فأنا خَصمه .
وقال أخوه القاضي جلال الدين : كل مَن تكلّم في ابن تيمية بعد هذا نُعَزِّره . اهـ .

وما شيخ الإسلام ابن تيمية إلاّ كما قيل :
حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سَعْيَه *** فالناس أعداء له وخُصوم .

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم



إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أرجو الإفادة عن فتاوى ابن تيمية حول تجسيم الخالِق جلّ جلاله ناصرة السنة قسـم العقـيدة والـتوحيد 0 17-03-2010 07:38 PM
سنّ الأضحية أقل من السن المعتبرة هل تجزيء محب السلف قسـم الفقه العـام 0 16-03-2010 09:00 PM
حول قول الغزالي ( الغناء هو كلام، حلاله حلال، وحرامه حرام ) نسمات الفجر قسـم المحرمـات والمنهيات 0 02-03-2010 05:17 PM
هل رسول الله يفوق النبي يوسف في جماله ؟ نسمات الفجر قسـم السنـة النبويـة 0 09-02-2010 09:11 PM

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 02:16 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef

يُشْترَطُ فِي حَالِ نَقْلِ الفَتَاوَى مِنْ مُنْتَدَياتِ الإرْشَادِ ذِكْرُ اِسْمِ فَضَيلةِ الشَيْخِ عَبْدِ الرَحمنِ السُحَيْمِ أَوْ ذِكْرُ اسْمِ المُنْتَدى